أشفق على كثيرين من كتّاب المقالات والزوايا الأسبوعيّة في صحفنا المحليّة، حين يعيدون تعويم حدثٍ أو مناسبة أو خبر، فيما هذا قد «فطس» في مياه شبكات التواصل الاجتماعي، على اختلاف أنواعها، وغابَ أثره مطويّا في زحامٍ جديد لا يفتأ يتكاثر بالجاد والطريف والغريب والمألوف.. وبما يزخر به واقعنا المحلي أو العالمي من تسارع حدثي وخبري لا يترك فسحة للأنفاس، ولا للأصابع تدرج على جهاز المحمول تسجّل الانطباع اللحظي أو تعلّق على المفارقات التي تثيرها الواقعة على نحوٍ ناقد أو ممالئ أو ساخر أو حتى يائس؛ كتلة هائجة تضرب من جميع الجوانب بأسلوب برقيّ، يلتقط الإشارة التي تهمّه ويسير وفقَها بما تمنحه أفكاره ومرجعيّاته، وكذلك بما تفرضه حالته النفسيّة والاجتماعية.
ثمّة خارطة كاملة بخطوط كنتور توضّح المزاج العام والفئوي، وفيها تجري ليس قراءة الحدث وحسب، ولكن ما يعتمل في نفس قارئه وتقييمه الذي تهجس به مواجعه أو تناوشه آماله. حيث نحن ليس بإزاء عينٍ تقرأ وتغمض وتمر مروراً كريماً يقلب صفحة الحدث إلى غيره دون موقف أو تعليق شأنَ من يقرأ جريدة أو مجلة أو كتابا أو يطالع إعلانا أو نشرة إخبارية أو مسلسلاً تلفزيونيّا، بلا مبادرة منه إلى تسجيل رأي أو بيان موقف باعتباره محطة تفريغ سلبية تتلقّى الشحنات الاستهلاكيّة ويُرادُ له أن يكون على صورتها يعكسها بشكل آلي، بمعنى ـ أقرب إلى الحقيقة ـ حذفه من الوجود كذاتٍ متعيّنة لها مكان وينبغي أن يكون ـ لهذه الذات ـ ممارسة تعبّر عنها وتعنيها وتعلن وجودها حتى قبالة ما هو محض استهلاك، وذلك بإعادة إنتاجٍ يكفّ فيه المتفرج عن دوره وينهي المسافة الفاصلة بينه وبين الجريدة أو شاشة العرض التلفزيوني.
على هذا الوَقْع أصبح كل مشاهد وقارئ أشبه بمحطّة إرسال شخصيّة تنهمر منها الصورة والفِديو والتعليق والمقالة. لا شيء يمر عفو الخاطر. لا شيء يعبر دون أن يلحقَه ملصقٌ؛ يصف ويصنّف ويحشد ويستنفر. وبهذه الشاكلة تكوّن المتلقى المختلف؛ المبادر؛ الإيجابي؛ الضّاج بحركة الاتصال والتواصل. لا يندّ عن العالم مشهدٌ أو حدث أو حتّى بثّ صورة عبر وكالات الأنباء، إلا وتجده منخرطاً ومعلقاً على صفحته في الفيس بوك أو حسابه في تويتر أو ضمن مجموعات الواتس أب. ناهيك بما تتنادى به الهاشتاقات من تنبيهات لحظيّة تبجّل أو تستصغر أو تحرّض، بما يعني أن الجميع لم يعودوا بمنأى عمّا يقال أو يُكتب. في كلمةٍ أصبح الجميع في قلب الحدث على نحوٍ فاعل ومؤثّر، وبل وعلى نحو قائد للصحافة الورقيّة التي تأتي في كثيرٍ من الأحيان متابعاتها وتحقيقاتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بعد انطلاق شرارتها في المعترك الإلكتروني.
ومن الغرابة أن كل هذا التجدّد الذي بات عليه المتابع، لم يحرّك عضلة التغيير لدى جملةٍ من كتّاب الصحافة؛ ليواكبوا التحوّل الكبير. ظلّوا عند السطح يغرفون من ماء تويتر في حركةٍ مكشوفة وقاصرة. يجلبون التمر إلى هجر ويبيعون الماء في حارة السقايين!!