حياتنا اليوم

غالب كامل ..
رجل رافق الملوك وأدمن الإعلام

  • FACE2 A

إنه غالب كامل، الذي التهمت أنانية الإعلام ومحبة الجمهور شبابه وعافيته وشيئاً من حياته الأسرية ثم تركته يوقِّع عقده مع الوحدة التي تربصت به منذ غافلته السنون وأتت على عجل غير عابئة بكل الخطط المرسومة لقادم الأيام. سألته عن «المصير» الذي انتهى به في الإعلام وعما إذا ما نما الندم في قعر نفسه على اختياره؟ غير أنه أجابني مبتسماً: «الإعلام عشقي الأبدي وسأظل وفياً له». في شبابه المبكر في الكويت الشقيقة وبعد أن أرهق نفسه عاماً دراسياً كاملاً ليأتي بالنتائج التي تمكنه من إقناع والده من إرهاق ميزانيته بشراء جهاز تسجيل، عكف غالب كامل على تسجيل صوته لإرساله كمداخلات لإذاعة الكويت وإذاعة الرياض وإذاعة جدة، حتى تعاون مع إذاعة الكويت وصرَّح من خلالها بأنه يتمنى العمل في إذاعات المملكة. الطريق لم يكن ممهداً على أية حال فوالده رفض بشدة ذهابه إلى مصر لدراسة التخصص ولم ينجح في إقناعه أي شفيع لغالب، فخوفه على ابنه من الانجراف إلى عالم الفن الذي كان مزدهراً وقتها كان هو الغالب. وكنقطة التقاء بينهما وافق والد غالب على أن يعمل في الإعلام مشترطاً أن يعمل فقط في الإعلام السعودي حتى يضمن لابنه بيئة إعلامية محافظة لا تمتد يدها وتسرق ابنه إلى ما لا يُحمد عقباه.

بدأ غالب كامل مشواره الإعلامي على قاعدة متينة من سلامة اللغة وسعة الاطلاع حتى أوصله صوته ليكون مرافقاً لملوك المملكة يُغطِّي أخبارهم ويرافقهم في رحلاتهم. سنوات طوال وصوته يشكِّل جزءاً مهماً في ذاكرة جيل لم يعرف أنيساً سوى الراديو، غير أن هذه الأعوام لم تشفع لسنوات العمر التي تركض سريعاً من مفاجأته من حيث لا يحتسب ساحبة من تحته البساط الذي حلَّق من خلاله طارقاً بيوت الناس وداخلاً إلى مسامعهم وقلوبهم. ولم يكن هذا المصير يتربص بجميع من داهمتهم الستون، يقول: «خرجت من الإعلام براتبي التقاعدي» تعجبت وقلت له كبير المذيعين.. رفيق الملوك في أخبارهم ولم تخرج إلا براتبك التقاعدي؟ أليس الإعلام وجهاً من وجوه العلاقات! لكنْ بالقصة فصلاً مهماً آخر..

وصية والده بأن يعمل في الإعلام السعودي جعلته يرفض عروضاً مهمة من قنوات غير رسمية كان أبرزها عرض الشيخ وليد الإبراهيم عليه لإدارة محطة mbc fm. «لو كنت أعلم أن هذا ما سألقاه لطلبت أن أعار سنتين لمحطة mbc fm لتقديم البرنامج العالمي «من سيربح المليون» الذي كان يتقاضى مقدِّم الحلقة فيه مبلغ مائة ألف دولار، وهو المبلغ الأعلى في عالم التعاقدات الإعلامية عربياً. كنت أتمنى أن أقدِّمه خاصة وأن لي خبرة جيدة في برامج المسابقات». رغم كل ذلك لا يخلو غالب كامل من الأمل، ولم يكف عن الانتظار مؤملاً أن تغيِّر هيئة الإذاعة والتلفزيون حال المذيعين والمقدمين ليكونوا كأقرانهم في القنوات غير الرسمية. «آخر من درَّبنا من المذيعين علي الظفيري وها هو الآن متألق في قناة «الجزيرة» الفضائية ولا يقارن وضعه بمن استمروا في القنوات الرسمية، لكن علينا أن ننتظر فقد تُغيِّر هيئة الإذاعة والتلفزيون هذه الحال وإلا فلن يكون أمام المذيعين إلا الهرب إلى القنوات غير الرسمية». وحين تسأله عن سبب عدم هروبه طالما أنه شعر بهذا المصير يقول «يكفي أني نفذت وصية والدي».

لم يسرق الإعلام شبابه فقط، فقد تطاول بسطوته حتى نال من وحدة أسرته ففشل زواجه الأول بعد زواج استمر أكثر من عشرين عاماً. ولما ضاق بوحدته وجرَّب الزواج مرة ثانية نال أيضاً منه. قال لي وهو بين أن يبتسم ويتنهد «تزوجت للمرة الثانية امرأة متعلمة وجميلة لكنها لم تتحمَّل غيابي الطويل عن المنزل، فقد كنت أغيب من 14 إلى 16 ساعة يومياً أقضيها في الاستديو فضلاً عن السفر المتكرر، وفي كل سفرة كنت أذهب بها إلى أهلها في سوريا ثم أعيدها». حاول أن يجد حلولًا ويستميت في الحفاظ على حياته الزوجية الثانية لكن ضرَّة الإعلام «مُرَّة». ضحك مرة ثانية وهو يكشف عمّا مضى في حياته «حاولت أن أشغل زوجتي الجديدة بأي شيء، أذكر أنني اشتريت لها جهاز استقبال القنوات الفضائية بمبلغ 18.000 ريال في بداية وجوده في المملكة حتى أشغلها بمتابعة القنوات الفضائية». واعتقد غالب كامل أنه بذلك يداويها بالتي هي الداء لكنه دفع الأمور إلى حافتها فكان عليه أن يختار بين الإعلام وزواجه الثاني فاختار الإعلام. لم أتمكن من إخفاء انزعاجي من الأسئلة التي تبرعمت في رأسي عن مصير رجل أدمن الإعلام حتى قضى على عالمه، لو لم يكن غالب كامل إعلامياً هل كان سيحظى بنفس القصص ونفس الحظ؟ قطع حبل أفكاري بإجابة أكثر تحديداً «كنت سأكون طياراً» ويبدو أن قدر الرجل أن يحلِّق بطريقة أو بأخرى فهو إن لم تتخطفه السماء برحلاتها السابحة تخطفه المايكروفون محلقاً بصوته تارة والعدسة محلقة بصورته تارة أخرى، ولهذا لن يكون قدر الطيار ألطف من قدر الإعلامي على أسرته التي قدر لها أن تعاني غيباته.

«الإعلامي السعودي يستطيع أن يقدِّم ويعدّ وينتج ويخرج» هكذا قال، فقلَّة الإمكانات أجبرت الرعيل الأول من الإعلاميين السعوديين على القفز فوق الحواجز دون أن يتمسك بدور واحد. برع غالب كامل في برامج المواجهة وبرامج المسابقات، واستضاف في برنامجه «وجهاً لوجه» كبار المسؤولين من الوزراء والوكلاء. وأدّى نجاح برنامجه إلى أن يطلب منه تقديم برنامج مماثل في مملكة البحرين وقدَّم برنامجه في البحرين. أما فيما يتعلق ببرامج المسابقات فكانت له حكاية أخرى: «لم يكن لدينا فريق إعداد كبير، ولم يوجد لدينا غوغل ليستخرج لنا في ثواني الأسئلة والأجوبة، ولم يكن أمامنا إلا أمهات الكتب نطلع ونستخرج الأسئلة والأجوبة وهو ما صنع منا إعلاميين ناجحين، فكليات الإعلام لا تخرِّج إعلاميين ناجحين، الإعلامي الناجح هو مجموع الموهبة والاطلاع».

تفرد غالب كامل بمئات المقابلات المتميزة لكنه لا ينسى استضافته للعالم الجيولوجي المصري د. فاروق الباز الذي حدَّد مكان هبوط الرحلة الفضائية للقمر التي حملت على متنها أول رائد فضاء عربي مسلم هو الأمير سلطان بن سلمان، والذي بدوره توسط لغالب كامل لإجراء حوار خاص مع د. الباز في إحدى زياراته للمملكة.

«القدرة على الارتجال هي التي تصنع الفرق بين المذيع والمذيع المتميز» وضع وصفته أمامي تاركاً لي مساحة التقييم. سؤال طارئ راودني «إذا كنت عاتباً على نهايتك في التلفزيون السعودي أما زلت تعتقد أن للقناة الأولى جمهوراً وسط عشرات المنافسين؟» فأجاب «صحيح ليس الجمهور كالسابق، القناة الأولى احتكرت الجمهور سابقاً لعدم وجود الخيارات الأخرى لكنها تبقى مرجعاً آمناً سليماً مما يثير ريبة الأباء بشكل عام».

كُرِّم غالب كامل متأخراً كمعظم أبناء جيله، مرة في القاهرة على مستوى الإعلام العربي ومرة في مهرجان المفتاحة الذي أسعده أن شارك تكريمه أبناء جيله من إعلاميي الرعيل الأول والمرضى منهم على وجه الخصوص، وأسعده أن قدَّم فقرات من حفل التكريم. أما التكريم الأحب إلى قلبه فهو الذي منحته له صحيفة «سبق» مؤخراً «التكريم الأخير أحب إلى قلبي لأنه حدث في الرياض حبيبة القلب التي أجبرني المرض أن أبتعد عنها ويجبرني قلبي أن أعود إليها». لا يزال غالب كامل الذي يعاني الوحدة بعد أن جرّده الإعلام وأشغله عن علاقاته الأسرية والاجتماعية يحمل في جعبته أماني تنتظر أن تولد في برامج جديدة، برامج تنجح في تقديم اقتراحات تواكب حركة التنمية والنهضة في بلادنا. وما أزال أسأل نفسي .. هل من الممكن أن يعود غالب كامل كما يتمنى أمام العدسة وخلف الشاشة ليكون لاري كنج عربياً يواصل يومياته الإعلامية دون أن يحبطه العمر؟!

أضف تعليق

التعليقات