اطلب العلم

اطلب العلم

التسخير الكوني للجنس البشري ليس مقتصراً على المشاهد الحسية التي يراها المرء بعينه المجردة، بل يتعداه إلى مشاهد معنوية تحمل رموزاً كثيرة للإنسان الذي حباه الله ملكة التأمل. هناك مشاهد كثيرة تحدث في عالم الحيوان تحمل ما قد يساعد الإنسان على فهم الكثير من معاني الحياة الحقيقية.
على إحدى القنوات الفضائية المهتمة برصد تحركات الحيوانات في مواطنها الأصلية رصدت إحدى المُصورات الأجنبيات مشهد دُبَّة أم، تقف مع جرائها الصغار على جانب النهر، وبينما تقف بسلام مع جرائها يمر على الجانب الآخر من النهر دب ذكر يتضور من الجوع ويرى الجراء الصغيرة وينوي التوجه إليها، رأته الدُبَّة الأم وبغريزتها أيقنت نيته في الهجوم على جرائها. كانت شجاعة فبادرت بالهجوم، حيث سبحت في النهر متجهة إليه، وما إن وصلت حتى زأرت بقوة سمعت صداها المصورة التي رصدت المشهد من بعيد، ضربته بيدها واستمرت تزأر بأعلى صوتها وتهاجمه إلى أن استسلم واستدار ليعود من حيث أتى. كانت المعركة مركزة على الزئير أكثر من الهجوم الجسدي بين الدب والدبة، وانتصرت الدبة بصوتها وهجومها. وبعد برهة قصيرة وبينما كانت المصورة مستمرة في رصد المشهد لمحت دباً استبعدت جداً أن يكون هو الأول، ولكن بعد التركيز عرفت أنه هو، فالترقيط الذي على جسده كان يميزه، ظهرت عليه ملامح شراسة غير طبيعية وانتقام جبار، واستبعدت المصورة انتصار الدبة عليه هذه المرة، لأن علامات غضبه كانت جامحة ومخيفة ، توجَّه إليها ورأته وبالقوة ذاتها نزلت إلى النهر مرة أخرى وهاجمته وبدوره هاجمها واستمرت بالزئير وهي تضربه بإحدى يديها وتدفعه للعودة من حيث أتى، أخبرت مصورة المشهد في ذلك الوقت بأن الدب كان أكبر حجماً من الدبة وأقوى. ظهر ذلك من مخالبه التي بدت مخيفة وأكبر من مخالبها، ولكنها، بالرغم من ذلك، هزمته ، وعاد الدب مرة أخرى مهزوماً ولم يجرؤ على العودة مرة أخرى.
كان المشهد رائعاً، إذ خالف الانتصار المنطق بالاعتماد على المقاييس والموازيين، لكن القوة الداخلية التي يحملها الكائن تكون أحياناً أضعاف أضعاف ما يُظهر مما حباه الخالق.
إن الأم بين جميع الكائنات قد تقتل نفسها من أجل أولادها، وهذا الحب في أعماقها أقوى من أن تسيطر عليه القوة البدنية لأنه فطري، قد تفعل أي شيء لتحميهم وتحافظ عليهم، والمشهد الذي رصدته المصورة تدخلت فيه العناية الإلهية من دون أدنى شك ليكون النصر لمن يحمل في نفسه الشجاعة الكافية لمواجهة أي خطر بسلاح الحس والمسؤولية، ما يعني أن هذا الكون فيه حسابات كثيرة يمكن أن تقلب كل الموازين التي يعتنقها العقل البشري.

رانية عبد الرزاق

أضف تعليق

التعليقات