ما الذي يدفع أوروبا للموافقة على تمويل مشروع بأكثر من مليون يورو، يبحث أوضاع المسلمين على أراضيها في فترة ما بين الحربين العالميتين؟ وهل قبول مجلس البحث العلمي الأوروبي أن يترأس عربي هذا المشروع هو دليل على أن الوسط الأكاديمي الأوروبي لا يعرف العنصرية؟
للإجابة عن هذا السؤال التقينا الدكتور عمرو رياض، الأستاذ المشارك في جامعة أوتريخت الهولندية، ورئيس هذا المشروع، الذي وضعنا في أجواء الجالية الإسلامية في أوروبا قبل مئة عام، وأطلعنا على الخطابات المتبادلة بينهم، وعلى أوراقها الأصلية الصفراء، وعلى صور فوتوغرافية نادرة، ووثائق باتت تشكِّل جزءاً لا يتجزأ من التاريخ الأوروبي.
حينما يتحدث عمرو رياض عن هذا الشخص المدعو (زكي حشمت بك كرام)، تشعر بالخجل أنك لا تعرفه، لأن ما يعطيه المتحدث من اهتمام ودراسة، يجعلك تظن أنه زعيم كبير أو أديب مرموق أو قائد عسكري حقق انتصارات باهرة، وحينما تعترف بجهلك بهذه الشخصية، وتسأله عمن يكون هذا الشخص، تجده لا يستغرب ذلك، بل تكون هذه هي حيلته، التي يستدرجك بها، لكي تكون أنت من يسأل، ولذلك لا تلومه عندما يخوض في تفاصيل حياة شخص، كادت تختفي ذكراه من الوجود، قبل أن يعيد اكتشافه، بل ويجعل منه ومن أمثاله شخصيات تاريخية بارزة.
لا يبالغ عمرو رياض حين يقول إن زكي كرام يصلح أن يكون بطلاً لفلم، فحياته مملوءة بالأحداث.. بل يمكن الحديث عن أكثر من حياة عاشها..
قبل الخوض في حياة زكي كرام، تجدر الإشارة إلى أن المنهج الجديد الذي يتبعه المشروع، يقوم على أنه لا ينبغي التوقف عند حدود الدول عند كتابة التاريخ، لأن الأحداث التاريخية في دولة ما، ليست بمعزل عن بقية دول العالم. ويضرب رياض على ذلك مثلاً بأن انتقال الفلاحين من قراهم إلى المدن في مصر وغيرها من الدول التي كانت خاضعة للاستعمار البريطاني، له علاقة بما أصاب بريطانيا من أزمة مالية خانقة في عام 1929م، بسبب النفقات الباهظة للحرب العالمية الأولى.
والطريف في الأمر أن هذا المنهج الذي يتبنى رؤية كونية للتاريخ، لا ينطلق من فوق إلى أسفل، بل على العكس من ذلك، تجده يبدأ من الفرد، ويبحث علاقاته داخل المجتمع المحيط، وفي مختلف دول العالم. وهنا يتخلص من الحدود الإقليمية، ليرى شبكات العلاقات بين الأفراد، وكيف انعكست على الدولة، ثم القارة، ثم الكون. هذه العلاقات الفردية تصبح خطاً يتداخل مع خطوط أخرى، لرسم لوحة كبيرة للتاريخ، ولا بد أن ندرك أن للتاريخ لوحات كثيرة، وليست لوحة واحدة يرسمها من يملك الغلبة، كما كان في الماضي.
هذه هي إذاً الفكرة المبتكرة، التي جعلت الاتحاد الأوروبي يرحب بتمويل هذا المشروع الأكاديمي، إنه تصور جديد للتاريخ، لا يدور حول شخصية الزعيم، سواء أكان اسمه نابليون بونابرت أو أدولف هتلر أو وينستون تشرشل، ولا يقتصر اهتمامه على مجتمع الأغلبية، إنه تاريخ يصنعه البسطاء والأقليات، تاريخ بلمسة إنسانية، بدلاً من تاريخ بصبغة سياسية، السياسات الحربية والاقتصادية والأمنية.
زكي كرام .. بطلاً لفلم
لا يبالغ عمرو رياض حين يقول إن زكي كرام يصلح أن يكون بطلاً لفلم، فحياته مملوءة بالأحداث. بل يمكن الحديث عن أكثر من حياة عاشها، حياته الأولى بدأت بمولده في سوريا في عام 1886م، لكنه ليس عربي الأصل، فعائلته فارسية انتقلت للعيش هناك منذ قرون، بعد أن كان جده الطبيب الخاص لشاه إيران فتح علي شاه. ويبدو أن الأقدار لم تكتف بأن يكون هذا الشخص عربي المولد، فارسي الأصل، بل قادته دراسته التي بدأها في موطنه، إلى اسطنبول ليكملها في الأكاديمية العسكرية هناك.
وبعد ذلك التحق بالعمل ضابطاً في الجيش العثماني ابتداءً من عام 1904م، أي وهو في الثامنة عشرة من عمره، ليقود كتيبة من 800 جندي، لمحاربة الميليشيات الصربية في البلقان، وفي الحرب العالمية الأولى أصبح قائداً لقوات البدو في العريش بشبه جزيرة سيناء، وفي عام 1916م أصيب بشظية في رجله اليسرى بالقرب من قناة السويس، وجرى نقله إلى القدس، ليتلقى العلاج هناك. ولكن العمليات الجراحية باءت كلها بالفشل، فتقرر سفره في عام 1917م إلى العاصمة الألمانية برلين ليتلقى العلاج في مستشفى «الشارتيه» المرموق عالمياً، ويخضع هناك للعلاج لمدة عامين، قرر الأطباء بعدها أنه لا مفر من بتر قدمه اليسرى حتى الركبة، وإبدالها بساق صناعية.
زكي كرام شخص عادي، قصته تشبه حكايات كثير من المهاجرين، حتى وإن كان خاض حروباً، لكن القدر جمع بينه وبين شخصيتين مرموقتين غيَّرتا مسار حياته، وهما: الأمير شكيب أرسلان والشيخ رشيد رضا
في برلين بدأت حياته الثانية، في عالم مختلف تماماً عن حياة العسكرية والمعارك. وحتى يكتمل قطع علاقته بحياته الأولى، طلبت منه زوجته التركية واسمها جمنية، الطلاق، بعد أن أصبح معاقاً. فقرر زكي كرام الذي تحوَّل من قائد عسكري شاب، إلى شخص على المعاش المبكر، أن يكتب مذكراته الخاصة – دون أن يعرف بالطبع أن أستاذاً عربياً بجامعة هولندية سيقرأ محتوياتها بدقة بعد حوالي مئة عام من كتابتها – ويتكلم فيها عن حياته في المستشفى، وانطباعاته عن برلين، والأحوال العسكرية لأوروبا، والحالة الاجتماعية والسياسية للعرب والمسلمين القاطنين في ألمانيا آنذاك. لكنه في الوقت نفسه حافظ على اهتمامه بالأوضاع في العالم العربي، كما تعرَّف إلى جمعية الطلاب العرب في برلين.
على الجهة الأخرى من الشارع، الذي يقع فيه المستشفى، كان هناك متجر لبيع الكتب، وكانت تعمل فيه سيدة اسمها جرترود نويندورف، تعمل متطوعة في التمريض في «شارتيه»، وهي السيدة التي سيتزوجها زكي كرام في عام 1920م، وستضطر للتخلي عن جنسيتها الألمانية، لتصبح تركية مثله، ولن تتمكن من استرداد هذه الجنسية لها إلا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بسنوات عشر كاملة.
في عام 1921م قرر زكي كرام أن يدرس طب الأسنان في جامعة برلين، وينهيها بنجاح خلال سنوات أربع، وكان موضوع أطروحته «عناية الفم والأسنان عند الشعوب الإسلامية»، ولكنه لم يتمكن من ممارسة الطب، لعدم حصوله على الجنسية الألمانية، فأسس مكتبة لبيع الكتب، ودار نشر صغيرة، تحمل اسما كبيراً هو «دار نشر الشرق والغرب».
الاتصال بالتاريخ هاتفياً
حتى آنذاك، بقي زكي كرام شخصاً عادياً، قصته تشبه حكايات كثيرين من المهاجرين، حتى وإن كان خاض حروباً. لكن القدر جمع بينه وبين شخصيتين مرموقتين غيَّرتا مسار حياته، وهما: الأمير شكيب أرسلان (1869 – 1946م)، والشيخ رشيد رضا (1865 – 1935م). الأول كان ملقباً بأمير البيان، سياسيٌ وأديبٌ ومفكرٌ، وأحد دعاة الوحدة الإسلامية، والثاني كان عَلَماً من أعلام الإصلاح الإسلامي، انتقل من لبنان إلى مصر، وتتلمذ على يد الشيخ محمد عبده، وأسس مجلة «المنار». وفي عام 1898م، حضر الاثنان في برلين، وتعرَّفا إلى زكي كرام الذي استطاع أن يستفيد من شبكة علاقتهما المتشعبة.
هنا، تجدر الإشارة إلى أن الدكتور عمرو رياض، كان قد تناول أعمال رشيد رضا في رسالة الدكتوراة التي قدَّمها في جامعة «لايدن»، ولم يكتف بالمراجع الكثيرة الموجودة عنه، بل حرص على أن يتعرف إلى أسرته، ليحصل منها على أكبر قدر من المعلومات، فأتاح له الحفيد فؤاد فرصة الاطلاع على الأرشيف الخاص بالشيخ، المحفوظ في ثمانية صناديق في شقة في القاهرة، وعثر فيها على أكثر من 5000 وثيقة، منها 1500 رسالة، من شتى بقاع العالم. ومن ضمن هذه الرسائل، وجد 13 خطاباً من شخص يدعى زكي حشمت بك كرام، يقيم في برلين، في شارع كارل، منزل رقم 10.
في عام 1921م يقرِّر زكي كرام أن يدرس طب الأسنان في جامعة برلين، وينهيها بنجاح خلال سنوات أربع، وكان موضوع أطروحته (عناية الفم والأسنان عند الشعوب الإسلامية)
ما أثار اهتمام الباحث الأكاديمي القادم من جامعة لايدن، هو أن الرسائل تدل على وجود علاقة قوية، تسمح لهذا الشخص، الذي لا يعرفه أحد، بأن يطلب من الشيخ أن يتوسط له عند الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود، ويذكر له تفاصيل زيارة الأمير فيصل – آنذاك – إلى بيته في برلين. وتساءل عمرو رياض عن سبب زيارة نائب الملك ووزير خارجية الدولة السعودية، لهذا الشخص بالذات. ثم وجد الباحث رسالة أخرى تتحدث عن علاقة تربط بين زكي كرام وحكومة اليمن أيام ما كان يُعرف بالمملكة المتوكلية، بل وبالإمام يحيى حميد الدين المتوكل شخصياً.
عاد عمرو رياض إلى هولندا، ولم يفارق فكره اسم زكي كرام، الذي حصل على رسائله الأصلية من عائلة الشيخ رشيد رضا، والذي لا يعرف كيف يستدل عليه. لكن خطرت على باله فكرة عجيبة، ألا وهي أن يبحث في دليل الهاتف الألماني عن شخص يحمل اسم العائلة كرام، لأنه اسم نادر. وفعلاً عثر على شخص اسمه هارون الرشيد زكي كرام، فاتصل به، يسأله عما إذا كانت ثمة علاقة بينه وبين زكي كرام، الذي كان يقيم في برلين في عشرينيات القرن الماضي، في شارع كارل، منزل رقم 10، فرد عليه قائلاً: «نعم إنه، أبي».
كانت هذه الفكرة مثار إعجاب علماء التاريخ في الاتحاد الأوروبي، الذين وافقوا على مشروعه الأكاديمي، لأنه أضاف إلى مصادر البحث التاريخي، مصدراً جديداً وهو دليل الهاتف، إلى جانب المصادر التقليدية مثل الحفريات والآثار والمراجع والأرشيفات والمخطوطات، وهو مصدر على غرابته، أثبت جدواه في هذه الحالة.
سافر عمرو من لايدن إلى قرية في جنوب ألمانيا، بالقرب من شتوتجارت، والتقى وجهاً لوجه مَنْ فتح له سرداباً إلى الماضي، فأطلعه على الخطابات التي تسلمها زكي كرام من أعلام عصره (رسائله مع رضا وأرسلان ضاعت). وشكَّلت هذه الخطابات كنزاً تاريخياً. فهناك مكاتبات مع الحكومتين اليمنية والسعودية، ومع أمير الكويت أحمد الجابر الصباح، ومع ما كان يُعرف باسم المملكة العراقية، والحكومة الأفغانية، وثوار من المغرب، علاوة على ما يثبت وجود علاقات له مع وزارة الخارجية الألمانية، وكذلك الحكومة التركية.
استنتاجات
في الأرشيف الذي عثر عليه الباحث كثير من الجوانب التي يمكن التعليق عليها ودراستها. لكن الجانب الذي يعنينا في هذا المقام، هو أن زكي كرام، كان يقوم بنقل صورة معيَّنة عن ألمانيا وأوضاع المسلمين فيها للشخصيات التي يتواصل معها في العالم العربي، والتي تقوم بدورها بنشر هذه الصورة في كتاباتها ومحاضراتها ونقاشاتها. كما كان يكتب في الصحف الألمانية ويلقي محاضرات، وينشر كتباً باللغة الألمانية، ليلعب بذلك دور الجسر الواصل بين أطراف متعددة.
والقضية الآن هي حول إمكانية العثور على أرشيفات لكثير من أمثاله، من المسلمين الذين عاشوا في أوروبا، يمكن من خلالها معرفة الدور الذي قاموا به في رسم معالم العلاقة بين أوروبا والعالم الإسلامي من ناحية، وكيف أسهموا في صناعة تاريخ أوروبا من ناحية أخرى.
اقترح الدكتور عمرو رياض، أن نلتقي أحد أفراد فريق البحث، وهو الدكتور مهدي ساجد، الذي حصل على رسالة الدكتوراة من جامعة بون، التي تناول فيها الأمير شكيب أرسلان، كما شارك من قبل في مشروع «رؤية أوروبا من الخارج»، ويشارك في المشروع الحالي الذي يسعى لـ «رؤية أوروبا من الداخل»، باعتبار أن المسلمين المقيمين فيها، هم جزء من أوروبا.
التحق بالعمل ضابطاً في الجيش العثماني وهو في الثامنة عشرة من عمره، ليقود كتيبة من 800 جندي، لمحاربة الميليشيات الصربية في البلقان، وفي الحرب العالمية الأولى أصبح قائداً لقوات البدو في العريش بشبه جزيرة سيناء
وكما حرص الدكتور رياض على الانطلاق من شخصية زكي كرام، ليصل إلى الإطار الأكاديمي، تحدث الأكاديمي المغربي الأصل، عن الأمير شكيب أرسلان، وأفكاره التي وردت في 120 مقالاً، نشرتها له مجلة الفتح، لصاحبها ومديرها السوري الأصل محب الدين الخطيب، وشدَّد فيها على رفضه لفكرة تغريب المجتمعات الإسلامية، التي تبناها كمال الدين أتاتورك، واقتدت به دول أخرى مثل إيران وأفغانستان آنذاك.
يؤكد الدكتور ساجد على أن كثيراً من العرب والمسلمين الذين يأتون إلى الغرب، سواء استقروا فيه أو كانت إقامتهم مؤقتة، فإنهم يأتون ولديهم أفكار مسبقة – أو ما يطلق عليه مهدي ساجد (سوفت وير) مبرمج في بلادنا قبل الحضور إلى الغرب – ويبحثون دوماً عما يؤكد صحة هذه الأفكار، ويعيدون تكرار هذه الأحكام المسبقة في وسائل إعلام أوطانهم الأصلية. ويوضح أن أرسلان كان ماهراً في ذلك، فقد كان يفتش في أقوال الأوروبيين وكتاباتهم ما يؤيد رأيه، وعندها لا يمكن اتهامه بالتحيز لرأي مسبق، ولم يكن هناك من يناقشه في كيفية اختيار هذه الأعمال دون غيرها.
ويوضح دوره في المشروع الحالي الجاري في إطار أبحاث الأستاذية، بأنه سيبحث عن أكبر عدد من المصادر توضح دور المسلمين في أوروبا في فترة ما بين الحربين العالميتين، وتأثيرهم الفكري على المجتمعات الإسلامية، في نقل صور ومفاهيم متعلقة بالنظرة العصرية.
يركز الأكاديمي المغربي على قضية محورية، وهي أن ما فعله أرسلان من اختيار المصادر، هو نفس ما يفعله كل من يتعامل مع أي أرشيف، فالوثائق التي نطلع عليها تتعرَّض دوماً «للمصفاة»، بناءً على القناعات السياسية والأهداف المطلوب تحقيقها من خلال هذا الأرشيف، وهو ما ينبغي أن يراعيه الباحث، ويسعى لاستكمال الصورة.
الوجود الإسلامي في أوروبا
في كثير من الدول الأوروبية هناك قناعة بأن الوجود الإسلامي في أوروبا عامة وفي ألمانيا بصورة خاصة، بدأ بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، في فترة الستينيات، حينما جرى استقدام عمال لسد العجز من اليد العاملة، في ظل فقدان كثير من الرجال في الحرب، أو عودتهم مصابين، علاوة على الانتعاش الاقتصادي الذي شهدته ألمانيا.
وهناك رأي آخر يربط الوجود الإسلامي في ألمانيا باتفاق المصالح بين مفتي القدس، الشيخ أمين الحسيني، والزعيم الألماني أدولف هتلر، وهو الأمر الذي يتضح في توفير الحكم النازي كثيراً من التسهيلات للعرب القائمين بعمل دعاية له، من خلال إذاعة عربية موجهة من برلين إلى المستمعين العرب، تجعلهم يؤمنون بأن ألمانيا تريد الخير لهم، وتسعى لتحريرهم من المستعمر البريطاني والفرنسي.
ويشير مهدي ساجد إلى أن زكي كرام كان أيضاً أحد العاملين في هذه الإذاعة الموجهة، وقد أتاح لنا عمرو رياض الاستماع إلى تسجيل صوتي له، من هذه الإذاعة، وهو يقوم بالدعاية لشركة «سيمنز» الألمانية، من خلال تقرير طويل عن العلاقة بين العالمين الغربي والإسلامي، وكيف يمكن الاستفادة من التقنيات التي وصل إليها الغرب.
المهم أن هذا المشروع سيؤكد بالوثائق أن هناك من يسعى لنشر هذه الأكذوبة، حتى يظل الذهن الأوروبي مستحضراً لوجود علاقة بين الحكم النازي، الذي يمثل إليهم الشر المطلق، وبين العرب والمسلمين، المعادين للسامية، رغم أن الوجود الإسلامي منذ الحرب العالمية الأولى كان مؤكداً ومثبتاً، ومسجد برلين الذي أقيم في عشرينيات القرن الماضي، خير دليل على ذلك.
رسالة إلى العالم العربي
في حديثه عن المشروع والحياة الأكاديمية والبحث العلمي في أوروبا، يطالب الدكتور ساجد العالم العربي بأن يهتم بشدة بالدراسات الإنسانية، ولا يتجاهلها بزعم أن العصر الحديث يحتاج إلى العلوم الطبيعية وحدها، منبهاً إلى أن هذه العلوم الإنسانية، هي التي تحدد مسار الأمم ومستقبلها، ويطالب باحترام التخصص العلمي في هذه العلوم، كما لا يُسمح لأحد أن يتحدث في الطب أو الهندسة أو الصيدلة بدون معرفة متعمقة.
أما الدكتور رياض فيتمنى أن يجد في العالم العربي من الأكاديميين من يستطيع أن يسهم في المشروع، الهادف إلى دراسة أوضاع المسلمين في أوروبا في الفترة بين الحربين العالميتين، مشترطاً أن يتقن اللغة الإنجليزية، حتى يتمكن من عرض أفكاره على الأوروبيين المشاركين في فريق البحث.
ويلخص رياض هدف المشروع بأنه يسعى لرد الاعتبار للمسلمين في أوروبا، الذين أهملتهم الدراسات الأوروبية باعتبارهم، فئة محدودة العدد، قليلة التأثير، وجودها مؤقت، أو كأنها لم تكن موجودة على الإطلاق. وفي المقابل، أهملتهم الدراسات العربية والإسلامية، باعتبارهم قد انفصلوا عن الأمة، وأداروا ظهورهم لبلدانهم، والروابط التي استمرت بينهم وبين أوطانهم، إنما كانت في إطار محدود للغاية، مع الأسرة والأصدقاء، دون أن يكون لهم القدرة على التأثير على العلاقة بين الجانبين، وهي التي تحكمها العلاقات على مستوى القيادة السياسية.
ختاماً، هناك نقطة لا ينبغي إغفالها، وهي أن مشروع الدكتور عمرو رياض، خاض المنافسة مع 3700 مشروع من مختلف الجامعات ومعاهد البحث العلمي الأوروبية، ليصل إلى التصفية الأخيرة، ويفوز في النهاية، ويحصل في النهاية على تقارير اللجان المختصة، التي تشير إلى أنه ضمن أفضل 10 في المائة في مجاله، فهل يستفيد عالمنا العربي من أمثاله، الذين لم يسافروا إلى لايدن أو أوترخت؟