طاقة واقتصاد

المخزون البترولي الاستراتيجي
ما هو؟ لماذا؟ كم؟ وكيف؟

  • 10
  • Strategic Petroleum Reserves in the United States of America
  • Strategic Petroleum Reserves in the United States of America

“المخزون الاستراتيجي” من المفردات التي يكثر استعمالها عند الحديث عن الطاقة وأسواقها، ومع ذلك يبقى معناه ضبابياً في أذهان الكثيرين من غير المختصين، حتى أن البعض يخلط بينه وبين المخزون التجاري، أو الاحتياطي بمعناه العام.
محافظ المملكة العربية السعودية في أوبك الدكتور ماجد عبدالله المنيف يحدد لنا ما هية المخزون الاستراتيجي البترولي، وتاريخه ودواعي إنشائه، وأيضاً موقف دول أوبك منه.

يصادف هذا العام الذكرى الثلاثين لإنشاء وكالة الطاقة الدولية التي تضم الآن ستاً وعشرين دولة صناعية. ففي خريف عام 1974م، وبمبادرة من وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر، اجتمعت ست عشرة دولة صناعية على خلفية أزمة الطاقة الناجمة عن الحظر البترولي العربي الذي صاحب الحرب العربية الإسرائيلية في أكتوبر 1973م، وارتفاع أسعار البترول من نحو 3 دولارات للبرميل إلى 11 دولاراً، وبداية مرحلة جديدة، تمثلت باتخاذ الدول المنتجة في أوبك قرارات تسعير البترول وإنتاجه من الشركات العالمية التي كانت تسيطر على السوق خلال العقود السابقة.

اعتبر إنشاء وكالة الطاقة الدولية منذ ذلك الوقت رد فعل من الدول الصناعية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، على التغير الذي حصل في ميزان القوى لصالح الدول المنتجة. فأصبحت الوكالة ومقرها باريس تمثل تجمّع الدول الصناعية المستهلكة للطاقة في مواجهة الدول المنتجة النامية المصدرة للبترول في أوبك.

تسعى وكالة الطاقة الدولية إلى أمور عديدة منها السياسات المشتركة لترشيد الطاقة وتنويع مصادرها، وتقليص كمية البترول اللازمة لإنتاج وحدة واحدة من الناتج المحلي. إلا أن أحد اهتمامات الوكالة يتركز على تنسيق الجهود لبناء المخزون الاستراتيجي البترولي ومجالات استخدامه في ما بين الدول الأعضاء. إذ استنتجت الدول الصناعية أن أحد أسباب أزمة إمدادات الطاقة وأسعارها في العامين 1973 و 1974م يعود إلى عدم وجود مخزون لدى الحكومات لاستخدامه في حال انقطاع الإمدادات لأي سبب كان. فقد كانت الدول الصناعية عشية إنشاء الوكالة تستحوذ على 65 في المئة من الواردات العالمية من البترول، وكان الجزء الأكبر من احتياجاتها البترولية يرد من دول أوبك، خصوصاً من منطقة الشرق الأوسط التي كانت تغطي 55 في المئة من إجمالي تجارة البترول العالمية.

بداية التخزين
شرعت دول الوكالة كل على حدة، في بناء مخزونات استراتيجية توازي واردات 90 يوماً لكل منها، وذلك لاستخدامها في حالات الطوارئ. واختلفت سبل بناء المخزون ما بين هذه الدول.

فقد قامت الحكومة الأمريكية من خلال وزارة الطاقة التي استحدثت بعد الأزمة المشار إليها، ووفقاً لقانون سياسة الطاقة والترشيد الذي أقره الكونغرس عام 1975م، بشراء الزيت الخام من خلال مخصصات الميزانية الفدرالية، وتخزينه في أقبية ملحية على ساحل خليج المكسيك في ولايتي تكساس ولويزيانا تملكها وتديرها الحكومة الأمريكية.

وتطور حجم المخزون من الزيت الخام في الولايات المتحدة ليصل إلى نحو 660 مليون برميل في منتصف العام الجاري، منها نحو 395 مليون من الزيت الثقيل ذي المحتوى الكبريتي العالي. وبلغ إجمالي ما دفع لبناء هذا المخزون منذ أواسط السبعينيات حتى الآن نحو 20 بليون دولار (أي ما معدله 30 دولاراً للبرميل). ويهدف المخزون الأمريكي إلى التحوّط من احتمال انقطاع الإمدادات من جهة والوفاء بالتزامات الولايات المتحدة تجاه وكالة الطاقة الدولية لجهة مشاركة دولها في استخدامه متى دعت الحاجة. ويعطي القانون الأمريكي المشار إليه رئيس الجمهورية صلاحية السحب من المخزون في حالة الطوارئ. وهو ما حدث عشية حرب تحرير الكويت في عام 1991م، حين جرى سحب 17 مليون برميل تحسباً لانقطاع الإمدادات البترولية، وكانت تلك المرة الأولى التي استخدم فيها المخزون الاستراتيجي الأمريكي.

أما الدول الصناعية الأخرى فهي ملزمة بموجب “برنامج الطاقة الدولي”، بأن تحتفظ كل واحدة منها بما يعادل 90 يوماً من وارداتها البترولية على شكل مخزون استراتيجي. وقد أعفيت الدول الأعضاء في الوكالة المصدرة للبترول (كندا والنرويج حالياً) من ذلك الالتزام.

مخزونات الدول الأخرى
تحتفظ هذه الدول بمخزوناتها الاستراتيجية بواسطة الشركات أو وكالات التخزين. فالقانون الفرنسي يلزم الشركات المستوردة الاحتفاظ كل عام بما يعادل 26 في المئة من استهلاكها من الخام للعام السابق أي بما يوازي 95 يوماً للاستهلاك. أما ألمانيا فتلزم هيئة من الشركات بالاحتفاظ بمخزون من الخام والمنتجات يوازي 90 يوماً من استهلاك العام السابق، بينما يلزم القانون الياباني المصافي والمستوردين الاحتفاظ باحتياطي طوارئ يعادل 70 يوماً من استهلاك العام السابق. ويلزم القانون الإسباني الشركات الاحتفاظ باحتياطي طوارئ يتراوح ما بين 90 – 120 يوماً من حجم المبيعات. ويعود احتفاظ الدول الأوروبية بمخزون يكفي لتغطية 90 يوماً من الاستهلاك عوضاً عن 90 يوماً من الواردات المحدد في اتفاقية إنشاء وكالة الطاقة الدولية، إلى التزامها الإضافي النابع عن عضويتها بالاتحاد الأوروبي.

وتختلف مكونات المخزون الاستراتيجي فيما بين الدول. إذ بينما تحتفظ الولايات المتحدة بمخزونها خاماً (وكذلك النرويج)، تحتفظ اليابان بنحو 20 في المئة على شكل منتجات مكررة وسوائل الغاز، بينما تحتفظ معظم الدول الأوروبية بأكثر من 60 في المئة من مخزونها الاستراتيجي على شكل منتجات مكررة. وبشكل عام، تحتفظ دول الوكالة الدولية للطاقة مجتمعة بنحو 60 في المئة من مخزونها الاستراتيجي خاماً، وذلك بسبب ثقل حجم واردات الولايات المتحدة في المجموعة البالغ 34 في المئة.

تغيرات حجم المخزون الأمريكي
ويوضح الجدول الذي نرفقه بهذا المقال تغيرات حجم المخزون الاستراتيجي في الولايات المتحدة ومجموعة دول وكالة الطاقة الدولية خلال العشرين سنة الماضية. ويلاحظ أن المخزون الذي كان يغطي 19 يوماً من الاستهلاك في الولايات المتحدة عام 1983م أصبح يغطي بنهاية عام 2003م نحو 30 يوماً من الاستهلاك، وإن انخفضت تغطيته للواردات من 76 إلى 55 يوماً بسبب تزايد واردات الولايات المتحدة من 5 ملايين برميل يومياً عام 1983م إلى أكثر من 11 مليون برميل يومياً عام 2003م. ويلاحظ أيضاً أن دول الوكالة بما فيها الولايات المتحدة لم تلتزم بالاحتفاظ باحتياطي يكفي 90 يوماً من حجم الواردات إليها، ربما بسبب تكلفة التخزين من جهة، ولأنه وطوال الثلاثين عاماً الماضية لم تظهر أزمة إمدادات من الحدة بحيث تستوجب استخدام المخزون الاستراتيجي نظراً لتوفر طاقات إنتاجية فائضة في مناطق العالم المختلفة عملت على سد فجوة العرض الناتجة عن انقطاع الإمدادات.

متى يستخدم
على الرغم من أن اتفاق “برنامج الطاقة الدولي” يحدد مجال استخدام المخزون الاستراتيجي في حالة الطوارئ والتعاون بين دول الوكالة للمشاركة في تحمل الأعباء، إلا أنه بين الحين والآخر، تظهر خلافات بين الدول الأعضاء في الوكالة، أو داخل كل دولة حول ذلك، خاصة خلال الأزمات مثل حرب الخليج الثانية أو الحرب على العراق أو الاضطرابات الداخلية في فنزويلا أو ارتفاع الأسعار في النصف الأول من العام الحالي. فالبرنامج، وكذلك القوانين التي صيغت لبناء المخزونات الاستراتيجية لدول الوكالة ركزت على وجود أزمة إمدادات للسحب من تلك المخزونات. ولكن تعريف أزمة إمدادات عرضة لتفسيرات عديدة، إذ يرى البعض أن الارتفاع في الأسعار، حتى لأسباب لا علاقة لها بالإمدادات، يستوجب سحباً من المخزون الاستراتيجي للحد من جموح الأسحار. ويرى البعض أن انقطاعاً مؤقتاً للإمدادات بسبب اضطرابات أو كوارث طبيعية في مناطق الإنتاج قد يستوجب سحباً من ذلك المخزون. وتتدخل عوامل سياسية محلية في بعض الدول، خصوصاً في أوساط الكونجرس الأمريكي، في الجدل حول دواعي استخدام المخزون. ولكن الرأي الغالب في الإدارة الأمريكية وفي وكالة الطاقة الدولية هو عدم استخدام المخزون إلا في حالة انقطاع في الإمدادات العالمية لا يمكن تغطيته من الطاقات الإنتاجية غير المستغلة أو من المخزون التجاري.

موقف الدول المنتجة
إن الدول المنتجة والمصدرة للبترول لا تعترض على بناء هذا المخزون الاستراتيجي طالما أنه يعطي الدول المستهلكة والمستوردة شعوراً بالطمأنينة لجهة العرض، ويقلل من الحاجة إلى اتخاذ إجراءات للحد من نمو الطلب لديها. ولكن دول أوبك تعارض السحب من المخزون الاستراتيجي لغرض التأثير على الأسعار. لأن غرض المخزون هو مواجهة احتمال انقطاع الإمدادات، لا لاستعماله أداة لإدارة السوق البترولية. كما ترى دول أوبك أن السحب من المخزون الاستراتيجي في حالة انقطاع الإمدادات يجب أن يكون الخيار الأخير، وذلك بعد قيام الدول المصدرة ذات الطاقة الإنتاجية الفائضة بتعويض النقص في الإمدادات. وهذا ما حدث بالفعل إبّان أزمة الثورة الإيرانية عام 1979م، وأزمة احتلال الكويت في أغسطس 1990م، والإضرابات في فنزويلا في نهاية عام 2003م، والحرب على العراق في عام 2003م. إذ قامت دول أوبك الأخرى وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بتعويض النقص في الإمدادات والمحافظة على استقرار السوق من دون إعطاء مبرر للدول الصناعية لسحب مخزونها الاستراتيجي.

وبشكل عام، لا يشكل المخزون الاستراتيجي تأثيراً مباشراً على حركة الأسعار على المدى القصير، كما هو الحال بالنسبة للمخزون التجاري الذي يؤثر في الأسعار من خلال بنائه فوق مستوى معين أو انخفاضه.

وإضافة إلى أن الحجم الأكبر من المخزون الاستراتيجي في العالم لا يزال حتى اليوم لدى الدول الصناعية الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية، نشير في الختام إلى أن الصين بدأت في الآونة الأخيرة ببناء مخزون استراتيجي لا تتوفر معلومات عنه من حيث معدل البناء والحجم.

أضف تعليق

التعليقات