قد تكون أكثر جمالاً وجاذبية وأقرب إلى البساطة لمن يفضلون البساطة، ولكنّ انتشار أرضيات الرخام والسيراميك والبورسلان في بيوتنا، لم يأت لهذه الأسباب الشكلية فحسب، وإنما هروباً من أرضيات السجاد والموكيت التي راحت مشكلاتها وأضرارها الصحية تتزايد مع كل خطوة نخطوها عليها.
ولا شك في أن لهذا الهروب آثاراً في صناعة السجاد والأثاث عموماً، إذ إن عزوف الناس عن استخدام الأنسجة في أرضيات منازلهم أحدث ما يشبه الانقلاب في الاستخدام، وعمد الكثيرون إلى استبدال البلاط بالرخام أو السيراميك أو البورسلان، والاستغناء به عن أرضيات السجاد، والاكتفاء بقطع صغيرة منه تنسجم وديكور المنزل فحسب.
ولم يقتصر الأمر على أصحاب المنازل، بل إن المدهش في الأمر هو أن مستأجرين تحمّلوا تكاليف هذا الاستبدال هرباً من الموكيت. ناهيك عن أن الأرضيات الجديدة صارت ضمن مواصفات الشقق الاستثمارية التي تحرّك أسعار الإيجار صعوداً أو نزولاً تبعاً لنوع الأرضية..!
ومن الطبيعي أن تتأثر سوق الأثاث بهذا التغيير، كما تأثرت سوق العقار وسوق مواد البناء نسبياً أيضاً..!
وإذا كان بعضنا يرى الصحة وبعضنا يرى الشكل فإن بعضنا لا يرى شيئاً سوى الانسجام مع الموضة التي لا يُمكن إنكار تأثيرها بشكل من الأشكال. وهنا بيت القصيد، فهذه الجزئية تمسّ رغباتنا وأذواقنا في استخدام هذه الوسيلة أو تلك، خاصة في مبانينا الخاصة.
فقبل عقدين فقط كان السّجاد رمزاً من رموز الوجاهة الاجتماعية، وكلما ازدادت سماكته كان ذلك إشارة إلى موقع ومكانة أعلى. وبعد أن غرقت الأسواق بالسماكات والدرجات والصناعات الآتية من وراء الحدود، أو من داخلها؛ تحوّلت الرغبات إلى الأرضيات الصلبة، رخاماً، أو سيراميك، وبدرجات تعكس الموقع والمكانة أيضاً، وتشير إلى الموضة..!
الغبار والملوّثات مشكلات تعانيها أرضيات السجاد ونعاني معها، ولكن اتجاهنا إلى غيرها لم يكن بحثاً عن الصحة، بقدر ما هو مسايرة لحالة جديدة، وشكل جديد في البيوت، ودلالة على أن وعينا الصحي ليس هو الذي يقودنا إلى استخدام هذه الوسيلة أو تلك، على الرغم من بروز ذلك حين نتحدث عن أسباب استخداماتنا للأشياء..!
وها نحن نشاهد أنفسنا نمشي على الرخام الصلب، وتتنقل أقدامنا بينه وبين قطع سجاد ديكورية، ونسترخي كما نشاء.. ولكن الصحة ليست في الدعة.. ولا الفخامة..!