أكدت الدكتورة كوري براون الباحثة في جامعة جورجيا الأمريكية أمام “المؤتمر الثالث للقاحات البيطرية والتشخيص” أن 75 في المئة من الأمراض التي تصيب الإنسان هي من أصل حيواني، وأن الأوبئة التي تصيب الحيوانات تتمتع بقدرة تبلغ ضعفي قدرة الأوبئة الأخرى على الانتقال إلى الإنسان.
ومن أشهر الأمراض التي أثارت ذعراً عالمياً في السنوات الأخيرة وأنزلت خسائر فادحة باقتصادات بعض الدول كان هناك جنون البقر والسارس والحمى القلاعية وأنفلونزا الطيور.. فما كان العالم يفيق من صدمة أحد هذه الأمراض إلا ويواجهه مرض جديد لا يشبه المرض السابق إلا من حيث كونه مثله: حيواني المنشأ..!
والواقع أن الأمراض الجديدة هي على مستوى من الخطورة والتحدي، يعادل ما كان عليه الطاعون في القرون الوسطى، لولا الوعي والمعرفة الطبية وتوفر الخدمات الصحية في العصر الحديث.
ويعود فضل كبير في الحد من الكوارث المحتملة لهذه الأمراض إلى الجهوزية العالية لأنظمة الاتصال التي تمتلكها الأجهزة الصحية والبحثية المختلفة في الدول المتقدمة، وحضورها السريع، والفاعل في مواجهة الأمراض المذكورة عند البوادر الأولى لظهورها في أي مكان. فمن أهم العوامل التي يعددها الباحثون في مواجهة موجة السارس خلال العام الماضي، حضور الكفاءات العلمية وارتباطها بمنظمة الصحة العالمية ومدها بشبكة هائلة من المعلومات من مختلف أنحاء العالم. فالتبادل السريع والدقيق للمعلومات كان من أهم الأدوات المفصلية في السيطرة على هذا المرض، وأيضاً على وباء أنفلونزا الطيور.
إضافة إلى ذلك؛ فإن أمن الدول والمجتمعات وسيادتها لم يعد مرتبطاً بسلامة الحدود، أو بخطر اعتداء خارجي فقط، إذ إن السيادة يمكن أن تتهدد في الصميم إذا أخفق بلد معين في مواجهة حالة طارئة مرتقبة، والأمراض الجديدة ذات المنشأ الحيواني هي واحدة من هذه الحالات.
إن وسائل النقل السريعة ما بين دول العالم والتحولات في العادات ومتطلبات الحياة تجعل من كل الدول عرضة لتهديدات هذه الأوبئة على حد سواء، والمملكة العربية السعودية كانت أسوة بمعظم دول العالم مهددة بوصول هذه الأمراض إليها. وقد تعرضت في الماضي إلى إصابة محدودة بمرض حمى الوادي المتصدع مما أكد وقتها الحاجة الماسة إلى تطوير كفاءاتنا وأدواتنا العلمية الضرورية للمواجهة، وإنشاء مختبرات مركزية بحثية تشخيصية لتتبع الأمراض الوبائية ودراستها وتبادل المعرفة والخبرة في التقنية مع الجهات الدولية المختلفة، وتدريب الكفاءات السعودية على وقاية وطننا من هذه الأمراض الفتاكة.
ولكن مهما بلغت الجهود في هذا المجال، فلا يمكنها أن تثمر إذا سادها شعور بإمكانية الاستغناء عن التعاون مع الكفاءات الأخرى، وعلى رأسها المؤسسات والأجهزة البيطرية.
وطالما أن الأمراض الفتاكة التي ظهرت أخيراً والمرشحة للظهور هي حيوانية المنشأ، ففي الأمر ما يستوجب تصحيح النظرة المتعالية التي يتطلع بها البعض إلى الطب البيطري الذي يلعب دوراً محورياً وفاعلاً في إنجاح البرامج الطبية والخدماتية المعدة لمواجهة هذه الأمراض. واستمرار النظرة القديمة القائلة إن الطب البيطري أقل شأناً من الطب البشري، بالنسبة إلى الإنسان، لا يعبر إلا عن فجوة خطرة قد تكلف الصحة العامة ثمناً باهظاً.