حياتنا اليوم

أن تكون أنت أنت!

أن تكون أنت أنت، يعني أن تتعامل مع الناس بما أنت عليه .. أن تتصرف على سجيتك وطبيعتك الأولى دون تصنع أو تكلف، قد تبدو للآخرين ساذجاً وبسيطاً، وقد تبدو متعجرفاً، أو متكبراً ومغروراً، وربما لا تكون في حقيقة الأمر واحداً من أولئك بتاتاً، سوى إنك اخترت «أن تكون أنت أنت!».

ربما تكون امرأً جاء على فطرته من الريف ولم تَشِبْه آثار المدنية، أو إنك تصر على ألاَّ تتماهى مع بعض سجايا المدن وأهلها، تعيش ببساطة وتفكر ببساطة، وقد تنخدِع أو تُخدَع ببساطة، في حين قد ينبهر غيرك ويذوب في الآخر بأكثر من بساطة، وشتان بين البساطتين.
ولعل الأمر لا يعدو أن يكون المرء قد عاش في بيئة معيَّنة وتخلَّق بأخلاقها، وكما قال شاعر العربية أبو الطيب المتنبي:

لكل امرئ من دهره ما تعودا
لسنا، بالطبع، ندعو إلى التنكر لإيجابيات المدينة أو لأوليات بيئة الحياة أو العمل الجديدة وأبجدياتها التي ينبغي على هذا القادم من أقاصي المدينة وأطرافها، يسعى في مناكبها لينهل علماً أو ليأكل من رزقه سبحانه، أن يتآلف معها، إذ لكل بيئة طبيعتها ونظامها الذي لا يمكن أن يُسمح بالحياد عنه، ولو في حدوده الدنيا.

كما إنني لست بصدد المقارنة بين الريف والمدينة وما لكل منهما وما عليهما .. وإنما هي إطلالة أردتها على طريقة العيش التي يحبذ بعضنا الظهور بها أمام الآخرين وميلها بين الطبع والتطبع.

ويذكِّرني هذا بمشاهد تلفزيونية ترسم صورة أولئك الذين يشدون بطونهم كي لا تبدو عليهم آثار السمنة والترهل أو هؤلاء اللاتي لا يوفرن فرصة لتغيير معالم أجسامهن من الوجه إلى القدمين، كي يبدون بهيئة غير التي خلقن بها وجبلن عليها، أو إجباراً للشاعر العربي ليغير مقولته الشهيرة ويعدل عن رأيه فيقول:
وقد أصلح العطار ما أفسد الدهر

ونعلم جيداً أن دائرة هذا النوع من الجدل «بين من أريد أن أكون؟ الشخص الذي أريده أنا؟ أم الذي يريده الآخرون؟» لا تنتهي ما دمنا أسرى لصناعة الانطباع لدى الآخرين مستلبين بفكرة: «الانطباع الأول هو الانطباع»، وما دمنا نسعى لإرضاء الآخر برسم الصورة الجميلة عنا لديه.

فهل يجب علينا، حقاً، التكلف كي نبدو بعين الآخر كما يريد الآخر؟

إذا وقعت في الحيرة بين أن أكون واحداً من أولئك الذين يبحثون عن أنفسهم في أعين الآخرين أو الذين يبحثون عن أنفسهم في دواخلهم، فماذا ينبغي أن أفعل؟

هذه ليست، بالطبع، دعوة لرفض التطور والتمدن أو عدم مراعاة الآخرين وبيئاتهم وهوياتهم، بقدر ما هي دعوة للتصالح بين النفس والطبع والهوية دون التنافر مع الآخر.

ولذلك، أظنني سأجد نفسي بين طريقين، أن أحب ما أكون عليه عند الآخر، وأن أتمظهر بغير ما أنا عليه، أو أن أحب نفسي كما هي، بهويتها وبجوهرها الذي يجب أن أقدِّمه للآخر، مفصحاً عنه بما ورد في الأثر من أن المرء مخبوء تحت طي لسانه، لا تحت طيلسانه، فالطيلسان / اللباس / المظهر الخارجي، لا يفصح عمَّا وراءه من حقيقة محتوى الإنسان وقيمته، بينما ينبئ اللسان كما ينطوي عليه الجنان، وهو مرآة لعقل المرء وحصافة رأيه؛ به يكبر المرء في عين الكبار، وبه يمكن أن تُستذكر الكلمة الشهيرة: آن لأبي حنيفة أن يمدّ رجليه.

أضف تعليق

التعليقات