بيئة وعلوم

الأرض دافئة أكثر من اللازم!

  • shutterstock_68641195
  • shutterstock_86013754
  • shutterstock_25008601
  • shutterstock_27323806
  • shutterstock_60069721

هل تحتاج الأرض إلى مقياس حرارة بين حين وآخر كما يحتاج الإنسان في حالات تقلب الطقس وتغير الفصول؟!
لا بد للأرض أن تحافظ على حرارتها التي تتمثل في التيار المناخي الاستوائي، والتوزان المائي، ونظام الأمطار، كي لا تصاب كما نصاب بارتفاع في درجة الحرارة، ومن ثمَّ نصاب بالحمى وتغزونا الهلوسات. إن قطع الأشجار يغيِّر بشكل جذري حرارة الأرض التي نطمح أن تظل بعافية دوماً. محمد الأمير الباحث في علوم الأرض والبيئة يحدثنا عن التحولات في درجة حرارة الأرض، وذلك من العصر الدافئ إلى استحضار الإنسان للغابات والتحول في الأرض.

خلال قرون قليلة استهلكت أوروبا معظم غاباتها. وها نحن اليوم نقضي خلال عقود قليلة على ما تبقى من غابات استوائية
يعتقد الكثيرون أن أثر ظاهرة الدفيئة لم يكتشف إلا منذ سنوات قليلة، وخصوصاً بعد الدعاية الإعلامية التي أبرزته كعامل حاسم في الواقع البيئي. إلا أن هذا الأثر معروف منذ بداية القرن التاسع عشر. يشكل الغلاف الجوي للأرض ما يشبه الغلاف الزجاجي أو البلاستيكي الذي يغلف البيوت الزراعية الزجاجية، وبذلك يكوّن الدفيئة الطبيعية. فهو يمرر أشعة الشمس، لكنه يحفظ جزءاً مهماً من الحرارة المتراكمة عند سطح الأرض. وبفضل الآثار المناخية لهذه الدفيئة الطبيعية أمكن للحياة أن تظهر. إلا أن النشاطات الصناعية البشرية المتزايدة وما يتبعها من إطلاق لغازات الفحم والميثان وغيرهما إلى الجو بنسب خطيرة يطرح تساؤلات كثيرة منها: إلى أي حد نحن، كبشر، مسؤولون عن الإخلال بتوازن المناخ؟ إذا كانت بعض الوقائع تبدو أكيدة، فإن تفسيرها لا يزال دقيقاً وصعباً. فالمسألة لا ترتبط في نهاية الأمر بعوامل محددة، بل هي تتعلق بعوامل متداخلة قد تكون لا نهائية. وكمثال فإن قطع الأشجار يغير بشكل جذري التيار المناخي الاستوائي، ومعه التوازن المائي ونظام الأمطار. كما أن ازدياد الغازات القادرة على امتصاص الأشعة تحت الحمراء سيؤدي إلى تسخين الأرض من خلال زيادة فاعلية الدفيئة. وهذا يطرح تساؤلات عدة عن: كم سيكون حجم هذا التسخين؟ وكيف سيكون توزعه الجغرافي؟ وما أثر ذلك في المسطحات المائية؟

العصر الدافئ
يعيش العالم اليوم في ظروف مناخية متغيرة بشكل ملحوظ عبر العصور. ومن أمثلة ذلك التغير الدوري في تدفق الطاقة الشمسية الساقطة على كوكب الأرض نتيجة لتغير مسار أو ميل محور دوران الكوكب، وبالتالي تناوب العصور الجليدية والدافئة خلال فترات تمتد بين 20000 و 100000 سنة. إلا أن السؤال المهم يتعلق بدرجة تأثير النشاط الإنساني على المناخ في كوكب الأرض. فقد ترافق العصر الدافئ الأخير الذي حل على كوكبنا بانفجار سكاني هائل للنوع الإنساني، الأمر الذي أدى إلى إزالة متزايدة للغطاء النباتي نتيجة تطوير الصناعة، وخصوصاً خلال القرنين المنصرمين. فمنذ أقل من قرنين كان عدد سكان العالم أقل من مليار نسمة، وهو في الوقت الراهن 7 مليارات، وخلال نصف قرن سيصل عدد سكان العالم إلى عشرة مليارات نسمة. وسيترافق ذلك بالتأكيد بتغير هائل في النظام البيئي للأرض، وبخاصة التغير في الغطاء النباتي وفي التركيب الكيميائي للغلاف الجوي. ومثل هذا التغير سيوازي، كما يرى معظم العلماء، التغيرات الطبيعية التي تحدث خلال آلاف السنين، إنما سيتم خلال فترات أقصر بكثير. فالفترة التي كان يستغرقها الانتقال من عصر جليدي إلى عصر دافئ خلال آلاف السنين كانت ضرورية لإذابة الجليد ببطء ولموازنة الأنظمة البيئية. أما الانتقال السريع خلال بضعة قرون فيهدد عدداً كبيراً من الأنظمة البيئية بالزوال.

استهلاك الغابات
لقد استهلك الإنسان منذ نحو ثلاثة آلاف سنة الأخشاب في بناء بيوته وسفنه وفي طهو طعامه. وجرد البحر المتوسط بشكل خاص من جزء كبير من ثروته النباتية. وخلال قرون قليلة استهلكت أوروبا معظم غاباتها. وها نحن اليوم نقضي خلال عقود قليلة على ما تبقى من غابات استوائية في إندونيسيا وأفريقيا والأمازون. والأخيرة تمتص وحدها بسبب كثافتها نسبة عالية جداً من الطاقة الشمسية ولا تعيد إلى الجو سوى 12 % من هذه الطاقة. وتستفيد المنطقة كثيفة الشجر بفضل البخر من انتظام حراري فعال يعدل درجات الحرارة، ما يؤدي إلى إطلاقها كمية أقل من الأشعة تحت الحمراء. ويوفر البخر لها، إضافة إلى ذلك، غطاء كثيفاً من الغيوم يخفف من ضياع الطاقة الحرارية نحو الجو. وباختصار تستهلك الغابات الكثيفة كمية كبيرة من الطاقة الشمسية وتفقد حرارة بسيطة نسبياً بالإشعاع. وذلك على عكس المناطق الصحراوية تماماً. وهذا يعني أن إزالة الغابات من الكوكب سيؤدي إلى انخفاض عام في درجات الحرارة.

أما الغلاف الجوي فهو أكثر ارتباطاً بالدفيئة. فمضاعفة الغازات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري في الجو ستؤدي حتماً إلى تسخين الأرض. وهذا الأثر الذي يسببه تغيير تركيب الغلاف الجوي هو ما ندعوه بظاهرة البيوت الزجاجية أو الدفيئة، التي ترتكز على خاصية امتصاص الأشعة ما تحت الحمراء، ما يؤدي إلى حبس الحرارة في الطبقات الجوية القريبة من سطح الأرض.. وهكذا تنجم الدفيئة عن هذا الامتصاص. وما يهمنا الآن هو كيف سيؤثر تضاعف نسبة هذه الغازات في الجو، خلال القرن القادم، في الطقس؟ وما هي درجته أو توزعه الجغرافي أو تأثيره في نظم المياه المحلية، ناهيك عن أن ارتفاع درجات الحرارة سينعكس مثلاً على الجليد، ويؤدي بالتالي إلى امتصاص أكبر لطاقة الشمس وارتفاع إضافي في درجات الحرارة. أما الغيوم فتلعب دوراً مزدوجاً ومهماً في الحاصل النهائي للإشعاع الأرضي. فهي من جهة تبرد المناخ بعكسها للطاقة الشمسية للغيوم المنخفضة المحملة بالماء، ومن جهة أخرى تساهم بشكل واضح في الدفيئة، لأن الغيوم العالية تمتص بشكل فعال الأشعة ما تحت الحمراء. وهكذا نرى تعقيد مسألة انعكاس ارتفاع درجة الحرارة على الغيوم، الأمر الذي يبقي المسألة مفتوحة على شتى الاحتمالات.

وعلينا ألا ننسى أن التغيير المناخي يرتكز، أيضاً، على المحيطات العميقة، والتي تتراوح فترات استجابتها للمؤثرات بين قرن أو أكثر. وهكذا نجد أن التغير المناخي الناجم عن تدخل الإنسان لا يزال خاضعاً لأمور كثيرة. ونستخلص من ذلك عدم قدرتنا على التوصل إلى معلومات حاسمة ودقيقة حول أثر هذه الغازات في الجو وكمياتها المتزايدة. كما أن معظم هذه الغازات ذات عمر طويل نسبياً في الجو قبل تحللها، ما يساعد على زيادة نسبة تركيزها ويؤدي إلى إمكانية تأثيرها المباشر في المناخ خلال قرن، أو عقد، أو بضع سنوات.

التحول الغذائي
لا شك أن مناخاً أكثر حرارة سيؤدي إلى تأثيرات واضحة على توزع النباتات والزراعات على الأرض. فالحرارة تؤثر مباشرة في الأيض عند النباتات، أي على التحول الغذائي عندها. كذلك يمكن لتغير مناخي محتمل أن يغير كمية المياه التي تبخرها الأرض والنباتات وبالتالي كمية المياه المتوفرة. وهذا يقودنا إلى البحث عن بعض الحلول الممكنة أو الآراء التي قد تخفف على الأقل من التخلخل البيئي ومن أثر الدفيئة.. لكننا في الحقيقة لا نملك سوى القليل من الكلمات: البساطة، والأصالة، وروح الوحدة مع الطبيعة.

وعلى هذا، فإن دور الإنسان يجب أن يتمثل خلال المرحلة المقبلة في بحث جاد وحقيقي عن كل إمكانية أو قيمة تعيد إليه توازنه الطبيعي الذي فقده منذ زمن.

أضف تعليق

التعليقات