حين أخذت الإنترنت بالانتشار على نطاق واسع توقع البعض أن تستفيد مواقعها بقوة من ميزانيات الإعلان. كانت هناك المواقع الكبيرة مثل ياهو وغيرها وأخرى صغيرة أسسها الآلاف من الشباب، حول العالم، كانوا على ثقة تامة في أنهم سوف يجعلون من الخدمة المجانية للذين يؤمون موقعهم مصدر دخل إعلانياً وفيراً، ويبنون توقعاتهم على إحصاءات واعدة بالاستفادة من الميزانيات الإعلانية. وكانت افتراضاتهم تخيب وتتبخّر توقعاتهم حتى والموقع في ذروة الإقبال عليه. وتكبد الكثيرون، كباراً وصغاراً، خسائر لا يستهان بها في استثمارات انتهت بإقفال الموقع.

لقد فشلت الإنترنت في استقطاب الإعلان وفاجأ الفشل الكبير حتى الذين كانوا حذرين في البداية من نجاح دنيا الإنترنت كوسيلة إعلان.

وما أثار الاستغراب أكثر من غيره هو هذا الغياب شبه التام لأكبر الأسماء الإعلانية عن هذه المواقع، بما في ذلك الإعلانات الموجهة للشباب مثل الوجبات السريعة أو المرطبات على أنواعها أو حتى الأجهزة الموسيقية والإلكترونية والألبسة إلى آخره.

وتوالت محاولات شركات الإعلان لتفعيل الإنترنت كموقع إعلاني، لكن المحاولات لم تلق إلا نجاحاً محدوداً طوال السنوات. ورغم التحسن الطفيف الذي تجده بعض شركات الإعلان اليوم في استعداد الأسماء الكبيرة إلى تخصيص جزء من ميزانياتها الإعلانية للإنترنت إلا أن أقصى التوقعات تفاؤلاً تضع مجموع ما يصرف على هذا الفضاء الإلكتروني بمستوى أقل من 2 في المئة من مجموع ميزانيات الإعلان في الوسائل المتعارف عليها كالتلفزيون والصحف والطرقات وغيرها. ويعزى بعض هذا التقدم إلى أن الناس بعد السنين الطويلة من التعرض إلى القصف الإعلاني التلفزيوني أصبحوا أقل تجاوباً مع الإعلانات التلفزيونية وتكوّن لديهم نوع من المناعة تجاهها.

والحقيقة أن ضعف الإنترنت كوسيلة إعلان قد 
لا يستغربه المرء إذا عاد إلى نفسه، واسترجع بذاكرته خطوات دخوله أو ولوجه إلى مواقع الإنترنت خطوة خطوة. فهو بشكل عام يكون في وضع نفسي على شيء من التوتر أو التوقع القلق، يريد أن ينتقل من مرحلة إلى المرحلة التالية بفارغ الصبر كي يصل إلى مبتغاه باحثاً في الشاشة المضيئة عن نافذة الانتقال الموجودة في موقع صغير يتيه عنه المرء في حقل التعليمات والإشارات الكثيرة. وحين يطالعه إعلان ثابت أو متحرك، لا يكاد يلتفت إليه. وبقدر ما قد يهمل الإعلان الثابت الذي يأتي على شكل لوحة صغيرة مستطيلة، فقد تزعجه الإعلانات المتحركة التي تستمر في القفز أمامه منغصة عليه مساعيه في البحث عن المخرج المطلوب، أو مضاعفة ضيقه وهو ينتظر المرحلة التالية كي تظهر أمامه فيصل إلى مبتغاه.

وإلى جانب ذلك، فالكل كان يلاحظ أيضاً ضعف جمالية المواقع وقلة الجاذبية والتجديد في تصميماتها. وقد مرّت سنوات والمشهد أمامنا في أهم المواقع وأشهرها، يفتقر إلى الحد المعقول من الفن الإخراجي الجذاب. ولا يزال الكثير منها إلى اليوم يفتقر إلى الأمر نفسه رغم يُسر إمكانات التصميم وسعة انتشارها.

على أية حال ربما بدأ هذا الوضع يتغير مع التقدم العام لوسائل الاتصال الإلكتروني وزيادة الاستفادة منها واتصالها ببعضها البعض، ومع التزايد المضطرد لاستخدام الناس لهذه الوسيلة التي أصبحت تقدم خدمات متنوعة ومفيدة. وهذا قد يعود ويعزز مكانة الإنترنت وحصتها الإعلانية. ومع مرور الوقت لن يوفر أصحاب الأفكار وأصحاب المواقع وسيلة لتحقيق بعض النجاح الذي تأخر كثيراً.