قصة مبتكر
قصة ابتكار
جون شيبرد بارون
ورق السيلوفان
من كان يظن أن هذه الآلة الثورية والعجيبة التي تُعدّ من أهم اكتشافات القرن العشرين استطاعت أن تطيح بعرش الاستقرار والازدهار الاقتصاديين في أوروبا وفي العالم أجمع عندما أدت بطاقات الائتمان الصغيرة التي صاحبت اكتشاف هذه الآلة إلى إغراق أوروبا بالديون الضخمة بسبب إغراءات الشراء التي أدت بالأفراد والدول على حد سواء إلى الإنفاق اللاعقلاني من دون تغطية مالية. جون شيبرد بارون، المولود في عام 1952م الأسكتلندي الأصل، هو من ابتكر ماكينة صرف النقود الآلية، وجاءت فكرة هذا الابتكار محض صُدفة، عندما كانت تنتابه موجات من الاستياء لإخفاقه المتكرر في سحب الأموال من رصيده في البنك لتغطية نفقاته خلال عطل نهاية الأسبوع. فقاده استياؤه هذا إلى ابتكار أول آلة (ATM) (سمّيت بنظام دولارو النقدي الآلي) في العالم، نُصبت في مصرف باركلي الإنجليزي في شمالي لندن في عام 1976م عندما كان جون يعمل مديراً للأدوات في شركة دولارو. استعملت في هذه الآلة شيكات مشربة بالكاربون 14، وهي مادة مشعة، ومن ثم استبدلت بالأموال النقدية والبطاقات البلاستيكية. وكان كل شيك يرسم برمز معيَّن لتمييز العملاء والحسابات المصرفية عن بعضها. أما رمز PIN (رقم التعريف الشخصي) فيعتقد أنه من ابتكار جون وزوجته التي أقنعته على مائدة الطعام بخفض الأرقام الستة إلى أربعة ليسهل عليها تذكره. قال شيبرد في إحدى المرات: «أعتبر ابتكاري هذا متأخراً جداً، لقد مرت 40 سنة قبل أن يرى النور أخيراً». ويعترف جون بأن فكرته هذه كانت تعتمد على ماكينة توزيع الحلوى، وفكر في نفسه، لم لا أصنع ماكينة توزع النقود بدل الحلوى. لم يكن الأمريكان مهتمون جداً بهذا الابتكار واعتبروه آنذاك من الأفكار الأوروبية المجنونة، ولكنهم أدركوا أهميته فيما بعد واستماتوا لكي ينسبوه إلى بلادهم إلا أن كتاب جينيس للابتكارات حسم هذا الخلاف واستطاع شيبرد الاحتفاظ بابتكاره بجدارة. وشيبرد كان يخدم في سلاح الباراشوت في الكتيبة الجوية السادسة في الجيش البريطاني إبان الحرب العالمية الثانية ومن ثم أرسل ليكمل دراسته في جامعة إيدنبرج. وبعد انتهاء الحرب، انتقل إلى كامبردج لدراسة الاقتصاد والقانون قبل أن يعمل كمتدرب في قسم الأجهزة والأدوات في شركة دولارو. قضى في هذه الشركة فترة طويلة وتدرج في المناصب وكان آخرها رئيساً لقسم المركبات المدرعة وأسس أول خدمة لتوصيل الطرود ليلاً. كانت لجون عدة ابتكارات أخرى أقل أهمية ومن بينها ابتكار آلة تصدر صوت الحوت القاتل لإبعاد حيوان الفقمة عن مزارع السالمون. وعند تقاعده في سن الـ60 أحب أن يجرب مهاراته اليدوية في مزارع القواقع والحلزون! حصل جون شيبرد على تكريم من ملكة بريطانيا وعلى وسام الشرف(OBE) وكان ضمن لائحة المكرَّمين لقاء خدماته الجليلة وابتكاراته المهمة في القطاع المصرفي. وجاء احتفال تقليد الأوسمة بعد يوم واحد من تفجر أزمة ديون البطاقات الائتمانية. واليوم، هنالك أكثر من 130 مليون بطاقة بلاستيكية مستعملة في بريطانيا، %65 منها لا تزال مدينة!
معظم الابتكارات جاءت محض صدفة لا أكثر، أو نتيجة لحاجة ملحة لأداة أو وسيلة ما. وورق السيلوفان لم يشذ عن هذه القاعدة. ابتكر ورق السيلوفان لأول مرة في عام 1908م بعد حادثة طارئة في مطعم. كان الكيميائي جاك براندربيرجر السويسري، ومهندس النسيج، يتناول الطعام مع زوجته في أحد المطاعم الفاخرة عندما سكب أحد رواد المطعم زجاجة النبيذ على مفرش الطاولة. وفيما كان النادل يغير مفرش الطاولة، فكر جاك لم لا يكون هنالك غطاء شفاف مرن ومقاوم للماء يحمي الأسطح من البقع. بيد أن هذه الفكرة يعود تاريخها إلى عام 1900م عندما فكر حينذاك بصناعة طبقة رقيقة شفَّافة تفيد في مجال الوقاية والعزل والتغليف. ولكن التفكير استغرق ثماني سنوات قبل أن يضع فكرته هذه موضع التطبيق، فبادر بإجراء عدة تجارب استخدم فيها شتى المواد ومن بينها الفيسكوس السائل (وهي مادة سيليلوزية تعرف بالرايون) للتغليف ولكنها كانت صلبة جداً، ففشلت تجربته، ولكنه لاحظ أن الغطاء تقشر وكانت القشرة طبقة شفافة ورقيقه للغاية. وفي عام 1908م، ابتكر براندربيرجر أول ماكينة لتصنيع الرقائق الشفافة من السيليوز، وفي عام 1912م، استطاع تصنيع رقائق مرنة خفيفة قابلة للتغليف استعملت في أقنعة الغاز. وقد سمّى هذه المادة الجديدة بالسيلوفان، وهي كلمة مشتقة من الكلمتين الفرنسيتين (سيلو) من سيليلوز وديافين (أي، شفاف). وفي عام 1917م، ضم براندربيرجر ابتكاراته إلى جمعية السيلوفان. وفي عام 1919م، انتشرت هذه المادة بشكل عام بين الناس وفي 1927م، تم تحسين المادة بإضافة مادة مقاومة للماء. وكانت الفكرة الأساسية من تصنيعها هو إيجاد مادة أو أغطية مانعة للبقع التي تحدثها السوائل على الطاولات، ولكن تم تطوير المادة بعد ذلك لتدخل في صناعات شتى. كان أول زبون لمادة السيلوفان هي شركة وايتمان الأمريكية للحلويات التي استعملت السيلوفان لتغليف قطع الحلوى واستمرت وايتمان باستيراد المادة من فرنسا لغاية 1924م عندما بدأت شركة دوبونت الأمريكية بتصنيع وبيع مادة التغليف. إن العامل الأهم الذي أسهم في نمو وانتشار إنتاج شرائح السيلوفان هو عزلها الكامل للسوائل ويرجع الفضل في تطوير هذه المادة إلى وليم هيل (1898-1958م) الباحث في شركة دوبونت، الذي تمكَّن من الحصول على ابتكار هذه المادة عام 1927م. لقد استطاع هيل وفريقه البحثي من التوصل إلى صناعة طبقة من السيلوفان المقاومة للرطوبة مما سمح بدخولها في صناعة تغليف الأطعمة من أوسع أبوابها. وبعد اختبار أكثر من ألفي بديل، ابتكر هيل وفريقه طريقة عملية لصناعة شرائح السيلوفان المقاومة للماء. وفي عملية تصنيع هذه المادة، يتم إدخال مادة الفيسكوز عبر شق ضيق يوصل إلى حمام حامض، ويقوم الحامض بإعادة توليد السيلليلوز، مكوناً طبقة رقيقة جداً، وبمرورها بعمليات معالجة أخرى، كالتنظيف والقصر، تتكون مادة السيلوفان. أما الاسم التجاري للسيلوفان فقد تم تسجله حالياً تحت اسم «إنوفيا».