اطلب العلم

ابتكارات الليزر الحديثة في الصناعات البترولية

عندما قدم جهاز الليزر لأول مرة في أوائل ستينيات القرن الماضي في مؤتمر علمي أطلق أحد المشاركين في المؤتمر دعابة ساخرة أصبحت ذات شهرة بعد ذلك فقال: «لقد وجدنا الحل… الآن نريد أن نبحث عن المشكلة نفسها». وكان يقصد بذلك عدم وجود تطبيقات لهذا الجهاز العجيب ولكن سرعان ما انقلب الحال وباتت الدعابة ترمز إلى قصر نظر القائل عوضاً عمَّا قصد بها وكأن السخرية قد انقلبت على الساخر الذي لم يكن يتوقع إلى أي مدى سيدخل هذا الجهاز الجديد في حياتنا العصرية وإلى كمية «المشكلات» الكبيرة التي سيحلها . فاليوم أصبح الليزر يتعلق بصورة أو بأخرى في تصنيع معظم المنتجات التي نستخدمها في البيوت بما في ذلك منتجات الأطعمة والملابس بل ويدخل أيضاً في معظم وسائل اتصالاتنا من خلال الألياف البصرية ويدخل في تصنيع الرقائق الإلكترونية في أجهزة الحاسوب والأجهزة الأخرى، ناهيك عن كثير من الأجهزة الطبية والأبحاث الصيدلية التي تعتمد اعتماداً كلياً على أشعة الليزر والقدرة على تتبع ما تقوم به هذه الأشعة، بالإضافة إلى تطبيقات أخرى لا حصر لها في المجالات الصناعية المختلفة السلمية منها والحربية وفي مختلف أمور الحياة اليومية.

يتميز الليزر بأنه شعاع ضوئي شديد التركيز والإضاءة ينبعث في اتجاه واحد وله، طول موجي محدد (أي لون محدد). وتكمن أهمية شدة الإضاءة والطول الموجي المحدد لليزر في أنهما يحددان ماهية التطبيقات العملية الممكنة لهذا الليزر، ولذلك يتسابق دائماً الباحثون في الجامعات ومراكز البحوث على استحداث أشعة لليزر جديدة ذات أطوال موجية معينة وعلى اكتشاف الكيفية التي يمكن بواسطتها التحكم في شدة إضاءة هذه الأشعة وذلك استعداداً لتوظيفها في التطبيقات المرغوبة.

في أواخر عام 2007م اتخذ مركز البحوث والتطوير في أرامكو السعودية خطوات نحو إنشاء مختبر لتطبيقات الليزر بهدف الاستفادة من التقنيات الجديدة في مراقبة المنتجات النفطية عندما تضخ داخل أنابيب البترول. وكان ذلك ثمرة لتعاون بحثي مسبق مع جامعة الملك فهد للبترول والمعادن حيث تم فيها ابتكار تقنية جديدة لليزر تعتمد على تسليط شعاع الليزر فوق البنفسجي على الزيوت، ومن ثم قياس أطياف الوهج (أو الفلورة) التي تصاحب هذه العملية بواسطة كاشفات فائقة الحساسية وبصورة فورية. هذه القياسات تتم داخل فترات زمنية قصيرة جداً وبعد ذلك ترسم على شكل بصمات طيفية مميزة لكل زيت. تقنية مبتكرة مثل هذه لها أهمية كبيرة لأن بإمكانها أن تربط الوقود، المتدفق داخل الأنابيب مثلاً، ببصمة فورية ثابتة الملامح، فإذا ما لوحظ أي تغير في هذه الملامح فذلك معناه أن هناك تغييراً ما قد تم داخل الأنابيب، كتدفق وقود من نوع آخر على سبيل المثال، مما يعطي المجال للتعامل مع هذا التدفق في أسرع وقت ممكن. وقد أثمرت هذه الأبحاث على أول براءة اختراع لقياس كمية الإضافات البوليمرية التي تضاف إلى الوقود داخل الأنابيب، كما أدت أيضاً إلى نجاح مركز البحوث والتطوير في ابتكار أول جهاز ليزر من نوعه في العالم يسمح بتسجيل هذه البصمات الطيفية بصورة تلقائية، بالإضافة إلى ابتكار جهاز ليزر آخر للاستشعار عن بُعد يمكن استعماله لتحديد هوية الزيت المسكوب في الموانئ البحرية من على طائرة. هذا وقد تعاون مركز البحوث والتطوير مع قسمي الطيران والبحرية في أرامكو السعودية في إجراء أول تجربة من هذا النوع من على متن طائرة عمودية في منتصف مايو 2013م. وكللت هذه التجربة الفريدة بنجاح تام، حيث تم الكشف بصورة فورية على بقع هيدروكاربونية من على ارتفاع 500-800 قدم وتم أيضاً تحديدها على إنها بقع ديزل على الفور.

وعلى جانب آخر فإن مختبر الليزر قد انتهى أيضاً من استحداث تقنيتين جديدتين لليزر تعمل كل واحدة منها على استثارة وقياس الفلورة بطريقة مبتكرة لا تعتمد على الفترات الزمنية المذكورة. الهدف من هذا التطوير هو تمكين كشف وقياس المخلوطات الوقودية عن طريق جهاز ليزر صغيرالحجم. وأصبح مركز البحوث والتطوير في أرامكو السعودية الآن على قاب قوسين أو أدنى من الانتهاء من تصنيع جهازين صغيرين يُحملان في اليد بإمكان أحدهما الكشف على أنواع البنزين المخلوطة في الأسواق والآخر الكشف على تلوث الكيروسين بوقود الديزل. هذا التطوير الجديد سيُسهم في عمليات الرقابة النوعية في بعض المنشآت البترولية كما سيسهم بلا شك في حل مشكلات التلاعب التجاري في البنزين.

الجدير بالذكر أن هذه التقنيات الجديدة قد حصدت جوائز عالمية منها الجائزة الأولى لتقنية البيئة من الدول الأعضاء في مجموعة شركات النفط الدولية في عام 2006م، والميدالية الذهبية من مؤتمر الابتكارات في سويسرا عام 2010م، بالإضافة إلى جائزة تقديرية أخرى من الهيئة الحكومية السياحية في جينيف عام 2010م.

أضف تعليق

التعليقات