قضية العدد

المعارض الدولية
من لندن إلى شانغهاي

للتجارة.. وأيضاً للثقافة والعمران

  • shutterstock_63143977
  • 001
  • 2_100113-show-no-cilveka-72dpi
  • 003
  • 6a00d834540a0669e200e54f57d5988834-800wi
  • 42-24992175
  • 42-24992176
  • DSC_7605
  • img_0310
  • IMG_1359
  • IMG_1413
  • IMG_2738
  • london-crystal_palace-int
  • shutterstock_1826820
  • shutterstock_39319918
  • shutterstock_50653243
  • shutterstock_62512126
  • shutterstock_63094381

«مدينة أفضل، حياة أفضل»، هذا هو الشعار الذي رفعه المعرض الدولي في شانغهاي بالصين، المعروف رسمياً باسم «إكسبو 2010»، والذي انتهى في الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي، بعدما استقبل نحو 75 مليون زائر، ليكون بذلك أكبر معرض دولي في التاريخ، وأيضاً أكبر تظاهرة ثقافية وعمرانية إضافة إلى أبعاده الاقتصادية والتجارية. ولكن، ما علاقة الشعار المشار إليه أعلاه بهذا الحدث؟
فريق القافلة يفتح ملف المعارض الدولية ودورها في صياغة هويات المدن التي تستضيفها، وأبعادها المتشعبة والمتشابكة، ويجول بنا على أمثلة عديدة بدءاً بلندن في أواسط القرن التاسع عشر وصولاً إلى شانغهاي اليوم.

الصورة العامة المنطبعة في وجدان الناس حول المعارض الدولية صحيحة. تقول إن هذه المعارض هي أماكن يلتقي فيها المنتجون والتجار حول منتجات جديدة في إطار السعي إلى ترويجها على نطاق واسع، ويمكن لهذه المنتجات أن تكون سلعاً زراعية أو صناعية أو حرفية أو حتى ثقافية أو خدمات فقط.. ولكن هذه الصورة هي على صحتها تبقى أصغر من أن تحيط بأهمية المعارض الدولية ونتائجها التي تتجاوز إلى حد بعيد البعد التجاري المباشر، لتصل إلى التبادل الثقافي، وأيضاً رسم شخصية المدينة المضيفة للمعرض لسنوات، وربما لعقود طويلة تلي إقامة معرض دولي فيها.

من رحم التجارة وتحالفها مع الصناعة
تعود جذور العوامل التي تدفع الدول إلى تنظيم المعارض الدولية، إلى الثورة الصناعية في أوروبا، وهي ثورة بدأت منذ نحو 5 قرون، بطيئة في البدء، ثم تسارعت شيئاً فشيئاً، إنما اتخذت شرارتها الأولى من الكشوف الجغرافية التي كانت رحلة كريستوف كولومبوس (1451 – 1506م) إلى القارة الأمريكية، ورحلة فرديناند ماجيلان (1480 – 1521م) حول العالم، مفتاحيها المباشرين.

فما الذي صنعته الكشوف الجغرافية وما علاقتها بالثورة الصناعية؟

يعتقد المؤرخون، مستندون إلى أدلة ظرفية متشابكة ومتزامنة، وإلى مراسلات تجارية وقنصلية بليغة الدلالة والمعنى، أن هذه الكشوف فتحت أسواق العالم أمام الحرفيين الأوروبيين، صنَّاع الملابس والأحذية والأواني والمعدات الزراعية والحرفية وما إلى ذلك. وكان لا بد للحرفيين، وقد انفتحت أمامهم أسواق هائلة الاتساع، من أن يجدوا طريقهم إلى تسريع الإنتاج، وزيادته أضعافاً مضاعفة، لأن باب الربح فُتح على مصراعيه، ولا بد من اغتنام الفرصة السانحة. ولذا أخذوا يحوِّلون وسائل إنتاجهم من نمط حرفي محدود في وتيرة إنتاجه، ونسبة اليد العاملة فيه عالية، إلى نمط آلي صناعي يعتمد الإنتاج بالجملة، في خطوط تصنيع تتسارع وتيرة إنتاجها وتنخفض فيها نسبة الاعتماد على عدد العمال. وقد أدى هذا الأمر إلى إنشاء علاقة عضوية مباشرة وقوية، بين الصناعة والتجارة، لأن فتح الأسواق الجديدة يعزِّز الإنتاج، ووفرة الإنتاج لا بد لها من أسواق تصريف جديدة. وحين يزيد الطلب عند التاجر، تراه يسارع إلى حث الصناعي على زيادة إنتاجه، من أجل أن يلبي العرض ذلك الطلب.

ويُدرج المؤرخون في هذا السياق قيام الثورة الفرنسية، التي يرون أنها أحلَّت حكم حلف التجار والصناعيين والمصرفيين في المدن، محل حكم الإقطاع والنبلاء الفرسان المستندين إلى ممتلكات زراعية شاسعة. إذ إن زيادة حجم التجارة الدولية، ونهوض الصناعة الوطنية لتلبية الطلب، عزَّزا قوة هذا الحلف الاقتصادية.

وصارت السوق العالمية لاعباً أساسياً في تاريخ التمدن البشري. وتسابقت الدول الكبرى للتمدد في العالم، من أجل توفير أسواق لصناعتها ومصادر مادة أولية وفيرة ورخيصة لهذه الصناعة. فمن يبِع أكثر، يكسب السباق. ومن يحصل على أرخص مادة أولية، يؤسس لانتصاره هذا في السباق الاقتصادي.

ومنذ قيام المعارض الدولية الأولى في القرن التاسع عشر، والنجاحات التي حققتها، تأكد للحكومات أن هذه المعارض تحمل في طياتها مفاعيل تتجاوز الغاية المباشرة منها، أي تنشيط التجارة والصناعة، لتصبح مجالاً لتعزيز صورة «التفوق» -ومن خلالها الهوية الوطنية- أمام الضيوف. فحسن التنظيم والإنجازات العمرانية الخاصة بهذه المعارض صارت رمزاً للتطور ولـ «القوة» على الصعد الاقتصادية والإدارية والعلمية، إضافة إلى تطور السلع المعروضة وتميزها. ولذا، صار على كل معرض دولي أن يكون الأكبر والأجمل والأكثر تنظيماً.. حتى صارت منشآت هذه المعارض تحتل نسبة مئوية ملحوظة من مساحة أية مدينة تستضيفها، والكثير الكثير من هذه المنشآت دخل تاريخ الهندسة المعمارية، وبعضها أصبح رمزاً وطنياً معروفاً على نطاق العالم بأسره.

بعبارة أخرى، فإن المعارض الدولية التي ظهرت فكرتها أساساً لتعزيز التبادل التجاري، صارت تصوغ شخصية المدن وتخطيطها العمراني، إضافة إلى طبع بصماتها الواضحة على الثقافة والتبادل الثقافي بشكل عام.

ولدت كبيرة جداً
يُعد «إكسبو شانغهاي 2010» الحلقة الأخيرة والأضخم في سلسلة المعارض الدولية التي كانت حلقاتها الأولى ضخمة بما فيه الكفاية. فأول معرض عالمي بالفعل، كان المعرض الذي أقيم في لندن في شهر مايو عام 1851م، وكان اسمه الرسمي «المعرض الكبير لأعمال صناعة كل الأمم»، واختصر اسمه ليصير معروفاً بعبارة «المعرض الكبير».

تعود فكرة إقامة هذا المعرض إلى الأمير ألبرت، زوج الملكة فكتوريا، الذي لم يكن محبوباً جداً في بريطانيا بسبب أصله الألماني، ولكنه كان مهتماً جداً بتعزيز مكانة الصناعة البريطانية. وكان لنجاح هذا المعرض فضل كبير على تحسين شعبية الأمير في صفوف عامة الشعب الإنجليزي.

يعرف هذا المعرض البريطاني العالمي الأول باسم «معرض كريستال بالاس» نسبة إلى المبنى العملاق الذي أنشئ لاستضافته، وصممه المهندس جوزف باكستون خلال عشرة أيام فقط، وكان عبارة عن هيكل عملاق من الحديد مغطى بمليون قدم مكعبة من الزجاج. ليكون بذلك أول مبنى زجاجي في العالم، ودخل تاريخ الهندسة بهذه الصفة.

تضمَّن هذا المعرض العالمي 13,000 معروضة من كافة أنحاء العالم، وزاره 6,200,000 شخص، كان الكثيرون منهم من الدول الأوروبية المجاورة. وسمحت الأرباح التي جُمعت من هذا المعرض بتأسيس وتمويل بعض المشروعات العامة مثل المسرح الشهير «ألبرت هول»، ومتحف العلوم، و«متحف التاريخ الطبيعي»، و«متحف فيكتوريا وألبرت».. وهي لا تزال من أهم الصروح الثقافية في العاصمة البريطانية حتى اليوم.

وعلى الرغم من نقل «الكريستال بالاس» بعد انتهاء المعرض من موقعه الأصلي في هايد بارك، إلى منطقة أخرى، ومن ثم دماره في حريق التهمه عام 1936م، فإن موقعه الجديد المعروف باسم «كريستال بالاس بارك» ظل يشهد لقرن ونصف القرن الكثير من أوجه النشاط الثقافية والفنية التي أقيمت في العاصمة البريطانية. وذكراه لا تزال حية سواء مكانته في تاريخ الهندسة، وفي ريادته لهذا النوع من أوجه النشاط العالمية، وحتى في فريق كرة القدم الذي يحمل اسمه وتأسس عام 1861م، ولا يزال قائماً حتى اليوم.

معرض «أفعلُ التفضيل»
أدى النجاح الكبير للمعرض العالمي الأول هذا إلى انتشار الرغبة في إقامة مثله في دول عديدة أخرى. وكانت فرنسا، المنافس التاريخي لبريطانيا على المستعمرات، مضيفة أهم وأضخم المعارض العالمية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

في العام 1889م، ولمناسبة إقامة «المعرض العالمي»، تم بناء برج إيفل الشهير، كبوابة للمكان الذي يستضيف العارضين.

صمم هذا البرج المهندس الفرنسي غوستاف إيفل من الحديد فقط. وبلغ ارتفاعه 324 متراً، أي ما يوازي ارتفاع عمارة من ثمانين طابقاً. وقد تجاوز بذلك قليلاً ارتفاع «نصب واشنطن» في العاصمة الأمريكية، ليكون بذلك أعلى بناء رفعه الإنسان في العالم. واحتفظ بهذا اللقب لمدة 41 عاماً، تاريخ بناء «برج كرايسلر» في مدينة نيويورك. ولكن برج إيفل لم يخسر مكانته بعد ذلك كرمز للعاصمة الفرنسية ولفرنسا عموماً.

وما يتكشف عنه برج إيفل ورقمه القياسي هو انتصار «أفعل التفضيل» في المعارض الدولية. فالتالي يجب أن يكون الأكبر، الأجمل، الأوسع، الأكثر تنوعاً، … الخ.

ففي العام 1900م، عادت فرنسا لتقيم معرضاً عالمياً، ولكن هذه المرة تحت اسم «المعرض الكوني». وقد أقامت لهذه الغاية قصرين دخلا تاريخ الهندسة في القرن العشرين من أوسع أبوابه، ولا يزالان أهم قصرين في العاصمة الفرنسية بعد قصر اللوفر الملكي والمتحف.

فالقصر الأول يعرف باسم «القصر الكبير»، يبدو بواجهته الحجرية المزيَّنة بالتماثيل على أنه «تقليدي»، ولكن هيكله الداخلي مؤلف من الفولاذ وتعلوه قبة من الزجاج، فأصبح بذلك أكبر مبنى من الزجاج والفولاذ في العالم بعد احتراق «الكريستال بالاس». وبسبب الضوء الذي يغمره من الداخل بفعل قبته الزجاجية العملاقة، تحوَّل هذا القصر بعد المعرض الكوني، إلى مضيف أكبر المعارض الثقافية العالمية التي تقام في العاصمة الفرنسية. والأمر نفسه ينطبق على «القصر الصغير» الذي يقابله تماماً.

وأينما كان في العالم
في صميم الاقتصاد والثقافة
وطوال القرن العشرين، كان للمعارض العالمية الوقع نفسه على البلدان التي أقامتها. وجاء تطور المواصلات ليعزز البعد السياحي لهذه المعارض التي صارت تستقطب من الزوار الأجانب ما يحسب حسابه على صعيد السياحة والدخل القومي. وتعزيزاً لهذا الجانب، صارت أوجه النشاط الثقافية والترفيهية والبرامج السياحية من نقاط الجذب المعادلة في أهميتها للمعروضات الصناعية والتجارية.

ومن الأمثلة القريبة منا، «معرض دمشق الدولي» الذي تأسس قبل 57 سنة، عند طرف مدينة دمشق القديمة، على ضفة نهر بردى، فأصبح بعد خمسين عاماً في وسط المدينة، الأمر الذي دفع الحكومة إلى اختيار موقع جديد له، تبلغ مساحته 1.2 مليون متر مربع (13 ضعف مساحة المعرض القديم)، منها 63 ألف متر مربع للأجنحة المسقوفة، و150 ألف متر مربع للعرض أو أوجه النشاط في الهواء الطلق، ليبقى بذلك «القطعة» الأكبر على خريطة مدينة دمشق رغم توسعها. وما يعرفه الجميع، هو أن «معرض دمشق الدولي» بات منذ نشأته وحتى اليوم، يشكِّل سنوياً الموسم الثقافي والسياحي الأكبر.

أما المثل الثاني فهو من طرابلس لبنان، حيث أوعزت الحكومة اللبنانية في مطلع ستينيات القرن الماضي إلى المهندس البرازيلي أوسكار نياميار بتصميم معرضها الدولي. فوضع تصاميم هندسية سبقت في طليعيتها تصميمه لمدينة برازيليا. ولكن أسباباً عديدة، وأهمها اندلاع الحرب الأهلية، حالت دون إكمال بناء هذا المشروع في حينه. وعلى الرغم من أن جزءاً صغيراً من هذا المعرض افتتح لكافة أوجه النشاط الثقافية والتجارية المختلفة بعد نهاية الحرب، فإن أثره على حياة المدينة وتخطيطها كان واضحاً، إذ تمددت المدينة باتجاهه، وارتفعت حواليه المباني السكنية الفاخرة، وصار اسم المعرض يطلق على كل الشوارع المحيطة به، ويبدو من الصور الفضائية «القطعة» الأكبر في المدينة الصغيرة.

شانغهاي 2010 غير شانغهاي 2009
لو رسمنا خطاً بيانياً لمسار المعارض العالمية التصاعدي، انطلاقاً من النقطة الأولى -المرتفعة أصلاً- وهي معرض «الكريستال بالاس» في لندن لأمكننا أن نتصور مقاييس معرض شانغهاي وأهميته على كافة الصعد المباشرة وغير المباشرة. ولكن لا بد من التوقف أمام جذور الفكرة الداعية إلى إقامته.

فمن بين زوار المعرض العالمي الأول الذي أقيم في لندن عام 1851م، كان هناك رجل صيني من كانتون يدعى زو رونغ كون، الذي ما إن سمع بخبر المعرض حتى هرع إليه حاملاً معه 12 كيساً من الحرير. واستحقت مشاركته ميدالية ذهبية من الملكة فيكتوريا. ومع العلم أن المشارك الصيني لم يكن ممثلاً رسمياً للحكومة، فإن مشاركته هذه تُعد أولى مشاركة للصين في أي معرض عالمي.

وفي سنة 1867م، شاركت حكومة الإمبراطور الصيني في «معرض فيلادلفيا المئوي»، ثم في «معرض الشراء» في سانت لويس، بولاية لويزيانا الأمريكية، سنة 1904م. وبعد زوال حكم الإمبراطورية، شاركت الجمهورية الصينية في «معرض بنما – المحيط الهادي الدولي» سنة 1915م. وتوقف اشتراك الصين طويلاً قبل أن تعود سنة 1982م، في المعرض العالمي.

ولكن قبل ذلك، وتحديداً في سنة 1893م، كتب صيني اسمه تشنج جوان يينج كتاباً عن فوائد المعارض الدولية الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية والثقافية. فقرأه الإمبراطور وأمر بطبعه في 2000 نسخة. ثم ألف ليانج كيشاو كتاباً عنوانه: «مستقبل الصين الجديدة»، سنة 1902م، وكتب لو شي إيه «الصين الجديدة»، سنة 1910م. لكن توالي الحروب الداخلية، والاحتلال الياباني في ثلاثينيات القرن العشرين الميلادي وأربعينياته، أخّر تنفيذ الفكرة.

وأخيراً، في سنة 1979م، وبعد معارض صغيرة متفرقة هنا وهناك، وأولها «معرض نانيانج الصناعي» سنة 1910م، استعاد الزعيم الصيني دنج هسياو بنج الأمر بيديه، ووُلدت فكرة معرض شانغهاي. فاستضافت الصين سنة 1999م بنجاح «معرض كونمنج النباتي» وقررت حينذاك أن تستضيف «المعرض العالمي». وهكذا كان، تماماً مئة سنة بعدما اقترح لو شي إيه سنة 1910م، أن تنظم شانغهاي المعرض.

بدأ بناء مرافق المعرض ومبانيه في 4 نوفمبر 1999م، وافتُتحت المرافق هذه في 2 نوفمبر 2001م. ولم يتوقف تطويرها وتوسعتها، حتى بلغت عند افتتاح «إكسبو 2010» 5.28 كيلومتر مربع، استضافت بكفاءة عالية أجنحة 192 دولة و50 منظمة عالمية، وبلغ عدد زوارها نحو 75 مليون شخص.

كل الأرقام القياسية المسجلة سابقاً في المعارض الدولية انهارت في معرض شانغهاي. بدءاً بعدد رؤساء الدول وممثليهم الذين حضروا الاحتفال بالافتتاح، وصولاً إلى عدد الفنانين الذين اعتلوا خشبات المسارح العديدة فيه وبلغ عددهم 22 ألف فنان خلال ستة أشهر.. وما بين هذا وذاك، أجمع زوار المعرض على أنه بدا في مجمله مسابقة بين دول العالم في فن العمارة وابتكار طرز بناء لم ترها العين سابقاً.

ولكن، قبل الوصول إلى كل هذا، تطلبت إقامة هذا المعرض إعادة رسم صورة مدينة شانغهاي، وإجراء تعديلات أساسية على خريطتها.

فعندما اعتمدت هذه المدينة لاستضافة «إكسبو 2010» انطلقت ورشة عمل بلغت كلفتها 48 بليون دولار. والتعديلات التي أجريت على المدينة فاقت تلك التي أجريت على العاصمة بكين لاستقبال الألعاب الأولمبية عام 2008م.

فقد أخلت المدينة 2.6 كيلومتر مربع على ضفتي نهر هوانغبو، وتطلب ذلك إجلاء 18 ألف عائلة، ونقل 270 مصنعاً إلى أماكن أخرى، ومن بينها مصنع واحد يضم نحو 10 آلاف عامل. كما تم شق ستة خطوط جديدة لقطار الأنفاق، واشترت المدينة سيارات أجرة جديدة تماماً، وأعيد تأهيل شبكة الإنارة الليلية.. وعندما نضيف إلى كل ذلك، أنه بعد انتهاء «إكسبو 2010» في الحادي والثلاثين من أكتوبر، فإن مباني الأجنحة المنتمية في هندستها إلى المستقبل ستبقى قائمة كجزء من المدينة، وستشهد أجنحة كثيرة أوجه نشاط دائمة وإن كانت أقل ضخامة من المعرض العالمي، عندها يمكننا أن نفهم حقيقة الشعار الذي حمله هذا المعرض، والقائل «مدينة أفضل، حياة أفضل». فقد بات في حكم المؤكد أن مثل هذه المعارض العالمية تغيِّر تماماً أشكال المدن، كما يبدو أن التغيير هو دائماً نحو الأفضل.

سوق عُكاظ
أول معرض دولي في التاريخ؟

لأن شبه الجزيرة العربية كانت ولا تزال الممر اللازم للتجارة الدولية بين بلدان حوض المحيط الهندي، أي بلدان شرق إفريقيا وجنوب آسيا، والهند والشرق الأقصى ولا سيما الصين من جهة، وبين بلدان حضارات البحر الأبيض المتوسط، كان أمراً طبيعياً أن يمتهن عرب عُمان والخليج وسواحل المتوسط الشرقية النقل البحري منذ الزمان الغابر، وأن تكون أسواق الجزيرة العربية ملتقىً لتجار الشمال والجنوب، وتجار الشرق والغرب.

وقد نظَّمت قريش منذ القرون الميلادية الأولى، في حضرموت أولاً، ثم في مكة المكرمة بعدئذ، أسواق العرب، لتسويق البضاعة المحلية وبضاعة التجارة الدولية المارة عبوراً إلى أسواق بلاد الشام والبحر الأبيض المتوسط. وابتكر هاشم ابن عبد مناف وإخوته الثلاثة المُطَّلب وعبد شمس ونوفل، نظاماً من العهود مع ملوك الأطراف في بلاد الشام والحيرة واليمن والحبشة، ومع القبائل المقيمة على طرق قوافل قريش، للاتِّجار بسلام في أسواقهم، وحماية القوافل أو المشاركة فيها، على نحو ضَمِن مرور البضاعة الاستراتيجية من المحيط الهندي إلى البحر الأبيض المتوسط، على الرغم من نشوب حروب مزمنة معظم سنوات القرن الميلادي السادس بين البيزنطيين والفرس، عطّلت خطوط التجارة الأخرى عبر الخليج ونهر الفرات، أو عبر البحر الأحمر.

وكان شأن هذا النظام الذي أنشأته قريش إقامة أسواق في ديار كبرى القبائل العربية بنظام مداورة سنوية، وكان أكبرها وأهمها سوق عُكاظ، التي شدّ الرحال إليها العربُ من أقصى شمال بلاد الشام، ومن اليمن، ومن الحيرة، ومن عُمان، بل من بلاد فارس والحبشة. وكانت تُباع وتُشترَى في هذه الأسواق البضاعة المحلية، وكل ما تشتريه القبائل من البضاعة الدولية الآتية بالبحر من الهند وسرنديب (سري لانكا اليوم) وشواطئ إفريقيا الشرقية والصين وبقية بلاد حوض المحيط الهندي.

أضف تعليق

التعليقات

ahmed

i really thank u guys …
good job