ذهب العلماء إلى احتمال وجود حياة خارج كوكب الأرض نتيجة الاتساع الكوني، إضافة إلى اكتشاف عدة كواكب ذات ظروف مشابهة للأرض. ولما كانت الحياة على كوكبنا تعتمد على عنصر أساسي هو الكربون، فقد حقَّ لنا أن نتساءل: هل ينطبق ذلك على أشكال الحياة على كواكب أخرى، كما هي الفكرة السائدة في الأوساط العلمية؟ أو أن الحياة ستختلف كيميائياً، كما صورتها أفلام الخيال العلمي؟
يقول عالم الكيمياء والأستاذ بجامعة ميريلاند سيريل بونامبيروما: «إذا كانت هناك حياة في مكان آخر في الكون فستكون مماثلة لحياتنا على الأرض من الناحية الكيميائية»، وهذه النظرة تقوم على تعميم كيمياء الحياة الكربونية في كوكب الأرض على الكون بأكمله. هذا الكربون موجود في أجسامنا وفي طعامنا وفي الهواء من حولنا، وهو أساس الكيمياء العضوية، ويكوّن روابط فردية أو زوجية أو ثلاثية، وله القدرة على الاتحاد بسهولة مع نفسه، لتشكيل سلاسل كربونية طويلة، ومع عدد كبير من العناصر الأخرى، لإنتاج الملايين من المركبات المهمة في بناء الكائنات الحية.
إذا كانت هناك حياة في مكان آخر في الكون فستكون مماثلة لحياتنا على الأرض من الناحية الكيميائية
من جهة أخرى، كان أول من افترض وجود حياة غير قائمة على عنصر الكربون هو الفيزيائي الفلكي الألماني يوليوس شاينر عام 1891م، حيث ناقش في مقال علمي فكرة وجود حياة خارج كوكب الأرض قائمة على عنصر السليكون. وفي عام 1893م، ألقى الصيدلي البريطاني جيمس إيمرسون رينولدز كلمة أمام جمعية العلوم البريطانية، ذكر فيها أن السليكون قد يشكّل الحياة في درجة حرارة عالية جدًّا، حيث إن عديداً من مركبات السليكون مستقرة في درجة الحرارة العالية. وبعد ذلك في عام 1894م، كتب الروائي إتش جي ويلز، في خيالاته العلمية المبكرة: «مما يذهلك هذه التصورات الخيالية الرائعة لكائنات من السليكون والألومنيوم، تجول خلال غلاف جوي من الكبريت الغازي، وعلى مقربة من شواطئ بحر من الحديد السائل، تبلغ حرارته ألف درجة مئوية»، وأخذت فكرة وجود أشكال من الحياة تعتمد في أساسها على عنصر السليكون تحوز على اهتمام وانبهار العلماء وأدباء الخيال العلمي، وما زالت حتى هذه اللحظة.
لماذا السليكون بدل الكربون؟
إن فكرة وجود مخلوقات ذات قاعدة سليكونية تقوم على أسس علمية، فعنصر السليكون هو المرشح الأول لأن يكون بديلًا عن الكربون للتشابه بينهما. فكلاهما يقع في المجموعة الرابعة عشرة في الجدول الدوري التي تضم الكربون، والسليكون، والجرمانيوم، والقصدير، والرصاص.
وإذا كان السليكون يحتل المرتبة الثامنة بين العناصر العشرة الأكثر وفرة في الكون: (الهيدروجين، والهيليوم، والأكسجين، والكربون، والنيون، والحديد، والنيتروجين، والسليكون، والمغنيسيوم، والكبريت)، فإنه الأوفر بعد الأكسجين في قشرتنا الأرضية، وعلى الرغم من هذه الوفرة، إلا أن الحياة في الأرض ذات أساس كربوني، نتيجة الخصائص الكيميائية التي تميزه وتجعله مناسباً وأكثر مرونة لأن يكون صديقًا للحياة على كوكبنا، حيث تحتاج الكائنات السليكونية المفترَضة إلى ظروف قاسية من ضغط وحرارة كي تشق طريقها إلى الحياة.
ومن أمثلة تشابه كيمياء السليكون والكربون، كون الكربون يرتبط مع أربع ذرات هيدروجين لتكوين غاز الميثان، بينما يتشكل غاز السيلان نتيجة ارتباط السليكون بأربع ذرات هيدروجين. لكن يتبيّن لنا الاختلاف الجوهري بينهما عند ارتباطهما بعنصر الأكسجين، فعندما يتفاعل الكربون مع الأكسجين أثناء عملية التنفس لينتج ثاني أكسيد الكربون (CO2)، الذي يسهل تخلص الجسم منه. أما في حالة تفاعل السليكون مع الأكسجين فإنه ينتج ثاني أكسيد السليكون (SiO2) الذي يكون صلباً حتى في درجة الحرارة المرتفعة، ما يشكل تحدياً للجهاز التنفسي المفترض. فبدل أن يتم طرح غاز ثاني أكسيد الكربون، سوف يتم طرح ثاني أكسيد السليكون المعروف باسم (الرمل)، وهو مركب صلب غير قابل للذوبان في الماء.
وعلى الرغم من أن الكيمياء الحيوية السليكونية تتعامل مع مواد صلبة، على عكس الكيمياء الحيوية الكربونية التي تستمد طاقتها من الكربوهيدرات، ويمكن التخلص من مخلفاتها السائلة والغازية بسهولة، إلا أن الحياة السليكونية قد تجد طريقها للتعامل مع المخلفات الصلبة، باستخدام مذيبات تقوم بدورها بدل الماء، وهذه الفكرة حازت على قبول العديد من العلماء، وهي أن الحياة خارج كوكب الأرض ليست بالضرورة قائمة على الماء.
كائنات تشرب الأمونيا
في عام 1954م، وضع عالم الوراثة البريطاني جي بي أس هالدين الأمونيا بديلاً للماء في ندوة علمية حول أصل الحياة. كما اقترح عالم الفلك كارل ساغان أن الحياة الغريبة خارج كوكب الأرض قد تستخدم الأمونيا، والهيدروكربونات، وفلوريد الهيدروجين، بدلًا من الماء. ويقول ساغان حول الحياة الغريبة: «من الصعب جدًّا أن نكون على يقين أن صورة الحياة في الأرض تنطبق على جميع أشكال الحياة في جميع أنحاء الكون». وعليه، فإن البيئات الصديقة للحياة السليكونية، يجب أن تكون غنية بهذه المذيبات، ككوكب الزُّهرة مثلًا من الممكن أن يكون مناسباً للحياة السليكونية، لدرجة حرارته المرتفعة التي تزيد عن 450 درجة مئوية، ووجود حامض الكبريتيك في غلافه الجوي، وضغطه الجوي العالي جداً يعادل تقريباً 100 مرة من ضغط الأرض!
إن وجود شكل من الحياة يرتكز على السليكون يبقى ممكناً وليس مستحيلاً. وقد تكون الحياة التي يبحث عنها العلماء في كواكب أخرى تختلف عن حياتنا الكربونية المعتمدة على الماء والتي تستمد طاقتها من الكربوهيدرات. وإذا كانت هذه الحياة ذات القاعدة السليكونية، موجودة بالفعل، فستكون الكيمياء الحيوية (السليكونية) مختلفة عن الكيمياء المعروفة لدينا، لتتماهى مع ظروف كوكبها غير الملائمة أبداً للبشر. وستكون النتيجة مخلوقات غريبة لا يمكن تصورها إلا بالجهد الجهيد، ذلك أننا سوف نتخيلها في محيط حياتنا الكربونية المعروفة لدينا!
لن نعرف حتى يأتي اليوم الذي نكتشف فيه أن الحياة ليست بالضرورة مبنية على الكربون حقاً.
الرمز أوميغا
الرمز أوميغا (Ω) هو الحرف الرابع والعشرون والأخير في الأبجدية الإغريقية. المعنى الحرفي للفظة «أوميغا» هو «عظيم»، وهذه اللفظة لا تزال تستخدم لتخدم ذات المعنى في اللغة الإنجليزية لليوم «Mega».و«الميغا» في الرياضيات وعلم الحاسوب اليوم، هي العشرة مرفوعة للقوى 6، فنقول ميغابايت لنقصد مليوناً من البايتات.
للرمز أوميغا حضور في عديد من مجالات العلوم. ففي الكيمياء يستخدم الرمز للأوكسجين -18 وهو النظير المستقر لعنصر الأوكسجين O. وفي الفيزياء يستخدم للتعبير عن المقاومة الكهربائية ووحدتها المعيارية (أوم – Ohm).
أما في علم الكون الفيزيائي، فالرمز أوميغا يعبَّر به عن كثافة الكون. وهذه القيمة النظرية الهائلة تبرر استخدام (=) في الإحصاء كذلك للتعبير عن النتائج المحتملة لأي تجربة عشوائية. ففضاء العينة لنتيجة مباراة كرة قدم يحتمل ثلاث نتائج: فوز الفريق الأول، فوز الفريق الثاني، وتعادل الفريقين.
تجارياً، يمثل الرمز أوميغا علامة لماركة مميزة من الساعات السويسرية التي تم اعتمادها من قبل وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) خلال رحلات برنامج (أبوللو) إلى القمر. كما أنها معتمدة ليرتديها البطل في أفلام (جيمس بوند) منذ العام 1995م. وهذا التضافر بين الترويج التجاري والقيمة العظمى يمثل لفتة تستحق الإعجاب.. لمن أدرك معنى هذا الرمز.