الثقافة والأدب

بين الأطفال والكبار فئة تستحق اهتماماً أكبر..
أدب الراشدين الصغار

  • 72a
  • 66a
  • 68a
  • 68b
  • 68c
  • 68d
  • 68e
  • 68f
  • 68g
  • 68h
  • 70a
  • 70b
  • 70c
  • 70d
  • 71a

بخلاف الأدب الموجه للكبار الموجود منذ القِدَم، وأدب الأطفال الذي عزَّز مكانته عالمياً منذ النصف الأول من القرن العشرين، وبلغ ذروته عندنا في الثلث الأخير من القرن نفسه، هناك أدب جديد اكتشفه الغرب قبل عقود معدودة، وراحت مسيرته تتعزز بسرعة، أما عندنا، فلايزال في خطواته الأولى. إنه أدب الشباب، الأدب الموجه إلى الراشدين الصغار الذين تجاوزوا مرحلة الطفولة، ولم يصلوا بعد إلى مرحلة نضوج الكبار.
الباحثة اليمنية هناء الحداد
تُحدثنا عن ماهية هذا الأدب وتاريخه الذي بدأ في منتصف القرن العشرين ونموّه السريع، ويتناول الكاتب المغربي محمد سعيد أحجيوج التجربة العربية في هذا المجال ممثلة بسلاسل روايات مصرية للجيب ، ويحاور استكمالاً للموضوع الكاتب والناشر محمد سامي صاحب دار ليلى المتخصصة في هذا المجال.

مهَّدت له الحاجة وأوجدته الصدفة
عندما قدَّمت جي كي رولنج الجزء الأول من سلسلة روايات هاري بوتر إلى دار بلومزبري للنشر، لم تكن قد حدَّدت الفئة العمرية التي يتوجه إليها الكتاب، ولكنها قدَّرت أن يكون الكتاب مناسباً للأطفال من جميع الأعمار. دار النشر المحظوظة التي قبلت مغامرة نشر كتاب قد لا يلقى نجاحاً، حدَّدت الفئة العمرية التي سيسوَّق الكتاب إليها بين التاسعة والحادية عشرة من العمر، وركزَّت على الصبية دون الفتيات، باعتبار أن بطل السلسلة صبي يحارب قوى الشر السحرية.

من مفاجآت نجاح سلسلة هاري بوتر، والكتاب الأول تحديداً، قفزة الكتاب من أيدي الصبية في المجموعة العمرية التي حددتها دار النشر، ليصبح الكتاب الأول لأولئك الفتية والفتيات بين الحادية عشرة، وحتى الثامنة عشرة. ورغم أن السلسلة لقيت وتلاقي نجاحاً هائلاً بين مختلف الأعمار، أظهرت مبيعات السلسلة التي وصلت النسخ التي بيعت منها حتى اليوم إلى أكثر من 300 مليون نسخة، أن مفتاح نجاحها الأول هو تلك الشعبية الكاسحة التي لقيتها بين صفوف الراشدين الصغار (young adults) الذين يعتبرهم ناشرو اليوم، قوة شرائية لا يستهان بها على الإطلاق، وتلي مرتبة القوة الشرائية التي يمثلها الشباب في العشرينيات من العمر.

وبينما نستطيع من دون جهد معرفة ما يتوقع الراشدون قراءته في الكتب الموجهة إليهم، ونستطيع افتراض ما يريد الأطفال قراءته في المراحل الأولى من حياتهم، ولنقل حتى الحادية عشرة من العمر، إلاَّ أن مرحلة الراشدين الصغار، أو أولئك الأطفال الذين لم يعودوا أطفالاً، ولكنهم لم يبلغوا الرشد بعد، ويعيشون زخم مرحلة المراهقة الانتقالية الصعبة، تحتاج منا إلى نظرة أدق، لتجربة النشر الغربية في مجال أدب الشباب. و أدب الشباب هو التعبير الذي تراه كاتبة المقال مناسباً لاستخدامه في هذه السطور للإشارة إلى ما يعرف بأدب الراشدين الصغار young adult literature في التجربة الغربية.

أدب الشباب.. تاريخ بدأ حديثاً
يعرِّف البعض أدب الشباب بأنه الأدب الذي يُكتب ويُنشر ويُسوَّق للشباب، بينما يعرفه الناشرون بأنه الأدب الذي يختار الشباب (بين الحادية عشرة والثامنة عشرة من العمر) شراءه وقراءته، أكان ذلك أدباً كُتب لأجلهم، أم كان قد كتب بهدف تسويقه للكبار، إلا أنه لقى رواجاً بين صفوف الشباب.

والحقيقة أن هذا الأدب بدأ على أيدي القائمين على المكتبات المدرسية والعامة. ففي الخمسينيات من القرن الماضي، لاحظ هؤلاء أن الكبار والصغار يجدون ما يريدون من كتب من دون حيرة أو تردد حال دخولهم المكتبة، بينما يتردد المراهقون على صفوف الكتب بحثاً عن كتابٍ معين تارةً بين كتب الكبار، وتارةً أخرى بين كتب الصغار. وبالتالي، خصصت المكتبات منطقة وسطاً بين كتب الكبار والصغار، تحتوي على ما لاحظوا أنه قد حاز على إعجاب الشباب، أو ما اعتقدوا أنه يمكن أن يحوز على إعجابهم. ومن تلك الكتب، كان لروايتي سيد الذباب و التفاف الشاودار اللتين صدرتا في العام 1954م أكبر الأثر في توجيه اهتمام الناشرين إلى وجود سوق محتملة لم تكتشف كلية بعد. حيث إن هاتين الروايتين كتبتا في الأصل للقرَّاء الكبار، ولقيتا بالفعل نجاحاً في هذه الأوساط، إلا أن النجاح الأكبر كان بين أوساط الشباب بين الثالثة وحتى الثامنة عشرة. ورغم أن الرواية الثانية، التفاف الشاودار تحتوي على الكثير من الألفاظ التي يأنف المربون أن يقع نظر أطفالهم عليها، إلا أن لهذه الرواية بالذات أكبر الأثر في تكوين وعي شباب تلك الفترة، وتوحَّد الكثير من هؤلاء الشباب مع البطل الشاب المعذب في أعماقه، ويحاول أن يتأقلم مع عالمه القاسي. ولا تزال هذه الرواية حتى الآن محط اهتمام الشباب، ولا تزال نسخها تباع إلى اليوم في المكتبات. اهتمام الشباب بهذه الرواية، وحجم مبيعاتها دفع الناشرين إلى تقديم كتب جديدة لسد حاجة الرفوف الخالية في المكتبات، وانتظار تحقيق المبيعات الخيالية التي قدر لتلك الرواية تحقيقها.

وعلى الرغم من أن أدب الشباب سمي في بداياته بأدب الأحداث أو literature juvenile ، وكانت الكتب الصادرة تحت هذا المسمى تتفادى الطرح المباشر لمسائل حساسة بالنسبة للمجتمع، قد تطرحها روايات الكبار، وتكتفي بتقديم بطل شاب يستطيع قارئ الرواية التوحد معه، وعرض المشكلات التي يتعرض لها، أو المغامرات التي يقدم عليها، إلا أن المختصين والعامة على حد سواء يعتبرون اليوم أدب الأحداث تقليلاً من قدرة الشاب على التعامل مع عالم الكبار الذي يخطو إليه بخطوات سريعة وواثقة، خاصةً في ظل الزخم الإعلامي الذي يعطي مراهق اليوم نضجاً وخبرة تفوق ما كان لمثله في زمنٍ ماض. ولذلك، أصبحت هذه الكتب تندرج تحت مسمى أدب الشباب، وتتناول بصراحة كل المسائل التي قد يتعرَّض لها الشاب أثناء بلوغه سن الرشد في مجتمع مفتوح كالمجتمع الغربي. ونجد تلك الروايات التي تتناول تفاصيل حساسة قد لا يوافق عليها البعض، على رفوف المكاتب المدرسية ويدرج بعضها كجزء من واجبات القراءة كمادة إلزامية. ولهذا البعض المعترض، أن يرسل اعتراضه وأسباب اعتراضه إلى منظمة المكتبات الأمريكية ALA ليضم اسم الرواية إلى قائمة كتب تصدر كل سنة تحوي أكثر الكتب تحدياً بالنسبة للآباء والمربين، ومن هذه الكتب سلسلة هاري بوتر التي كانت ضمن القائمة لأكثر من سنوات خمس.

فانتازيا وسايبربنك
وروايات مصورة..وإضافات أخرى
مع دخول دور النشر إلى ساحة كتب الشباب، ظهرت الحاجة إلى كتَّاب متخصصين في كتابة هذا النوع من الأدب، وظهرت مع هؤلاء الكتَّاب أجناس مختلفة من الأدب لقيت نجاحاً بين القرَّاء، ومنها روايات الفانتازيا والمغامرة كروايات هاري بوتر، ومنها أجناس لقيت رواجاً بين القرَّاء الشباب لم تجده في أوساط الكبار، ومنها روايات السايبربنك ، وهي جزء من روايات الخيال العلمي التي يمثلها بطل في عالم مستقبلي قريب، يعيش بين الأجهزة التكنولوجية في مدينة ضعف فيها التواصل الإنساني أو انعدم. ومن بين هذه الأجناس الرواية المصوَّرة التي تعتمد على الرسم أكثر مما تعتمد على الكلام المكتوب، وهذا النوع من الروايات بالذات يتقدَّم في سوق النشر بخطوات متسارعة وواثقة، حيث تقدر سوق هذه الرواية اليوم بأكثر من ثلاثمائة وخمسين مليون دولار في الولايات المتحدة فقط، ويتوقع أن يستمر تقدمها في السنوات الخمس القادمة. ومن بين الأجناس الأدبية التي يقبل عليها أيضاً القرَّاء الشباب، ويشجع على قراءتها المربون، تلك الروايات التي تصور بطلة مراهقة أو مراهق يحاول تخطي إحدى مشكلات تحوله إلى بالغ، كمشكلة الوحدة، والرضا عن النفس، والمخدرات، والتوافق مع الأسرة والمجتمع، ويصل متوسط أجر الكاتب القدير في هذا المجال إلى أرقام مخيفة إن قورنت بما قد يحصل عليه كاتب معروف في العالم العربي، فقد حصلت إحدى الكاتبات في العام الماضي على جزء من أجرها لكتابة إحدى رواياتها قبل كتابتها بمبلغ قدره نصف مليون دولار.

وبينما يرفض أحد اتحادات الدول العربية للكتَّاب التحاق أحد كتَّاب روايات الشباب في العالم العربي بحجة أنه لم يقدِّم أعمالاً أدبية تستحق انضمامه إلى هيئة رصينة كاتحاد الكتَّاب، خُصِّصت لكتَّاب أدب الشباب في الغرب عدة جوائز بهدف الارتقاء بهذا الجنس الأدبي وتجويد ما ينشر فيه. ومن ضمن هذه الجوائز، جائزة ALEX التي تعطى لعشرة كتب كتبت للشباب ما بين عمر 12 و 18 سنة، وبدأت في تقديمها رسمياً منظمة المكتبات الأمريكية عام 2002م، بينما بدأت الجائزة بشكل غير رسمي منذ 1998م، وبجهد فردي من مارجريت ألكسندر ادوارد، خبيرة قصص الشباب الأمريكية.

حضور مؤثر لتجربة عربية واحدة
… لم يؤثر ديستويفسكي ذاته في كل هذا العدد من العقول.. لقد قدَّم نبيل فاروق للشباب ما يقرأونه بعدما كان الحل الوحيد أمامهم هو قراءة مغامرات شرشر أو أدب المنفلوطي الصعب… والملاحظة الصادقة هي أن كل شاب يجرِّب الكتابة يبدأ بتقليد أسلوب الدكتور نبيل فاروق المميز… .

هو كلام صادق قاله د. أحمد خالد توفيق في حق د. نبيل فاروق. وكلاهما يعتبران الكاتبين الأكثر شهرة وسط الشباب العربي، وكلاهما بدأ النشر -ومازالا معاً- ضمن سلاسل روايات مصرية للجيب التي قدمتها إحدى دور النشر المصرية. قبل دخول نبيل فاروق مسابقة نظمتها هذه الدار، بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وفوزه فيها ليبدأ بنشر رواياته، لم يكن أمام المراهق الذي يغادر مرحلة الطفولة ما يقرأه سوى قصص طفولية تجاوزها، وروايات درامية معقدة لا تناسبه.

تجربة كبيرة، تبقى وحيدة؟
الآن، من النادر أن تجد شاباً عربياً لم يقرأ رواية واحدة على الأقل من سلاسل روايات مصرية للجيب ، أو لم يسمع بها من قبل. لكن رغم كل ما قدمته هذه السلاسل التي تجاوز عدد إصداراتها 1300 إصدار، فإنها تبقى تجربة وحيدة لا تحقِّق التنوع المطلوب توافره في ما يوجه إلى الشباب.

صحيح أن روايات وقصص هذه السلاسل تنوعت من حيث الموضوعات التي تطرقت لها، غير أنها من حيث النمط العام بقيت محصورة في جانب أدب المغامرة ، بصنوفه الكاملة، من جاسوسية وخيال علمي وتاريخ بديل… فهل أدب الشباب هو فقط أدب المغامرة؟ ماذا نعني بأدب الشباب؟ هل هناك أهمية معينة لهذا الأدب؟

لو حاولت أن تجرِّب محركات البحث على الإنترنت تنقيباً عن معنى أدب الشباب، أو أردت مناقشة الموضوع في جلسة ما، فإن المعنى الوحيد الذي سيكون حاضراً للمصطلح هو الأدب الذي يكتبه الشباب ، وهو اصطلاح ابتكره بعض النقاد للتقليل من أهمية كتابات الشباب. غير أن مصطلح أدب الشباب في حقيقته يعني الأدب الموجه إلى الشباب ، قياساً على أدب الطفل الذي نقصد به الأدب الموجه إلى الطفل، وليس الأدب الذي يكتبه الطفل.

الشباب العربي.. أكبر سناً!
أغلب التوجهات في العالم العربي تقسِّم الكتابات الموجهة إلى الطفل إلى مرحلتين: مرحلة ما قبل سن التمدرس، تنحصر منتجاتها في كتب مصورة من دون كلمات، تناسب الطفل إلى حدود سنته الخامسة تقريباًً أو السادسة. ومرحلة التمدرس الممتدة حتى سن السابعة عشرة، والتي يغلب على منتجاتها المجلات المصورة كوميكس ، وقصص الألغاز البوليسية البسيطة. أما مرحلة الشباب في نظرهم فهي تبدأ في سن الواحدة والعشرين. لتبقى الفترة العمرية الممتدة ما بين 17 و 21 خارج كل الاهتمامات.

ما أريد قوله هو أن الاهتمام العربي بأدب الشباب منعدم. إذ يتم اعتبار الشخص طفلاً وإلهائه ببضع مجلات مصوَّرة إلى حدود السابعة عشرة من عمره، ثم يتم تجاهله خلال سنواته الثلاث التالية. ليتم اعتباره عند بلوغه الـ 21 سنة رجلاً يجب عليه القيام بكل مسؤولياته. هكذا.. من دون أي إعداد أو تجهيز.

في الغرب يأخذ أدب الشباب -لو شئنا الدقة أدب الراشدين الصغار- أهميته من منطلق قدرته على تشكيل وعي المراهق وتنمية معارفه وقدراته، ومن ثم تكوين شخصيته المنفردة القيادية المميزة. ففي تلك المرحلة العمرية تكون الشخصية طينة قابلة للتشكل بأي شكل، والتربية السليمة مع القراءة النموذجية الموجهة كفيلة بأن تغير المستقبل تماماً. فقد تَجذَّر الاهتمام بهذا الأدب الموجه للبالغين الصغار في الغرب خلال سنوات القرن الماضي، فأنشئت جوائز خاصة به، ونظمت ندوات سنوية حوله، وتشكَّلت أندية المحبين، كما وُضعت قوائم سنوية لأفضل الكتب في هذا المجال.

لو تساءلنا عن غياب مثل هذا الاهتمام في العالم العربي لكان الجواب الحاضر دائماً، الأسهل دوماً، هو: إنها مشكلة العزوف عن القراءة. لكن الحقيقة غير ذلك.

يكفي إلقاء نظرة واحدة على الكتب التي تتم ترجمتها إلى العربية، لنرى كيف أنها تنفد بسرعة من المكتبات. لن نذهب بعيداً، يكفي البحث عن سلاسل هاري بوتر ذائعة الصيت، لنرى كيف أنها تنفد سريعاً بمجرد ترجمتها، بل إن قرَّاءً كثيرين لا يصبرون حتى تترجم إصداراتها الجديدة فيقرأونها بالإنجليزية. ويكفي البحث في المنتديات الشبابية على الإنترنت لنتأكد حقاً أن الشباب حين يجدون عملاً يستحق القراءة، فإنهم يقرأونه فعلاً.

فهل هي إذن مشكلة قارئ عازف عن القراءة أم كاتب عازف عن تجويد كتاباته، وناشر لا يريد المغامرة؟ الجواب واضح جداً.

استثناء عربي..
هناك فقط استثناء عربي وحيد: روايات مصرية للجيب . فهذه السلاسل المستمرة في الصدور منذ أكثر من عشرين عاماً تعتبر عملاً جيداً بحق، إذ أنها أسهمت في تشكيل وجدان وشخصية جيل كامل، وحددت مستقبل الكثيرين. الاهتمام الكبير الذي تلقاه هذه السلاسل من جهة القرَّاء يلغي تماماً أي شك حول من يتحمل وزر مسؤولية أزمة القراءة في العالم العربي.

تتنوع روايات هذه السلاسل لتغطي كل صنوف وضروب أدب المغامرة . سلاسل مختلفة تتراوح عدد صفحات الكتاب الواحد منها بين 200 و 300 صفحة تقريباً من القطع الصغير، وتتضمن سلسلة رجل المستحيل و ملف المستقبل و فانتازيا و ما وراء الطبيعة بالإضافة إلى مجموعة من السلاسل المتنوعة. ويطبع من الكتاب الواحد من هذه السلاسل ما بين مئة ألف ومئة وخمسين ألف نسخة.

ربما كان العيب الوحيد الذي يؤخذ على هذه السلاسل هو انحصارها في مجال أدب المغامرة. هل هذا يعني أن الكتابة للشباب خارج أدب المغامرة عملية صعبة؟ ربما.

الدكتور أحمد خالد توفيق، مؤلف سلسلتي سفاري و فانتازيا بالإضافة إلى السلسلة الأكثر شهرة ما وراء الطبيعة يقول إن ما يهمه في كتاباته لهذه السلاسل، هو أنه يقدِّم للقرَّاء جسراً يعبرون عليه من عالم قصص الأطفال نحو الأعمال الأدبية العالمية المعقدة بعوالمها المتشابكة.وعدد القرَّاء الذين يتتبعون كتاباته أينما نشرت، يدل على أنه قد نجح في ذلك تماماً. كما نجح قبلاً الدكتور نبيل فاروق في دفع الكثير من الشباب إلى الإمساك بالقلم والبدء في مغامرة الكتابة.

دار ليلى..
من الشباب إلى الشباب
إضافة إلى تجربة المؤسسة العربية الحديثة للنشر، هناك محاولة أخرى، شابة هذه المرة، لكن من مصر أيضاً؛ إنها دار ليلى للنشر والتوزيع. تتخصص هذه الدار في نشر الكتب الموجهة للشباب، وجل إصداراتها يكتبها الشباب أنفسهم. مدير الدار هو الأستاذ محمد سامي، صحفي ورسام قبل أن يتفرغ لمشروع دار ليلى. له إنتاجات أدبية تتوزع بين الأدب الاجتماعي والأدب الساخر، إضافة إلى مقالات صحفية متنوعة.
وتصدر له خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب (2007) روايته الأولى هناك من يرحل وحيداً . وقد كان لنا معه هذا اللقاء للتعرف على هذه التجربة الجديدة:

• ما تعريفك لأدب الشباب؟
• أدب الشباب في رأيي الشخصي هو الأدب الذي يخاطب الشباب بلغة يفهمونها، وفي ذات الوقت يعالج قضاياهم . وهذا النوع من الأدب مهم جداً -ولنضع تحت جداً هذه ألف خط- لأنه يؤثر على عقول ومفاهيم قادة المستقبل، ويمنحهم خلاصة خبرات وتجارب الأدباء الذين يقرأون لهم.

• يعرف أدب الشباب في الغرب الكثير من الاهتمام. هل هناك مثل هذا الاهتمام في العالم العربي؟
• لا، بالطبع.. هذا اللون من الأدب موجود ومعترف به في العالم كله، باستثناء الدول العربية!!.. فما زال النقَّاد في عالمنا العربي، ومن ورائهم الإعلاميون، يتصورون أن أدب الشباب، هو أدب أطفال.. ولا يعترفون بأي أدب، لا يخرج من حرماتهم .. ففي مصر مثلاً، تجد ما يسمى جيل الستينيات، وقد صار بينه وبين شباب الأدباء ما صنع الحداد ..

• باستثناء تجربة المؤسسة العربية الحديثة للنشر، بسلاسل روايات مصرية للجيب ، لا نجد الكثير من الأعمال الأدبية الموجهة للشباب. ما سر هذا العزوف؟ وأين هي الحلقة المفقودة؟ الناشر الذي سيغامر في هذا النوع من الأدب؟ أم الكاتب الذي سيكتب؟. أم ماذا؟
• المشكلة أصلاً في ناشر يسعى وراء الربح المباشر والسريع.. وكاتب محدود الموهبة، أو يسعى إلى تقليد من سبقوه.. المؤسسة العربية الحديثة، تميزت بنقطة مهمة جداً، وهي أن الناشر حمدي مصطفى رجل يفكر كناشر أولاً وليس كتاجر.. ولا أبالغ إنني كنت -وما زلت- أنظر إليه بإعجاب وتقدير، وأعتبره قدوة لي في عالم النشر. أنا لا أعرفه، ولا توجد مصالح بيني وبينه، بل على العكس، هناك منافسة، وربما بعض الضباب كذلك. لكن الحق حق.
هذا الناشر، تقابل مع كتَّاب موهوبين بحق.. خذ على سبيل المثال، الدكتور نبيل فاروق، ثم الدكتور أحمد خالد توفيق (بترتيب زمني).. وبعدهما الدكتور تامر إبراهيم والدكتور محمد سليمان… إلخ.

• إلى أي حد يمكن الفصل بين الأدب الموجه إلى الشباب وأدب المغامرة؟
• الأدب الموجه إلى الشباب، هو الذي يخاطب الشباب -كما ذكرت آنفاً- بلغتهم وعن مشكلاتهم. أما أدب المغامرات فيعتبر نوعاً من الأدب المتخصص. وهذا الأدب في حد ذاته ليس جديداً في الثقافة العربية. فهو موجود على سبيل المثال في قصص أبو زيد الهلالي، والزناتي خليفة، وغيرهم. هذه القصص والملاحم الشعبية هي في الأساس مغامرات قام بها أصحابها، ولكن هذه الأعمال لم تكن مصنفة تحت بند أدب المغامرات. ولهذا فإن الجديد هو فقط تصنيف هذا النوع من الأدب.
لكن الفصل بين أدب الشباب وبين أدب المغامرة صعب بالفعل. خذ ما يقدمه الدكتور أحمد خالد توفيق، والذي سماه تأديب المغامرة ، فهو يثير مشكلات المجتمع وقضاياه بمهارة وتشويق وإمتاع، أثناء نص المغامرة.. فيصل ويؤثر. هذا هو الأدب، الذي يخبر القارئ الشاب، أن هنا ليس آخر الحدود، بل ما زال هناك المتسع والمزيد..

• استطاعت دار ليلى، رغم حداثتها أن تصنع مكانتها، بإصداراتها المتميزة، في قلوب الشباب. كيف جاءت فكرة الدار؟ ولماذا تخصصت، حتى الآن، في الإصدارات الموجهة للشباب؟
• الحمد لله على ذلك، وإن كان مكانها على الساحة لا يزال صغيراً وضيقاً. فقد تخصصت الدار في الإصدارات الموجهة من الشباب و إلى الشباب. ليس فقط لهم.. هناك فجوات عديدة في النسيج الذي يجمعنا.. هناك حوائط نارية، تمنع الاتصالات بين حواسبنا.. تستطيع القول إن دار ليلى أشبه ما تكون بالموصلات التي تحاول جمع ذلك الشتات. صحيح أن إمكاناتنا تكاد تكون معدومة، إلا أن هناك إمكانات أخرى بخلاف المال.
هناك من حولنا الإنترنت، والهواتف النقالة، والصحافة…إلخ. هذه هي رؤوس الأموال الحقيقية اليوم. ربما استطاعت دار ليلى أن تستخدم هذه الإمكانات إلى حد ما، ولكننا لم نبلغ ما نريده بعد. نحن نحلم بعالم يستطيع فيه كل من يستحق النشر، أن يجد كتابه جنباً إلى جنب مع كتب نجيب محفوظ. يستطيع فيه من يرغب في قراءة كتاب له قيمة حقيقية، أن يجده، أن نلتقي ونتعارف. إن الشباب العربي اليوم يشعر بغربة رهيبة، بيننا وبين أنفسنا وبيننا وبين بعضنا البعض، هوات عميقة..
لقد نبتت فكرة الدار في ذهني لعدة أسباب. أولها أنني وصلت إلى مرحلة من العمر – 28 عاماً وقتها- قررت فيها الكف عن العمل لدى الآخرين.. وأنه حان دوري كي أحاول تحقيق كياني الشخصي.
ثانيها، أنني ورفاقي من الكتَّاب والفنانين الشباب، قد تعبنا من محاولة تحقيق حضور لنا على الساحة وسط عالم الكبار، الذي يحارب -وبشراسة- كل ما هو شاب. كانت الفرصة الوحيدة -من وجهة نظري- أن من يملك هو صاحب الحق..
ثالثًا وأخيراً، هناك العديد من المواهب الشابة التي تكاد تقضي نحبها، قبل أن يشهد مولدها أحد، ضاقت في وجهها السبل، وأغلقت الأبواب.. فكان لا بد من إتاحة فرصة لها.. لذا كان أول مشروعات الدار مسابقة للكتَّاب الشباب الجدد بعنوان بدايات .

أضف تعليق

التعليقات