قصة مبتكر
قصة ابتكار
أنطون فان ليفنهوك
ماكينة الخياطة
خلال القرن السابع عشر الميلادي كان العالم بأسره منهمكاً في الاكتشافات الجغرافية الكبرى مثل استكشاف المناطق المجهولة في القارة الأمريكية الجديدة، وتطوير صناعة التلسكوبات لدراسة حركة الكواكب والنجوم واستكشاف الفضاء. وحده انطون فان ليفنهوك كان يتطلع في الاتجاه المعاكس، صوب الأشياء الصغيرة، الصغيرة إلى درجة لا تراها العين. وهنا تكمن عبقريته.
ولد فان ليفنهوك في مدينة دلف بهولندا عام 1632م. وبعدما تمرن وعمل كاتباً في محل لبيع المنسوجات، تزوج وفتح محلاً لبيع الأقمشة، كما حصل أيضاً على وظيفة بواب مجلس المدينة. حافظ الرجل على عمله نفسه ومنهج عمله اليومي حتى توفي وهو في الحادية والتسعين، الأمر الذي ساعده على ممارسة هوايته وإشباع رغبته العارمة في جلخ العدسات المكبرة الواحدة تلو الأخرى. وبلغ مجمل ما صنعه منها نحو أربعمئة.
كانت عدسات فان ليفنهوك صغيرة الحجم لا يزيد قطر الواحدة منها على ربع بوصة، أي بحجم حرف O تقريباً. غير أنها كانت ذات نوعية ممتازة وفاعلة بطريقة تدعو للإعجاب. كما كان يصنع بنفسه الحوامل القوية التي تحمل العدسات الدقيقة.
راح هذا المبتكر يتطلع من مجهره إلى كل الأشياء الصغيرة التي تخطر على البال: الأنسجة الجلدية، أرجل ذبابة ورأسها، وماء المطر الذي أخذه من بركة راكدة فاكتشف فيه "حيوانات صغيرة" تعوم وتتحرك أسماها "البهيميات الحقيرة". جرح إصبعه واختبر الدم واكتشف الكريات الحمراء. وفي عام 1674م قدم كل مكتشفاته للجمعية الملكية في هولندا التي ازداد اهتمامها بهذه المكتشفات وكرمت مبتكر المجهر وانتخبته عضواً فيها عام 1680م. بعد ذلك بثلاث سنوات فقط وضع فان ليفنهوك أول رسومات للبكتيريا.
وذاعت شهرته بفضل الدعاية التي قامت بها الجمعية الملكية والأكاديمية الباريسية للعلوم التي كانت تتلقى هي الأخرى رسائله. فحضر قيصر روسيا بطرس الأكبر لزيارته في منزله، كما زارته ملكة إنجلترا، إذ إن النظر من خلال المجهر إلى ذلك العالم المجهول الذي لا تستطيع العين أن تراه تحوّل إلى رغبة عارمة عند مشاهير العالم وقادته الذين وصلت إلى مسامعهم أخبار هذا الابتكار.
بلغ عدد الرسائل التي وجهها ليفنهوك إلى الجمعية الهولندية نحو 375 رسالة، تضمّن معظمها اكتشافاته المتتالية بدءاً بالفطر الموجود على الجلد أو اللحم، وانتهاءً بسوس الحبوب، وكان أول من أثبت أن أصغر مظاهر الحياة الحيوانية ناجمة عن التكاثر، ولا تنتج تلقائياً من مادة أخرى عندما تفسد كما كان الاعتقاد شائعاً قبل ذلك. وفي الأمر ما يكفي لإظهار ما يدين به العلم الحديث لـ "أمين مخزن" غير متعلم، لكنه شغوف بجلخ الزجاج، عمل بصبر لا ينفد وتمتع بقوة ملاحظة جعلته يقفز بالعالم مثل هذه القفزة العملاقة إلى الأمام.
يعود الفضل في ابتكار آلة الخياطة إلى "إلياس هاو" الذي كان يعمل في متجر للآلات في بوسطن، وسمع ذات مرة حديثاً عابراً قال فيه صاحب المتجر لأحد العمال: "لماذا لا تبتكر آلة لحياكة الملابس تكسب بها ثروة؟".
كان راتب هاو لا يزيد على الدولارين أسبوعياً. وبسبب حاجته الماسة إلى المال، صبّ كل جهوده على محاولة اختراع آلة الحياكة هذه. فراح يراقب حركات يدي زوجته وهي تخيط الملابس، وابتكر أولاً، في عام 1839م، آلة تقلد هذه الحركة، ولكنها كانت غير عملية على الإطلاق.
ولاحظ الرجل ذات مرة وهو يصلح إحدى الساعات أن أجزاء عديدة في داخلها تتحرك في الوقت نفسه، فعرف أن المبدأ نفسه هو ما تحتاجه آلة الخياطة. وأدرك أهمية وجود إبرتين تعملان في الوقت نفسه، واحدة تغرز الخيط عمودياً، وأخرى تسحبه أفقياً من الأسفل. ويقال إنه شاهد في منامه سهماً أو إبرة على شكل سهم وبها ثقب في طرفها، فأدرك أن ثقب الإبرة يجب أن يكون عند طرفها الدقيق على عكس الإبرة العادية.
بعد سبعة أعوام من الجهود، صنع هاو أول آلة تستطيع أن تخيط القماش بغرزات سريعة في خط مستقيم، وباعها بثمن باهظ قدره 300 دولار. ولكن كفاءة الآلة لم تكن عالية فرفض الصناعيون تسويقها، الأمر الذي دفع بهذا المبتكر إلى الهجرة إلى إنجلترا مع عائلته يأساً وإحباطاً.
بعد سنتين، عاد هاو إلى أمريكا وهو أشد فقراً مما كان عليه. غير أنه فوجئ بوجود آلات الخياطة معروضة في المتاجر وبثمن لا يزيد على 100 دولار، فعلم أنه تم الاستيلاء على اختراعه.
غامر هاو في دخول معركة قضائية طويلة أمام المحاكم، انتهت بأن حكم القاضي بأن الرجل هو المبتكر الأصلي لهذه الآلة الجديدة، وألزم كل المنتجين بدفع حقوق الاختراع لصاحبه مقابل كل الآلات المصنوعة. وبهذا أصبح هاو ثرياً جداً في وقت قصير، ووصل مدخوله الأسبوعي إلى نحو 4000 دولار.
وفي عام 1850م، طوّر المخترع سنجر هذه الآلة وأعطاها شكلها النهائي الذي استمر الأشهر عالمياً على مدى قرن كامل وأكثر. وبعدما طوّرت ماكينة الخياطة في القرن العشرين وأصبحت كهربائية، فإن دور الكهرباء اقتصر على توفير جهود اليدين أو القدمين للخياط، لأن المبدأ القديم لعمل هذه الآلة بقي هو نفسه.
|