كان الرسام الرومنطيقي الفرنسي أوجين ديلاكروا (1798 – 1863م) في العشرينيات من عمره عندما تفتقت عبقريته عن مجموعة لوحات تُعد رائدة في التيار الرومنطيقي ومؤسسة له، ومن مفاخر متحف «اللوفر» اليوم، مثل لوحته العملاقة «موت ساردا نابالوس» و«ومذبحة كيوس»، إضافة إلى تحفته الشهيرة «الحرية تقود الشعب» التي رسمها وهو في الثانية والثلاثين من عمره عام 1830م، وتُعد صورة للروح الوطنية والثورية في فرنسا ورمزاً لها.
رحلته إلى المغرب
في عام 1832م، سافر ديلاكروا برفقة دبلوماسي يُدعى لوكونت دي مورناي إلى المغرب، لمقابلة سلطانها وبحث بعض المستجدات التي طرأت غداة احتلال فرنسا للجزائر. ووصلت البعثة الدبلوماسية هذه إلى طنجة في أواخر يناير من ذلك العام، ومنها انتقلت إلى مكناس لمقابلة السلطان وكان ذلك خلال شهري مارس وأبريل، قبل أن تعود أدراجها إلى فرنسا عبر وهران في الجزائر في يونيو – يوليو من ذلك العام.
ستة أشهر أمضاها ديلاكروا في المغرب العربي، لم تشغل المهمة الدبلوماسية إلا بضعة أيام منها. فتسنَّى له أن يشبع فضوله وعطشه إلى استكشاف عالم يختلف كل الاختلاف عن المدينة الباريسية التي أراد الهروب منها وكأنه يكرهها، للاطلاع على غيرها.
تميَّزت هذه اللوحات ببلوغ لغة ديلاكروا الفنية ذروتها من حيث قدرتها على التعبير عن الحركة المشحونة بالعواطف، الأمر الذي وضعه على رأس المدرسة الرومنطيقية في فرنسا دون منافس قريب..
رسم ديلاكروا في هذه الرحلة مئات وربما آلاف الرسوم ومن دون توقف، معظمها بالقلم الفحمي، وبعضها بالألوان المائية، وملأ دفاتر كاملة بالملاحظات التشكيلية حول مشاهداته. الأمر الذي وفَّر له مخزوناً لرسم مئة لوحة ذات مواضيع شرقية، ظلت تشغله حتى وفاته في باريس بعد تلك الرحلة بعد 31 سنة على تلك الرحلة.
كان ديلاكروا قد رسم بعض المواضيع الاستشراقية قبل أن يزور المغرب، ولكن تلك التي أنتجها بعد الزيارة جاءت مختلفة عن الشرق المتخيَّل الذي ظهر في لوحاته قبلها، فباتت تشكَّل مجتمعة فصلاً رئيساً من فصول سيرته الفنية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: «طنجة» (1838م) و«صيد الأسود» (1855م)، «خيول عربية تتصارع في الأسطبل» (1860م)، و«مغربي يسرج حصانه» (1855م) وغيرها.
جمالياً، تميَّزت هذه اللوحات ببلوغ لغة ديلاكروا الفنية ذروتها في القدرة على التعبير عن الحركة المشحونة بالعواطف، الأمر الذي وضعه على رأس المدرسة الرومنطيقية في فرنسا دون منافس قريب.
وسياسياً، صبَّ ديلاكروا بأعماله هذه الزيت على نار الاستشراق، فاندفع عشرات الفنانين الفرنسيين إلى الشرق يبحثون عن مصادر إلهام مختلفة مشابهة لتلك التي ألهمت ديلاكروا، خاصة بعدما ذاع قوله الشهير في وصف المغرب: «عند كل خطوة، هناك لوحات جاهزة للرسم يمكنها أن تُشغل عشرين جيلاً من الفنانين».