الحياة اليومية

..النوم سلامته وأمراضه

  • 62
  • 65

مقابل الضجيج الذي تثيره بعض الأوبئة والأمراض، هناك تجاهل لمسائل صحية بالغة التأثير على حياة الإنسان، ومنها النوم الذي قلّما ننتبه إلى أهميته.
الزميل أمين نجيب يحدثنا عن الدور الحيوي الذي يلعبه النوم في حياتنا، والانعكاسات الخطيرة التي يمكن أن تنجم عن نقصه، وصولاً إلى طائفة خاصة من الأمراض تعرف باسم أمراض النوم.

رغم أن النوم جزء أساسي من حياة جميع المخلوقات، ورغم أننا نحن البشر نقضي ثلث عمرنا في النوم، فإن هذا الشأن الحيوي لا يزال الأكثر عرضة للإهمال من قِبلنا ومن قِبل العلم، فحتى اليوم لا نزال نجهل ما هو النوم. وإن تمكنت بعض الأبحاث العلمية الحديثة جداً من تطوير بعض النظريات حول ما يحصل لجسم الإنسان خلال النوم، وحول ما هية النوم بشكل عام، فإن السؤال الأصعب وهو “لماذا ننام؟” لا يزال في إطار التكهنات والنظريات القديمة. والكتابات العلمية ذاتها لا تزال قليلة ومحدودة جداً، لكنها بدأت تتقدم مع تقدم علم الدماغ والأعصاب وباقي العلوم الأخرى.

ما هو النوم؟
على عكس النظريات العلمية الحديثة، كان ينظر إلى النوم عبر التاريخ على أنه حالة غيبوبة تامة تتعطل فيها جميع أعضاء الجسم البشري ووظائفه، إنه توقف النشاط الدماغي. ودخلت الأحلام في نطاق علم النفس والتحليلات الفلسفية، واعتبر فرويد أن الأحلام ما هي إلا انبعاث للمشاعر والرغبات اللاواعية، وأن أفضل أنواع النوم هي التي لا وجود للأحلام فيها. وجاء العلم الحديث ليقلب كل هذه المفاهيم رأساً على عقب.

هناك عدة نظريات حول ماهية النوم ووظيفته. وبعضها يتضارب أحياناً مع الآخر، ولكنها تجمع على أن النوم حالة من النشاط الدماغي المكثف والمعقد (عكس النظرية القديمة). وهذا النشاط المحموم الذي يشمل أيضاً الخلايا العصبية يهدف إلى تحقيق ما يأتي:

1 – 
ترتيب المعلومات المكتسبة في حالات الوعي والمفاضلة بينها وتبويبها وتنظيمها. فكما أصبح معروفاً منذ سنوات، يضم الدماغ مناطق عدة ، كل واحدة منها مختصة بنوع معين من النشاط. فالمنطقة التي تحفظ الصور مثلاً هي غير التي تختزن المشاعر والانفعالات كالخوف والشفقة. وخلال الوعي اليومي تتكدس في الدماغ عشوائياً كميات هائلة من المعلومات لا بدّ من فرزها وترتيبها. وهذا يحصل بواسطة تدفق الكالسيوم إلى الخلايا العصبية التي طرأ عليها تغير خلال استيعاب المعلومات الجديدة في حالة الوعي.
2 – 
إعادة تأهيل وصيانة وتصليح بعض الخلايا العصبية التي تكون قد أنهكت أو أتلفت خلال العمل في حالات الوعي.
3 – 
إعادة توزيع المواد الكيميائية بين مختلف الخلايا العصبية في الدماغ وبين وسائط نقلها.
4 – 
إعادة التزود بالطاقة التي استهلكت خلال الوعي.
5 – 
ضبط الساعة البيولوجية في حياة الإنسان من خلال نوعين من الهرمونات هما Melatonin و Cortisol، يفرزهما الدماغ خلال الليل أكثر من النهار، وأيضاً بالتزامن مع التغيرات في حرارة الجسم التي تصل إلى ذروتها خلال العشية، وتبدأ بالانخفاض تدريجاً، حتى يبلغ هذا الانخفاض درجة مئوية واحدة خلال الفجر. ونشير استطراداً إلى أن “الساعة البيولوجية” هي تكيّف الجسم وأعضائه المختلفة لتأدية مختلف الوظائف في أوقات معينة. فالجنس البشري مثل العديد من الأجناس الحية الأخرى ينتمي زمنياً إلى نوع متكيف مع الطبيعة عموماً، أي ينام خلال الليل، ويستيقظ خلال النهار. ولهذا السبب يجد كثير من الناس صعوبة بالغة في الإنتاج خلال الساعات المتأخرة من الليل. والتطور الكبير الذي شهده علم البيولوجيا الزمنية (CHRONOBIOLOGY) خلال السنوات الأخيرة، دفع الأطباء والباحثين إلى إعادة التفكير في مسائل عديدة تبدأ بالعمل الليلي (20 في المئة من العاملين في البلدان الغربية يعملون إما الليل بطوله وإما خلال جزء منه)، وتنتهي بالأمثال الشعبية في جميع الحضارات التي تمجّد الاستيقاظ الباكر للبالغين، مروراً بساعات الدرس المبكرة للتلاميذ. إذ أن معظم الأساتذة والمربين يعرفون أن ساعات الدراسة الأولى تشهد أكبر نسبة من التلاميذ اللا مبالين وشاردي الذهن.

مراحل النوم
تأكد مع التقدم الذي حققه علم الأعصاب والدماغ أن النوم وما يرافقه من حالات بما فيها الأحلام، هو نشاط بيولوجي في الدرجة الأولى، ينفذه الجسم على مراحل.

فقبل خمسين سنة اكتشف الباحث أوجين أزيرنسكي وهو يراقب شخصاً نائماً خلال مرحلة ما، أن هناك حركة سريعة ومتراوحة للعين، سمّاها مرحلة “حركة العين السريعة” (Rapid eye movement – REM).

و “حركة العين السريعة” هي أهم مراحل النوم الخمس. الأولى وهي النوم الخفيف، والثانية هي النوم المتوسط، والثالثة والرابعة هما النوم العميق حيث تتباطأ موجات الدماغ وتنخفض حرارة الجسم.

وللتبسيط يقسم بعض العلماء النوم إلى مرحلتين رئيستين: النوم ذو التموج البطيء (نسبة إلى الموجات الكهربائية الطويلة والبطيئة في الجسم)، ومرحلة “حركة العين السريعة” التي تتميز بنشاط عاصف في الدماغ يصحبه شلل كامل في أعضاء الجسم الأخرى حتى لا ينفذ الجسم ما يجري على صعيد الأحلام.

لقد نقض علم الدماغ الحديث وعلم الإدراك المتصل به معظم نظريات سيغموند فرويد وغيره من علماء النفس حول الأحلام وعلاقتها بعقدة أوديب أو بأية مشاعر ورغبات مكبوتة. فالأحلام هي من خصائص مرحلة “حركة العين السريعة”، رغم أنه توجد أحلام في المراحل الأخرى لكنها قصيرة جداً وبليدة بالمقارنة مع أحلام هذه المرحلة التي هي زاهية وطويلة. والغريب في الأمر أنه خلال هذه الأحلام فإن المناطق في الدماغ المتعلقة بالتفكير غير العقلاني والغريب والخيالي البعيد عن الواقعية تكون في حالات العمل الكثيف بينما تعمل مناطق العقلانية والمنطق ببطء ملحوظ. ويقول بعض العلماء أن الدماغ البشري خلال مرحلة “حركة العين السريعة” يتجاهل ما هو واضح لصالح ما هو جنوني وغير متوقع أو غريب. وقد لاحظ بعضهم أن كثيراً من المشاكل التي تحصل خلال حالات الوعي والتي تستعصي على الحل، تجد أحياناً الحل خلال أحلام هذه المرحلة. ويقول روبرت ستيكيولد من كلية الطب في جامعة هارفارد إن أحلام هذه المرحلة هي منشأ الإبداع عند الإنسان.

وتوجد عند الإنسان بعض الاختلافات في حالات النوم. فبينما تكون مرحلة “حركة العين السريعة” مرتفعة وطويلة عند الأطفال فإنها تنخفض خلال التقدم في السن. في حين أن الحيوانات تتصرف عكس ذلك. ويرى بعض العلماء أن هذا مرتبط بالطاقة المستهلة خلال حالات الوعي. وهناك ظاهرة لافتة في العلاقة بين حجم الجسم عند الحيوانات بما فيها الإنسان وساعات النوم. فبينما ينام الفأر الأبيض حوالي 18 ساعة في اليوم، ينام الفيل 3 ساعات كمعدل عام، والإنسان هو في الوسط أي حوالي 8 ساعات يومياً. واللافت أيضاً أن الدلافين وبعض الحيوانات البحرية تسبح وهي نائمة، وقد تبين أن نصف دماغها ينام والنصف الآخر يبقى في حالة الوعي وذلك لتجنب الغرق. كما أن بعض الطيور المهاجرة تنام وهي طائرة في رحلاتها الطويلة. وبينما تموت الفئران بعد ثلاثة أسابيع دون نوم فإن ذكر البطريق يستطيع أن يبقى ثلاثة أشهر من دون نوم.

وكان الكثير من المشاهير في التاريخ يعتبرون النوم وقتاً ضائعاً. فقد حاول ليوناردو دافينشي النوم 15 دقيقة كل أربع ساعات أي ساعة ونصف فقط في اليوم لكنه بعد مضي خمسة أشهر أخذ يشعر بوخز في كتفيه وحوالي رأسه ويعضّ لسانه باستمرار وبشكل مخيف. بينما كان معروفاً عن تشرشل أنه كان يحب النوم والقيلولة خلال النهار، فيروى أنه خلال أعنف الغارات الألمانية على لندن كان يواظب على هذه العادة. كما يروى أيضاً عن الإسكندر الكبير في صبيحة الحرب الفاصلة مع داريوس أنهم أفاقوه بصعوبة بالغة.. وقلة النوم، كما يقول برتراند راسل تمنعنا من أن نتذوق نكهة الحياة وحيويتها.

أمراض النوم
هناك عدة أنواع من أمراض النوم أبرزها الأرق. وهناك أيضاً لا فاعلية النوم أي ساعات النوم الحقيقية مقارنة بالساعات في الفراش – وهذا النوع هو الأكثر انتشاراً. وهناك أيضاً الاختناق (Apnea) أو انقطاع التنفس خلال النوم. وهو عبارة عن ارتخاء عضلات الزلعوم حيث تنغلق ممرات الهواء ويتوقف التنفس. والمصابون بهذا المرض يفيقون حوالي 2000 مرة في الليلة الواحدة! وهناك أيضاً مرض (Myoclonus)أو انتفاض أو ارتعاش الركبتين، وجرش الأسنان. وجميع هذه الأمراض يكمن تأثيرها السلبي في منع الدماغ من الوصول إلى مرحلة “حركة العين السريعة”.

لقد بدأت تنتشر مراكز معالجة أمراض النوم على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم المتقدم. ويحذر بعض العلماء من استعمال الحبوب المنومة. إذ وجدوا أنها بدلاً من المساعدة في طول العمر تعمل على العكس من ذلك (لأن بعضهم يعتقد أن هناك علاقة إيجابية بين طول ساعات النوم وطول العمر). ويوجد في الولايات المتحدة 140 مركزاً متخصصاً في أمراض النوم، غير أن هذا العدد لا يزال غير كافٍ على الإطلاق. ففي نيويورك، المدينة التي لا تنام، على المريض أن ينتظر حوالي الشهرين لأخذ موعد للمعاينة.

وبما أن حالات الربو وأمراض الجهاز التنفسي تتزايد في شكل مخيف في جميع أنحاء العالم، فإن بعض العلماء يرجعون بعض أسبابها إلى نوعية الفراش واللحاف والوسادة. فقد أعلن الدكتور أشلي وودكوك في اجتماع جمعية الحساسية والربو والمناعة الأمريكية أنه أجرى اختباراً على نوعين من المخدات الأول من الريش الطبيعي والآخر من المركبات الصناعية استعملتا لمدة سنتين حيث لا يوجد في المنازل أية حيوانات مدللة. وعندما أفرغت المخدات من الغبار تبين أن المخدات الصناعية تحتوي على ما بين 6 و 8 مرات أكثر من الطبيعية على غبار مواد تثير الحساسية من الحيوانات الأليفة، و 5 مرات غبار العث. ونصح باستعمال أغطية محبوكة جيداً لمنع تسرب الغبار من داخلها ويمكن غسلها.

ويقول خبراء النوم إن أفضل فراش لا يخدم أكثر من 10 إلى 12 سنة ويجب تغييره. ومعايير جودة الفراش تتصل براحة العمود الفقري والرقبة والكتفين. والفراش الأفضل هو الوسط بين الصلب واللين، وينصح بأن يسمح للجسم ذي الوضعية الجانبية أن يغرق الورك والكتفين قليلاً في الفراش مما يجعل العمود الفقري مستقيماً والعضلات مرتخية. وآخرون ينصحون بأن تنام على ظهرك وتحاول زلق يدك تحت عمودك الفقري. فإذا لم تستطع، يكون الفراش رخواً. أما إذا زلقت يدك بسهولة فيكون قاسياً. وإذا مرّت يداك والفراش لا يزال يدعم ظهرك فهو الفراش الجيد.

إلى ذلك، فإن الحضارة الحديثة سلبت من الإنسان النوم الهنيء. وتشير بعض الدراسات إلى أن معدل نوم الفرد في القرن التاسع عشر كان حوالي 9.5 ساعات، وفي القرن العشرين انخفضت هذه النسبة إلى 7.5 و 8 ساعات، وهي تنخفض أكثر فأكثر. ويذهب بعض الباحثين إلى القول إن معظم الناس ينامون ما بين 60 و 90 دقيقة أقل مما يجب.

لقد فقد الإنسان المعاصر متعة العلاقة الحميمة مع الفراش، وحلّ محلها الأرق وغيره من الأمراض. وأخذ يتزايد عدد الذين يعتبرون الفراش مكاناً للعذاب والخوف. فهل يستطيع العلم الذي أخذ يهتم حديثاً بهذه الأمراض أن يعيد إلينا النوم هنيئاً؟

——————————

كادر

كيف تنام هنيئاً
1 – حافظ على وقت معين للاستيقاظ يومياً.
2 – اجعل غرفة النوم مكاناً مريحاً، مفرحاً، وآمناً.
3 – لتكن غرفة النوم مظلمة خلال ساعات النوم.
4 – تعرض خلال النهار لأطول فترة ممكنة للضوء الطبيعي.
5 – عوّد نفسك على ساعات الجسم الطبيعية.
6 – إجعل النوم أولوية على أي نشاطات أخرى يمكن أن تصرفك عنه.
7 – يجب أن تكون غرفة النوم قليلة الألوان، تريح النظر والحس.
8 – حاول أن تفكر بالأشياء المفرحة والمريحة.
9 – إذا لم تستطع أن تغفو فلا تبق في الفراش.

————————————————————

إقرأ عن النوم

دليل النوم الهادئ

أولوية النوم وأهميته، دور النظام الغذائي والعقاقير والكافيين، فوائد التمارين الرياضية، تنظيم الوقت، أساليب الاسترخاء، الاكتئاب والقلق وصعوبات العلاقات، مشكلات النوم الناجمة عن نوبات العمل وتغير الساعة البيولوجية.. جملة مواضيع يبحثها بالتفصيل كتاب “دليل النوم الهادئ – 10 خطوات لنوم أفضل والقضاء على دائرة القلق”.

الكتاب الذي صدر بالعربية في العام الجاري 2004م، يقع في 281 صفحة وهو من تأليف الدكتور ثيموتي ج. شارب المتخصص في علاج مشكلات النوم، وسبل التحكم في الألم والقلق والاكتئاب. ترجمته وأصدرته مكتبة جرير، بعد صدوره بالإنجليزية عن دار “بانغوين” المعروفة عالمياً. وهو موجه بشكل خاص إلى الذين عانوا سابقاً من مشكلات النوم، ونسبتهم حوالي 80 في المئة من الناس، وإلى الذين يعانون حالياً من مشكلات نوم مزمنة أو طويلة المدى وتبلغ نسبتهم حوالي 30 في المئة.

ورغم أن القراءة المتأنية لكل صفحات هذا الكتاب تعتبر ضرورية لفهم قضايا النوم وتعقيدات العوامل المتداخلة ببعضها والمؤثرة فيه، فإن إخراج الكتاب جاء لافتاً يتسليط الضوء على فقرات محددة دون غيرها. وذلك من خلال وضعها في إطار خاص. وقد يكون بعض هذه الفقرات ملخصاً لتوجيه تقع تفاصيله في عدة صفحات، كما يمكن أن يكون حكمة أو رأياً فلسفياً يعترض سياق النص العام.أولوية النوم وأهميته، دور النظام الغذائي والعقاقير والكافيين، فوائد التمارين الرياضية، تنظيم الوقت، أساليب الاسترخاء، الاكتئاب والقلق وصعوبات العلاقات، مشكلات النوم الناجمة عن نوبات العمل وتغير الساعة البيولوجية.. جملة مواضيع يبحثها بالتفصيل كتاب “دليل النوم الهادئ – 10 خطوات لنوم أفضل والقضاء على دائرة القلق”.

الكتاب الذي صدر بالعربية في العام الجاري 2004م، يقع في 281 صفحة وهو من تأليف الدكتور ثيموتي ج. شارب المتخصص في علاج مشكلات النوم، وسبل التحكم في الألم والقلق والاكتئاب. ترجمته وأصدرته مكتبة جرير، بعد صدوره بالإنجليزية عن دار “بانغوين” المعروفة عالمياً. وهو موجه بشكل خاص إلى الذين عانوا سابقاً من مشكلات النوم، ونسبتهم حوالي 80 في المئة من الناس، وإلى الذين يعانون حالياً من مشكلات نوم مزمنة أو طويلة المدى وتبلغ نسبتهم حوالي 30 في المئة.

ورغم أن القراءة المتأنية لكل صفحات هذا الكتاب تعتبر ضرورية لفهم قضايا النوم وتعقيدات العوامل المتداخلة ببعضها والمؤثرة فيه، فإن إخراج الكتاب جاء لافتاً يتسليط الضوء على فقرات محددة دون غيرها. وذلك من خلال وضعها في إطار خاص. وقد يكون بعض هذه الفقرات ملخصاً لتوجيه تقع تفاصيله في عدة صفحات، كما يمكن أن يكون حكمة أو رأياً فلسفياً يعترض سياق النص العام.

أضف تعليق

التعليقات