قول آخر

قول آخر

أصدرت جائزة البوكر العربية لائحتها الطويلة للروايات العربية التي تتنافس في نيل الجائزة لعام 2012م، والتي ضمَّت ثلاث عشرة رواية من سبعة بلدان عربية، من أبرزها رواية رشيد الضعيف «تبليط البحر»، ورواية ربيع جابر «دروز بلغراد»، وكذلك رواية جبور الدويهي «شريد المنازل» الذي كان اسمه حاضراً في الدورة الأولى 2008م في قائمتها القصيرة، عن روايته «مطر حزيران»، وأيضاً رواية يوسف زيدان «النبطي»، ورواية بشير مفتي «دمية النار»، والحبيبب السالمي «نساء البساتين»، وغيرها من الروايات الأخرى. اللافت للنظر هذه السنة هو خلو المسابقة من أي رواية سعودية، لا في الترشيحات التي ترفعها دور النشر للروايات التي تتكفل بطباعتها ومن ثمَّ تروج لها إعلامياً، ولا أيضاً في القائمة الطويلة التي صدرت مؤخراً، خلافاً لما كان عليه الحال في نسختي الجائزة في السنتين الماضيتين اللتين فازا بهما على التوالي عبده خال عن روايته «ترمي بشرر» 2010م ورجاء عالم عن روايتها «طوق الحمام» مناصفةً مع الروائي المغربي محمد الأشعري عن روايته «القوس والفراشة» 2011م.

هذا الغياب للرواية السعودية يثير التساؤلات ويفسح المجال للحديث عن جملة من القضايا الثقافية التي تتعلق بالقيمة الفنية والاجتماعية للجائزة ضمن محيط العالم العربي بوجه عام. أول هذه التساؤلات يتعلق بقدرة القائمين على هذه الجائزة على استقراء الأعمال التي تظهر في الساحة الأدبية خلال فترة زمنية محددة، أي سنة واحدة هي عمر كل دورة. والمقصود بهذا الكلام هو التساؤل عن الكيفية التي تتم من خلالها تصفية الأعمال الروائية حتى تصل إلى القائمة القصيرة التي تنحصر في ست روايات فقط. بينما نحن نعلم تماماً أن آلية الفرز تبدأ أولاً من الترشيحات التي يرفعها أصحاب دور النشر إلى أمناء الجائزة. وهذه الترشيحات غالباً ما تخضع لحسابات الناشر، وهي حسابات لا تخضع للمعيار الفني في أغلب الأحوال، بل تُدخل في حساباته العمل الروائي بوصفه سلعة تجارية. لذلك فإن مثل هذه الآلية غير مجدية في ظل وجود مشهد روائي عربي متشظٍ يصعب معه استقراء الأعمال التي تصدر وفق هذه الآلية التي مهما اعترفنا بقدرتها على الموضوعية والدقة والأمانة إلا أنها في النهاية يتلبسها الخلل وعدم القدرة على المجاراة والمتابعة الدقيقة، خصوصاً في ساحة روائية عربية هي من الاتساع والوفرة والتنوع ما يجعل مثل هذه الآلية، كما قلنا، أقل فاعلية مما ينبغي.

من هذا المنطلق يمكن قراءة غياب الرواية السعودية أو حضورها في القوائم المرشحة للجائزة. حيث نرى من الصعوبة بمكان ربط مثل هذا الغياب أو الحضور بمعيار المستوى الفني الذي تطرحه الجائزة، فضلاً عن أنه جرى كلام كثير حول مصداقية لجان التحكيم التي تناوبت على تحكيم الجائزة منذ دورتها الأولى، ولا أريد الدخول هنا في تفاصيل الأسماء. ما يهمنا هو أن ما جرى من كلام يؤثر، بصورة أو بأخرى، في نزاهة مفهوم المعيار الفني للجائزة.

وما يزيد الطين بلة هو أننا لا نجد مثل هذه الشبهات والمشاكل التي تدور حول لجان التحكيم قد حدثت في تاريخ الجائزة الأم في بريطانيا أو حتى في نسختها الروسية أو الأفريقية. وهذا ما يفتح الباب لتساؤلات عدة عن القدرة الاحترافية للعرب في النظر إلى أدبهم من منظار يتعالى على جميع الحسابات.

أنا هنا لا أعطي تقييماً للأدب والأدباء العرب بإزاء الأدب والأدباء الغربيين. ولا يُفهم، أيضاً، من كلامي أني ضد الجوائز الأدبية، لكنني أوصف حقيقة ما يجري في ساحتنا العربية الأدبية، ومن منظور يرى في التصورات الثقافية التي ترسخت في أذهاننا عن الأدب العربي وممارسته وإبداعه هي أزمة الأزمات التي تتحكم في ثقافتنا من العمق.

محمد الحرز

أضف تعليق

التعليقات