عادت الملاريا.. إلى دائرة الأضواء الإعلامية بالطبع. لأن هذا المرض لم يختفِ حتى نتحدث عن عودته.

ولكن، فجأة, كثر الحديث عن هذا المرض وعن الأعداد المرعبة من الضحايا التي يفتك بها, وكأنه وباء جديد مع أنه ليس كذلك على الإطلاق.

والحديث عن هذا المرض هو لمناسبة السعي إلى وضع لقاح يقي منه، رغم التاريخ الطويل الذي مرَّ على وجوده وفتكه بملايين البشر.

تقول دراسات الأمم المتحدة إن الملاريا تتوطن حالياً في نحو 100 دولة, معظمها من أفقر دول العالم, وتؤدي إلى وفاة أكثر من مليون شخص سنوياً, من أصل 500 مليون يصابون بها. والأدهى من كل ذلك، وما يكشف الكثير من الغموض, هو أن %90 من هذه الوفيات تقع في إفريقيا.

أما في الشرق الأوسط, وإن تحسن الحال مؤخراً عما كان عليه قبل سنوات قليلة، فلا يزال عدد الذين يصابون بالملاريا يزيد على مليوني نسمة سنوياً.

نسبة وفيات الملاريا هي إذن ثلاثة أضعاف الوفيات بمرض الإيدز الذي يثير الرعب عالمياً والكثير الكثير من الاهتمام والضوضاء والأضواء.

ومن دون الدخول في المسائل العلمية حول صعوبة اكتشاف لقاح يقي من الإيدز مقارنة بلقاح ضد الملاريا, يمكننا الجزم بأن الجهود التي بذلت في مجال الوباء الأول هي أكبر بكثير من غيرها. ولا تفسير للأمر سوى أن ضحايا الوباء الأول يختلفون عن ضحايا الوباء الثاني.

المخجل عالمياً فيما يتعلق بالملاريا، هو أن الجهود العلمية الجدية في مكافحتها توقفت في منتصف القرن العشرين عندما اكتشف دور النيفاكين في الوقاية منها. وفي حين استمرت مختبرات الأبحاث ومصانع الأدوية في العمل على اكتشاف وابتكار آلاف وآلاف المستحضرات الصيدلانية التي تتجاوز في تنوعها حتى صفة الدواء لتصل إلى مستوى الكماليات الموجهة إلى حفنة من نخبة البشر.. يبدو أن الملاريا كانت طي النسيان والإهمال.

والمخجل أيضاً فيما يتعلق بالملاريا، هو إمكانية الشفاء منها في حال التوصل إلى التشخيص السليم في الوقت المناسب، وعلاجها قبل فوات الأوان.ولكن الأمر يتطلب أطباءً ومستشفيات, وقبل كل ذلك مرضى في جيوبهم من المال ما يكفي لذلك.

ولعل العامل الأخير هو ما يفسِّر مصيبة العالم مع الملاريا. مصيبة قد تتجاوز البعوضة الناقلة والجرثومة المسببة للمرض، مصيبة لن يكون المصابون بالملاريا وحدهم ضحاياها. مصيبة تكمن في فقدان مفهوم التقدم والتطور وجهته التي كنَّا وما زلنا نفترض أنها يجب أن تكون: مصلحة الإنسان.