ديوان اليوم

ما اسمك أيها الشاعر؟ شعراء غلبت عليهم ألقابهم

  • 76
  • 79a
  • 79b

لكل شاعر سيرة.. ولا بد أن تبدأ هذه السيرة بذكر اسمه ونسبه ثم كنيته ولقبه، وغالباً ما يطغى اللقب على الاسم والنسب، فلا يُعرف الشاعر إلا به.
الأستاذة نجاح طلعت تعرض لنا باقة من هذه الألقاب..

من يستعِدْ في خاطره سجلاً طويلاً من أسماء الشعراء، ينتبه إلى أننا نكاد لا نعرف من أسماء هؤلاء غيّاثاً وعدياً وعثمان وعبدالله، بل نعرف الأخطل والمهلهل والجاحظ والعرجي.. ولا بد أن نسأل هل هذه الأسماء هي ألقاب أيضاً؟ وإذا كانت ألقاباً فما سبب إطلاقها؟

نسرع إلى فتح كتب التراجم والشعر واللغة كـ “الأغاني” و”الشعر والشعراء” وغيرهما للبحث في أصل هذه الأسماء. وما وجدناه لم يكن ليخلو من المتعة والطرافة. فهناك مواقف وحالات كثيرة كانت وراء غلبة ألقاب بعض الشعراء على أسمائهم. ولضيق المجال هنا، نتوقف أمام مجموعة شعراء غلبت عليهم ألقابهم بسبب أبيات شعر قالوها.

النابغة الذبياني
والمرقش الأكبر.. والأصغر
النابغة الذبياني: زياد بن معاوية.. بن غطفان. ولقبه “النابغة”، وفي ذلك أقوال مختلفة أشيعها أنه لم يقل الشعر حتى صار رجلاً، وأن اللقب يدل على كثرة الشعر وغزارة مادته، من قولهم نَبَغتِ الحمامةُ إذا تغنّت، ونَبَغَ الماء، ونَبَغ بالشعر، كأن له مادة من الشعر لا تنقطع كمادة الماء النابِغ. وهنا يحضرنا بيت من الشعر للفرزدق يقول فيه:
وَهَبَ القصائِدَ لي النوابِغُ إذ مَضَوْا
وأبو يزيدَ وذو القروحِ وجَرْوَلُ

والنوابغ المعنيون هم النابغة الذبياني، والنابغة الجعدي، والنابغة الشيباني. أما “أبو يزيد” فهو المخيّل السعدي، و”ذو القروح “هو امرؤ القيس، و”جرول” هو الحطيئة.

المرقّش الأكبر: هو ربيعة بن سعد شاعر جاهلي سميّ المرقّش لقوله:
الدارُ قفرٌ والرسومُ كما
رَقَّشَ في ظهرِ الأديم ِقلمْ

وكان للمرقش أخٌ شاعر أصغر منه سنًا لقب بالمرقّش الأصغر!

المثقّب العبدي والممزّق العبدي
المثقب: لقب شاعر اسمه العائذ بن محصن بن ثعلبة. ينتسب إلى قبيلة من عبد القيس في بلاد البحرين، لذلك لقّب بالعبدي. وقيل لُقّب المثقّب لقوله:
أَرَيْنَ محاسنا، وكَننَّ أُخرى
وَثَقَّبْنَ الوَصَاوِصَ للعيونِ
كننّ: أي خبّأن، والوصاوص هي ثقوب يُنظر من خلالها. وكان أبو عمرو بن العلاء يستجيدُ هذه القصيدة له ويقول: لو كان الشعر مثلها لوجب على الناس أن يتعلّموه.

الممزّق العبدي: اسمه شأس بن نَهار، وهو شاعر جاهلي. وغلب عليه لقب الممزّق لقوله في قصيدة يمدح بها أحد ملوك الحيرة، ويطلب منه إغاثته من أعدائه الساعين لقتله:
فإن كنتُ مأكولاً فَكُنْ خيرَ آكلٍ
وإلاَّ فأدركْني ولمَّا أُمَزَّقِ
فَأَنتَ عميدُ الناسِ مهما تَقُلْ نَقُلْ
ومهما تَضَعْ من باطلٍ لا يُحَقّقِ

ذو الرمّة، وعروة الصعاليك
ذو الرمة: هوغَيْلان بن عقبة. وذو الرمة لقب لقبتّه به امرأة أحبّها تُدعى مَيَّةَ. طلب منها أن تسقيه ماء، فأتته بماء، وكانت على كتفِهِ رمّة، وهي قطعة من حبل، فقالت: إشرب ياذا الرمة. ويُقال إنه لقب بذي الرمة لقوله في وصف الوَتد:
لم يبقَ منها أَبَدَ الأبيدِ
غيرُ ثلاثٍ ماثلاتٍ سُودِ
وغيرُ مرضوخِ القفا موتودِ
أشْعَثَ باقي رُمةِ التقليدِ

عروة الصعاليك: هوعروة بن الورد، شاعر وفارس وصعلوك في الجاهلية. لقّب بعروة الصعاليك، لأنه كان يجمع الصعاليك ويهتم بشؤونهم إذا أخفقوا في غَزَواتِهم. وقيل لقّب بذلك لقوله:
ولله صعلوكٌ صفيحةُ وجهِهِ
كضوءِ شهابِ القابِسِ المتنوّرِ
يُطلُّ على أعدائِهِ يزجرونَه
بساحَتهم زَجر المنيحِ المشهَّرِ

قتيل الهوى، ومسكين الدارمي
قتيل الهوى: هو المؤمّل بن جميل بن أبي حفصة وكنيته “أبوخطّاب”. أطلق عليه هذا اللقب لقوله:
قُلْنَ مَنْ ذا، فقلْتُ هذا اليماميُّ
قتيلُ الهوى أبو الخطّابِ

مسكين الدرامي: هو ربيعة بن عامر بن مضر. لقب بـ “مسكين” لقوله:
أنا مسكينٌ لِمَنْ أَنكَرَني
ولِمَنْ يعرفُني جِدُّ نَطِقْ
لا أبيعُ الناسَ عِرْضي إنني
لو أبيعُ الناسَ عِرْضي لَنَفَقْ

والجدير بالذكر أن مسكين الدارمي من سادات قومه وأشراف عشيرته وهي العشيرة نفسها التي ينتسب إليها الفرزدق. وقد هاجى مسكين الفرزدق حيناً ثمّ كفّ عن هجائِه، فكان الفرزدق يعدّ ذلك من الشدائد التي أَفلَت منها، إذ إنه لو اضطر إلى ردّ هجاء مسكين يكون قد هَجَا مَنْ ينتسب إليهم.

جِران العَوْد، ومدرج الريح، وثابت قطنة
جِران العَوْد: لا أحد يعلم أَهو شاعر جاهلي أم إسلامي. وكان قد تزوّج امرأتين فلقيَ منهما مكروهاً. فأراد تخويفهما بجران العَوْد. وهو السوط قَدَّهُ من صدر جَمَلٍ مسنٍّ فقال لامرأتيه:
خُذا حَذَراً يا حَنَّتيَّ فإنَّني
رأيتُ جرانَ العَوْدِ قد كادَ يَصْلُحُ

مُدْرِجُ الرّيح: هو عامر بن المجنون. ويُقال إنه سُمي مدرج الريح لشعر قاله في امرأةٍ كان يزعم أنه يهواها من الجن، وأنها تَسكن الهواء، وتتراءى له:
لابنةِ الجني في الجو طللْ
دارسُ الآياتِ عافٍ كالخَلَل
دَرَسته الريحُ من بين صَبا
وجنوب درَجَتْ حيناً وَطَلْ

ويقول آخرون بل سميّ كذلك، لأنه قال:
ولها بأعلى الجَزْعِ رَبْعٌ دارسٌ
دَرَجَتْ عليه الريحُ بعدَك فاستَوَى

ثابِت قطنة: هو من شعراء خراسان وفرسانهم. ذهَبَت عيْنُه، فكان يحشوها بقطنة، فَسُمّي “ثابت، قُطنة”، وقال فيه قائل:
لا يَعْرِف الناس منه غيرَ قطنتِهِ
وما سواه من الأنسابِ مجهولُ

وذلك لأن يزيد بن المهلب استعمله على بعض نواحي خراسان، ولما صَعَد المِنبر لإلقاء خطبة الجمعة لم يستطع الكلام. ويُقال أيضاً إن الشاعر ثابت قطنة هو صاحب البيت، سبق الشعراء إلى قولِه لِئلاَّ يُعيروه به.

البعيث، والمتلمس، والقطامي
البعيث: هو خداش بن بشر.. من بني تميم، وكان يُهاجي جريراً، ويعدّه بعض النقاد من أَخطبِ الناس. ولقّب بالبعيث لقوله:
تَبَعَّثَ مني ما تَبَعَّثَ بَعدَما
أُمِرَّتْ قُوايَ واستمرَّ عزيمي

أي أنه قال الشعر بعدما أَسَنَّ وكَبُرّ وضعفت قوّته، غير أن ذلك لم يؤثّر في قدرته على قول الشعر.

المتلمّس: هو جرير بن عبد المسيح. شاعر جاهلي كان يُنادم عمرو بن هند ملك الحيرة. ولُقب المتلمس لقوله:
فهذا أوان العِرْضِ جُنَّ ذبابُه:
زنابيرُهُ، والأزرقُ المتلمّسُ

العِرض: الوادي، والأزرقُ: يعني الذبابُ الأخضر

القُطامي: هو عمر بن شُيّيْم. والقُطامي، لغة، تعني الصَقْر. ولقّب بذلك لقوله:
يُحطُّهُنَّ جانباً فجانباً
حَطَّ القُطاميُّ القَطا القوارِبا

… يطول الكلام إن رغبنا في إيراد المزيد من ألقاب الشعراء. ومما يلاحظ أنّ بعض أسماء شعراء معروفين تبدو، بسبب معانيها، أقرب الى أن تكون ألقابًا. ألا نقبل الظنّ في أنّ عنترة لقبٌ غلب على اسم الشاعر إذا عرفنا أنّ عنترة في اللغة تعني الفارس الشجاع؟!

———————————————————

ديوان اليوم

آخرها سبعة أحزان
أول قريتنا
أربعُ أشجار للسرْوِ
وآخرها
سبعة أحزان
والشارع مزدحمٌ جداً
بترابٍ مُرٍّ
وبِقشٍّ ثَرٍّ
وبعشبٍ خَرَّ جميلاً
وأنينٍ مُختلطٍ بحنينٍ
للفرحِ
وأقمارٍ وكواكبَ
تسَّاقطُ
في كل بدايةِ
شهرٍ قرويٍّ
حتى منتصف الخامسِ
من أحلام الغيطانْ
رَقْمُ المنزلِ:
كلبانِ عجوزانِ
ينامان على عتباتِ الصيفِ
ويعتصمانِ بخوفهما
وقليلاً ما
ينتبهان
وأمام المنزلِ
حيطانٌ للوحشةِ
يعلوها
شباكٌ مفتوحٌ للشوقِ
تُظلِّلُهُ
أهدابُ بناتٍ
طرّزن الليلَ بكاءً
وغناءً
ومضينَ إلى
آخرِ مرمرهنِّ
يُحدّقنَ طويلاً
في أول أشجارِ السرْوِ
المكتظةِ بالريحِ
وهذا هو
تفصيل العنوان!!

——————————————

هي الريح أحلى

صباحك سُكَّرْ
ومَنٌّ وسلوى
وتمرٌ وحلوى
وهمسك عنبر
وصوتك رش الفؤاد الحزين
بقمح وزعتر
وصوتك حين أطل وجاءْ
أطل الضياءْ
وأعلنَ في رقةٍ للشراعِ
هي الريحُ أحلى
لكي يبدأ السَّفَرَ الشاعريَّ
فغنَّى وأبْحَرْ
وقال لكل البساتينِ
جودوا
بِمَوْزٍ وَلَوْزٍ
وَجَوْزٍ
وفُلٍّ
وشهدٍ مُقَطَّرْ
وقال لكل المحبين
ذوبوا
بعشقِ الجمالِ
وقولوا له
سوف نهواكَ أكثر
وقال لكل البنات استرحنَ
سيأتي إليكنَّ هذا الجميلَ
على صهوةٍ
للجوادِ المظفر
وقال لكل القرى
سوف يهمي
على شاطئ الحزنِ
نهرٌ وكوثر
……..
صباحك أخْضَرْ…!!

أضف تعليق

التعليقات