طاقة واقتصاد

«دكتور في المنزل»

منلمهاتير محمد مذكرات صانع ماليزيا الحديثة

يحكي هذا الكتاب «دكتور في المنزل» (2011م) لـ «مهاتير محمد»، رئيس وزراء ماليزيا، قصة واحد من أهم الشخصيات السياسية في العالم، شخصية صنعت تاريخها وتاريخ بلادها على السواء. لقد استطاع مهاتير في الاثنتين والعشرين سنة التي كان فيها رئيس وزراء ماليزيا أن يحوِّل بلاده، من زراعية راكدة إلى قوة صناعية جعلتها ضمن كبريات الدول التجارية في العالم. هذا الإنجاز العظيم لم يمر دون جدل ونقاش حول كيف تم ذلك.
تميَّز د.مهاتير محمد برؤية غير عادية وبقبضة حديدية، أكسبته أعداء أكثر مما له من معجبين ومتحمسين، من داخل ماليزيا وخارجها. لقد وُصف مهاتير بالديكتاتور الطاغية والتنويري والمدافع عن المضطهدين في العالم الثالث، كما عُرف بدفاعه عن الإسلام المعتدل. وفي كل منعطف وفي كل مرحلة جديدة يعيد مهاتير كتابة القواعد والأسس.

يكشف هذا الكتاب عن جوانب غير معروفة في حياته، إنها جوانب خاصة وجريئة في حياة الإنسان ورجل الدولة. يسرد في شكل واضح ومقنع التاريخ السياسي لماليزيا الحديثة، من وجهة نظر واحد من أعظم صناعه. من دون اعتذار ولا دفاع إنما بالقوة، كتاب يقول لنا كيف حقق مهاتير ما حققه في وقت قصير.

يغطي الكتاب مراحل مهمة من حياة مهاتير، منذ أن كان صغيراً إلى وصوله لمنصب رئيس الوزراء، الذي حكم بلاده لمدة 22 سنة، ثم إحالته إلى التقاعد. في الكتاب نعرف أن مهاتير يعد الزواج مسألة مثالية، ويرى أنه في الحياة الزوجية لا يمكن تجنب الخلافات، غير أنه لا ينبغي أن يسبب ذلك أي تفكك في العلاقات الزوجية. يتحدث مهاتير عن حفاظه على الوقت، وتشدده في هذه المسألة. وفي فصل آخر يذكر أنه اشترى الكثير من كتب تداول العملات، من أجل فهم أفضل لآلياتها، لاعتقاده أن تداول العملات، وليس الاقتصاد، هو من يؤثر في العملة الماليزية. وسعى إلى وقف التداول بالعملة، لكن هناك من نصحه بالعدول عن الفكرة، لأنها مضرة باقتصادات البلدان النامية. قال إن العالم أدان الضوابط التي فرضها على عملتهم، في حين قال عدد من الاقتصاديين، إن ذلك لا يتماشى مع النظام التجاري المفتوح في السوق. وأشار إلى توقع الخبراء كوارث بالنسبة لماليزيا. لكنه أصرَّ على ضبط العملة، بل وجد فيها الجواب الصحيح لنهب الدول الصغيرة من تجار العملة في الدول الغنية.

«قد يكون ما سلكناه تقليدياً»، يقول مهاتير، لكنه كان عملاً جيِّداً، حتى إن صندوق النقد الدولي اعترف في خاتمة المطاف بأن عملنا كان جيِّداً، بالرغم من أنهم لم يوصوا الدول الأخرى بأن تسلك طريقنا نفسه».

وقال مهاتير محمد إنه تم الاعتراف بأن ماليزيا فعلت الشيء الصحيح، في عدم الخضوع لصندوق النقد الدولي.

ألهم الدكتور مهاتير عدداً كبيراً من الشخصيات، بما حققه، خلال قيادته لأهم المنعطفات في تاريخ ماليزيا، كدولة وأمة حديثة. تلك الأوقات التي عاشها مهاتير كانت مزيجاً من التحدي الكبير والتغيير، والأزمات والفرص، وواجه انتقادات موضوعية، وبعضها كان قاسياً، لكنه كان مستمراً في التحديث وإعادة صياغة بلاده.
يأخذ رئيس الوزراء، الذي لفت الأنظار إلى إنجازاته الهائلة، القارئ في رحلة غير معروفة، سوى بالنسبة لعدد قليل من خارج أسرته. في أكثر من 800 صفحة، يتجول القارئ، يقوده مهاتير الملهم، في غابة من التفاصيل والعزم والإصرار والطموح الذي لا يعرف الاستسلام. ذكريات الطفولة، أهم الأحداث في تاريخ المالايا في النضال، غروب شمس الاستعمار البريطاني، الحرب العالمية، الاستقلال، نضالاته المستمرة كسياسي، آماله وأحلامه وأيضاً مخاوفه العظيمة، كل ذلك في الكتاب.

يحكي الكتاب البديع قصة ماليزيا، لكنه في الوقت نفسه، يسرد قصة مهاتير نفسه، هذا الرئيس الذي يفتخر بأنه الديكتاتور الوحيد الذي تخلى عن الرئاسة وهو في عز صحته، ترك الرئاسة وبلده في مقدمة البلدان الصناعية، التي كانت تستورد كل شيء تقريباً، والآن أضحت تصدر، وتعيش في رخاء وازدهار.

في هذا الكتاب نعثر على حكمة الآباء المؤسسين لماليزيا، الذين وضعوا النظام السياسي الذي مكَّن البلد سلمياً وديمقراطياً من حل المشاكل، والتغلب على التحديثات الكامنة في مجتمع معقد.

قد لا تكون ديمقراطية ماليزيا على غرار الديمقراطيات الليبرالية في الغرب، ولكنها كانت خيار الحكومات المنتخبة من الشعب وحكومات الولايات، يوضح مهاتير، ويضيف قائلاً: إن العديد من المستعمرات السابقة، لم تكن قادرة على تبني الديمقراطية، غير أنه اليوم وفي ماليزيا يمكن للمرشحين من المعارضة الفوز، وأن ينجحوا بما فيه الكفاية للسيطرة على حكومات الولايات، إن لم يكن للحكومة المركزية.

أضف تعليق

التعليقات