الثقافة والأدب

مصير المكتبات الخاصة

  • 68-69
  • 70-71
  • 70a-(ahmad-shawky)
  • 70b-(Al-Jasser)
  • 70c-(taha-hussain)
  • 70d-(youssef-edrees)
  • 70e-(Bakatheer)
  • 71a-(abbas)
  • 71b-(Al-Aqeely)
  • 71c-(Haikal)
  • 71e-(moh
  • 75
  • 70c (taha hussain)
  • 68-69
  • 70-71
  • 70a (ahmad shawky)

المكتبة الخاصة.. هذه الملكية التي تحتل بعض جدران المنزل تبقى أغلى ما فيه على قلب صاحبها، لما لها من فضل في صياغة شخصيته ومكانته المهنية والثقافية وحياته ككل. لكن مصير المكتبة الخاصة لا بد أن ينفصل عن مصير صاحبها في وقت ما. فما هو مآلها؟ الانضمام إلى مكتبة عامة أكبر، البيع، البعثرة، أم الدمار؟.. احتمالات كثيرة ومختلفة يعرضها محمد الفوز في هذا التقرير.

لما سُئل العقّاد: “لماذا تقرأ؟”، أجاب: “لأن حياة واحدة لا تكفي”. وهو أيضاً من قال: “إن القراءة تضيف إلى عمر صاحبها أعماراً أخرى، هي أعمار الكتّاب والمفكرين والفلاسفة الذين نقرأ لهم”. والعقاد كما هو معروف لم يواصل تعليمه النظامي، فقد انقطع عن الدراسة في مراحلها الأولية. ومن خلال اجتهاده في تثقيف ذاته كوّن واحدة من أهم المكتبات الخاصة بشهادات المثقفين والأدباء الذين عاصروه. فإلام آلت هذه المكتبة الثرية بشتى المعارف التي حازها العقاد في مسيرة اتسمت بالمطالعة والبحث؟

إن الاهتمام بتأسيس مكتبة خاصة ظاهرة ثقافية عامة لا تختص بها أمة دون أخرى، بل نلحظها عند كل رجال العلم والأدب. والملاحظ أن كل متخصص أو مهتم بشأن معين يجمع في مكتبته الموضوعات والعناوين الداخلة ضمن إطار تخصصه, مضيفاً إليها موضوعات إثرائية في مجالات عامة. ويحرص كبار المتخصصين على أن يجمعوا في مكتباتهم نفائس الكتب والمخطوطات النادرة التي طالتها أيديهم خلال دراساتهم وأبحاثهم.. فترتقي مكتباتهم في كثير من الأحيان إلى مستوى يجعلها قبلة الطلاب والباحثين، وتصبح رابطاً يجمع العلماء ببعضهم.

أما مصير هذه المكتبات الخاصة بعد وفاة أصحابها فقد يكون أحياناً مأساة مثيرة لحساسية التاريخ. فما أنجزه الأقدمون ببطء وجهود مضنية استمرت لأجيال قد يضيع في لحظة عبثية، وفي المقابل قد يُحفظ بطريقة لائقة أو أفضل من سابقتها. فالورثة هم غالباً من يحدد مصير المكتبة الخاصة التي حازها والدهم أو جدهم. وإن حافظ البعض عليها لأسباب وجيهة، فهناك من لا يرى فيها إلا وسيلة للتفاخر ودليل وجاهة ومكانة اجتماعية مما يوطد العلاقة بها.. شكلياً فقط. ونتذكر هنا على سبيل المثال قصة العلاّمة الشيخ حمد الجاسر مع ورثة إحدى المكتبات الخاصة في الحجاز، عندما احتاج مخطوطة كتاب “بلاد العرب” للأصفهاني الذي قام بتحقيقه مع الدكتور صالح العلي، فقد رفض ورثة تلك المكتبة تقديم الكتاب للجاسر أو حتى إعارته إياه لنسخه وإرجاعه.. وذلك رغم المكانة الكبيرة التي كانت للشيخ في تحقيق التراث والحياة الثقافية في الجزيرة العربية.

إننا لن نقوم هنا بحصر مصائر المكتبات الخاصة.. ولكننا سنعرض بعض النماذج التي تدل على ما يمكن أن تنتهي إليه هذه الكنوز المعرفية.

أولاً: إهداؤها إلى مكتبات أكبر
وللمكان في هذا المجال خصوصية تلعب دوراً مؤثراً. فمعظم المكتبات الخاصة ذات الطابع الديني يُهدى إلى المساجد أو مواقع المشاعر المقدسة. وما يتعلق بالتربية والتعليم يُهدى إلى المدارس أو الجامعات أو المعاهد التدريبية. أما المكتبات الخاصة التي تُعنى بالبحوث والمطالعات الثقافية والوثائق والأرشيفات الصحافية فتهدى إلى المراكز الثقافية والمكتبات العامة التي يتجمع فيها المهتمون..

ففي الماضي، عكف العلامة ابن النفيس سنوات على تدوين موسوعة “الشامل في الصناعة الطبية” التي ما زالت حتى يومنا هذا أكبر موسوعة علمية في التاريخ الإنساني يكتبها شخص واحد. وقد وضع ابن النفيس مسوّداتها في 300 مجلد، بيّض منها 80 مجلداً حتى وافته المنية وهو في الثمانين من عمره عام 687هـ. وكان قد أوصى بالمجلدات الثمانين مع مكتبته وداره وأمواله إلى البيمارستان (المستشفى) المنصوري، حيث كان رئيساً لأطباء مصر.

كذلك أهدى الحاكم السابق لـ “دولة حلب” محمد مرعي باشا مكتبته إلى دار المكتبات الوقفية الإسلامية في المدينة. وقد أهدى المهندس علي رضا آل معين مجموعة خرائط ورسوم جغرافية وأثرية لهذه المكتبة التي ضمّت بدورها إلى مكتبة الأسد الوطنية بعد إنشائها في عام 1984م.

وتتكرر هذه النماذج من زمن إلى آخر. فنجد أن مكتبة الاسكندرية أُهديت مجموعة ضخمة من المكتبات المهمة ومنها مكتبة الكاتب الشهير محمد حسين هيكل صاحب أول رواية في الأدب العربي. وتضم مكتبته مجموعة ثمينة من الوثائق التاريخية التي كان يمتلكها، خاصة حول تلك الفترة العصيبة التي مرّ بها الوطن العربي في العقود الأولى من القرن العشرين. كذلك أهدى ورثة المفكر الراحل الدكتور عبدالرحمن بدوي مكتبة والدهم التي تضم نحو 12 ألف كتاب في الفلسفة والتراث والنقد الأدبي الحديث إلى مكتبة الاسكندرية التي تحظى بمكانة مهمة عند المثقفين على مستوى العالم لما تضمه من التراث العالمي، وقد حظيت بإهداءات خاصة كثيرة لا يتسع المجال لتعدادها.

أما دار الكتب والوثائق المصرية فقد حظيت بالحصة الكبرى من الإهداءات ولا تنافسها في هذا المجال أي مكتبة عامة أخرى. فقد خصّها أكثر من سبعين عالماً وأديباً ومثقفاً ورجل دولة وشاعراً بمكتباتهم الخاصة. ومنها مكتبة الإمام الشيخ محمد عبده التي تعتبر بالغة الأهمية في تاريخ مصر والعالم الإسلامي لما تحتويه من كتب ثمينة في الفكر الإسلامي والتاريخ والعلوم الشرعية، ويبلغ عدد كتبها 923 كتاباً. ومكتبة المؤرخ الشهير عبدالرحمن الرافعي التي ضمّت 2998 كتاباً في التاريخ والعلاقات ما بين الشعوب والآداب. ومكتبة وزير الاقتصاد المصري الأسبق الدكتور حسن عبّاس وضمّت 11 ألف كتاب في الاقتصاد الدولي والسياسة ومختلف العلوم. ومكتبة الكاتب الساخر محمد عفيف التي احتوت على علوم اللغة وآدابها وفنون كثيرة اعتنى بها الكاتب في حياته (2042 كتاباً)، ومكتبة الدكتورة عائشة عبدالرحمن الملقبة بـ “بنت الشاطئ” التي كتبت كثيراً في التاريخ الإسلامي والتراث وعلوم الشريعة (3700 كتاب) وأخيراً وليس آخراً مكتبة الكاتب الكبير توفيق الحكيم..

أما الجامعات، مقصد الأكاديميين وطلاب العلوم، فقد حظيت بالكثير من المكتبات الخاصة بالكتّاب والأساتذة والباحثين. فالدكتور يحيى حقي مثلاً أهدى مكتبته التي تضم نحو 10 آلاف كتاب إلى جامعة المنيا بصعيد مصر. كذلك أهدى كل من لويس عوض وإبراهيم المازني وحسين مؤنس مكتبته الخاصة إلى كلية الآداب في جامعة القاهرة. وتلقّت مكتبة الجامعة الأمريكية في القاهرة مكتبتي المهندس المعماري حسن فتحي والدكتور سليم حسن. أما مكتبة الجامعة الأمريكية في بيروت فقد كان عمودها الفقري المكتبة الخاصة التي امتلكها نعمة يافث وضمّت نحو 40 ألف كتاب. حتى أن الجامعة أطلقت اسمه على مكتبتها المركزية امتناناً لهذه الهدية السخية. وبشكل عام يمكن القول إن المكتبات الجامعية في بلاد الشام أُهديت من المكتبات الخاصة ما يصعب حصره بسبب النشاط الكبير في مجالات التعليم والتأليف والنشر والحياة الثقافية عموماً منذ أكثر من قرنين من الزمن.

ومكتبات السعودية
مثّل انتشار المكتبات الخاصة في المملكة العربية السعودية والجزيرة عموماً حالة شغف بالمطالعة تعويضاً عن تأخر انتشار التعليم. فاقتنى الكثيرون المكتبات الخاصة للتثقيف الذاتي.. ولاحقاً أهدي العديد منها إلى مكتبات مركزية.

ولأن مكتبة الملك فهد الوطنية تعتبر المكتبة الكبرى في المملكة، فقد حظيت باهتمام خاص من قبل أصحاب المكتبات الخاصة. ووصل عدد ما انتقل إليها من هذه المكتبات إلى سبع وعشرين مكتبة تقريباً.

والمكتبات التي تم إهداؤها إلى مكتبة الملك فهد الوطنية ثماني عشرة، وهي: مكتبة الشيخ محمد بن عبدالعزيز المانع وتضم 5480 كتاباً ونحو ألف وثيقة وسجل من المراسلات والبرقيات مع الملوك والعلماء. وأهم ما يميزها هو كثرة ما تحويه من نوادر المطبوعات السعودية والعربية في علوم الشريعة والتاريخ وما بها من تعليمات كتبها المانع بيده، إضافة إلى مخطوطات للمانع نفسه.

ومكتبة الشيخ عبدالله بن خميس التي يبلغ عدد كتبها نحو 7740 كتاباً، من ضمنها نوادر المطبوعات السعودية والعربية وما له صلة بتاريخ الجزيرة العربية وآدابها وجغرافيتها، إضافة إلى أوائل الدوريات السعودية والعربية الكاملة مثل “الجزيرة” و”العرب” و”الرسالة”.

ومكتبة الشيخ عثمان بن حمد الحقيل وتعد من أكبر المكتبات الخاصة المهداة إلى مكتبة الملك فهد الوطنية بمجموع كتب بلغ 7400 كتاب في الدين والتراث العربي.

كذلك أُهديت إلى مكتبة الملك فهد الوطنية المكتبات الخاصة العائدة إلى كل من الأديب محمد حسين زيدان (4420 كتاباً)؛ وفوزان بن عبدالعزيز الفوزان (4470 كتاباً) الذي كان قد أوصى بذلك قبيل وفاته رحمه الله؛ والدكتور إبراهيم السلّوم (4890 كتاباً)؛ والرسام محمد موسى السليم وهي غنية بكتب التاريخ والآداب والفنون الجميلة والطوابع؛ والأديب محمد منصور الشقحاء (8960 كتاباً)، والشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العنقري، والشيخ عبدالله بن عمر آل الشيخ، والشيخ عبدالله بن محمد النصبان، والشيخ حسين بن عبدالله الجريسي، ورجل الأعمال سليمان الصالح، والمؤرخ سعد الجنيدل، والوراق أحمد عيسى كلاس (5000 كتاب)، والمفكر المعروف عبدالله القصيمي.

كما اشترت مكتبة الملك فهد الوطنية تسع مكتبات خاصة، وهي مكتبات: جميل أحمد أبو سليمان، سعد بن ناصر بن محمد عبدالله الخميس، الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن عقيل الظاهري، فوزان بن سابق الفوزان، عبدالسلام هارون، محمد عوض محمد، المستعرب الأمريكي بيلي وايندر، محمد العباس القباح، والدكتور ناصر الرشيد.

من جهة أخرى، حظيت الجامعات السعودية بمجموعة من المكتبات الخاصة. فقد أُهديت جامعة الملك سعود في الرياض مكتبة العلامة الزركلي، ومكتبة الأديب الشاعر محمد بن أحمد العقيلي. كذلك حصلت المكتبة المركزية في جامعة الملك فيصل في الأحساء على عدد من المكتبات الخاصة ومنها مكتبة الدكتور محمد صالح، ومكتبة السيد أحمد الهاشم، ومكتبة الشيخ محمد بن عبدالله العبدالقادر التي تضم مجموعة مخطوطات أهداها ورثة الشيخ للجامعة. كما تلقت الجامعة من زوجة الدكتور عاطف قادوس مكتبة زوجها ذات المواضيع المتنوعة.. وحظيت جامعات أخرى بمجموعات لا بأس بها من المكتبات الخاصة، مثل جامعة الإمام محمد بن سعود وجامعة أم القرى وجامعة الملك عبدالعزيز، الأمر الذي يؤكد ثقة الأدباء والمفكرين والمثقفين عموماً بهذه الصروح العلمية.

الأندية الأدبية في السعودية نالت نصيبها أيضاً من عطاءات المثقفين في هذا المجال. ومن أشهر الأمثلة التي يمكن ذكرها هنا النادي الأدبي في مكة المكرمة الذي أهداه ورثة الأديب والشاعر حسين عرب مكتبته الخاصة التي تضم آلاف المجلدات العربية في الأدب والتاريخ والعلوم الشرعية.

أما ورثة الدكتور توفيق التميمي فقد أهدوا مكتبته، بحكم التخصص، إلى المستشفى التعليمي في الخبر.

ثانياً: بيع المكتبات الخاصة
الرئيس المصري الأسبق اللواء محمد نجيب الذي كان يسكن في عمارة بضاحية المرج شمال القاهرة أمضى سنواته الأخيرة في القراءة التي كانت هوايته، وجمع مكتبة ضمّت خمسة آلاف مجلد في العلوم العسكرية والسياسية والجغرافية. وبعيد وفاته قام ابنه مجدي ببيعها إلى تجار الكتب القديمة بمبلغ 500 جنيه مصري فقط!! كما بيعت مكتبة المؤرخ السينمائي أحمد كامل مرسي إلى أحد تجار الكتب القديمة بمبلغ 15 ألف جنيه فقط.

وفي قديم بلادنا بيعت مكتبة العلامة أحمد بن إبراهيم بن عيسى النجدي بعد وفاته لسداد دين كان عليه. كذلك بيعت مكتبة محمد بن عبدالرحمن الكرود الأحسائي لسداد دين. وشهدنا منذ وقت قريب عرض مكتبة الأديب أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري للبيع إثر ضائقة مالية مرّ بها.

واضطرّت الظروف التي عاشها ورثة الأديب الراحل أبو تراب الظاهري المتوفى عام 1423هـ، لعرض مكتبته للبيع، حتى أن نجله محمد قال: “اضطررت إلى ذلك لأن إمكاناتي لا تسمح بالحفاظ عليها على الرغم من رغبتي الشديدة في ذلك”. ويذكر أن هذه المكتبة تضم أصول مخطوطات قديمة يعود بعضها إلى أكثر من 500 عام، ومنها على سبيل المثال مخطوطة للإمام العيني.

وبشكل عام يمكن القول إن بيع المكتبات الخاصة يمكنه أن يأخذ واحداً من مسارين: إما بيعها إلى مكتبة كبرى أو مؤسسة مهتمة فعلاً بها، وهذا يحفظ لها الكثير من قيمتها، وإما بيعها إلى صغار التجار الذين يبعثرونها كيفما اتفق والأمر هنا يشكل نهاية محزنة لماضٍ كان مبهجاً.

ثالثاً: الإهمال والنسيان
رفض عباس محمود العقاد بيع مكتبته في حياته رغم العروض المغرية التي تلقاها. ولكن الذي حصل هو أنه بعد وفاة الأديب الكبير، وقعت مكتبته في يد امرأة تجهل كل شيء عن قيمة هذا الميراث، فرمتها في الشارع مع الكراكيب والمخلفات التي يجب التخلص منها!!!

أما مكتبة الشاعر أحمد باكثير، الذي توفي في عام 1969م، فلا تزال حتى اليوم تقبع في سرداب إحدى العمارات بالقاهرة وسط ظروف سيئة جداً. ويسعى الناقد الدكتور محمد بوبكر إلى ضم أعمال باكثير ومكتبته في متحف خاص، لكن جهوده الفردية لا يبدو حتى الآن أنها كافية.

ومكتبة المفكر الإسلامي الراحل أنور الجندي، المتوفى قبل سنتين، تعتبر ثروة حقيقية من دون أن يكون هناك مهتم بها في الوقت الحاضر. وتتفاقم المصيبة عند الدكتور حسين مجيب المصري (88 عاماً) الذي كان أستاذاً للدراسات الشرقية بكلية الآداب في جامعة عين شمس في مصر. فالرجل بنى مكتبة خاصة يزيد عدد مجلداتها على الثلاثين ألفاً من بينها المخطوطات النادرة. وهذه المكتبة ترزح اليوم تحت الأتربة والغبار والرطوبة، وبدأ السوس ينخرها. وصاحبها يكتفي بالتمني بأن تقوم جهة ما بتبويبها وفهرستها والعناية بها..

ومكتبة وديع فلسطين الذي تجاوز عمره الثمانين، تضم إضافة إلى آلاف الدواوين الشعرية والدراسات الأدبية نحو 10 آلاف رسالة أدبية وفكرية متبادلة بينه وبين حشد من الأعلام العرب في القرن العشرين أمثال الشيخ حسن البنّا، سيد قطب، الشيخ الشعراوي، العقاد، الرافعي، أحمد حسن الزيّات، علي الطنطاوي، ابراهيم ناجي، وحمد الجاسر وغيرهم.. وهذه الرسائل لا تزال غير منشورة ولا تجد أي اهتمام من المؤسسات والمنظمات الثقافية.

والأغرب من كل ما تقدم، أن نحو عشرة كتب من تأليف رائد العربية في العصر الحديث مصطفى صادق الرافعي المتوفى عام 1937م، لا تزال مخطوطة بيده ولم تنشر. وهذه الكتب موجودة ضمن مكتبته التي آلت إلى حفيدته. وهذه الأخيرة تجاوزت اليوم السبعين ولا تزال تطلق نداءات لإغاثة هذا التراث ونشره!

وهناك العديد من المكتبات الخاصة التي نتساءل عن مصيرها ولا يأتينا جواب. مثل مكتبة الأديبة مي زيادة التي كانت محطّ أطماع ذويها. ولا ندري ما آلت إليه، ولا مصير رسائلها إلى جبران خليل جبران.. رغم ظهور بعض رسائل جبران إليها عند أحد باعة الأثريات في بيرت وعددها ثلاث، معروضة للبيع بعشرة آلاف دولار أمريكي.

رابعاً: الضياع والتدمير
يذكر أن علي بن محمد السناني (توفي عام 1339هـ) جمع مكتبة ضخمة أغلبها من المخطوطات. ودمّر معظم ما في هذه المكتبة عام 1322هـ عندما اجتاحت السيول مدينة عنيزة وهدمت منزله. والشيخ سليمان بن صالح البسّام (توفي عام 1405هـ) خلّف مكتبة نفيسة جداً، لكنها ضاعت بوفاته. وبعد وفاة الشيخ حمد بن ناصر العسكر في المجمعة، ولم يكن له أولاد يرثونه، تفرّقت مكتبته الثمينة وتبعثرت.

ومن أشهر المكتبات التي ضاعت أيضاً مكتبة شيخ الأزهر الأسبق محمد الفحام التي كانت كنزاً من المخطوطات النادرة، ومكتبة المرجع الشعبي الدكتور عبدالحميد يونس.

والأحداث التي عصفت بلبنان على مدى سبع عشرة سنة دمّرت العديد من المكتبات. منها مكتبة الشيخ حمد الجاسر التي كانت تقع في أحد مباني وسط بيروت وأتى حريق عليها بأكملها. والتهمت النيران أيضاً مكتبة الأمير حافظ شهاب وكانت تضم نحو ثلاثمائة وثيقة تاريخية تتعلق بتاريخ لبنان ومراسلات أمرائه خلال القرون الماضية. كما أدى تدمير مبنى الكوليدج هول في الجامعة الأمريكية إلى ضياع مجموعات نادرة من مكتبة الدكتور محمد يوسف نجم.. والأحداث نفسها أتت على عشرات ومئات المكتبات الخاصة التي كانت في منازل اللبنانيين.

خامساً: السرقة
تعرضت مكتبة طه حسين للسرقة على أيدي تجار الكتب القديمة. ولم يبق منها في دار الكتب ومكتبة مُتحفه سوى سبعة آلاف كتاب، بينما تذكر زوجته السيدة سوزان أن مكتبته كانت تضم نحو 30 ألف كتاب. فالناقص منها إذن 21 ألف كتاب!

سادساً: الاحتفاظ بها
كان للشيخ حمد الجاسر مكتبة خاصة في منزله بالرياض (غير تلك التي احترقت في بيروت)، وقد تم نقل هذه المكتبة إلى مركز حمد الجاسر الثقافي الذي تم إنشاؤه برعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان ابن عبدالعزيز، والغاية منه الاهتمام بإنجازات الجاسر وخدمة الباحثين.

كذلك قرر ورثة الأديب يوسف إدريس الاحتفاظ بالمكتبة التي خلّفها الراحل، لكن من دون تسليمها إلى أية جهة أو مؤسسة ثقافية تُمكن الباحثين من الاستفادة منها.

ومكتبة أمير الشعراء أحمد شوقي بقيت على حالها أيضاً. فقد أصدرت الحكومة المصرية قراراً في عام 1972م بنزع ملكية “كرمة ابن هاني” وتحويلها إلى متحف، وهي الدار التي كان أمير الشعراء قد بناها في عام 1920م، وأطلق عليها هذا الاسم ولعاً بالشاعر الحسن بن هاني “أبو نواس”. وقد افتتح متحف شوقي في 17 يونيو 1977م، وهو يضم مكتبة الشاعر التي تحتوي على 335 كتاباً، ومسودات بعض قصائده وكتاباته النثرية و 713 ورقة عليها كتابات بخط الشاعر.

تهريب الذاكرة
في معرض حديثه عن المكانة العلمية لمدينة طرابلس (لبنان) خلال القرن الخامس الهجري، يؤكد المؤرخ ابن الفرات أن عدد الكتب والمجلدات التي كانت في مكتبة بني عمّار المعروفة باسم دار الحكمة قد فاق الثلاثة ملايين. ولكن هذه المكتبة أُحرقت برمتها على أيدي الصليبيين الذين غزوا المدينة عام 503هـ. غير أن فترة الحروب الصليبية نفسها شهدت بداية اهتمام الغربيين بالثقافة العربية. وبدأت عمليات نهب كبيرة جهاراً حيناً وسراً أحياناً للكتب العربية النادرة والنفيسة التي صارت اليوم فوق أية قدرة على إحصائها في المكتبات الأوروبية الكبرى.

فبعد الاستفادة من جهل العامة في القرون الوسطى، وبعد الحماية الكبرى التي صارت المكتبات العامة تتمع بها، تحولت أنظار اللصوص إلى المكتبات الخاصة. وأفضل مناخ يمكن لهؤلاء أن يعملوا به هو حيثما كانت الأوضاع مضطربة. ولعل الحالة التي تمثلها مدينة القدس هي أوضح مثال.

فسجلات المحاكم الشرعية في القدس تشير إلى وجود الكثير من المكتبات الخاصة التي تعود إلى العصر المملوكي والعثماني. ومن هذه المكتبات على سبيل المثال مكتبة القاضي فخر الدين محمد بن فضل الله (توفي عام 1331م) التي أوقفها على مدرسة الخانقاه في المدينة، وتضم هذه المكتبة نحو 10 آلاف مخطوطة في الفقه وعلم الفلك، ومكتبة الشيخ برهان الدين بن جماعة خطيب المسجد الأقصى (توفي عام 1388هـ)، ومكتبة مفتي القدس الشيخ حسن بن عبداللطيف الحسيني، والعشرات والمئات غيرهم.. كل هذه المكتبات المسجلة بدقة كانت تتجمع بمرور الوقت في “خزائن الكتب” – تسمى هكذا لأن مكتبات القدس كانت مجرد خزائن، ولم يكن فيها قاعات للقراءة – ولكن أين أصبحت هذه الخزائن اليوم؟

لا أحد يعرف.

لقد ضاع قسم كبير من محتوياتها وأتلف قسم آخر، وسرق قسم ثالث، بعضه بيع بأبخس الأثمان، وبعضه بيع للعارفين في مكتبات غربية..

والغريب أن الوعي العام الذي صار مهتماً بمصير الفنون والآثار وبوجوب الحفاظ عليها، لا يزال مقصراً جداً على صعيد الاهتمام بالكتاب. فالأضرار وعمليات السرقة التي تعرضت لها الآثار العراقية قبل أشهر قليلة، حظيت بضجيج عالمي واستنفار عام لاستعادة ما يمكن منها. ولكن الحديث عمّا أصاب المكتبات الخاصة في بغداد لم يصل إلى الآذان.. هذا إن دار أصلاً مثل هذا الحديث. فالمكتبة الخاصة شيء يُبنى ببطء على مدى عمر صاحبها، لكنها قد تؤول إلى الزوال في لحظات.. وبصمت.

————————————————————

الحروب والمكتبات
جهاد فاضل

تقضي الحرب قضاءً سهلاً على المكتبات. فهذه الأخيرة لا تملك سلاحاً تدافع به عن نفسها. والمتقاتلون، سواء أكانوا مهاجمين أم مدافعين، لا يُعنون عادةً بصيانة المكتبات أو تحييدها، بقدر ما يُعنون بكسب المعركة والانتصار على العدو.

ولكن حروباً كثيرة في التاريخ كان لدى قادتها وعي إما بأهمية المكتبات وضرورة المحافظة عليها، وإما التخلص منها، فعملوا على إنقاذها كي يستفيدوا منها لاحقاً، أو على إتلافها وحرقها كي يتخلصوا من حقبة تاريخية ترمز إليها. فأعداء العرب يقولون إن عمرو بن العاص عندما فتح مدينة الاسكندرية، عمد إلى حرق مكتبتها التاريخية الشهيرة المملوءة بالمصنفات الفلسفية لأنها كانت ترمز إلى حقبة اعتبرها العرب وثنية فكان عليهم التخلص من آثارها الفكرية. ولكن المصادر العربية القديمة تؤكد أن العرب عندما دخلوا الاسكندرية لم يجدوا مكتبتها التي تحولت إلى رماد منذ زمن طويل.

ولكن كثيراً ما ينقض الفاتحون والغزاة على المكتبات لأنها ترمز بنظرهم إلى ثقافة عدوة أو رجعية. فالشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف يقول إن البلاشفة عندما دخلوا داغستان وبقية بلدان آسيا الوسطى الإسلامية، ومنها سمرقند وبخارى، عقب الثورة البولشفية لعام 1917م، عمدوا إلى التخلص سريعاً من مكتباتها الإسلامية القديمة. ويترحم رسول حمزاتوف في كتابه (داغستان بلدي) على هذه المكتبات التي كان مسلمو بلاد التركستان وما وراء النهر ينظرون إليها على أنها واحدة من صِلات الروح التي تربطهم ببلاد الرسول صلى الله عليه وسلّم.

وفي التاريخ، إن مياه دجلة اصطبغت لمدة طويلة بلون الحبر عندما احتل المغول بغداد وقذفوا إلى النهر بما كانت تضمه مكتبات الحاضرة العباسية من روائع التراث وبخاصة ما كان يحتويه (بيت الحكمة) وهو نوع قديم من الأكاديميات والمراكز العلمية والثقافية، من الكتب.

ويحفظ التاريخ أمثلة كثيرة على مكتبات ذُبحت قرب نهر، فبكى عليها النهر، فعندما تغلب الملكان الإسبانيان فرديناند وإيزابيلا على “أبو عبد الله”، آخر ملوك غرناطة، شاهد كثير من الإسبان المنتصرين ما لا يُحصى من المخطوطات العربية مرمية على جسور النهر، أو في النهر ذاته. كانت هذه المخطوطات حصيلة مرحلة تاريخية كاملة كانت الحضارة الانسانية قد انتقلت خلالها إلى العرب. ومن هذه الحضارة قبست أوروبا أنوار نهضتها المعاصرة. ولكن الذين انتصروا على غرناطة الإسلامية لم يعنوا بالتفريق بين ما هو للحضارة، أو من الحضارة، فيحفظونه، وبين ما ليس منها فيهملونه، بل أشعلوا النار في كل ما وقعت عليه أيديهم من نتاج أعدائهم.

وفي العصر الحديث أتت الحرب اللبنانية على مكتبات كثيرة منها العام ومنها الخاص. فقد نُهبت المكتبة الوطنية العامة التي كانت تقع قرب مجلس النواب، وما بقي منها لا يزال حتى الساعة محفوظاً في صناديق مقفلة مودعة في بعض مخازن وزارة التربية في سن الفيل. ولم تقم لهذه المكتبة قائمة حتى الساعة. وتعرضت مكتبات خاصة كثيرة للقصف أو للسرقة، أو كليهما. من هذه المكتبات، مكتبة أول رئيس للجامعة اللبنانية عند انشائها، وهو الدكتور خليل الجر التي كانت ملأى بآلاف الكتب. وأيضاً مكتبة المفكر والباحث الفلسطيني أكرم زعيتر، ومكتبة الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، ومكتبات كثيرة كانت ملأى بثمار الفكر البشري.

لا تخصّ المكتبات، أيا كانت، شخصاً بعينه، ولو كان من حيث الظاهر أو الملكية مالكاً لها. كما أنها لا تخصّ بلداً معيناً ولو كانت مكتبات رسمية تابعة للدولة. فإذا كان الشاعر يقول:
وإنما أولادنا بيننا
أكبادُنا تمشي على الأرض

فالمكتبات هي أكباد الحضارة الإنسانية، فيها خلاصتها وإليها وحدها تنتسب!

———————————————————

اقرأ للمكتبات
المكتبات والمعلومات السعودية

يتناول الدكتور علي إبراهيم النملة في كتابه هذا أهمية المكتبات ومراكز المعلومات في المملكة العربية السعودية، والوظائف العديدة التي تقوم بها، خاصة أن هذه المكتبات تعد من المؤشرات الحساسة على تطور أية هيئة, حكومية كانت أم خاصة.

ويتطرق الكاتب إلى الوعي العام بأهمية المكتبات وارتباطها الوثيق بالتنمية. ويعرض جملة أفكار حول الدور المهم الذي يمكن للمكتبة الوطنية أن تلعبه في رعاية الكتاب عموماً وضمان توافره والتأكد من قانونية تأليفه ونشره مع ما يترتب على ذلك من حقوق وواجبات. كما يقترح ربط المكتبات الوطنية الكبرى بمقاعد الدراسة الجامعية ومعاهد الدراسات العليا لتيسير التواصل ودعم الدراسات التي يقوم بها الطلبة.

كما يتطرق المؤلف إلى المكتبات المدرسية ومفهومها المتجدد وضرورة الالتزام بتنشيطها، حتى تنتج قرّاءً في أعمارٍ مبكرة يسهل توجيههم لاحقاً إلى المكتبات الصغيرة، ومنها المكتبات الخاصة.

أضف تعليق

التعليقات

maha ali

بيع المكتبات الخاصة أراها ظاهرة طبيعية واقتصادية لا داعي لتحويلها إلى قصة حزينة ، الكتب ليست تحف فنية يجمعها الإنسان للزينة، إذا قرأت الكتاب واستفدت منه ولم تعد تحتاجه بادر إلى بيعه تفيد وتستفيد.

فهيمة أم أسماء

أظن أن إهداء الكتب خاصة النادرة منها ليستفيد منها الطلاب بمؤسساتنا التربوية هي أحسن طريقة لنفيد و نستفيد.