بيئة وعلوم

عمّ يبحثون في المريخ؟

  • 44
  • 42

تكاثر الاهتمام في الآونة الأخيرة بكوكب المريخ، ووصل إلى ما يشبه السباق بين وكالتي الفضاء الأمريكية “ناسا” والأوروبية “إيسا” على إرسال المسبار تلو الآخر إلى هذا الكوكب لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حوله، كما أن برامج الوكالتين تعد بمزيد من عمليات الاستكشاف على المدى المنظور. البروفيسور ولسن رزق يعرض لنا مبررات هذا السباق نحو المريخ وما الذي يتوخاه العلماء من هذا السباق.

شغل المريخ منذ أقدم العصور اهتمام الإنسان، الذي ما إن رفع بصره نحو السماء حتى لفت انتباهه هذا الكوكب الأحمر بلونه المتميز، وحركاته “الطائشة” بين النجوم وبقية الكواكب. فإن كان بعض هذه الأجرام السماوية أسطع من المريخ نوراً وأبهى لوناً، فإن هذه الأجرام تبقى أقل منه إثارة ودونه تشويقاً لما يظهره من غرائب أحواله وطرائف تقلباته. فأطلق عليه القدماء اسم “إله الحرب” في الأساطير الرومانية: مارس، بسبب لونه الأحمر الذي هو لون الحرب والدم والعنف، التي تميّزت بها هذه الشخصية الأسطورية.

الخرافات من الخرائط
وبسبب قرب المريخ النسبي من الأرض تمكّن العلماء منذ القدم من البدء بمراقبته بدقة. وتوصل الفلكيون إلى رسم صفحته، ووضع خرائط لها بدقة لم يبلغوا مثيلها في دراستهم لأي من الكواكب الأخرى.

العالم الإيطالي جيوفاني شيابا ريللي (1835 – 1910م) كان أول من وضع خرائط للمريخ بشكل علمي عام 1877م. ولكن وسائل الرصد التي كانت في حوزته آنذاك لم تكن على مستوى عالٍ من الجودة، فتهيأ له من خلالها وجود شبكة من الأقنية تذرع سطح الكوكب في شتى الاتجاهات. مما حدا به وبالعديد من العلماء من بعده إلى الاعتقاد أن هذه الأقنية هي من صنع كائنات ذكية. وظل هذا الاعتقاد شائعاً في الوسط العلمي لغاية عام 1965م، عندما أظهرت الصور التي التقطتها المركبة الفضائية “مارينر 4” عدم وجود أية أقنية على سطح المريخ في أي شكل من الأشكال.

ولكن الاعتقاد الخاطئ الذي شاع لقرن تقريباً ساهم في إعطاء كوكب المريخ صبغة أسطورية لعب الخيال فيها دوراً كبيراً، وكان محورها الكائنات المريخية التي من بعد بنائها على سطح كوكبها الأقنية المتشابكة الآنفة الذكر في محاولة منها للحؤول دون تصحرّه، بات هذا الكوكب مهدداً بالجفاف، فطفقت هذه الكائنات تستعد لغزو الأرض والاستعاضة بها عن كوكبها الضائع. ولا يزال الكثيرون يذكرون الهلع الذي أصاب الناس في الولايات المتحدة يوم 30 أكتوبر 1938م، عندما قدّم المذيع الشهير أورسون ويليس برنامجاً إذاعياً على محطة (CBS) الأمريكية، وكان موضوعه الخيالي حول هجوم على الأرض مصدره المريخ. وعلى الرغم من الإعلان في بداية البرنامج أن كل ما فيه هو محض خيال، فإن جمهوراً غفيراً من المستمعين، خاصة أولئك الذين فاتتهم بداية البرنامج، اعتقدوا فعلاً بوقوع هذا الهجوم، فترك الآلاف بيوتهم واندفعوا إلى الشوارع مذعورين، هرباً من الاجتياح المريخي.

البحث عن الماء بحث عن الحياة
والآن، بعدما أصبح معروفاً من خلال الاستكشافات المتعددة التي تمّت أن كوكب المريخ هو مجرد صحراء قاحلة لا نبات فيها ولا حيوان، تتابع وكالات الفضاء عمليات استكشاف هذا الكوكب وترصد لها مبالغ طائلة. فلماذا؟

يكمن الجواب في اعتبارات عديدة وميزات رغم مظهره القاحل كوكباً فريداً في نوعه تبقيه محطّ أنظار الفلكيين والعلماء. الميزة الأولى هي في أن المريخ والأرض مرّا في المراحل التكوينية نفسها تقريباً منذ لحظة وجوديهما. فقد دلّت الدراسات على أن هذين الكوكبين تكوّنا في الوقت نفسه منذ 4.6 مليار سنة تقريباً، من تجمع الجزيئات والذرّات التي كانت تؤلف السّديمة الأصلية المكونة للمجموعة الشمسية، وذلك تحت تأثير جاذبيتهما الخاصة وجاذبية الشمس التي كانت هي أيضاً في طور التكوين. وتابع الجُرْمَان مراحل تشكلهما، التي كانت نفسها خلال مليار سنة تقريباً. فكانا شبيهين تماماً خلال تلك الفترة. ولكن، بسبب الفارق بين كتلتيهما، اتبع كل منهما مساراً مستقلاً ومختلفاً عن مسار رفيقه.

الأرض بسبب كتلتها الكبيرة نسبياً، تمكنت من المحافظة على الغلاف الجوي والمائي التابع لها، أما شقيقها الأصغر المريخ، ولأن كتلته أصغر من كتلة الأرض بعشر مرات تقريباً، وجاذبيته هي بالتالي أقل من جاذبيتها، فقد أخذ يفقد شيئاً فشيئاً غلافه الجوي، واندثر قسم منه في الفراغ الكوني المحيط به، خاصة الجزيئات الخفيفة منه كالهيدروجين والهليوم. أما الجزيئات الأثقل وزناً كالأوكسجين فقد اتّحدت بالمعادن المؤلفة للطبقة الصخرية السطحية وأكثرها كان الحديد، فتكونت إثر ذلك الأوكسيدات المعدنية، وفي طليعتها الأوكسيدات الحديدية ذات اللون الأحمر. وهذا يفسر اللون الأحمر الذي يتميز به هذا الكوكب.

أما الماء، فقد نضب معظمه بعد فترة من على سطح المريخ نتيجة عاملين أساسيين: الأول ضآلة الضغط الجوي التي جعلت قسماً من هذا الماء يتبخر في الجو، وعند بلوغه الطبقات العليا منه، تفككت جزيئاته تحت تأثير الأشعة فوق البنفسجية الآتية من الشمس، فذهب الهيدروجين في الفضاء الخارجي، واتّحد الأوكسجين كما أشرنا سابقاً بالعناصر المعدنية على سطح الكوكب. أما العامل الثاني فكان تغوّر القسم الآخر من الماء داخل الطبقات الصخرية للمريخ، حيث تجلّدت وشكّلت طبقات ممتدة من الجليد الجوفي يمكن، حسب رأي بعض الخبراء، أن تحوي كميات هائلة من المياه. وهذا الاحتمال من الأسباب الرئيسة التي تدفع العلماء والدول إلى متابعة برامج استكشاف المريخ.

أما الدلائل والبيانات التي استند إليها العلماء لتأكيد ما ورد، فتتمثل بالصور التي نقلتها إلينا المركبات الفضائية المتعددة عن سطح المريخ، وهي تظهر بشكل واضح عوامل التآكل على هذا السطح، مثبتة أنه كان في ما مضى مسرحاً لجريان مياه غزيرة أمعنت في نحت جوانبه ووديانه. كما كشفت من ناحية أخرى أماكن تجمع للمياه على شكل طوف جليدي، يقع معظمها في المناطق القطبية منه.

الدلائل الحسية بعد الخيال العلمي
مقولة ماء أو مياه جارية تعني إمكانية وجود حياة. وهنا يكمن محور عمليات الاستكشاف الفضائي. فالكل يعرف مدى اهتمام الإنسان بكل ما يمس وجود الحياة على كوكبه، وحري بهذا الاهتمام أن يزداد عندما يكون الموضوع الحياة على كوكب آخر. وكما أشرنا سابقاً فإن وجود كائنات حية عاقلة كانت أم بدائية خارج نطاق الأرض مسألة راودت مخيلة البشر منذ أقدم العصور. ومع تقدم وسائل الرصد الفضائي، أصبح المريخ المرشح الأوفر حظاً لتأكيد هذا الاحتمال، وأتت الاستكشافات الأخيرة للكوكب الأحمر لتعزز هذا الاحتمال. فماذا نعرف اليوم من حقائق مؤكدة في هذا المجال؟

كان أول دليل حسّي طرح بشكل علمي احتمال وجود حياة على سطح المريخ هو قطعة النيزك التي اكتشفت في القطب الجنوبي للأرض في السابع والعشرين من ديسمبر عام 1984م. فبعد تحليلها بدقة تأكد أن مصدرها المريخ. وكان لهذا النيزك أن يبقى مغموراً مثل الكثير من أمثاله في أدراج المختبرات لو لم تعلن وكالة الفضاء الأمريكية في أغسطس 1986م عن اكتشافها ضمن هذه القطعة الصخرية الصغيرة آثار أحافير متحجرة يمكن أن تكون ناجمة عن كائنات حية مجهرية.

كان لهذا الاكتشاف صدى كبير في الأوساط العلمية العالمية، وشكّل الحافز الأكبر لتركيز الجهود على اكتشاف مؤشرات حياتية ولو في طور بدائي، فكان بذلك المبرر الأساس لمتابعة الرحلات الاستكشافية نحو الكوكب الأحمر.

وما يعزز آمال العلماء في الحصول على نتائج إيجابية في هذا المجال هو تشابه كوكبي الأرض والمريخ من ناحية النشوء والتطور في بداية عهديهما. وبالتالي، نظرياً، بوادر حياة قد ظهرت على المريخ كما كان شأنها على الأرض. ولا فرق بين الاثنين سوى أن هذه البوادر لم يتح لها التطور كما حصل على الأرض بسبب عدم قدرة المريخ على الاحتفاظ بالظروف المناخية المناسبة لمتابعة هذا التطور، فبقيت الكائنات الموجودة هناك في ذلك الحين على حالها، أي في طورها الجرثومي المجهري، وهذا ما يريد العلماء التأكد منه في الوقت الحاضر.

آخر المهمات الاستكشافية
في الثاني من شهر يونيو عام 2003م، أطلقت المركبة الفضائية الأوروبية “مارس اكسبرس” من قاعدة بايكونور في كازاخستان حاملة معها جهاز الهبوط “بيغل – 2” البريطاني المزود بأجهزة لتحليل التربة وسبر غورها. ومهمته الأساسية البحث عن المياه وعن أي أثر للحياة على سطح المريخ بواسطة المسبار الذي يحمله جهاز الهبوط. كما تحمل المركبة نفسها الرادار “مارسيس” الذي يستطيع سبر غور السطح المريخي على عمق كيلومترات عديدة بواسطة هوائياته البالغ مداها عند بسطها 40 متراً. وقد وصلت هذه المركبة إلى المريخ في 26 ديسمبر من العام الماضي، واتخذت مداراً لها حوله، إلا أنها فشلت في إنزال جهاز المسبار “بيجل – 2” الذي تحطّم على سطحه. وحتى الآن لم يجرؤ القائمون على المشروع على تشغيل الرادار مارسيس وبسط هوائياته المتسعة.

وفي الثامن من شهر يونيو عام 2003م أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية المركبة “سبيريت”، وبعدها بسبعة عشر يوماً المركبة “أبورتيونيتي”. وقد حطّت المركبتان بنجاح على سطح المريخ. في شهر يناير من العام الجاري. والمركبتان هما عبارة عن جهازي روبوت يتنقلان بواسطة ست عجلات، ويزن الواحد منهما 180 كيلوغراماً. أما مهمتهما فهي البحث عن الماء ومظاهر الحياة. وقد بدأتا بالفعل بفحص تربة المريخ وصخوره وتصويرها وإرسال النتائج بالراديو إلى الأرض. ويأمل العلماء في نهاية مهمات هاتين المركبتين، في الحصول على أجوبة دقيقة وجملة معطيات أخرى قد تمكنهم على ضوئها من تنظيم رحلات مأهولة نحو المريخ.

وما الذي سيلي ذلك؟ وما هي المراحل المقبلة في مغامرة الاستكشاف هذه؟

الرحلات المأهولة قريباً، أما الاستيطان..؟
اتخذ التركيز على الرحلات المأهولة إلى المريخ منحى جدياً وتنفيذياً إذا جاز التعبير. وقد وضعت وكالة الفضاء الأمريكية برنامجاً محدداً للتمكن من تحقيق هذه الرحلات. ولكن قبل إرسال إنسان إلى سطح المريخ، سترسل “الناسا” عام 2005م مركبة تحمل اسم “Mars Recomaissance Orliter”، مخصصة للاستطلاع وتهيئة الرحلات المأهولة، تتبعها مركبة أخرى تدعى “Scout” (الكشّاف) عام 2007م. ثم يلي ذلك في عام 2009م عدد من المركبات لجلب عينات من على سطح المريخ والعودة بها إلى الأرض، لنصل أخيراً وربما ليس آخراً إلى تنفيذ المشروع الذي أسمته “الناسا”: “Reference Mission”، وهو يتضمن إرسال ثلاثة طواقم يتألف كل منها من ستة روّاد لدراسة سطح المريخ ابتداء من عام 2011م.

أما على المدى البعيد، فإن عدداً من العلماء يفكر، منذ الآن، في ما بعد السيطرة الكاملة على الرحلات المأهولة إلى المريخ، ليصل إلى تأهيل هذا الكوكب بحيث يصبح صالحاً للسكن وكوكباً بديلاً عن الأرض في حال تعرضت هذه لكارثة عظمى.

هذا المشروع الذي يبدو الآن بعيد المنال أو شبه محال، يبقى من الناحية النظرية أمراً ممكناً طالما تم التأكد تقريباً من وجود الماء ولو على شكل جليد جوفي أو قطبي. أما بالنسبة للجو، فمن شبه المؤكد أن كل ما يلزم من أوكسجين ونيتروجين وغيرهما من مركبات الهواء الأرضي موجود ضمن الصخور السطحية أو الجوفية للمريخ، ويكفي لإطلاقها إحداث تفاعلات كيميائية معينة ليتم توفير الجو الملائم للحياة البشرية.

وعلى الرغم من هذه الإمكانيات المذهلة وانبهارنا بها، فإننا نتمنى ألا تحوجنا الظروف إلى مغادرة كوكبنا. لأننا نعتقد أننا لا نستطيع مهما فعلنا أن نجد بديلاً ملائماً. فالأرض هي هبة الله تعالى للإنسان الذي ينبغي عليه – قبل التفكير في الرحيل عنها – أن يعمل على الحفاظ عليها بكل ما أوتي من مقدرة وعلم ونبوغ.

————————————————————————

المريخ بالأرقام

يقع المريخ في المرتبة الرابعة في المجموعة الشمسية لجهة بعده عن الشمس بعد عطارد والزهرة والأرض. ويبلغ متوسط هذا البعد نحو 228 مليون كيلومتر. ويأتي بعده المشتري، زحل، أورانوس، نبتون، وأخيراً بلوتو.

أما مواصفات هذا الكوكب وخصائصه فنختصرها بما يأتي:
– متوسط قطره: 6,777 كلم (نحو نصف قطر الأرض تقريباً).
– بعده الأدنى عن الأرض: 56 مليون كلم (حصل هذا بتاريخ 28 أغسطس 2003م، وسيحدث بعد آخر بتاريخ 7 نوفمبر 2005م، حين سيكون هذا البعد 69.4 مليون كلم).
– بعده الأقصى عن الأرض: 400 مليون كلم.
– كتلته: 10.7% من كتلة الأرض.
– مساحته: 97.6% من مساحة اليابسة على الأرض.
– حجمه: 15.1% من حجم الأرض.
– اليوم المريخي: 24 ساعة و 37 دقيقة.
– السنة المريخية: 687 يوماً أرضياً.
– سرعته حول الشمس: 86,868 كلم في الساعة (سرعة الأرض هي 107,244 كلم في الساعة).
– كثافته: 3.94 غرام / سم3 (الأرض 5.51 غرام / سم3).
– الضغط الجوي: 0.55% من الضغط الجوي على سطح الأرض.
– تركيب غلافه الجوي: 95.3% ثاني أكسيد الكربون، 2.7% نيتروجين، 1.6% أرغون، 0.13% أوكسجين، 0.03% بخار الماء.
– الحرارة السطحية القصوى: 27 درجة مئوية.
– الحرارة السطحية الدنيا: 128 درجة مئوية تحت الصفر.
– جاذبيته: 38% من جاذبية الأرض.
– عدد أقماره اثنان: فوبوس (طوله 27 كلم وعرضه 22 كلم وسماكته 19 كلم)، ودايموس (طوله 15 كلم، وعرضه 12 كلم، وسماكته 11 كلم)، بينما يبلغ قطر القمر الأرضي 3,476 كلم.

أضف تعليق

التعليقات