الاستشفاء باللون كنز علاجي
لم يسبر أغواره بعد
لو تتبعنا تاريخ العلاج بالألوان، لوجدنا أنه كان معروفاً منذ عصور سحيقة، لدى أصحاب الحضارات القديمة، لا سيما في الشرق الأقصى والهند والصين، والشرق الأوسط في بلاد الرافدين، ولدى القدماء المصريين الذين استخدموا اللون فوق الأخضر، داخل الأهرامات لمقاومة الجراثيم وقتل البكتيريا بهدف الحفاظ على المومياوات، كما لم يجهل العرب أيام حضارتهم الزاهرة آثار الألوان العلاجية، فقد جاء في كتاب القانون في الطب لابن سينا إشارة إلى تأثير الألوان الرئيسة على الفرد، فوجد أن الأحمر على سبيل المثال يثير الدم بينما الأزرق يهدئه.
لقد بدأ الاهتمام بالتداوي باللون في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أما أول كتاب غربي طرح استخدام الألوان لأغراض علاجية، فقد كان كتاب «الضوء الأحمر والأزرق أو الضوء وأشعته كدواء» لمؤلفه الدكتور س. بانكوست، وقد نشر الكتاب عام 1877م، وركَّز فيه المؤلف على تأثير الأشعة الحمراء المنبهة والزرقاء المسكنة على جسم الإنسان. ثم أعقبه في عام 1887م صدور كتاب آخر للدكتور «أيدوين باببت» حمل عنوان مبادئ الضوء واللون، قدم خلاله توصيات باتباع عدة تقنيات وأساليب لاستخدام اللون بغرض العلاج، إلَّا أن الحدث المهم الذي أحدث ثورة عامرة في مجال العلاج بالألوان، كان في عام 1933م، على يد العالِم الهندسي بنشاه غاديالي بظهور كتابه المهم موسوعة قياس ألوان الطيف، الذي فسر خلاله الكيفية التي يستطيع بها لون ضوئي معيَّن أن يؤثر بشكل علاجي على الكائن الحي.
أظهرت الأبحاث العلمية الحديثة، أن الألوان تؤثر على الجهاز العصبي للإنسان بإحداث تأثيرات مختلفة. وقد قسَّم العالِم «دونالد واطسون» في كتابه قاموس العقل والبدن، تأثيرات الألوان العلاجية إلى مجموعتين، موجبة وتمتاز بتفاعلها الحمضي وإشعاعاتها المنشطة، كالأحمر في علاج فقر الدم والأكزيما، وتحت الأحمر في علاج السل، والأسود الذي يعطي الإحساس بالاكتئاب، ومثبط للشهية، والأصفر في علاج أمراض الجهاز التنفسي والكبد، أما المجموعة السالبة فتمتاز بتفاعلها القلوي، وتأثيرها المهدئ، كالأزرق فإنه يخفض ضغط الدم، وتصلب الشرايين، والنيلي ينشِّط الذاكرة، والبنفسجي يمنع العدوى، لذا يستخدم في غرف النوم، كما أنه يستخدم في مراكز علاج الإدمان، والأبيض يستخدم في علاج صفراء حديثي الولادة.
وقد أحرز العلاج بالألوان تقدماً كبيراً، لم يكن في الإمكان تحقيقه باستعمال الأدوية الأخرى التي كانت تستخدم من قبل في علاج مثل هذه الحالات، حيث تؤكد الأبحاث الطبية والعلمية الحديثة، أن الألوان قادرة على علاج كثير من الأمراض، سواءً كانت عضوية أو نفسية. هذه حقيقة أكدتها الأبحاث الحديثة.
ففي دراسة أجريت عام 1982م، في كلية التمريض في سان دييغو، تم فيها تعرض 60 امرأة في متوسط العمر يعانين من التهاب المفاصل الروماتيزمي، للون الأزرق لمدة 15 دقيقة، فشهدن تحسناً ملحوظاً في شدة الألم، الذي خَفَّ بدرجة كبيرة عن ذي قبل.
وأظهرت دراسة أجريت عام 1990م، تم فيها تسليط أضواء حمراء على عيون مجموعة من المرضى يعانون من الصداع النصفي في بداية ظهور النوبة، فتعافى نحو %93 منهم بشكل جزئي نتيجة هذا العلاج، وأرجع المعالجون السبب في ذلك إلى أن اللون الأحمر يزيد ضغط الدم الشرياني، ويوسع الأوعية الدموية.
كما قام العالِم الدانمركي «نيل فتسين» باستعمال الضوء الأحمر في علاج الجدري، حيث أثبت أن اللون الأحمر يمنع وصول الأشعة فوق البنفسجية إلى الجلد المصاب، كما يمنع حدوث التشوهات.
وكشف اختصاصي الأمراض الجلدية في مركز بوسطن الطبي في الولايات المتحدة الأمريكية النقاب عن استخدام حزمة من الضوء الأزرق، تعيد نضارة الشباب إلى البشرة، وتزيد الوجه تألقاً وجمالاً، وقد وجد أن العلاج بالضوء الأزرق الذي صدق عليه أصلاً لمعالجة الآفات الجلدية السرطانية في الوجه، يزيل التجاعيد والخطوط الخفيفة والبقع البنية الداكنة من الوجه. وأوضح أن الضوء الأزرق يتفاعل مع محلول خاص، يوضع على الوجه خلال 16 دقيقة، وبعد أسبوع واحد من النقاهة يتم الحصول على الهدف المطلوب، وقد فسَّر علماء مركز بوسطن ذلك أن الخلايا التالفة تخضع لهذا التفاعل الذي يسبب انفصالها، وتساقطها لمدة أسبوع لتحل محلها خلايا جديدة سليمة.
كما قام فريق من الأطباء باستخدام اللون الأخضر في علاج الحروق، وذلك بوضع المنطقة المصابة، تحت ضوء ملوَّن باللون الأخضر، وكانت النتيجة لدى كثير من المرضى أن الألم قد خَفَّ بصورة أسرع.
وتوصلت دراسة إلى أن الأشخاص الذين يميلون إلى العنف في غرفة مطلية باللون الوردي الفاتح لفترة قصيرة، يجعلهم أكثر هدوءاً واسترخاءً، والسبب هو التأثير الفسيولوجي الذي تحدثه الطاقة الكهرومغناطيسية لهذا اللون على إفراز الغدد التي تؤثر مباشرة على الانفعالات العاطفية المحتملة. كما أكدت دراسة علمية أخرى أن طلاء حجرات الدراسة باللون الأزرق الفاتح مع وضع مصابيح إضاءة عادية يجعل التلاميذ أكثر انتباهاً، ويقلل من سلوكهم العدواني، أما طلاء الجدران باللون البرتقالي، مع الإضاءة بالفلورست فيحدث أثراً عكسياً لسلوك التلاميذ.
خلف أبوزيد
محافظة سوهاج – مصر
ريادة العرب في مجال علم
الحيوان والبيطرة
برع العرب والمسلمون في مجال تربية الحيوان براعة عظيمة، مكنتهم من استنباط الخيول العربية – في واقع الأمر تم استنباط سلالة الخيول العربية قبل ظهور الإسلام، لكن التحسين فيها تواصل بعده بدأب عظيم حتى تحقق لهذه الخيول التفوق الذي اشتهرت به. ونجحوا أيضاً إبان وجودهم في الأندلس في استنباط سلالة أغنام «المرينو» (Merino) التي يعتمد عليها إنتاج الصوف في العالم الآن. وإذا علمنا أن تحسين الحيوان واستنباط السلالات الحيوانية الممتازة هي ممارسات صعبة مركبة تستلزم خبرات دقيقة، ويحتاج تحقيق أي إنجاز فيها لأجيال طويلة، لأدركنا أن هذه الإنجازات التي حققها العرب في مجال تحسين الحيوان هي في حقيقة الأمر بين أكبر إنجازات العرب الحضارية.
ومن شهادات الاختصاصيين الغربيين في هذا المجال، يمكننا أن نذكر قول المؤرخ البيطري سميث: «إن كتاب الفلاحة لابن العوام (أبو زكريا يحيى بن محمد بن أحمد بن العوَّام الإشبيلي الأندلسي عالم بالنبات والفلاحة، ومهندس ري) هو من أفضل وأجود الآثار العلمية التي كتبت في القرن الثاني عشر في مجال طب الحيوان. ويشير العالم بروكلمان في كتابه تاريخ الأدب العربي إلى أن أفكار ابن العوام متطورة عن أفكار اليونانيين القدماء في هذا المجال. ويذكر المؤرخ الألماني فرويهنر: «أن ابن العوام وإن لم يستفد من المصادر اليونانية والرومانية والعربية القديمة إلَّا أن له آراءه وبحوثه القيِّمة التي وفَّق بينها وبين أفكار العلماء الذين سبقوه. كما أن كتاب حياة الحيوان للدميري (أبو البقاء كمال الدين محمد بن موسي بن عيسي بن علي الملقب بالدميري 742 – 808هـ /1341 – 1405م) لعب دوراً مهماً في الثقافة الغربية. فكثيراً ما اقتبس منه العلامة لين في معجمه العربي المشهور، كما اقتبس عنه المستشرق الألماني هنري فرديناند وستنفلد. كما استعان به العلامة بوكارت في مؤلفه المعجمي عن أمراض الحيوان، وأخذ عنه العلامة هازل بعض ما ورد عن مادة الجراد، ومواد أخرى نقلاً عن مخطوط في كوبنهاجن. وقد أورد العلامة سلفستر دي ساس مقتطفات مطولة من كتاب حياة الحيوان للدميري في كتابه تاريخ الحيوان. وعلاوة على ذلك فقد تضمنت مؤلفات كثير من علماء أوروبا مقتبسات من كتاب الدميري، أمثال كرامر وهومل وتكسن وبريم وسواهم.
ويقول المستشرق جاكار: «لقد جاء كتاب حياة الحيوان للدميري نبعاً فياضاً من الحكمة الإسلامية والعربية، زاخراً بقواعد الفقه والتشريع والأحاديث النبوية والفنون الأدبية والأمثال، تدفقت كلها من مناهل متعددة ومصادر مختلفة، وتجمعت كلها في صعيد واحد ينهل منه القارئ المسلم في العالم العربي فيضاً لا ينضب مما يعوزه الإلمام به في شؤونه الدينية والدنيوية».
ويقول المستشرق الفرنسي لوكلير: «إذا أسقط من الحساب ما ورد في كتاب الدميري من الخرافات والقصص وتراجم الأشخاص، فإن الكتاب يُعد مجموعة فريدة قيمة من الحقائق المتصلة بتاريخ وعلم الحيوان».
صلاح الشهاوي
مصر
لسلامة الحداثة الأدبية
الانطباع الذي يخرج به متصفح الكثير من الدوريات الثقافية العربية، خاصة الصفحات الثقافية في الصحف اليومية، يلحظ بمرور الوقت غياباً يكاد أن يكون كاملاً لاستعراض الأعمال الأدبية التي تعود إلى جيل مضى وما قبل. حتى ليكاد القارىء يظن أنه يعيش عصر ولادة الشعر، وأن الرواية تُخترع اليوم.
إنني لا أثير هنا مسألة الأصالة في الحداثة، ولكنني أتطلع إليها وحتى إلى أرقى ما فيها، من زاوية القارىء المستهلك.
فهذا التغييب للتراث الأدبي وخاصة العالمي منه، يصبح أمراً مؤسفاً بشكل خاص، عندما نلاحظ أن الجيل الصاعد، حتى بمن فيه من المهتمين عن كثب بعالم الأدب، يجهل الكثير عن عمالقة ما قبل القرن العشرين. علماً أن الفهم العميق لأرقى الأعمال الأدبية المعاصرة، حتى تلك التي تحوز جوائز نوبل، يشترط فهماً أعمق لروايات القرن التاسع عشر.
فاطلاع شخص ما على روايات هذا الأديب المعاصر الذي تتحدث عنه وسائل الإعلام سيبقى مجرد «معلومة»، ولن يصبح ثقافة إلا إذا صارت قراءته على ضوء المسار الذي خطه سابقوه. بعبارة أخرى، أن تحفظ بضعة أبيات شعرية لمحمود درويش لا يجعلك مثقفاً، إلا إذا كان في مخزون ذاكرتك أبيات أخرى للمعري والمتنبي وأحمد شوقي..
فمتى كانت آخر مرة قرأ فيها أحدكم مقالاً عن أحمد شوقي أو المعري؟
لو أن المناهج الدراسية كانت تؤمِّن هذا الاطلاع اللازم، (ولا نعرف إن كانت تتسع له)، لكانت المشكلة أقل حدةً. من هنا يعوّل على الإعلام الواعي سد هذا النقص، ليس فقط من باب خدمة القارئ، بل أيضاً من باب خدمة نفسه، إذ عندها فقط ستصبح الحداثة التي يروج لها مفهومة ومقبولة ورائجة فعلاً.
نيازي البرّاك
حلب، سورية