بيئة وعلوم

ربوع الحياة في الربع الخالي

  • 26
  • 26-27-(old)
  • 26-27n
  • 28
  • 29a
  • 29b
  • 29c
  • 30a
  • 30b
  • 31a
  • 31b
  • 32a
  • 32b
  • 33a
  • 33b
  • 34
  • 35b
  • 35d
  • 35e

الربع الخالي الغالي.. موضوع استطلاع فاز بالجائزة الأولى في مسابقة القافلة الذهبية، حيث استبطن فيه كاتبه أحمد إبراهيم البوق، الباحث في المركز الوطني لأبحاث الحياة الفطرية، أعماق هذه المنطقة التي ظلت حبيسة أساطيرها، ثم كشفت عن نفسها شيئاً فشيئاً.

غياب الحياة يستدعي الحياة أكثر، يجعلها أكثر إلحاحاً، فحين تسير في بحر الرمال هذا – بأية وسيلة تختارها حتى وإن كانت طائرة صغيرة – فقد يخطر في ذهنك أمام هذا الفضاء السرمدي أن لا شيء وراء هذه الرمال سوى المزيد من الرمال.. يتدرج لونها كلما اتجهت من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي من الأرجواني إلى الأصفر فالأبيض، وباستثناء بقع خضراء صغيرة متناثرة بين الشقائق والرمال لنباتات قاومت شحّ الحياة لتعلن عن وجودها، فإن السماء صافية الزرقة لدرجة قد تجهش فيها بالبكاء، لا لأن الدموع تستدعي المطر في صحراء قاحلة هي أحوج ما تكون إليها، ولكن لأن شواهد الحياة التي أعلنت عن نفسها في هذا التيه تستحق الحياة أكثر، فحيث تندر فرص الحياة تتشبث الحياة بجذورها لتحيا أعمق، ألم يقل الروائي البرازيلي الشهير باولو كويلهو: “إن الشعور بالموت يدفعنا للعيش أكثر”.

فما هو الربع الخالي؟
الربع الخالي أكبر صحراء رملية في العالم، يقع بالكامل في شبه الجزيرة العربية وتزيد مساحته على مساحة فرنسا إذ يمتد على مساحة تزيد على 600 ألف كم2، بطول يقارب 1200 كم وعرض يقارب 640 كم، وهو يغطي المساحة ما بين الإمارات العربية المتحدة وسفوح جبال اليمن، ومن هضبة حضرموت جنوباً حتى رمال الجافورة ورمال الدهناء شمالاً. ويقع معظمه في المملكة العربية السعودية. واسم الربع الخالي قديم ورد في كتاب (الفوائد في أصول علم البحر والقواعد) لمؤلفه شهاب الدين أحمد بن ماجد في عام 895هـ، وحدد ابن ماجد الربع الخالي بأنه على مشارف مأرب والجوف، على عكس الاعتقاد الشائع بأنه ترجمة عن كتابات الأوروبيين الذين سموه The empty Quarter لأنه يشغل ربع مساحة شبه الجزيرة العربية تقريباً. ومن أسماء أجزائه القديمة: رمال يبرين (جبرين) في الشرق والأحقاف في الجنوب ووبَار في الغرب، أما أسماء أجزائه الحديثة فكثيرة ومنها عروق بني معارض في الشمال الغربي منه. وينقسم الربع الخالي من حيث الكثبان الرملية إلى ثلاث مناطق رئيسة:
1- 
شمال شرق (العروق المعترضة) وتتميز بالكثبان الهلالية الشكل.
2- 
الحواف الشرقية والجنوبية وتتميز بالكثبان نجمية الشكل.
3- 
أما النصف الغربي فيتكون من كثبان طولية تظهر بوضوح كعروق من الرمل حتى التقائها بجبال طويق (العارض).

وتمتد هذه العروق الرملية في الربع الخالي لمئات الكيلومترات طولاً وهي الأضخم، إذ يصل متوسط عرضها إلى حوالي خمسة كيلومترات والمسافة ما بين كل عرق من الرمل وآخر حوالي ثلاثة كيلومترات. وتأخذ العروق غرب الربع الخالي أسماء محلية تنسب عادة لاسم من يقطنها من القبائل أو إلى شكل العرق وبيئته. وفي جزء من هذه العروق تقع محمية عروق بني معارض شرق جبال طويق (العارض) كما أن للشقائق بين العروق أسماء محددة تتميز بها محمية عروق بني معارض ويسبق التسمية لفظة (شِقّة). ورغم أن بحر الرمال في الربع الخالي تحده من ثلاث جوانب –تقريباً- مناطق تضاريسية أكثر ارتفاعاً، إلا أنه يقع على سهل طمي منخفض ينحدر في اتجاه الشمال الشرقي والشرق بمعدل متر في الكيلومتر إلى أن يصل إلى سواحل الخليج العربي. وتعد هذه الرمال في المملكة العربية السعودية وامتدادها في الدول الأخرى السمة الجغرافية الطبيعة البارزة التي حدثت نتيجة لفترات الجفاف والرطوبة في العصور الجيولوجية القديمة.

من أين جاء بحر الرمال وكيف تكوّن؟
يمتد نطاق الأراضي الجافة بدرجاتها المختلفة في المناطق المدارية بين درجتي عرض 30 درجة شمالاً وجنوباً وتقدر بـ 3.73% من سطح الأرض. وهناك 18 دولة تقع أراضيها جميعاً في حيز الأراضي الجافة منها المملكة العربية السعودية ومصر وموريتانيا و49 دولة يقع جزء منها في الأراضي الجافة. وتظهر صور الأقمار الصناعية للعالم العربي الذي يشغل لمساحة تقارب 14 مليون كم2 أن 64% من أراضيه صحارى وأراضٍ جافة. والتحول عموماً في مناخ الأرض من فترات مطيرة إلى جافة يرجع لظواهر وتغيرات كونية تنعكس تغيرات مناخية لا مجال للدخول في تفاصيلها. ولكن هذه التغيرات تتصف بالبطء والمدى الزمني الواسع. والجفاف صفة جغرافية لمناطق من العالم تكون فيها موارد الماء من التساقط أقل من كمية الماء التي يمكن أن تذهب بها قوى التبخر. وتتسم النطاقات الجافة بتهابط كتل الهواء، أي تحركها من الارتفاعات العليا إلى الأسفل، وهي ظاهرة تسبب ارتفاع الحرارة وتقلل سقوط المطر، وتوجد هذه النطاقات في القارات جميعاً.

ولا يكفي المناخ الجاف وحده لتكوين بحار الرمال، فالشروط الرئيسة لتراكم الرمال المنقولة بالرياح تتمثل في أنظمة رياح قوية ومصدر للرواسب وتضاريس متنوعة تؤدي للإرساب. وقد دلت دراسات الكربون المشع التي أجريت سنة 1976م إلى وجود جيلين من البحيرات العذبة في الجزءين الأوسط والغربي من حوض الربع الخالي. نشأ الجيل الأول قبل 17 – 21 ألف سنة ثم الجيل الثاني قبل 6 – 9 آلاف سنة. ثم تسارعت وتيرة الجفاف. وللرمال في الربع الخالي عموماً مصدران: قارية وبحرية. الأولى مصدر للرمال في الاجزاء الغربية منه، وتأتي من الدرع العربي عن طريق وادي الدواسر ووادي حُبُونا ووادي نجران، وكذلك من جبال طويق والطمي القادم من الجبال العالية لجنوب اليمن ومن جبال عُمان إضافة إلى حوض الربع الخالي نفسه المليء بالصخور الفتاتية ضعيفة التماسك وتتميز بلونها الأحمر المتأثر بأكسيد الحديد، وهي رمال منبته، ولذا فهي أكثر ثباتاً من النوع الثاني. والرمال البحرية مصدر للرمال في الجزء الشرقي للربع الخالي وهي رمال بيضاء خشنة ملحية مصدرها البحر. إذ تقدم مستوى البحر وتراجع خلال العصور الجليدية المتكررة، وخلال آخر عصر جليدي تحول الخليج العربي إلى أرض منخفضة يابسة يجرى فيها نهر شط العرب لمسافة 800 كم حتى ينتهي عند حافة خليج عمان التي تقع اليوم على عمق 110 أمتار.

وصل البحر إلى مستواه الحالي قبل حوالي ألف عام بعد انحسارات متتالية، دفعت الرياح خلال تلك الفترات الجيولوجية رمال البحر إلى حوض الربع الخالي. ومعظم هذه الرمال غير منبتة وحركتها أسرع من الرمال القارية، ومكوناتها مفككة يسهل انسيابها. وتمتد في أراضي المملكة العربية السعودية أربعة بحار رملية رئيسة هي الربع الخالي والنفود والدهناء والجافورة، وتشكِّل ثلث مساحة المملكة التي تقارب الميلوني كيلومتر مربع.

كيف تمت استعادة الحياة في الصحراء؟
شكّل بحر الرمال في الربع الخالي سوراً منيعاً في وجه الغزاة الذين خارت قواهم على أطرافه، وتحدياً للمستكشفين. فحتى نهاية الثلث الأول من القرن العشرين لم يتمكن أحد من الرحالة الأوروبيين من اجتيازه، حتى قام الرحالة البريطاني (برترام توماس) في عام 1930م بعبور الربع الخالي من الجنوب إلى الشمال. ولأن معاصره الرحاله الشهير (جون فيلبي) كان يخطط لعبور الصحراء نفسها، فقد قام بعد بضعة أشهر برحلة مماثلة ولكن بالاتجاه المعاكس من الشمال إلى الجنوب. وسجل برترام وقائع رحلته في كتابه (بلاد العرب السعيدة) وكذلك فعل فيلبي صاحب القائمة الطويلة من المراجع الجغرافية للجزيرة العربية. وبعد هاتين الرحلتين بخمسة عشر عاماً جاء الرحالة البريطاني (ويلفرد ثيسجر) ليعبر الربع الخالي بين عامي 1945 – 1950م مرتين من الجنوب إلى الشمال وبالعكس، وخلال رحلة (مبارك ابن لندن) – وهذا اللقب الذي اشتهر به الرحالة ثيسجر – سجل شواهد الحياة البرية كغيره من الرحالة ونشرها فيما بعد في كتابه (الرمال العربية). وقد اصطاد ثيسجر ومرافقوه خلال رحلاتهم في الربع الخالي المها العربي وغزلان الريم والأرانب البرية والثعالب الرملية والحمر الوحشية، وفي الجبال المحيطة بالربع الخالي اصطادوا الوعول والطهر العربي. وقد شاهد ثيسجر في جنوب غرب الربع الخالي قطيعاً من 18 مهاة عربية والكثير من الغزلان، وأشار إلى أن أحد مرافقيه صاد في أوقات متفرقة أكثر من أربعين مهاة. وثيسجر الذي تنبأ بانقراض المها العربي والغزلان من الربع الخالي لضغط الصيد بالوسائل الحديثة كالسيارات والبنادق والتي بدأت بالانتشار في ذلك الوقت لم يكن بعيداً عن الصواب. فبعد حوالي العقدين، في 1972م اصطيدت آخر مهاة عربية في جَدة الحراسيس بعُمان على الأطراف الجنوبية للربع الخالي. والمصير ذاته كان قد واجه الحمر الوحشية قبل ذلك، وطيور النعام التي فقدت سجلاتها الأحيائية إلى الأبد كما يفقد مخطوط وحيد من كتاب قيمّ من مكتبة قبل أن يقرأه أحد. ألم يقل الشاعر (راينر ريلكة): إنها الخسارة الأسوأ: ضياع شيء مجهول لا يمكن تخمينه.

ومع إدراك العالم لحجم الخسارة الناجمة عن انقراض الكائنات الحية، وانخفاض رصيده من التنوع الحيوي، ازداد الاهتمام بالحياة البرية وحمايتها وتكثير المهدد بالانقراض منها وإعادة توطينها. فتأسست في عام 1986م الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها في المملكة العربية السعودية والتي استكملت إصدار منظومة المناطق المحمية عام 1990م وهو المرجع الوطني لأهم المواطن الطبيعية التي ينبغي حمايتها. وتضمنت المنظومة 108 مناطق مقترحة، منها 56 منطقة برية، و 62 بحرية منها 38 في البحر الأحمر و 24 في الخليج العربي. وقدرت مساحة هذه المنظومة بحوالي 8% من مساحة المملكة، تغطي كافة البيئات المتنوعة ومن ضمنها كانت محمية عروق بني معارض والتي أعلنت حمايتها رسمياً عام 1993م.

ماذا عن المها العربي؟
في النصف الأول من القرن العشرين عندما كان الرحالة مبارك بن لندن (ثيسجر) يعبر الربع الخالي، شاهد ومرافقوه قطيعاً من المها العربي، وعندما كان الرحالة يقترب منها بحذر مصوباً نحوها بندقيته ليصطاد أحدها، صاح أحد مرافقيه وهو يركض نحوه، فهربت المها، وظن الرحالة أن مرافقه شاهد عرباً ولا يريده أن يطلق النار، ولكن البدوي قال بهدوء: “إن المها لا تكترث لأصوات البشر”. وهو اعتقاد لا يمكن تفسيره، أثار حفيظة الرحالة ويتمسك به بعض البدو، وهذا يفسر كما يقول الرحالة: لماذا ينجح قليلون جداً في اصطياد المها. هل صاح مرافق الرحالة عنوة كي تنجو المها، وهل أن البدو الذين يعتقدون بأن المها لا يكترث لأصوات البشر يتحدرون من سلالة الشعراء الجاهليين.. النابغة الذبياني ولبيد بن ربيعة وسويد بن كاهل اليشكري وامرئ القيس؟!. أولئك الذين انتصروا للمها في معظم أشعارهم واعتبروه رمزاً للحياة في الصحراء، لا تستقيم الحياة فيها بدونه. وهل هذا يفسر كيف استطاع المها العربي وغيره من شواهد الحياة البرية أن يعبر التاريخ لآلاف السنين في الصحراء بكل دورات جفافها وقحطها حتى الثلث الأخير من القرن العشرين حين قضت عليه جاهلية هذا الأخير؟. وهل يعطي هذا دلالة أعمق لما قاله أبو عبدالله الصغير – آخر ملوك الأندلس- في مخطوطه القرمزي الذي أخرجه الروائي الإسباني أنطونيو غالا: بأن حب الحياة هو الذي يولّد الحياة؟. المها العربي الذي شغل – ذات يوم – معظم المناطق الصحراوية الرملية ومحيطها في الجزيرة العربية، بدأ بالانحسار من كثير من مناطقه الطبيعية، إذ انقطع الاتصال في الثلاثينيات من القرن الماضي (1930م) بين المجموعات الشمالية من المها في الجزيرة العربية والمجموعات الجنوبية نتيجة لضغوط الصيد وتدهور البيئات، ولم يحل عقد الخمسينيات من القرن نفسه (1950م) حتى انقرضت المجموعات الشمالية من المها العربي وكذلك من شرق الربع الخالي، وانحسر وجوده في الجنوب ما بين اليمن وعُمان. وسجل آخر مها عربي تم اصطياده في جدة الحراسيس غرب عمان ما بين بحر العرب وجنوب الربع الخالي عام 1972م، في حين أن أحد الطيارين السعوديين على طائرات عمودية ذكر أنه شاهد مجموعة من المها العربي في منطقة العروق داخل حدود المحمية الحالية سنة 1978 و1979م، وهذا ما عزز الاحتمال بأنه كان يعيش إلى وقت أقرب كثيراً من تسجيلات انقراضه التام في البرية. وقد نفذت المنظمة الدولية لصون الطبيعة عملية لإنقاذ المها العربي قبل الوصول إلى هذه النهاية المأساوية عام 1962م، حين جمعت تسعة رؤوس من المها من البرية ومن المجموعات الخاصة لدى ملوك وأمراء الخليج وتم تكثيرها ورعايتها في حديقة حيوان فيونكس بولاية أريزونا لتقارب البيئة هناك مع بيئاتها المحلية.
وصل عددها عام 1977م إلى حوالي 100 رأس، ثم بدأت منذ 1978م بالعودة إلى محميات طبيعية في الجزيرة العربية في الأردن وفلسطين وعُمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وبين عامي 1982 – 1992م استقبلت المملكة من هذا القطيع 29 رأساً للثمامة – مركز الملك خالد لأبحاث الحياة الفطرية- قرب العاصمة الرياض، و26 رأساً لمحمية محازة الصيد (160 كم شرق الطائف) ورغم أن أول إعادة لإطلاق المها العربي في بيئته الطبيعية على مشارف الربع الخالي تمت في عُمان عام 1982م في جدة الحراسيس ووصلت أعدادها المتكاثرة طبيعياً إلى 400 رأس، إلا أن هذا المشروع انهار عام 1998م بسبب عودة الصيد الجائر، واستجمع ما تبقى من المها في مسيجات لحمايته من بنادق الصيادين.

أما في المملكة العربية السعودية فقد انطلق مشروع تكثير المها العربي وإعادة توطينه مع إنشاء الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها عام 1986م. ونقلت حينها مجموعات منه من الثمامة إلى المركز الوطني لأبحاث الحياة الفطرية بالطائف، وخضع لرعاية بيطرية مكثفة وإدارة وراثية للقطيع.

وتهدف الإدارة الوراثية للقطيع إلى تجنب تزاوج الأقارب مما يفضي إلى ما يسمى بعنق الزجاجة أو الانغلاق الوراثي الذي يؤدي إلى تناقص معدل الخصوبة والحياة وخفض المقاومة ضد الأمراض مما يعجِّل بالانقراض، ولذلك فالإدارة الوراثية تهدف إلى المحافظة على ما لا يقل عن 09% من التنوع الوراثي للقطيع الأساسي من المها العربي لفترة تضمن استمرار هذا التنوع بعد التوطين لأكثر من قرنين من الزمان وإنتاج حيوانات قادرة على العيش في البريّة مما يتطلب رفع أعداد المها العربي في المحمية إلى أكثر من 250 رأساً.

وقد نوّع القطيع في مركز الأبحاث في الطائف من مصادر مختلفة من البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة والأردن والولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى المجموعات الخاصة الموجودة في المملكة وهو بذلك يعتبر أفضل قطيع منوّع وراثياً من المها العربي في العالم. ويتم اختيار الجيل الثالث من المها العربي المتكاثر في الأسر لبرنامج إعادة التوطين وذلك لضمان خلوه من الأمراض المعدية وإعداده جيداً لهذا البرنامج. وقد أعاد المركز توطين 09% من أفراد الجيل الثالث في المحميات الطبيعية داخل المملكة. وقبل إعادة التوطين يتم عزل المها الذي سينقل إلى البرية لمدة شهرين داخل مركز التكثير بالطائف، يفحص خلالها بيطرياً ويطعّم ضد الأمراض الشائعة ويفحص وراثياً للتأكد من خلوه من العيوب الوراثية،
ثم يتم تدريبه- على الأقل – لثلاثة أسابيع قبل النقل، على عمليات دخول الصناديق التي سينقل فيها، ولأن عمليات النقل من مركز التكثير بالطائف لمحمية عروق بني معارض في الربع الخالي تستغرق ما بين 6.5 و 9.5 ساعة بين نقل بري وجوي فإن المها المنقول يحقن بمخدر طويل المفعول قبل ثلاثة أيام لتهدئته وتجنب آثار الإجهاد أثناء النقل. والتي قد يتسبب في نفوقها.

وقد بدأت الهيئة برنامج إعادة توطين المها العربي لبيئاته الطبيعية في المملكة في محمية محازة الصيد التي تقدر مساحتها بـ 2244 كم2. وهي المحمية الوحيدة المسيجة بالكامل في المملكة وثاني أكبر محمية مسيجة في العالم. وقد أعيد توطين 72 مهاة ما بين 1990 و 1993م، منها 34 من المكاثرة في مركز الأبحاث بالطائف و38 جلبت من الولايات المتحدة الأمريكية والأردن ثم تكاثرت طبيعياً حتى بلغت أكثر من 500 رأس في مطلع 2003م داخل محمية محازة الصيد. ثم بدأت المرحلة الثانية بإعادة توطين المها العربي في محمية عروق بني معارض في الربع الخالي. وقد بدأ مشروع إعادة توطين المها العربي في الربع الخالي عام 1995م بنقله على دفعات بواسطة طائرات النقل العسكرية من مطار الطائف إلى مطار وادي الدواسر، ثم بالسيارات إلى محمية عروق بني معارض في الربع الخالي (كل دفعة تتراوح ما بين 9 و 10 رؤوس). وحتى 2002م نقلت 15 دفعة من المها العربي من مركز التكثير بالطائف ومن محمية محازة الصيد بلغت أعدادها 149 مهاة تكاثرت طبيعياً حتى زادت على 200 رأس من المها في مطلع 2002م وعادت تنطلق حرّه في بيئة كانت ذات يوم تبث الحياة بأطرافها.

والمها الذي يتدرج في إطلاقه داخل المحمية من مسيج صغير ويبقى فيه لبضعة أيام تحت المراقبة البيطرية، إلى مسيج أكبر يصل إلى كيلومترين مربعين يتعود على بيئة المنطقة خلال شهر ثم يطلق لفضاء الرمال. وجميع المها العربي المعاد توطينه مجهز بأطواق المتابعة عن بعد. إذ يقوم بعد الإطلاق جوالو الهيئة المكلفون بحمايته وحماية المنطقة المحمية من التعديات – وأغلبهم من السكان المحليين – بمتابعة تحركاته. ويقوم الباحثون الحقليون بدراسته بيئياً وسلوكياً. والمتابعة التي تصبح في عمق جبال الرمال في الربع الخالي شبه مستحيلة تتم بالطائرات الصغيرة إضافة إلى المتابعة الأرضية. وقد كشفت الدراسات الحقلية عن جزء من أسرار هذا الكائن العجيب الذي يعتبر رمزاً للحياة في الصحراء. إذ أن لديه القدرة على أن يمضي أشهر فيها من دون ماء ويحصل على 68% من احتياجاته المائية من النباتات الصحراوية التي يتغذى عليها في أوقات تكون معدل الرطوبة فيها أعلى خلال الفجر وفي المساء، بينما يحصل على 41% من احتياجاته المائية من تكيف فسيولوجي عبر الماء الناتج من عمليات الأيض الحيوية الداخلية. فسفينة الصحراء (الجمل) بما عرف عنه من صبر على الماء مجرد تلميذ في الصفوف الأولى في مدرسة المعلم الكبير: المها العربي.

ما العلاقة بين الريم والرمال؟
بين الريم والرمال علاقة أبعد من القرب الصوتي لاسميهما، فلغزلان الريم تكيفات مظهرية وسلوكية وفسيولوجية للعيش في البيئات الصحراوية والرملية تحديداً. وقد كانت ذات يوم واسعة الانتشار في الجزيرة العربية حتى انحصر وجودها في مجموعتين في شمال المملكة في مناطق أعلنت محميات فيما بعد هما حرّة الحرّة والخنفة. وبعض التسجيلات على الطرف الجنوبي الغربي للربع الخالي. أما توزيعها الجغرافي العالمي تاريخياً فيمتد من فلسطين والجزيرة العربية إلى شمال الصين. وقد أوضحت الدراسات الوراثية أن لذكور غزلان الريم صبغيات (كروموسومات) يتراوح عددها ما بين 31 و 33 حسب الاختلافات الفردية. أما الإناث فيتراوح عدد كروموسوماتها ما بين 30 و 31 كروموسوماً. وهذه الظاهرة العجيبة قد ترجع إلى الاختلاف بين المجموعات الشمالية والجنوبية في الجزيرة العربية أو إلى اختلافات فردية. ورغم أنها لا ترقى إلى حد تصنيفها كنوع مختلف إلا أنها قد تكون ذات أبعاد مهمة، من الناحية التكيفية على البيئات الصحراوية.
ولون غزلان الريم المائل للبياض مهم في عكس حرارة أشعة الشمس الحارقة في الصحراء. وللريم أظلاف عريضة للمشي على الرمال، ولكن قدرته في الصبر على الماء خرافية. فقد تمضي بعض الغزلان حياتها دون أن تشرب، وتكتفي بالحصول على الماء من النباتات التي تتغذى عليها ومن لعق الندى المتجمع على أجسامها في الفجر. والغزلان عموماً متكيفة سلوكياً من خلال ممارسة نشاطها الرعوي عند الشفق والغسق وأحيانا في الليل، وهي الأوقات التي ترتفع بها معدلات الرطوبة في أوراق النباتات البرية ويتجمع الندى عليها. ورغم ميل غزلان الريم إلى التجمع، فقد كانت قديماً تتحرك في مجموعات تتراوح ما بين 10 و 50 غزالاً. إلا أن هذا يحدث عند تحسن الغطاء النباتي. أما بعض الدراسات عليها في محمية عروق بني معارض فلم تسجل أكثر من سبعة غزلان في مجموعة واحدة. ومتوسط أعدادها في المجموعة يقل عن ثلاثة. وهذا تكيف ملائم مع ظروف المرعى الشحيحة في الصحراء. وعادة ما تتحرك الإناث والصغار في مجموعات، بينما تتحرك الذكور البالغة فرادى وتكوّن مناطق ذات حدود معينة خاصة بها تدافع عنها بضراوة ضد أي ذكور بالغة دخيلة، ولكنها ترحب بالإناث عند دخولها لمناطقها خلال دورتها النـزوية، وتقوم بفحص الإناث المهيآت للتزاوج بشم الخلفية، وتستجيب الإناث لهذا الفحص بالتبول، وقتها تقوم الذكور بتذوق البول الذي تفرز فيه الهرمونات الأنثوية فتتعرف على درجة استعداد الانثى للتزاوج وقد يستمر الغزل والتدافع ومحاولات الامتطاء لأكثر من أربعين دقيقة يمارس فيها الذكر عشرات المحاولات، قبل أن تتوج بالمواقعة والتلقيح، يفقد بعدها الذكر رغبته في الأنثى، وبعد فترة راحة بسيطة يبدأ بتفحص إناث أخريات أو الانشغال بطرد الذكور الدخيلة على المنطقة. ويلاحظ أن وجود دورة نزوية معينة خلال السنة يسهم في خفض الطاقة المصروفة على الجنس وتحديدها في مهمة حفظ النوع. كما أن تعليم حدود معينة لنطاق كل ذكر سائد، يسهم كذلك في خفض الصراع بين الذكور البالغة للحصول على الإناث والغذاء. ويقوم الذكر عادة بوضع حدود وعلامات لتحديد نطاقه، يستخدم فيها المعالم الطبيعية من النباتات والأحجار التي يقوم بدرسها وتسويتها، إضافة إلى البول والروث وحفر الأرض.

ورغم أن ذكور غزلان الريم السائدة تمارس نشر بولها وروثها في كافة أرجاء منطقتها وليس في الحدود فقط كما تفعل غزلان الإدمي، إلا أنها تتميز بوجود غدد محجرية تنتفخ تحت العينين خلال الدورة النـزوية بشكل واضح، وتفرز مادة طلائية سوداء تستخدمها في تعليم حدودها وصبغ النباتات والأحجار بها. ويقوم الذكر باعتلاء تلة أو مكان مرتفع لمراقبة الحدود. واللافت في الأمر أن لدى الغزلان سلوكاً يسمى الاستعراض السيادي، وهو استعراض للقوة ضد الخصوم قد تكفيه – غالباً – شر القتال، فمجرد أن يظهر قرنيه القويين واستعداده للدفاع يتراجع الخصم. وأحياناً يقترب من الخصم مهيأ للقتال لكنهما لا يشتبكان، ومهما بلغ الصراع من شدة على الحدود إلا أنه ينتهي بمجرد انسحاب الخصم من الحدود المرسومة للذكر السائد، وهو نظام يشبه حدود القبائل، ويسهم في خفض الطاقة المصروفة على الصراع بين الذكور السائدة، وكما أن للسيادة علاماتها وسلوكياتها الدالة عليها فإن الخضوع كذلك له دلالاته المتميزة بخفض الرأس والانقياد والاستسلام.

والمدهش في هذا النظام الاجتماعي أن الذكر السائد يفقد سيادته حين يخرج من حدود منطقته ويدخل حدود منطقة ذكر آخر. وقد يحدث تنافس بين الذكور عند تأسيس المقاطعات، يشتبكان فيه بالقرون لاختبار قوة كل منهما بالتدافع والتناطح. وهذا التنافس مهم كانتخاب طبيعي لإفراز الأفراد الأقوياء الذين سيؤسسون مقاطعات يلقحون فيما بعد الإناث التي ستدخلها. ويستمر الحمل في إناث الريم حوالي خمسة أشهر، تنتحي عند الوضع لتضع مولودها ثم تقوم بلعقه لتجفيفه وحمايته من التيارات الهوائية وإزالة أي أثر للدماء من على جسمه لكي لا تجذب المفترسات إليه. واستكمالاً لهذه المهمة الأمومية في حماية الرضيع تقوم الأم بالتهام المشيمة وإزالة أي أثر للدم، ثم تترك الرضيع في مجثمه لعدم قدرته على الركض في المخاطر، وتتردد عليه بين وقت وآخر لإرضاعه وفي ذلك يقول الشاعر زهير بن أبي سلمى:

بها العِينُ والارآم يمشينَ خِلفةً
وأَطلائها يَنهضنَ من كلّ مَجثمَِ

ويسمى الرضيع عند الولادة: الطلا إلى عمر أسبوعين، ثم الخشف من 3 إلى 8 أسابيع، ثم الشادن والذي يعرف مع بروز القرون الصغيرة وعمره ما بين 3 و 6 أشهر، وغذاؤه خليط بين الرضاعة والنباتات، ثم الشصرة أو الجدية أو الظبية وتكون في عامها الأول وتدخل ضمن الإناث وقد تحمل في هذا السن. والذكر في هذا السن يسمى: الشصر والجدي والظبي. أما الذكور البالغة فتسمى: الثني وتتميز بكبر حجم قرونها التي تزيد على ضعفي طول الآذان وتتميز بحلقاتها المحززة، كما تتميز ذكور غزلان الريم بانتفاخ يشبه الدراق عند منتصف الحلق. وقد أعيد إطلاق غزلان الريم في محمية عروق بني معارض عام 1995م من ثلاثة مواقع داخل المحمية على دفعتين قوامها 100 غزال أكثر من نصفها بقي في دائرة قطرها 20 كم من مواقع الإطلاق. إلا أن بعضها ذهب بعيداً حتى 200 كم. وهي مزودة بأجهزة المتابعة عن بعد وبالعلامات المميزة للمساعدة في المتابعات والدراسات الحقلية. ثم أعيد إطلاق دفعة ثانية عام 1996م قوامها 104 غزلان ريم من مواقع الإطلاق نفسها، وقد تبين من الدراسات الحقلية أن غزال الريم انتشر بشكل واسع جداً بعد الإطلاق داخل الربع الخالي وقدرت المساحات التي استخدمتها الغزلان بـ 48 ألف كم2 وهي تعادل أربعة أضعاف مساحة محمية عروق بني معارض.

وقد قدرت بعض الدراسات في المحمية متوسط نطاقات التحرك السنوي لبعض الذكور والإناث لغزلان الريم بـ 700 كم2، وتتراوح عموماً ما بين 100 و 2000 كم2. إذ تكثر الفروق الفردية في ما بينها، وقد سجلت خلال العام الثاني للإطلاق 132 ولادة برية جديدة لغزلان الريم. وعموماً لدى غزلان الريم فصلان واضحان للتوالد في الربيع من فبراير إلى أبريل وفي الخريف من سبتمبر إلى أكتوبر وحوالي ربع الولادات توائم، وهذا التوقيت في التوالد يعتبر تكيفاً بيئياً يضمن الحياة للمواليد عند وضعها في مواسم يتحسن فيها الغطاء النباتي في الصحراء.

ولم يفت ذلك على دقة ملاحظة الشاعر الجاهلي لبيد بن ربيعة حين ربط توالد الظبا بالربيع فقال:
فعلا فروعَ الايهقانِ وأطفَلت
بالجهلتينِ ظِباؤها ونعامُها

أين تنتشر غزلان الجبال (الإدمي)؟
لأن عروق الرمال من الربع الخالي في محمية عروق بني معارض تلتقي بالحاجز الجبلي لسلسلة جبال طويق فإن غزلان الإدمي كانت تنتشر قبل انقراضها عند الحافة الجبلية وفي الأودية المنحدرة من طويق إلى عروق الرمال في الربع الخالي. ورغم اشتراك غزلان الإدمي مع غزلان الريم في كثير من الصفات السلوكية إلا أن الاختلافات المظهرية والسلوكية والبيئية تميز بوضوح بين النوعين. فبينما يعيش الريم في السهول والرمال، يفضل الإدمي الأماكن الوعرة في الأودية الجبلية والمنحدرات والتلال. ورغم تميز ذكور الريم بحمية عالية في الدفاع عن مقاطعاتها فإن ذكور الإدمي تدافع عن مقاطعتها بفتور، ونادراً ما تشتبك مع الخصوم. والإدمي يحدد مناطقه بأكوام البعر والبول. ولا يفعل ذلك في كامل المقاطعة كالريم. وهناك بعض الاختلافات في السلوك الجنسي تتعلق بآلية تعرف الذكور السائدة على الإناث الشبقات، فيتميز الإدمي بشم واستنشاق خلفية الإناث فيما تتفحص ذكور الريم البول. والمواقعة عند الريم تحدث – غالباً – أثناء مشي الأنثى، أما الإدمي فغالباً ما تتوقف أنثاه للمواقعة. وعموماً، يتميز الإدمي بحجمه الأصغر ولونه المائل إلى البني وبالشريط الداكن على خاصرتيه وعلى الأنف. ويفضل الإدمي الانعزال. وقد قدر متوسط حجم المجموعات في المحمية بحوالي الاثنين لكل مجموعة، في حين أنه لم تشاهد مجموعات أكبر من ثلاثة تتحرك سوياً داخل المحمية.

وقد أعادت الهيئة إطلاق 24 غزال إدمي في المحمية مطلع عام 1996م ثم أعادت إطلاق 49 غزال إدمي في العام التالي. وتراوحت نطاقات تحركها بعد الإطلاق ما بين 9 و 310 كم. ومن مميزات الغزلان السرعة في الحركة لدرء الأخطار عن نفسها. وقد تصل سرعتها من 50 إلى 60 كم في الساعة، وقد تتضاعف ولكن لمسافات قصيرة من 100 إلى 200 م.. وتتميز الغزلان بالقفز في الهواء عند الجري، ويسمى هذا النوع من الركض (النقار) وباستثناء الخشاف الصغيرة، فإن جميع الغزلان تمارسه. وإذا كان المها العربي عند الشعراء الجاهليين رمزاً للحياة، فإن الغزلان شاركته هذه الرمزية بجدارة، وبها شبّه الشاعر الجاهلي حبيبته فقال امرؤ القيس:
وجيدٍ كجيد الَرَّئمِ ليس بفاحشٍ
إذا هي نصّته ولا بمعطّلِ

ما الذي يربط الحيوانات الأخرى بالربع الخالي؟
تميز الربع الخالي بحيوانات عاشت بين كثبان رماله، وكان أجدادنا وآباؤنا ممن قطنوا هذه الرمال أو عبروها شهوداً على انتشارها في الصحراء، إلا أن بعضها انقرض، أو أحياه من يحيي العظام وهي رميم وأنقذ في اللحظات الأخيرة من ساعات وجوده، كالمها العربي وغزلان الريم والإدمي وأعيد توطينه. وبعضها الآخر ذهب في ذمة من أفنوه كمخطوط نادر وثمين لم تتح للبشرية فرصة قراءته بعد كطيور النعام التي تغنى بها الشعراء في الجاهلية واستمرت تنعم بدفء الصحراء وتبث بأرجائها الحياة. إذ يعتقد الباحثون أن طيور النعام في الجزيرة العربية كانت على مجموعتين: شمالية في شمال النفود وجنوبية على أطراف الربع الخالي، وأن المجموعات الجنوبية انقرضت حوالي عام 1919م بينما انقرضت المجموعات الشمالية عام 1939م. ويفيد بعض الأهالي من كبار السن في وادي الدواسر أنهم كانوا يصيدون النعام ويبيعون ريشها للحجاج في مكة. ورغم أن (تحت النوع) العربي قد انقرض تماماً واسمه العلمي: Struthio comelus syriacus إلا أن (تحت النوع) الشمال إفريقي أحمر الرقبة هو الأقرب إليه، وهو المزمع إعادة توطينه في محمية عروق بني معارض واسمه العلمي S.c. camelus. وقد سجل الرحالة الذين عبروا الربع الخالي العديد من أعشاش طيور النعام ببيض كامل والكثير من قشور البيض كما أشار كذلك العديد من سكان المنطقة. وقد سجل داخل محمية عروق بني معارض عش فيه سبع بيضات لطيور النعام. وقد بدأ مشروع إعادة توطين النعام في المملكة في محمية محازة الصيد عام 1997م بـ 13 نعامة ازدادت حتى حوالي المائة في مطلع 2002م. ويدرس بعد هذا النجاح إمكانية إعادة توطينها في محمية عروق بني معارض. وإلى جانب إعادة توطين النعام في المحمية كمشروع مستقبلي، فإن الوعول الجبلية والتي كانت منتشرة على حافة جبال طويق مع الحدود الغربية للمحمية قد تدرج في هذا البرنامج وهي التي تنعم بعض مجموعاتها البرية في المملكة بالحماية الكاملة في محميتي الوعول في حوطة بني تميم والطبيق شمال المملكة. وبالرغم من إفراد معظم الاستطلاع عن كائنات فطرية انقرضت وأعيد توطينها أو مزمع إعادة توطينها فإن ذلك لا يمثل من منظومة حيواه الرمال سوى غيض من فيض. فقد سجل بالمحمية في دراسة خاصة نوعين من الثعالب وهما ثعلب الرمال (ثعلب روبل) والثعلب الأحمر. والنوع الأول الأكثر انتشاراً في الرمال لتأقلمه الجيد مع العيش فيها إذ يعتمد في 05% من غذائه على الحشرات و63% على صغار الثديات تلك التي سجل منها في المحمية أربعة أنواع من القوارض البرية. ورغم انخفاض كثافتها إلى 1 – 2 في الهكتار إلا أنها في المواسم الممطرة تكثر بشكل كبير. ويدل نطاق التحرك السنوي لثعالب الرمال في العروق والمقدر بـ 28 كم2 على توافر غذاء جيد لها في هذه الحدود طوال العام. وقد سجل كذلك وجود القط الرملي والبري. ومن زواحف الصحراء الكبيرة بالمحمية الضب والورل ونوع صغير من السحالي الرملية. إضافة إلى قائمة الطيور التي تعد قبرات الصحراء من أشهرها، وكذلك نسور الأذون أو النسور الوردية والتي تمت متابعتها بالأقمار الصناعية في حركة كبيرة داخل المملكة. وهناك قائمة طويلة من الكائنات الحية التي تنتظر الاكتشاف والتسجيل في صحراء الربع الخالي من الحشرات والزواحف. ومن يدري ربما حتى الأسماك تلك التي تنبت في برك الماء بعد هطول المطر كما ينبت العشب البري. أما القاعدة الأساسية للتنوع الحيوي في محمية عروق بني معارض فتعتمد على الغطاء النباتي الذي يوفر غذاءً لحيوانات الصحراء.

ما هو التنوع النباتي في صحراء الربع الخالي؟
في المحمية ثلاث بيئات محلية متمايزة هي منحدرات جبال طويق والأودية والشعاب ومناطق الرمال. ولانعدام التربة في المنحدرات الجبلية فهي جرداء باستثناء بعض المنخفضات التي ينبت فيها بعض الحشائش كالثمام والأثموم وصليلة والشويكة وبعض الأعشاب والحشائش الأخرى. أما الأودية المنحدرة شرقاً من جبال طويق باتجاه الرمال فهي أفضل مواقع الغطاء النباتي وتنتشر بها أشجار السمر بنوعيه واللعوت والسرح والمرخ، وتسود شجيرات الرمث والحرمل وأنواع الضريسة والسندان والعشرق والعرفج والعوسج والشويكة وشوك الضب وأنواع الضريسة والسندار والقرض والنطاش ودنيان وبرسيم الجبل والعلقة والتنوم وعدد آخر من الشجيرات والحشائش. أما المناطق الرملية فتسود فيها أشجار الغضي والقطب وبعض الحشائش الأخرى. وفي الشقائق بين عروق الرمال تنمو أنواع مختلفة من النباتات مثل الحاد والصمعاء والسمر والمرخ والسرح والطلح. وقد أحصت المسوحات الحقلية للنباتات الزهرية في محمية عروق بني معارض التي أجريت بين 1994 و 1998م تسجيل 108 أنواع من النباتات تنتمي إلى 37 عائلة، أكثر من 08% منها نباتات حولية. علماً بأنه سجل في المملكة 2253 نوعاً من النباتات الزهرية، مما يعني أن محمية عروق بني معارض تحتوي على أقل من 5% من التنوع النباتي الزهري في المملكة، وهذه النسبة الضئيلة مرشحة للارتفاع في ظل ظروف الحماية وإجراء المزيد من المسوحات وتحديداً بعد هطول الأمطار.

وأمام هذه الزهور المتناثرة، والحيوانات التي تستعيد حضورها في بحر الرمال هذا وعروقه، لا بدّ للمرء من أن يتذكر ما قاله الرحالة مبارك بن لندن (ثيسجر) عندما عبر الربع الخالي مرتين في منتصف القرن الماضي: “أعطاني الربع الخالي الفرصة لكسب التميز كرحالة، لكنني أعتقد بأنه سيعطيني أكثر من ذلك, ففي هذه القفار المترامية يمكنني أن أجد السلام المنبعث من العزلة”. هذا السلام الذي يربي في نفوس الناس الأمل بمستقبل أفضل من دون أن يكونوا سجناء أو عاطلين عن العمل كما يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش. ألم يقل أبو عبدالله الصغير – آخر ملوك الأندلس- في مخطوطه القرمزي: إن العيش دون أمل حماقة وربما محال.

————————————————————

كادر

محمية عروق بني معارض
تقدر مساحة هذه المحمية بـ 12 ألف كم2 وهي تعادل 0.56 من مساحة المملكة و2% من مساحة الربع الخالي، وتقع المحمية عند التقاء الحافة الغربية للربع الخالي مع شرق الجزء الجنوبي لنهاية سلسلة جبال طويق. وقد قسمت الخطة التشغيلية المحمية إلى ثلاث مناطق: المركزية وحظرت فيها كافة الأنشطة البشرية، والثانية وسمح فيها برعي منظم مع حظر الصيد والاحتطاب، والثالثة سمح فيها بالرعي مع حظر الصيد والاحتطاب. وتتميز هذه المحمية بتنوع بيئاتها من جبال ووديان وكثبان رملية ويتراوح ارتفاع المحمية ما بين 640 و 1031 متر عن سطح البحر فيما يرتفع جبل طويق ما بين 200 و 300 متر عن سطح الأرض. وتسمى سلاسل جبال طويق العمود الفقري لتضاريس وسط نجد لامتدادها لأكثر من ألف كم. وترتفع بالمتوسط إلى 1000 متر عن سطح البحر. ونظراً إلى تكوّن طويق من حجر جيري مقاوم للتعرية فإن الحافة الجبلية بارزة ومحافظة على شكلها وهي تطوق أو تعترض بحر الرمال في الربع الخالي من الناحية الشمالية والغربية ولذلك تسمى بطويق والعارض. وتقل معدلات الأمطار في محمية عروق بني معارض عن 50 ملم في العام وربما مرت سنوات من دون هطول الأمطار. وتصل درجات الحرارة القصوى صيفاً إلى أكثر من 50 درجة مئوية. ورغم هذه الظروف المناخية القاسية فإن السكان المحليين أكدوا لفرق المسح الميداني وجود المها العربي وغزلان الريم والادمي في العروق إلى عقود قريبة. ولذلك وضعت الهيئة برنامجاً لإعادة توطينها هناك.

أضف تعليق

التعليقات

فيصل محمدمكي الهمَّامي

جهود خارقة ومضنية تكللت بالنجاح
وبارك الله في كل من ساهم في هذا العمل الراقي الهادف
وخالص التحية للهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها
وأتمنى من كل قلبي زيارة الربع الخالي?