ملف العدد

صفحات من قصَّة أرامكو السعودية

  • 1_1a
  • 1_2
  • 1_32-33
  • 1_34
  • 1_55a
  • 1_55b
  • 1_84
  • 1_87a
  • 1_91
  • 1_116
  • 1_124
  • 2_11
  • 2_95a
  • 2_98-99_10-2-09
  • 2_104b
  • 2_105
  • 2_106
  • C4-30
  • D_02406
  • D_06027
  • D_10200_03
  • Acid Gas Handling Area with Operator, Haradh Gas Plant
  • Acid Gas Handling Area with Operator, Haradh Gas Plant
  • IMG_3662
  • opec-logo
  • Ras Tanura Refinery
  • shutterstock_76203766
  • shutterstock_132861020-duo-
  • tcc bldg
  • 1_211
  • 1_128
  • 1_156
  • 2_95a

إنها مجرد صفحات..
فالقصة لا تزال تتعاظم فصولاً منذ أن بدأت، واختصارها مستحيل.
زيت، غاز، مصانع، إدارة، سياسة، وأرقام تُسبِّب الدُوار.. ولكن قصَّة أرامكو السعودية، التي تحتفي بالذكرى الثمانين لتأسيسها، هي قبل كل شيء قصة طموحات وأحلام وكفاح وصعوبات وصبر وتحديات و..نجاحات. إنها قصة الإنسان الذي وضع اللبنة الأولى لهذه الشركة وملحمة الإنسان الذي راحت الشركة تصوغه منذ الأيام الأولى لاشتداد ساعدها، ليكون عمادها اللازم لاستمراريتها وتطويرها.
في هذا الملف، يأخذنا فريق القافلة في جولة على صفحات معدودة من هذه القصة، التي كتبها المؤرِّخ سكوت مكموري واحتلت مجلدين ضخمين*، متوجهاً بشكل خاص بمختارات منها إلى القارئ الشاب الذي يفتح عينيه على العالم اليوم فيرى عملاق صناعة الزيت والغاز قائماً أمامه وكأنه تحصيل حاصل، وقد فاته ما مرَّ به هذا العملاق منذ نشأته وحتى الآن.
فإلى هذه الصفحات من تاريخ شركة انعطف بمسار التاريخ كله إلى ما نحن عليه اليوم، في الشركة وجوارها والمملكة بأسرها و..العالم.

نعم، سيفوتنا الكثير في هذا الملف مما قد يرى القارئ المطلع أنه كان يتوجب ذكره. فتعداد أسماء العَلَمْ التي نسجت تاريخ أرامكو السعودية، يمكنه لوحده أن يملأ المجال المتاح هنا، فكيف الحال لو شئنا تناول كل فصول هذا التاريخ، والتجوال على كل مكوِّنات أكبر شركة لإنتاج الزيت في العالم من دون منافس قريب؟
إن تاريخ أرامكو السعودية الذي بدأ قبل أكثر من ثمانين عاماً، لم يعرف الثبات يوماً، بل كان عبارة عن حِراك دائم تغذِّيه الطموحات والأحلام وبُعد البصيرة والجرأة المجتمعة إلى الدراية في مواجهة التحديات والتخطيط للمستقبل تلو المستقبل. إنها قصة مجتمع وحياة أكثر مما هي قصة زيت ومصانع. بعبارة أخرى، إنها قصة الإنسان السعودي في طريقه إلى ما هو عليه اليوم.

البدايات الأولى
على مدى خمسة عشر عاماً أو أكثر سبقت اكتشافه في قبة الدمام عام 1938م، كانت قصة الزيت في المملكة مجرَّد طموح ولا شيء غير ذلك. والقصة بدأت في مكان لا زيت فيه، ومن صار يُعرف لاحقاً بـ «أبو الزيت السعودي» لم يكتشف في الواقع شيئاً منه!!

يعود الفصل الأول الموثَّق من قصة الزيت في المملكة إلى أوائل ديسمبر من العام 1922م، عندما حضر الملك عبدالعزيز آل سعود، وكان يحمل آنذاك لقب «سلطان نجد وملحقاتها» إلى ميناء العقير للاجتماع مع المفوَّض الأعلى البريطاني للعراق السير بيرسي كوكس بهدف ترسيم حدود البلاد التي كان جلالته قد وحَّدها. ولكن بموازاة ترسيم الحدود، كان ثمة همٌّ آخر يُثقل كاهل الملك، ألا وهو تدبير الموارد الاقتصادية التي تسمح لبلاده الفتية وشعبها بحياة أفضل مما كانت عليه آنذاك. ولذا، أبدى اهتماماً خاصاً بضيف طارئ لا علاقة له بالمؤتمر، وإنما قصد العقير للقاء الملك لغاية في نفسه، وهو الميجور فرانك هولمز، مهندس معادن نيوزلندي وضابط سابق في الجيش البريطاني، يسعى للحصول على امتياز نفطي في الأحساء.

عرض هولمز على الملك صفقة تجارية بحتة باسم مجموعة استثمارية في لندن تُسمَّى «إيسترن آند جنرال سنديكيت»، تعرض على الملك 3000 جنيه استرليني ذهب في السنة لقاء منحها حق التنقيب عن الزيت في منطقة الأحساء، قريباً من الخليج العربي. وبعد أن أمضى الملك بضعة أشهر وهو يفكِّر فيما يمكن أن ينطوي عليه هذا المشروع، وقَّع اتفاقية امتياز مع هولمز في مايو 1923م، مشترطاً دفعات سنوية لقاء حق التنقيب.

لا زيت في الأحساء!
استقدم هولمز خبيراً سويسرياً هو الجيولوجي آرنولد هايم ليدعم اعتقاده بوجود الزيت تحت رمال الأحساء. ولكن الرجل وجد صعوبة في فك شفرة شقوق الملح والرمال في المملكة، إضافة إلى أنه تعرَّض لمضايقات من البدو أعاقت توغله في كل منطقة الامتياز. و«لسبب غير معروف»، أعدَّ تقريراً بدَّد فيه آمال هولمز، إذ أعلن أن المنطقة خالية من أي دليل على وجود الزيت، وخلص إلى أن التنقيب عن الزيت في الأحساء لا يعدو كونه مغامرة، فعزَّز بذلك النظرة السلبية التي كانت لدى شركة الزيت الإنجليزية – الفارسية التي تملكها عملياً الحكومة البريطانية للتنقيب في إيران، والتي كان الجيولوجيون فيها قد أصدروا حكمهم فعلاً بعدم وجود الزيت بكميات تجارية في الجانب العربي من الخليج.

ويقول هاري سانت جون فيلبي، مستكشف الصحراء الشهير الذي كان مقرَّباً من الملك: «حين وصل تقرير هايم المحبط إلى العاصمة المالية (لندن)، وعزَّزت وجهة النظر السلبية السابقة لشركة النفط الإنجليزية الفارسية، توقفت جميع أنواع التمويل لإيسترن آند جنرال، التي كانت قد سدَّدت إيجار الامتياز إلى الملك لمدة سنتين. وفي مايو 1925م، عجزت إيسترن آند جنرال عن السداد، فما كان من الملك عبدالعزيز إلا أن ألغى امتياز الشركة عام 1927م، لعجزها عن دفع متأخرات بلغت 9000 جنيه استرليني».

انتهت هذه الاتفاقية إلى لا شيء. لكنها كانت سابقة في تاريخ المملكة في مجال استقدام الأموال الخاصة للتنقيب عن الموارد الطبيعية. وعلى الرغم من فشل الميجور هولمز في محاولته العثور على الزيت في المملكة، فإن الخليجيين يذكرونه على أنه أبو النفط، بسبب اعتقاده الراسخ، عكس الآخرين، بإمكان العثور على الزيت في الجانب العربي من الخليج.

بعد 15 عاماً
مضت سنوات قبل أن يمنح الملك عبدالعزيز شركة سوكال (ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا) حق التنقيب عن الزيت في المملكة. وكان ملائماً أن تبدأ أعمال التنقيب في الجبال التي رآها الجيولوجي الأمريكي الشاب فريد دافيس من جبل دخان في البحرين وهو يتطلع إلى الشاطئ السعودي على الجهة المقابلة من الخليج. ولم يخطر ببال أحد أن سيكون لدى المملكة في بضعة عقود من الزمن أضخم احتياط نفط في العالم.

ففي العام 1927م، تفجَّرت آبار كركوك في العراق بكميات هائلة من النفط، ولاحقاً بدأ التنقيب في البحرين، فعادت أنظار المعنيين عالمياً بصناعة النفط إلى التطلع صوب المملكة.

وفي بداية الثلاثينيّات كان الملك عبدالعزيز أمام ظروف غاية في الصعوبة. فبسبب الكساد الاقتصادي العالمي، تضاءل عدد المسلمين القادرين على أداء فريضة الحج الذي كان مصدر الدخل الأكبر للبلاد، فكان لا بد من البحث عن مصادر مالية أخرى.

تعدد المهتمون بالتنقيب في المملكة، ولكن أبرزهم وأكثرهم جدية كانت شركة سوكال، التي طلبت في نوفمبر 1932م السماح بإجراء مسح جيولوجي في منطقة الأحساء قبل التفاوض حول الامتياز. لكن الملك أمر بعدم السماح بأي مسح إلا بعد سداد مدفوعات الامتياز بسبب الضائقة المالية الشديدة التي تعانيها المملكة. فقد كانت شروط الملك «صعبة إلى أبعد حدود»، إذ طالب بقرض مبدئي قدره 100،000 جنيه استرليني.

في ربيع العام التالي، استثمر عبد الله السليمان الحمدان وزير مالية الملك مهاراته التفاوضية بين الحكومة السعودية ولويد هاملتون ممثل «سوكال». وتوصل الطرفان إلى الاتفاق النهائي على قرض قدره 50،000 جنيه استرليني يسلَّم على دفعتين. وعلى الرغم من أن هذا المبلغ هو نصف ما كان الجانب السعودي قد اشترطه في البدء، إلا أنه كان أفضل بكثير مما عرضه هاملتون في البداية.

توكَّل على الله ووقِّع
في بدايات مايو من ذلك العام، كان الاتفاق بخطوطه العريضة قد تم. وبعد الاستماع للمواد السبع والثلاثين الواردة فيه والتي قرئت جهراً في اجتماع المجلس الاستشاري في مكة المكرمة، وجَّه الملك وزيره السليمان بالتوقيع قائلاً له: «توكَّل على الله ووقِّع». ووقَّع السليمان وهاملتون على الاتفاق في جدة بتاريخ 29 مايو 1933م. ويغطي اتفاق الامتياز هذا مساحة قدرها 829,000 كيلومتر مربع، تبدأ من حدود العراق في الشمال، وتمتد غرباً إلى صحراء الدهناء، وجنوباً إلى صحراء الرُّبع الخالي. ونُشر هذا الاتفاق الذي يمتد ستين عاماً في جريدة «أم القرى»، الجريدة الرسمية في المملكة، بتاريخ 14 يوليو 1933م.

في 23 سبتمبر وصل أول اثنين من جيولوجيي «سوكال» إلى ميناء الجبيل، وهما روبرت ميلر وشويلر ب. كروغ هنري.. وبعد أسبوع كانا يُجريان فحصاً سريعاً للقبة الجيولوجية التي شاهدها فريد ديفيس من البحرين عام 1930م، وأطلقا عليها اسم «قبة الدمّام»، على اسم قرية صغيرة لصيد الأسماك تقع شمال التشكيل.

استمر تدفق الجيولوجيين على المنطقة وتوالت أعمال المسح في ظروف بالغة الصعوبة، مما حدا بالمنقِّبين إلى استخدام طائرة أعيد تصميمها لهذه الغاية، فتمكَّن الفريق بواسطة هذه الطائرة من إنجاز ما كان يحتاج إلى سنوات لإنجازه على الأرض. ولكن المسوح الجوية لم تعزِّز التفاؤل بشأن احتمالات العثور على النفط خارج قبة الدمام.

عندما عاد الجيولوجيون إلى المملكة في خريف العام 1934م، انضم إليهم واحد من ألمع الوجوه في عالم التنقيب عن النفط وهو ماكس ستاينكي كبير جيولوجيي سوكال.

تابع ستاينكي بعناد علامة جيولوجية طالما غابت عن كثير من الجيولوجيين الآخرين. وعرف أنها قد تكون من أضخم مكامن النفط في العالم، لكنه كان يتميز بحذر شديد ويرفض التسرع في إطلاق الأحكام. غير أن توصياته وزميله توم كوش تركزت على العمل في مناطق وتشكيلات صخرية، تبيَّن فيما بعد أنها ترقد على حقول الزيت العملاقة في الغوار وبقيق والقطيف.

استمر العمل المضني نحو سنوات خمس، تخللته بعض الإشارات المشجِّعة وكثير من الإحباطات. ففي أغسطس 1935م، ومع اقتراب فريق ويليامز العامل في برنامج الحفر في قبة الدمام، من عمق الطبقات الحاملة للزيت في البحرين (نحو 610 أمتار)، بدأ الزيت في الظهور في بئر الدمام. ومع أن الكمية الناتجة لم تكن بالوتيرة التجارية المرجوة (نحو ألفي برميل يومياً)، إلا أنها كانت كافية لإثبات أن الزيت موجود.

وأنتجت بئر أخرى الغاز الطبيعي بكميات كبيرة، لكنها كانت عديمة الفائدة في نظر «كاسوك» التي لم تعرف كيف تنقله وتخزنه. وبحلول خريف عام 1936م. بدا أن الفشل في إنتاج الزيت بكميات تجارية هو المرجح، وتقرر التريث بانتظار نتائج الحفر في البئر رقم 7.

ولم يشهد العام 1937م، أياً من التطورات والاكتشافات المرجوة. ولكن في أواخر ذلك العام انضم جيولوجي شاب يُدعى توم بارقر إلى العمل مع ستاينكي يساندهما دليل سعودي موهوب هو خميِّس بن رمثان، ولكن الدور التاريخي الذي كان ينتظر هذا الثلاثي لم يكن قد حان موعده بعد.

في مطلع ربيع عام 1938م، أي بعد ما يقرب من سنوات خمس من الجهد المضني، والبدايات المتعثرة، انسحبت «سوكال» من عدد من مشروعات الحفر خارج الولايات المتحدة. وربما كان قد حان الوقت الآن للكف عن إضاعة الأموال في المملكة العربية السعودية.

وبينما كان قادة «سوكال» يتقلبون في فراشهم ويفكرون ملياً في مصير مشروعهم السعودي الضخم، كان موظفو حقول الزيت في نصف الكرة الأرضية الآخر يرقصون من الفرح. فقد وصلت برقية مؤرخة في 4 مارس 1938م إلى سان فرانسيسكو تعلن على الملأ أن بئر الدمام الرقم 7 تنتج 1,585 برميلاً في اليوم على عمق كيلومتر ونصف كيلومتر تقريباً في الصخور الجيرية المسامية.

انتشرت أخبار اكتشاف الزيت في جميع أنحاء المملكة من خلال البرقيات كسرعة انتشارها في مجلس إدارة الشركة في سان فرانسيسكو.

وفي الأيام التالية استمر الاختبار إلى أن أصبحت البئر تنتج ما يزيد على 100,000 برميل في اليوم. وخلال مدة قصيرة حُفرت البئران 2 و4 إلى العمق نفسه، واكتُشف الزيت فيهما أيضاً. لم يعد هناك من شك في وجود الزيت بكميات تجارية في المملكة، وإن كان الإعلان الرسمي لم يظهر إلا في أكتوبر.

وفي 1 مايو 1939م، واحتفالاً بتحميل أول ناقلة زيت في رأس تنورة، أدار الملك عبدالعزيز شخصياً الصمَام الذي سمح بتدفق الزيت إلى ناقلة سوكال «دي. جي. سكوفيلد». كان الاحتفال عظيماً، حضره كبار الأمراء وأفراد العائلة المالكة. وحين أدار الملك عبد العزيز الصمَام لبدء تدفق الزيت، كان عملياً ونظرياً يربط شعبه المتطلع إلى الرخاء بركب العالم الصناعي. وكان يعتقد جازماً، مثل سائر المسؤولين التنفيذيين في شركة الزيت الحاضرين، بأن الزيت سيعود على السعوديين بالثروة والخير الوفير والحياة الفضلى.

مستقبل لم يعد كما كان
ببدء الاستخراج والتصدير من الدمام، ارتاحت النفوس القلقة المتسائلة عن وجود الزيت في المملكة. ولكن المنقِّبين لم يرتاحوا يوماً منذ آنذاك وحتى اليوم. ومنذ السنوات القليلة التي تلت الاكتشاف في قبة الدمام، تكلَّلت جهود هؤلاء بنجاحات تُقزِّم أكثر الأحلام جموحاً.

ففيما كان العالم منشغلاً بالحرب العالمية الثانية التي اندلعت عام 1939م، كان الجيولوجيون في الشركة منشغلين بحفر بئر اسكتشافية في موقع أبو حدرية على بُعد 161 كيلومتراً إلى الشمال الغربي من الظهران، وعندما ظهرت النتيجة الإيجابية الجديدة هناك، كانت منطقة بقيق قد احتلت في رأي الجميع تقريباً رأس قائمة المناطق التي يحتمل وجود الزيت فيها. وعلى الرغم من حرارة الصيف المُحرِقة في أغسطس من عام 1940م، بدأ حفر البئر رقم 1 في بقيق. وكان الجيولوجيون بارقر وستاينكي وتوماس قد تمكنوا في العام السابق من فك الشفرة الجيولوجية الكامنة في غرابة تكوين وادي السهباء الفاصل بين مناطق التنقيب إلى شمالية وجنوبية. وخلصوا إلى أن التشكيلات الصخرية التي درسوها تقبع فوق ما عُرف لاحقاً باسم الغوَّار، أكبر حقل زيت منفرد على وجه الأرض.

وتضافرت هذه الاكتشافات على رفع إنتاج الزيت في الشركة التي صار اسمها «أرامكو» بدل «كاسوك»، من 21،000 برميل في اليوم عام 1944م إلى نحو 500،000 برميل في أوائل العام 1949م. لتتعاظم بذلك العوائد على خزينة الحكومة التي أطلقت سلسلة من المشاريع التنموية في كافة أرجاء المملكة مثل بناء المدارس والمستشفيات وتطوير البُنى التحتية.

الآبار المغمورة
وبينما كان العمل جارياً على قدم وساق لتوسيع إنتاج النفط من آبار اليابسة في أواخر الأربعينيّات، بدأت أرامكو في التفاوض مع الحكومة السعودية للعمل في المنطقة المغمورة بالمياه أيضاً. وفي أكتوبر 1948م، وقَّعت أرامكو اتفاق المنطقة المغمورة مع الحكومة، وهو اتفاق يعطي الشركة حق التنقيب عن الزيت في المياه المجاورة. وفي عام 1950م، أنشأت الشركة أول منصات حفر في المنطقة المغمورة في منطقة الخليج في السفّانية على مسافة ثلاثة كيلومترات تقريباً داخل البحر و225 كيلومتراً تقريباً شمال الظهران، قرب الحدود مع الكويت.

لم تشكل المياه الضحلة التي لا يزيد عمقها على 22 متراً عقبة كبيرة من الناحية التقنية إذ تفجر الزيت من البئر الاستكشافية عام 1951م. وقد بلغ إنتاج الحقل في عام 1957م، 50,000 برميلٍ في اليوم من 18 بئراً. لكن أرامكو استنتجت بعد ذلك أن حقل السفَّانية وحقل الخفجي المجاور في المنطقة المحايدة بين السعودية والكويت، هما في الحقيقة حقل عملاق واحد، وقدرت احتياط الزيت فيه بنحو 25 بليون برميل، ويجعله هذا أكبر الحقول المغمورة في العالم. وفي العام نفسه، اكتشفت أرامكو حقل منيفة العملاق الآخر في المنطقة المغمورة، ويقدَّر احتياطه بنحو 11 بليون برميل.

النمو في الاتجاهات.. الست!
يستحيل تعداد ما تم إنجازه في صناعة الزيت السعودية وبفعل هذه الصناعة خلال النصف الثاني من القرن العشرين. فمن جهة ازداد حفر الآبار، وارتفعت في الفضاء مصانع التجميع والتكرير، وكان الغاز المصاحب للزيت وراء نشوء صناعة البتروكيميائيات التي تعملقت بدورها في مدينتي الجبيل وينبع.

وفيما كانت عائدات النفط على الحكومة تُغيِّر وجه المملكة أينما كان، خاضت أرامكو غمار المساهمة إلى جانب الحكومة في التنمية الاجتماعية بفعل الخبرات التي كانت قد بدأت تتراكم لديها بموازاة تضاعف أرباحها، وراح عملاق صناعة الزيت يبني المدارس لمراحل التعليم العام، ويُصدر المطبوعات والمنشورات الثقافية. فما كان من منشآت ضرورية لقيام الشركة راح يتحول إلى مدن في الظهران والخبر والدمام، وآفاق النمو أمام هذه المدن بدت مفتوحة إلى ما لا نهاية.

ولكن، وربما من باب الحنين إلى الماضي، يمكننا أن نتوقف بإيجاز شديد أمام بعض الفصول التاريخية في مسار الشركة إلى ما هي عليه اليوم.

خط التابلاين.. هل تذكرونه؟
غداة الحرب العالمية الثانية قدَّرت الدراسات أن أوروبا الغربية ستستورد في العام 1952م نحو %80 من حاجتها إلى الزيت من منطقة الشرق الأوسط إذا أمكن نقله بسرعة وتكلفة معقولة. فبدأ الإعداد لمد خط أنابيب بطول 1200 كيلومتر وبتكلفة 230 مليون دولار لإيصال الزيت السعودي إلى الأسواق الأوروبية، عبر الأراضي الأردنية والسورية واللبنانية. وفي السنة الأولى لتشغيل التابلاين (1951م) قفز الإنتاج السنوي إلى 278 مليون برميل، نُقل نحو %39 منها بواسطة هذه الأنابيب. غير أن بناء الناقلات البحرية العملاقة البحرية العملاقة لاحقاً، واندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975م، أفقد هذا الخط أهميته، فوُضع خارج الخدمة.

المشاركة في الربح
لم تكن الحكومة السعودية سعيدة دائماً بما تحصل عليه من أرامكو. ففي العام 1949م مثلاً، بلغ ما دفعته الشركة من ضرائب لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية 43 مليون دولار، أي ما يزيد بنحو 6 ملايين دولار على عائدات الزيت التي دفعتها للحكومة السعودية في حين أن الشركة جنت أرباحاً مذهلة بلغت 105 ملايين دولار. فراحت الحكومة تفاوض الشركة على هذه المسألة. وفي ديسمبر 1950م، توصلت إلى اتفاق معها لتقاسم الأرباح مناصفة. وأيدت الاتفاق وزارة الخارجية الأمريكية بسبب اندلاع الحرب الكورية في يونيو 1950م، وخوفها من اعتداء الشيوعيين في دول الشرق الأوسط على الزيت في وقت الأزمة.

السكة الحديد إلى الرياض
بموازاة العمل على خط التابلاين، وجدت أرامكو الوقت لتنفيذ عدد من المشروعات الإنشائية الضخمة لمصلحة الحكومة السعودية كان أكبرها ميناء المياه العميقة في الدمام وخط للسكة الحديد طوله 600 كيلومتر يصل بين الرياض والظهران وبقيق والهفوف. وتولَّت أرامكو تمويل هذه المشروعات وإنجاز أعمالها الهندسية والإنشائية وتعاقدت مع «بكتل» لتنفيذها. وإدراكاً لأهمية هذا المشروع لمواطني المملكة العربية السعودية، قدّمت أرامكو للحكومة السعودية سلفة قيمتها 72 مليون دولار تقريباً، دون فوائد، لتمويل المشروع. وبدأ تسديد هذه السلفة من العائدات الحكومية في عام 1952م.

شركة الكهرباء
تولت مجموعة من المسؤولين في أرامكو على مدى أشهر البحث في تفاصيل دمج 26 شركة كهرباء محلية في محطات الكهرباء التابعة لأرامكو. وفي شهر أغسطس 1976م، أصدر الملك خالد مرسوماً ملكياً بإنشاء شركة الكهرباء سكيكو. وبنت أرامكو المنشأة وشغلتها وأدارتها خلال سنوات التشغيل الخمس الأولى.

كلية البترول والمعادن
تأسست كلية البترول والمعادن بمرسوم ملكي في 23 سبتمبر 1963م، على مقربة من الظهران، فقدّمت أرامكو في السنة التالية قطعة أرض لإقامة الكلية، اشتملت على 50 مبنى كانت في الأصل جزءاً من الحي السكني الخاص بأرامكو، لتكون سكناً للطلاب. وبعد سنوات من التفاوض مع وزارة البترول والثروة المعدنية، وافقت الشركة في عام 1970م على منح الكلية 11 مليون دولار تُدفع على ثلاثة أقساط بين أبريل 1970م ويناير 1972م.

وفي عام 1986م مُنحت الجامعة اسمها الحالي «جامعة الملك فهد للبترول والمعادن». وهي تضم الآن أكثر من 10 آلاف طالب.

تأسيس «أوبك»
اتسمت الستينيّات بسرعة التغيّر والتطوّر في المملكة وأرامكو. وتعبيراً عن تضامن المملكة مع الدول الأخرى المنتجة للبترول، ازدادت الحكومة حزماً في التعبير عن رغبتها في الحصول على أكبر قدر ممكن من الثروة من مواردها الكامنة في أراضيها، كذلك تسارعت وتيرة الإنفاق على مشروعات التنمية والتحديث في المملكة، بعد تولي الأمير فيصل زمام الحكم عام 1964م.

ففي أواخر الخمسينيّات، كانت جميع شركات الزيت قد حافظت على ثبات السعر المعلن الذي تدفعه لقاء الزيت، والقائم على أساس اقتسام الأرباح مع الدول المنتجة. لكن شركة النفط البريطانية خفضت في أوائل عام 1959م السعر المعلن 18 سنتاً، أي نحو %10.

لم يكن عبد الله الطريقي، المدير العام لشؤون الزيت والمعادن، الوحيد الذي اعترض بشدة على هذا الخفض، بل شاركته اعتراضه هذا دول أخرى في الشرق الأوسط. وبعد شهر تقريباً، التقى ممثلو المملكة العربية السعودية وفنزويلا والكويت والعراق وإيران، وشكل هؤلاء منظمة الدول المصدرة للبترول، المعروفة باسم «أوبك»، التي صارت الضابط العالمي لإنتاج الزيت وتجارته وتسعيره.

أرامكو السعودية..
التملك بالكامل بعد الشراكة
لم تخلُ العلاقة التاريخية بين الحكومة والشركة من بعض المشادات على الحصص، والأمر طبيعي. فبعد تملك الحكومة حصصاً في أسهم الشركة كانت تكبر وتكبر، آن الأوان بعد نحو خمسة عقود على تأسيس الشركة أن تتملكها الحكومة كاملة. فشهدت أواخر السبعينيات أشهراً من المفاوضات الشاقة لهذه الغاية انتهت بإعلان الحكومة في فبراير 1979م التوصل إلى اتفاق لشراء ما بقي من أسهم أرامكو وامتلاكها كاملة، وقد وقِّع الاتفاق عام 1980م بأثر مالي رجعي يعود إلى العام 1976م.

في نوفمبر 1988م، اجتمع مجلس الوزراء السعودي واعتمد عقد تأسيس شركة الزيت الوطنية الجديدة، شركة الزيت العربية السعودية، أو أرامكو السعودية، لتولي المسؤوليات التي كانت منوطة بأرامكو بالإنابة عن الحكومة السعودية.

التوسع عالمياً
في أوائل عام 1986م عرض رئيس الشركة علي النعيمي خلال محادثاته مع وزارة البترول والثروة المعدنية، أن تصبح أرامكو شركة زيت متكاملة. فبدلاً من أن يقتصر نشاطها على أعمال التنقيب عن الزيت وإنتاجه وتسويقه وتكرير بعضه محلياً، رغب النعيمي في أن تنوع أرامكو نشاطها لتشمل أعمال ما بعد الإنتاج والتكرير مثل توزيع المنتجات البترولية وتسويقها على النطاق الدولي.

وبعد الحصول على الضوء الأخضر من الرياض، شكلت إحدى الشركات التابعة لأرامكو مشروعاً مشتركاً مع «تكساكو» أطلق عليه اسم ستار إنتربرايز Star Enterprise، وبدأ المشروع بأصول ضمت ثلاث مصافٍ كبرى في الولايات المتحدة. واشتمل المشروع المشترك أيضاً الذي يضم قرابة 4000 موظف، على أربعة أقسام للتسويق في الولايات المتحدة، و48 محطة تحميل لتوزيع المنتجات، وأكثر من 11000 محطة خدمة تحمل علامة تكساكو.

وخلال السنوات الخمس من عام 1989م إلى عام 1994م، اكتشفت أرامكو السعودية 15 حقلاً للزيت والغاز في الأجزاء الوسطى والغربية والشمالية الغربية من المملكة. ولقد جسّد مشروع ستار إنتربرايز والنجاح في مجال التنقيب بعد تولي السعوديين إدارة الشركة مدى الحيوية التي تتمتع بها أرامكو السعودية.

واستمرت الشركة في تعزيز تواصلها الاستراتيجي مع دول العالم في بعض مجالات التكرير والتسويق حتى وهي في خضم أزمة اجتياح العراق للكويت الإقليمية الخطرة. ففي عام 1990م، افتتحت مشروعاً لتملك الأسهم في شركة التكرير الكورية «سانغ يونغ» المعروفة اليوم باسم «س- أويل كوربوريشن»، واتفقت الشركتان على امتلاك وتشغيل مرافق التكرير التي اكتملت أخيراً في أونسان والخاصة بشركة سانغ يونغ.

وفي أغسطس 1991م، أعلنت أرامكو السعودية أن إحدى شركاتها اشترت %35 من شركة التكرير الكورية سانغ يونغ نفسها. وفي عام 2007م، أصبحت سانغ يونغ أفضل استثمارات التكرير في أرامكو السعودية على الإطلاق. والأكثر ربحاً بين المصافي ذات العلاقة بالشركة.

إطلاق المارد
وشهد العقد الأول من الألفية الجديدة تركيزاً غير مسبوق في حجمه على الغاز الطبيعي الذي ظلَّ لعقود يُحرق في الهواء، ليصبح مورداً اقتصادياً بالغ الأهمية خاصة بعد تنامي صناعة البتروكيميائيات في المملكة. فأنشأت أرامكو السعودية معملاً للغاز في الحوية، وآخر لفصل الغاز عن الزيت في حرض، وأطلقت في العام 2003م مشروع سبارك الدولي المشترك للتنقيب عن الغاز بالاشتراك مع شركتي توتال الفرنسية ورويال داتش شل.

وفي العام 2005م، أعلنت الشركة عن تخصيص مليارات الدولارات للسنوات الخمس اللاحقة لتنفيذ أضخم برنامج للإنفاق الرأسمالي في صناعة الزيت في زمن السلم في العالم. وتمسكت أرامكو السعودية برغم الأزمات المالية التي عصفت بالعالم في العامين 2005 و2008م باستراتيجيتها الهادفة إلى تلبية الطلب العالمي على الزيت حتى على المدى البعيد.

وبموازاة ذلك، تواصل اهتمام أرامكو السعودية بتطوير قدرات موظفيها وتحفيزهم. ففي اجتماع عقدته إدارة الشركة عام 1998م، قال رئيسها آنذاك الأستاذ عبدالله جمعة: «لقد آن الأوان للشركة أن تُطلق المارد من القمقم». مشيراً بذلك إلى ضرورة إطلاق سراح قوة العقول والكفاءات في الشركة. فبهذه الكلمات البسيطة والمعبِّرة سلَّط جمعة الضوء على الثقافة الجديدة في الشركة التي تؤكد رغبتها في تنمية الكفاءات عند الموظفين والطلاب والمهنيين السعوديين. ولاحقاً، أعلنت الشركة أن عام 2001م، عاماً للتطوير الذاتي، وأطلقت مجموعة برامج جديدة تهدف إلى تعزيز قدرات الموظفين المبدعين وتطويرها من خلال البرامج التدريبية المكثفة وتنمية الإمكانات المهنية والفردية لموظفيها.

وبموازاة التبدل النوعي للاهتمام المتنامي بموظفيها، تطوَّر أيضاً اهتمام الشركة بمجتمعها وبلادها ككل. وما شروعها في إنشاء مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي في الذكرى الخامسة والسبعين على تأسيسها، ليكون هديتها العملاقة إلى المجتمع في تلك المناسبة، إلا واحداً من أوجه هذا الالتزام بقيمة المواطنة، وتعبيراً واضحاً عن المسافة التي اجتازتها الشركة منذ زمن جهدت فيه لتبني خياماً وبيوتاً من خشب وحصير لموظفيها.

سياسة قائد
قد يكون الأديب المعروف أمين الريحاني الذي رافق الملك عبدالعزيز إلى مؤتمر العقير وعرفه عن كثب، خير من لخَّص جملة الصفات التي كان يتحلَّى بها الملك، بقوله: «أعتقد أن مقوِّمات العظمة اجتمعت في هذا الرجل؛ فهو قوي، وشجاع غير هيَّاب، وصريح غير مراوغ.. يعرف ما يريد، والأهم من هذا وذاك، أنه يعرف حدود ما يمكنه الحصول عليه في كل وقت من الأوقات».
والواقع أن كل مواقف الملك عبدالعزيز وقراراته المتعلِّقة بالتعاطي مع التنقيب عن الزيت والتعامل مع المتعاقدين تؤكد هذه المزايا.
فقد كان الملك بالغ الحذر عند التعامل مع الحكومات الأجنبية القوية، لا سيما الحكومة البريطانية، لأنه لمس ميلها إلى استغلال العداوات القبلية لصالحها. وقد عبًّر عن خبرته وكبريائه واستقلاله حين قال للريحاني عن البريطانيين: «إنهم لا يكفّون عن نصب الشراك لي. إنهم يحصلون على كل ما يريدون؛ أما نحن فإذا أردنا شيئاً فلا بد من أن نقاتل في سبيله». ولذا عندما وجد الملك نفسه في البدايات أمام شركتين مرشحتين للتنقيب عن الزيت في بلاده، إحداهما تملكها عملياً الحكومة البريطانية والأخرى خاصة وتجارية بحتة، اختار الثانية، إذ «كلما قلَّ تدخل السياسة في رأس المال كان أفضل للمملكة»، حسبما جاء على لسان الريحاني.
وما بين اتفاقية الامتياز الأولى عام 1923م، والثانية التي وقَّعها الملك مع سوكال الأمريكية بعدها بعشر سنوات، هناك عشرات الوقائع والأمثلة التي تؤكد سياسة الحذر من الدول الكبرى، والتشدد في المفاوضات لانتزاع أقصى ما يمكن انتزاعه من الأجانب لصالح البلاد الفتية وشعبها.
ففي المعاهدة التي وقَّعها مع هولمز كان ثمة شرط يقول بعدم جواز قيام هولمز وشركة إيسترن آند جنرال «ببيع أي امتياز أو امتيازات للتنقيب عن الزيت أو المعادن كان الملك قد منحها لشركة إيسترن آند جنرال إلى شركة الزيت الإنجليزية – الفارسية بشكل جزئي أو كلِّي».
وفي السنوات التالية، عندما حاولت شركة نفط العراق الدخول على خط الحصول على امتياز في المملكة، انسحبت خاوية الوفاض لأنها عرضت الدفع بالروبية الفضة، في حين أن المطلوب كان الذهب.
ومعلوم أن من الأسباب الرئيسة التي جعلت الملك لاحقاً يوافق على منح حق التنقيب لشركة «سوكال» الأمريكية، هو كون أمريكا آنذاك بعيدة كل البعد عن المشاريع الاستعمارية في المنطقة.
ولعل أبرز ما يلخص ما كان الملك يبغيه من وراء التنقيب عن الزيت، هو إصراره منذ اتفاقية الامتياز عام 1933م، على توظيف السعوديين حيثما كان ذلك ممكناً. وسنأتي على ذلك بشيء من التفصيل في مكان آخر من هذا الملف.

ثالث أكبر شركة تكرير في العالم بعد الدمج مع سمارك

في العام 1993م، صدر مرسوم ملكي بالموافقة على قرار مجلس الوزراء الذي تم بموجبه دمج شركة التسويق والتكرير العربية السعودية (سمارك) مع أرامكو السعودية. حوَّل الدمج مجموعة من الأصول والمسؤوليات إلى أرامكو السعودية، بحيث باتت مسؤولة عن تشغيل المصافي المحلية في المملكة ومرافق التوزيع ومحطات التحميل، بحيث تحوَّلت وبشكل فوري إلى ثالث أكبر شركة تكرير في العالم بعد إكسون وشل.
وقد اكتملت عملية الدمج من الناحية التشغيلية خلال ستة أشهر، إلا أن استيعاب ما يزيد على 10،250 موظفاً من سمارك وحوالي 1،600 متعاقد أجنبي زاد الأيدي العاملة في أرامكو السعودية بنسبة تقارب 25 في المائة. كما استغرقت عملية دمج هؤلاء بشكل كامل عدة أشهر إضافية، لكن الشركة اليوم تعمل كوحدة واحدة، وإذا ما نظرنا إلى الأصول والموظفين وجدنا أنه من الصعب التمييز بينهم على أساس أن هذا كان في سمارك أو في أرامكو، حيث أصبح الجميع موظفي أرامكو السعودية. وتم تطوير جميع الأصول وتوحيدها بالطريقة نفسها.

«التنمية الصناعية»
حاضنة زادها الأعمال ورجالاتها

في عام 1946م، أطلقت الشركة مشروع «إدارة التنمية الصناعية» الهادف إلى الإسهام في تنمية قطاع الأعمال خارجها والنأي بنفسها عن الأعمال التي اضطرت في البدء إلى القيام بها بنفسها دون أن يكون لها علاقة بصناعة الزيت، وتشمل كل شيء من صنع المثلجات والخبز مروراً بالطباعة وإنتاج الدواجن، وصولاً إلى الإنشاءات الثقيلة. وشجّعت البرامج التي أنتجتها الإدارة الجديدة المستثمرين المحليين على تولي هذه المشاريع كمقاولين أو مورِّدين للشركة، الذين وفَّرت لهم أيضاً المساندة المادية والفنية.
وبحلول العام 1956م، كانت الشركة تدفع إلى المقاولين المحليين في المنطقة الشرقية نحو 12 مليون دولار في السنة مقابل منتجاتهم وخدماتهم.
من ناحية أخرى، راحت الشركة تمد القطاع الخاص بقروض ضخمة لإقامة المشاريع التي تحتاجها المدن الجديدة. فأقرضت علي التميمي الذي عمل في الشركة لبعض الوقت مبلغ 100،000 دولار لإنشاء شركة مغسلة الدمام. وفي عام 1956م أقرضت رجل الأعمال المحلي محمد بن أحمد الدوسري 750،000 دولار لإنشاء مستشفى في الخبر. وضمنت قرضين لعبدالعزيز ومحمد المانع لإنشاء عيادتين للعيون والأسنان على التوالي.
وشكَّل مشروع خط التابلاين الفرصة الملائمة لعدد كبير من رجال الأعمال المحليين. منهم عبدالله فؤاد الذي سبق أن أقيل من سوكال لأنه أطلق بالخطأ إنذاراً بوقوع غارة جوية في زمن الحرب، ليعود بعد سنوات ويتعاقد مع أرامكو بصفته رجل أعمال. وهناك أيضاً سليمان العليان الذي التحق بالشركة عام 1937م ليشغل وظيفة مرحِّل نقليات، ثم كان أحد أبرز المتعاقدين مع الشركة في العمل على التابلاين.
وتضافرت همم هؤلاء الرجال مع مساندة أرامكو لهم، في تنويع أعمالهم وتنميتها، بحيث تحولوا إلى أسماء علم معروفة جيداً، في المنطقة الشرقية وباقي مناطق المملكة وخارجها، لمجموعات اقتصادية عملاقة. ففي شهر مارس من عام 2002م، أي قبل أشهر من وفاة سليمان العليان، أدرجت مجلة «فوربس» اسمه ضمن قائمة أغنى أغنياء العالم حيث احتل المرتبة الرابعة والثلاثين.

تحديات ومصاعب
لم تفتّ من عضدها شيئاً
واجهت الشركة خلال تاريخها من الصعوبات والتحديات ما يستحيل تعداده. وما صعوبة عمل المنقِّبين والمستكشفين الأوائل في بيئة قاسية تفتقر إلى أبسط مقوِّمات الحياة العادية (كي لا نقول الرفاهية) إلا واحداً من أبسط هذه التحديات، لأن ما تلى ذلك كان أعظم.

خلال الحرب العالمية الثانية
بعد سنة واحدة على تدفق النفط من قبة الدمام، اندلعت الحرب العالمية الثانية، التي طالت بالقليل من نيرانها منطقة الظهران في ليلة 19 أكتوبر 1940م، عندما أغارت طائرة إيطالية على موقع الشركة. لم تُخلِّف الغارة سوى أضرار طفيفة. وقد أذاع خبرها الزعيم الإيطالي الفاشي موسوليني بنفسه وقدَّم اعتذاره علنياً للملك عبر الإذاعة، زاعماً أن هدف الغارة كان ضرب مصفاة البحرين، فضلَّت إحدى الطائرات الطريق.

ولكن إثر هذه الغارة، راح عدد الأمريكيين العاملين في الشركة يتضاءل باستمرار، وفي مايو 1941م، لم يكن قد تبقَّى منهم سوى مائة رجل أو أقل.

وفي عام 1943م، عندما حصلت أرامكو على تصريح لبناء مصفاة رأس تنورة، وجدت نفسها في حاجة ماسة إلى العمال المهرة، فمن أين تأتي بهم وكل حرفيي العالم مشغولون بالعمل على الصناعات الحربية؟ والجواب من إرتريا التي كانت متخمة بالأسرى الإيطاليين بعد انتصار الحلفاء هناك.

كان من بين آلاف الأسرى عمال مهرة يطلق سراحهم للعمل في مشاريع عديدة، وبناءً على بعض الاقتراحات، وبعد الحصول على موافقة من الملك، استقدمت أرامكو أكثر من 1000 عامل إيطالي للعمل على مصفاة رأس تنورة. ثم تم ترحيل بعض هؤلاء إلى إيطاليا في أواخر العام 1945م بعد اكتمال المصفاة. وبعد ذلك بسنوات ثلاث، حلَّت نكبة فلسطين التي جعلت آلاف الفلسطينيين يبحثون عن عمل، فحلَّ عديد منهم محل المئات من الإيطاليين، بحيث لم يبقَ من هؤلاء في عام 1961م سوى 33 عاملاً.

أزمة المؤن
وفي أوائل عام 1944م، تضاءلت المؤن لدى أرامكو (اسم الشركة الجديد) حتى انعدمت تقريباً. فالأطعمة الطازجة، لا سيما الخضراوات واللحوم، كانت تتناقص يوماً بعد يوم.

كانت مزرعة تربية الحيوانات التي أنشأها الموظفون، نوعاً من الإغاثة للأمريكيين في المخيم، ومصدر توعية للمزارعين السعوديين الذين لم يروا حاضنة بيض من قبل. وبنهاية الحرب، كان الموظفون يملكون قطيعاً يزيد على 5,000 رأس غنم و1,200 رأس بقر وحيوانات لبونة ترعى في مزرعة المخيم السكني في الظهران.

وضغوط حرب الخليج
وثمة فصل آخر يذكر كثيرون ما شكَّله من تحديات، ويتمثل في حرب الخليج التي اندلعت إثر قيام رئيس العراق السابق صدام حسين بغزو دولة الكويت في 2 أغسطس 1990م، وما تلى ذلك من تطورات لم تكن في حسبان الشركة ولا العالم.

تمثَّلت الصعاب التي واجهتها أرامكو السعودية آنذاك أولاً بالاضطراب الذي ساد موظفيها، وخاصة الأجانب منهم، ومن ثم ازدياد الضغط عليها في هذه الظروف الصعبة داخلياً لرفع إنتاجها بحيث تلبِّي الطلب العالمي المتزايد بعد توقف الصادرات العراقية والكويتية.

وبجهد جبَّار شمل إعادة تشغيل 146 بئر زيت و12 معملاً لفرز الغاز عن الزيت والاستعانة بقدامى الموظفين، تمكنت الشركة من زيادة طاقتها الإنتاجية بأكثر من 2.8 مليون برميل خلال الأشهر الأخيرة من عام 1990م، بحيث وصل إنتاجها اليومي في نهاية تلك السنة إلى 8.5 مليون برميل يومياً!

أما التحدي الأكبر وغير المسبوق في ضخامته، بحيث اتخذ حجم الكارثة، فيتمثل في الانسكاب النفطي الذي بدأ في مياه الخليج في يناير 1991م واستمر حتى مطلع شهر مايو. ووفقاً لتقديرات الوزير هشام ناظر، فإن ما تعمدت القوات العراقية تفريغه من الزيت في مياه الخليج وصل إلى 11 مليون برميل.

كانت الشركة قد وضعت في العام 1990م خطة الاستجابة لطوارئ انسكاب الزيت. ولكن رغم دقة هذه الخطة، فهي كانت مُعدَّة لزمن السلم وليس لوقت الحرب. ومع ذلك، وبالرغم من الظروف بالغة الصعوبة، تارة بسبب عوامل الطقس المعاكسة، وأخرى بسبب الأعمال الحربية الدائرة في الجوار، خرجت فرق الاستجابة لحوادث الانسكاب للعمل على جمع النفط من مياه الخليج، بحيث تمكنت في النهاية من استعادة ما يزيد على مليون برميل من الزيت المتسرِّب. كما واصلت فرق حماية البيئة والمتطوعين من الشركة وخارجها بالعمل لعدة أشهر على معالجة ذيول هذه الكارثة لإنقاذ الطيور والحيوانات البحرية.

الذهاب إلى المتاعب
إن هي لم تحضر: الشيبة
بالخبرات التي اكتسبتها على مرّ الزمن، أصبحت أرامكو السعودية قادرة على مواجهة تحديات ما كانت ممكنة سابقاً، حتى من دون أن تكون هذه التحديات بسبب ظروف خارجية طارئة كالحروب والكوارث. وما ترويض حقل الشيبة الذي اكتشف عام 1968م، إلا مثالاً على ما باتت هذه الشركة قادرة عليه، في تسعينيات القرن الماضي، عندما قررت بدء الإنتاج من هذا الحقل العملاق الكامن تحت رمال الربع الخالي المُخيف.

كان قطع 800 كيلومتر من الظهران إلى الشيبة براً يستغرق أكثر من أسبوع. وكانت الأعمال اللوجستية المطلوبة لتطوير حقل الشيبة هائلة لا يتصورها عقل. ففي عام 1996م فقط، اضطرت الشركة، ريثما تنشئ طريقاً معبدة عبر كثبان الرمل، إلى نقل المواد بشاحنات مستأجرة لثلثي الطريق قبل تحويلها إلى سيارات أرامكو السعودية المصممة خصيصاً للسير في الصحراء لإيصالها إلى الموقع. وفي عام 1996م، استخدمت الشركة 300 شاحنة لنقل أكثر من 3,800 حمولة إلى موقع الإنشاء زنتها الإجمالية 90 ألف طن. واستطاع المقاولون في أقل من عام تعبيد طريق طولها 386 كيلومتراً عبر منطقة صحراوية غير مطروقة. وقد تفرغ 1,300 موظف للمشروع، وخُصِّصت 533 آلية ثقيلة لنقل 15 مليون متر مكعب من الأنقاض والرمال.

وبعد 10 أشهر من إنشاء الطريق، أنشئ مدرج خرساني لاستقبال طائرات البوينغ 737. ومع ضمان التسليم المنتظم للمَدد، تسارعت وتيرة بناء المنشآت هناك. كذلك أنشئ خط أنابيب طوله 645 كيلومتراً لنقل الزيت من الشيبة إلى مركز المعالجة في بقيق.

في يوليو 1998م بدأ إنتاج الشيبة بنحو 500،000 برميل في اليوم، وفي مارس 1999م، افتتح خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله، الذي كان ولياً للعهد آنذاك، المشروع الذي بلغت تكلفته 1,7 مليار دولار، ولم يكن إنجازاً لوجستياً استثنائياً وحسب، بل كان مَعلماً حضارياً أيضاً. إذ كان 90 في المئة من المسؤولين عن مشروع الشيبة سعوديين.

السعوديون..
والطريق إلى القيادة
في الوجدان العام، وخاصة في صفوف غير المدققين في التفاصيل، يربط كثيرون تاريخ السعودة في أرامكو بتاريخ انتقال ملكيتها كاملة إلى الحكومة السعودية عام 1980م، أو بتاريخ تأسيس شركة الزيت العربية السعودية، أو أرامكو السعودية في نوفمبر 1988م لتولي المسؤوليات التي كانت منوطة بأرامكو بالإنابة عن الحكومة السعودية. ولكن الجذور الحقيقية للسعودة تمتد إلى ما هو أعمق من ذلك بكثير. إلى البدايات، وصولاً إلى اتفاقية الامتياز عام 1933م.

فبموازاة طموح الملك عبدالعزيز إلى توفير مصدر دخل مباشر لخزينة الدولة من خلال هذه الاتفاقية، كان هناك طموح مماثل إلى توفير فرص عمل جديدة للمواطنين، تدل عليه بوضوح المادة 23 من الاتفاقية التي نصِّت على ما يلي: «يتولَّى الجانب الأمريكي إدارة المشروع موضوع العقد والإشراف عليه مع مراعاة توظيف المواطنين السعوديين إن أمكن، ولا يجوز للشركة توظيف غير المواطنين السعوديين إلا في حال عدم توافر الموظفين الأكفاء من السعوديين». وقد كانت هذه المادة خير عامل على إعداد الأرضية المناسبة للتحول الكبير الذي شهده المجتمع السعودي خلال العقود اللاحقة. تحول بدأ بطيئاً، يقول البعض، ولكنه لم يتوقف يوماً، وتطلب ما لا يمكن قياسه من التعليم والتدريب والجهود الإدارية والقرارات الحكومية، وقبل كل ذلك من طموحات المواطن السعودي.

البداية
في سنتها الأولى، لم يكن في شركة الزيت سوى عدد محدود من المواطنين السعوديين يتولون مهام المساندة مثل الأدلَّاء والسائقين والمترجمين. ولم توظِّف الشركة السعوديين بأعداد كبيرة إلا بعد أن قررت بناء رصيفها الأول في أواخر العام 1934م، حين وظَّف الرئيس المقيم لشركة كاسوك فلويد أوليقر ما بين 400 و500 عامل محلي للمساعدة على بناء الرصيف ونقل الصخور في ساعات الجزر من المراكب الشراعية إلى الشاطئ لتنقلها الجرارات إلى موقع الإنشاء.

شجَّع نجاح مشروع الرصيف الذي اكتمل في ربع عام 1935م مديري كاسوك على توظيف أعداد كبيرة من العمال السعوديين، وتدريبهم شيئاً فشيئاً على أداء الأعمال التي تتطلب قدراً أكبر من المهارة. وحتى قبل اكتمال الرصيف، كان المئات من السعوديين يعملون في موقع الحفر في مخيم الظهران، من بينهم نحو 240 عاملاً ممن بدأوا العمل في الموقع منذ مطلع عام 1935م، ثم تضاعف عددهم عشر مرات تقريباً بنهاية العقد. وبالإضافة إلى بناء المساكن للموظفين الأمريكيين، قامت فرق العمل ببناء مساكن للعمال السعوديين من الخشب والحصير.

كرة الثلج
التزاماً بما نصَّت عليه اتفاقية الامتياز، وأيضاً بسبب تزايد حاجتها إلى المهارات، وجدت الشركة نفسها مدفوعة إلى الغوص في قطاع التعليم. فافتتحت أول مدرسة للسعوديين في مايو 1940م، وكانت عبارة عن غرفة واحدة مستأجرة في بيت في الخبر، تعود ملكيته لأحد موظفيها وهو حجي بن جاسم الذي كان أيضاً أول معلميها، والتحق بها منذ الليلة الأولى 19 رجلاً وولداً. وفي شهر يوليو من العام نفسه افتتحت «مدرسة الحي السعودي» في بريستي. وبعدما تركز التدريب الأولى على مهارات عملية محددة، شهدت الأربعينيات من القرن الماضي زيادة ضخمة في جهود الشركة لتقديم فرص تعليمية أكبر للموظفين، ومن ثم لأبنائهم والناشئة في الظهران والدمام والخبر التي كانت قد بدأت بالتحول إلى مدن متكاملة. ومنذ ذلك الزمن، وطوال العقود اللاحقة، كان التعليم والتدريب يضخان في الشركة المزيد والمزيد من المهارات والكفاءات السعودية بوتائر كانت تتسارع حيناً وتتباطأ حيناً، ولكنها لم تنقطع يوماً.

وفي منتصف الخمسينيات، طوَّرت الشركة برنامج الابتعاث الجامعي، وألزمت نفسها توفير برنامج التدريب لأفضل السعوديين أداءً في مجالات الهندسة والجيولوجيا والكيمياء وغيرها، لتأهيلهم لصعود السلم الإداري في الشركة. ولبلوغ هذا الهدف، قررت أرامكو ابتعاث طلابها إلى الولايات المتحدة للحصول على الدرجات الجامعية، فكانت تدفع للطلاب الرسوم الدراسية الكاملة، بالإضافة إلى رواتبهم طوال فترة الدراسة.

كان أولئك الطلاب طليعة السعوديين الذين جرَّبوا الحياة الفعلية خارج المملكة، ثم عادوا إلى بلادهم برؤية أوسع وقدرة أكبر على الربط بين مختلف المسائل والتخطيط الاستراتيجي الشامل.

في العام 1973م، كان إجمالي عدد الموظفين في الشركة 13970 موظفاً من بينهم 3334 سعودياً. وعلى الرغم من أن هذه النسبة تبدو معقولة جداً إذا ما قورنت بالبدايات، فإنها لم تكن مرضية لرئيس مجلس الإدارة الجديد فرانك جنقرز الذي عيِّن رئيساً لمجلس الإدارة وكبيراً للإداريين التنفيذيين في أواخر عام 1973م، الذي رأى أن وتيرة تدريب السعوديين لتولي المناصب العليا في الشركة على نحو متدرِّج لا ترقى إلى الطموح، لا سيما على ضوء اتفاق المشاركة الذي يعطي الحكومة السعودية حصة ملكية مباشرة في أرامكو، حصة وصلت في العام 1974 إلى %60.

في نهاية السنة الأولى من تسلم جنقرز رئاسة أرامكو زاد عدد السعوديين الذين يشغلون وظيفة رئيس وحدة بنسبة %23 ليصبح عددهم 366. وفي أغسطس من العام نفسه عيِّن فيصل البسام نائباً للرئيس للشؤون العامة، وبدأ الموظفون السعوديون الضغط من أجل التغيير.

بحلول منتصف السبعينيات، وجد الطموحون من الموظفين السعوديين فرصاً وظيفية جديدة، ورأوا أن كثيراً من الموظفين الأجانب مستعدون لإرشادهم وتوجيههم. ومع ترقي السعوديين في صفوف الإدارة، تولَّد لديهم إحساس بالمسؤولية تجاه أقرانهم السعوديين المؤهلين لأن يحذو حذوهم.

كانت الشركة قد طوَّرت على مر السنين نظاماً لخطط التعاقب للموظفين السعوديين والأجانب. وصحيح أن الحكومة لم تتدخل في المسائل المتعلقة بشؤون الموظفين في الشركة، ولكنها حرصت على مراقبة تقدم السعوديين في صفوف الإدارة، وطلبت من الشركة إعداد خريطة لتتبع مسار المرشحين السعوديين في مستوى مدير عام فما فوق.

بخروج جنقرز من رئاسة الشركة عام 1977م، فقدت السعودة واحداً من أكثر المتحمِّسين لها. لكنها وجدت مناصراً جديداً كان سعودياً هذه المرة: علي النعيمي الذي تولَّى عام 1978م منصب النائب الأعلى للرئيس لشؤون الزيت، وكانت هذه أعلى مرتبة يبلغها سعودي في الشركة. وفي العام التالي، حصل تطور بالغ الأهمية، عندما أعلنت الحكومة في شهر فبراير 1979م، التوصل إلى اتفاق مع الشركة لشراء ما بقي من أسهم أرامكو وامتلاكها كاملة. وقد وُقِّع الاتفاق عام 1980م.

بعد انتقال ملكية الشركة كاملة إلى الحكومة السعودية، عاد التركيز على تطوير الكفاءات السعودية وتأهيل المؤهلين. وعلى الرغم من احتفاظ أرامكو بعلاقات تجارية وفنية قوية مع الشركات التي كانت تملك أسهمها في السابق، كان لا بد لجهود استمرت لنحو نصف قرن أن تُثمر. ففي الثامن من نوفمبر 1983م، اختار مجلس إدارة أرامكو علي النعيمي ليكون أول رئيس سعودي للشركة. ودخل تعيينه حيز التنفيذ في الأول من يناير 1984م. وفي نهاية ذلك العام وصل عدد موظفي أرامكو إلى 55819 موظفاً، منهم 34226 سعودياً، شغلوا 3343 وظيفة إشراف، أي ما يقارب %62 من وظائف الإشراف المتوافرة.

تلخِّص قصة ارتقاء النعيمي من عامل بسيط إلى رئاسة أرامكو، إسهام الشركة في التحول الكبير الذي شهدته المملكة وشعبها. وهي لم تكن الوحيدة من نوعها، فقد خاض آلاف السعوديين تجارب مماثلة.

ولم يقتصر اكتساح الكفاءات السعودية للشركة على قطاع الإدارة، بل تغلغل عميقاً في كافة القطاعات من دون استثناء، وصولاً إلى أكثرها تعقيداً وتطوراً في المجالات التقنية. ويُعد مركز الأبحاث المتقدمة التابع لمركز التنقيب وهندسة البترول إحدى قصص النجاح العديدة التي تُجسِّد القدرات المتنامية للشركة منذ انتقالها من شركة يديرها الأجانب إلى شركة يملكها ويديرها ويشغِّلها سعوديون. وفي هذا الصدد، يقول جيمس كينير عضو مجلس الإدارة «إن تحويل أرامكو السعودية من شركة يديرها الأجانب إلى شركة يديرها السعوديون ربما كان أعظم عملية نقل للتكنولوجيا في تاريخ البشرية».

وفي العام 1995م، عندما عُيِّن معالي الأستاذ علي النعيمي وزيراً للبترول والثروة المعدنية، كانت الشركة تضم العديد من الكفاءات السعودية، وقد عُيِّن حينها الأستاذ عبدالله بن صالح جمعة لمنصب الرئيس وكبير الإداريين التنفيذيين حتى نهاية العام 2008م، ثم خلفه الأستاذ خالد بن عبدالعزيز الفالح مع بداية العام 2009م، حيث أطلق برنامج التحول الاستراتيجي المتسارع، وهو البرنامج الذي يستهدف إحداث نقلة نوعية في مسيرة الشركة وتحويلها إلى واحدة من أكبر شركات الطاقة العالمية، ويعنى البرنامج بتحويل أرامكو السعودية بحلول عام 2020م من شركة زيت وغاز رائدة إلى شركة طاقة وكيميائيات تتسم بالعالمية والتكامل التام، وتمتلك أعمالاً واسعة النطاق في المملكة ومختلف أنحاء العالم.

أضف تعليق

التعليقات