عندما أعلنت أرامكو السعودية عزمها على توسعة مصفاة رابغ لتصبح مجمعاً متكاملاً ضخماً لأعمال التكرير ولإنتاج المواد البتروكيميائية في مدينة رابغ، تساءل البعض إذا ما كان المشروع الجديد يمثل تحولاً في استراتيجية عملاق الزيت والغاز السعودي وعن مغزى دمج عمليات مصفاة الزيت مع إنتاج المواد البتروكيميائية.
المهندس فايز الشريف يجيب عن هذه التساؤلات من خلال هذا العرض المبسط لصورة المشروع الجديد ونوعية المنتجات المتوخاة منه، واحتياجات السوق لها، والعوائد الكبيرة على اقتصاد المملكة العربية السعودية، تماشياً مع الأهداف العامة للدولة بخصوص جذب الاستثمارات الأجنبية إلى المملكة وزيادة مشاركة القطاع الخاص في تنمية الاقتصاد المحلي وفي إطار إحدى الاستراتيجيات القائمة في أرامكو السعودية، والهادفة إلى الاستفادة من المنشآت القائمة استفادة قصوى.
المقدمة
وقّعت أرامكو السعودية في التاسع من شهر مايو المنصرم على مذكرة تفاهم شاملة مع شركة سوميتومو كيميكال اليابانيه تتعلق بإنشاء مجمع ضخم ومتكامل لأعمال التكرير وإنتاج المواد البتروكيميائية في مصفاة رابغ الواقعه على البحر الأحمر.
وسيكون مشروع رابغ المقترح، عند تنفيذه، أحد أكبر المشاريع التكاملية لتكرير وإنتاج المواد البتروكيميائية التي يتم إنشاؤها في وقت واحد، وسيبلغ إنتاجه الإجمالي نحو 2.2 مليون طن من الأولفينات، وكميات كبيرة من وقود السيارات والمنتجات المكررة الأخرى. وتقدر تكلفة الاستثمار المباشر في هذا المشروع بنحو 15 مليار ريال سعودي (4.3 مليار دولار أمريكي).
الخطة الأولية بالأرقام
تتضمن الخطط الأولية للمشروع، كنقطة ارتكاز لتوسعة وتطوير مصفاة رابغ، مجمع تجزئة بالوسيط الكيميائي لتحويل زيت الوقود ذي القيمة المنخفضة إلى منتجات عالية القيمة مع مجمع آخر بمواصفات عالمية لتكسير الإيثان مما سيمكن المشروع من إنتاج كمية قياسية من الأولفينات تبلغ نحو 1.3 من الإيثيلين و 900,000 طن من البروبلين سنوياً، إضافةً إلى نحو 50,000 برميل من وقود السيارات يومياً، ومنتجات مكررة أخرى. كما سيتم إنشاء وحدات المواد الكيميائية التالية لتحويل كل إنتاج الأولفينات إلى منتجات بتروكميائية أولية وثانوية:
1 –
ثلاث وحدات للبولي إيثيلين، منها وحدة المعالجة السهلة للبولي إيثيلين المعتمدة على إحدى التقنيات المتطورة من شركة سوميتومو كيميكال ويتوقع أن تبلغ الطاقة الإجمالية للوحدات الثلاث نحو 900,000 طن في السنة.
2 –
إنشاء وحدة قليكول الإيثيلين الأحادي تبلغ طاقتها الإجمالية 600,000 طن في السنه.
3 –
وحدتا بولي بروبلين تبلغ طاقتهما الإجمالية 700,000 طن في السنة، تنتجان كميات متنوعة من بوليميرات البولي بروبيلين، مثل البلمرة المتجانسة، والبلمرة المشتركة، والبلمرة العشوائية والتريبولير. كما تم تضمين وحدة توصيل مركب البولي بروبيلين التي سيتم تحديد طاقتها خلال مرحلة دراسة الجدوى الاقتصادية المشتركة.
4 –
وحدة أكسيد البروبيلين تبلغ طاقتها الاجمالية 200,000 طن في السنه التي تستخدم تقنية الأكسده المباشره المعتمدة على إحدى التقنيات المتطورة من شركة سوميتومو كيميكال.
أما كميات اللقيم التي ستقوم أرامكو السعودية بتزويدها لمشروع رابغ يومياً فهي 400,000 برميل من الزيت الخام، 95 مليون قدم قياسية مكعبة من الإيثان، و 10,000 إلى 15,000 برميل من البوتان، من جهتها سوميتومو تقدم أحدث تقنياتها التي تمتلكها في مجال الصناعات البتروكيميائية وخبرتها الواسعة لتسويق البتروكيميائيات للمشاركة في هذا المشروع الذي من المتوقع أن يبدأ إنتاجه في أواخر عام 2008م.
تمهيد
بالإضافة إلى دورها الأساسي كأكبر منتج للبترول في العالم ومن أكبر عشر شركات في مجال تكرير الزيت فقد اضطلعت الشركة بدورها الأساسي في تطوير الصناعات في المملكة من خلال توريدها الأساسي الذي تستخدمه شركات صناعة المواد البتروكيميائية في المملكة مثل سابك، وشركة التصنيع الوطنية، وشركة شفرون السعودية، والشركة السعودية للدهانات الصناعية المحدودة، وغيرها. وشكّلت أرامكو السعودية جزءاً لا يتجزأ من القصة الناجحة والنموذجية للصناعات البتروكيميائية في المملكة من خلال توفيرها الدائم للقيم بصورة موثوقة خلال المراحل المختلفة لتطور هذه الصناعة.
أما على الصعيد العالمي، فإن أرامكو السعودية تعمل كمورد رئيس للقيم لهذه الصناعة، مثل غاز البترول المسال، والبنزين الطبيعي والنفتا، علماً بأن أرامكو السعودية هي أكبر مصدّر لسوائل الغاز الطبيعي وإحدى أكبر الشركات المصدرة للنفتا في العالم، التي توجه منها كميات كبيرة إلى صناعة المواد البتروكيميائية. فمنذ عام 1998م، بدأت أرامكو السعودية مفاوضات في إطار الاستثمار الاستراتيجي في الصين لتحديث وتوسيع إحدى المصافي الموجودة في محافظة فوجيان وتطويرها إلى مجمع تكاملي للتكرير وانتاج المواد البتروكيميائية. وهذا الاستثمار هو جزء من مساعي الشركة إلى تأمين مجال تصدير استراتيجي للزيت الخام إلى السوق العالمية من خلال مشاريع مشتركة مربحة.
كما أن لمحدودية توافر لقيم الغاز في المملكة والحاجة إلى مزيد من التنويع في صناعة المواد البتروكيميائية ليشمل نطاقاً أوسع من المنتجات. فإن الاستفادة من اللقيم المعتمد على المصافي كالنفتا والكيروسين ومخلفات التقطير الفراغي يعتبر أمراً ضرورياً ومن هنا يتضح أحد أهم مميزات مشروع، رابغ حيث إنه يفتح المجال للاستثمار في تلك المنتجات.
والجدير بالذكر أن الطلب العالمي على المواد البتروكيميائية مثل البولي إيثيلين والبولي بروبيلين وقليكول الإيثيلين الأحادي، ينمو بمعدل مضطرد يتراوح ما بين %4 و %6 سنوياً. الأمر الذي يعني أن لقيم الغاز بمفرده لن يفي باحتياجات العالم من تلك المنتجات المذكورة.
ومن الملاحظ من قبل مراقبي صناعة الزيت والغاز أنه في العقد الأخير واجهت صناعة تكرير الزيت وصناعة البتروكيميائيات تحديات اقتصادية قوية، تمثلت في تدني مستوى ربحية كثير من المنتجين على المستوى العالمي. وقد تمثل دمج مشاريع البتروكيميائيات مع تكرير الزيت كأحد الحلول لهذه التحديات، ونتج عن ذلك أن كثير من المشاريع الجديدة للتكرير كانت مربوطةً بمشاريع للبتروكيميائيات ينتج عنها استخدام أمثل للمنتجات الثانوية، والأمثلة على ذلك التوجه عديدة كماهو مشاهد في سنغافورة والصين والهند وغيرها. وكون أرامكو السعودية المنتج الأول عالمياً للهيدروكربونات بكافة استخداماتها كوقود ولقيم وليست بمنأى عن الضغوط الاقتصادية التي تواجهها الصناعة.
عندما نأخذ كل هذه الأمور مجتمعة بعين الاعتبار، تتضح لنا الصورة الخلفية التي تحيط بمشروع رابغ وتجعله مميزاً عن بقية المشاريع البتروكيميائية المزمع إنشاؤها في المملكة.
إن ريادة أرامكو السعودية في أعمال المواد الهيدروكربونية والطاقة وكونها إحدى أكبر شركات التكرير في العالم يحتم عليها الحرص على تشغيل مرافقها وتحديثها باستمرار لرفع ربحيتها إلى الحد الأقصى. ويجسد التحليل الدقيق لإعلان الشركة عن مشروع رابغ هذه الاستراتيجية. ونظراً لكون مجمع رابغ الحالي مصفاة بسيطة التركيب، فإن ذلك يشكل تحدياً خاصاً في هذا المجال. لذا، ومنذ أن امتلكت الشركة مصفاة رابغ في شهر يونيو 1995م، ظلّت تسعى سعياً حثيثاً لإيجاد طرق كفيلة بتحسين ربحية هذه المصفاة، والاستفادة من إمكانات بنيتها الأساسية حتى أقصى حد ممكن، وأقامت لهذه الغاية عدة دراسات، فكان النموذج الذي قدم حلاً مثالياً ولبّى أهداف الشركة يقضي بتحديث المصفاة وتكاملها بمجمع رئيسي لإنتاج المواد البتروكيميائية.
تحديث للاستفادة..
لا تحول في الاستراتيجية
تعتقد الشركة أنه ستكون لمجمع رابغ المتكامل الجديد جملة نتائج إيجابية أبرزها ما يأتي:
1 – تحسين ربحية المصفاة عن طريق تحويل المنتجات ذات القيمة المنخفضة، أي مخلفات التقطير البسيط لتصبح منتجات ذات قيمة مضافة عالية مثل البنزين والديزل والأولفينات.
2 – الاستفادة من التوافق الذي سيحدث بين المصفاة، التي يتم تحديثها ومجمع المواد البتروكيميائية المزمع إنشاؤه من خلال الاستفادة الاقتصادية القصوى من المنتجات الثانوية وتقليل كلفة المشروع وتخفيض المصروفات التشغيلية له.
3 – المساعدة في تطوير مدينة صناعية جديدة في رابغ.
4 – إيجاد فرص توظيف جديدة للسعوديين.
5 – توفير فرص استثمار كبيرة للقطاع الخاص المحلي في مجال الصناعات الثانوية والتكميلية والأعمال المساندة مثل إمداد المنافع، وخدمات الإسكان، وتوفير الخدمات اللوجستية، وتنشيط الخدمات البحرية والأعمال في الموانئ.
وللأسباب المذكورة أعلاه، تنظر أرامكو السعودية لمشروع رابغ على أنه استمرار في استراتيجيتها القائمة منذ سنوات على تعظيم القيمة المضافة لموارد المملكة الهيدروكربونية، وهو بذلك خطوة كبيرة من ضمن استراتيجيتها القائمة والمعروفة. إذ سيؤدي مجمع رابغ الجديد إلى استكمال وتحسين الأداء الاقتصادي الحالي للمصفاة بشكل كبير. وستعمل خطة الشركة المتوسطة والطويلة الأمد على الاستثمار الإنتقائي في مشاريع المواد البتروكيميائية عندما تكون تكميلية للأصول القائمة أو أصول التكرير الجديدة.
تخصيص حصص اللقيم
من المعلوم أن وزارة البترول والثروة المعدنية هي الجهة الوحيدة المناطة بتخصيص الوقود واللقيم لمستهلكيه كافة، وذلك من خلال إجراءات هيكلية وتنظيمية معروفه، ولأرامكو السعودية دور رئيس في تسهيل هذه الإجراءات وتوفير الكميات المخصصة بصورة موثوقة للمستهلكين المعتمدين من قبل الوزارة.
وبصفتها مستهلكاً محتملاً للإيثان تمثل نفسها وشريكها المحتمل في مشروع رابغ (شركة سوميتومو كميكال)، قدمت أرامكو السعودية جميع المعلومات الضرورية كأي مستهلك آخر للوزارة للحصول على ما يتطلبه المشروع من اللقيم المخصص للمشروع. وقد تم تخصيص اللقيم للمشروع بعد استيفائه لشروط الوزارة كافة وحسب معايير معينة تم الالتزام بها.
وثمة مسألة مهمة أخرى تتعلق باللقيم، وهي أن المملكة تحتاج إلى مزيد من التنويع في مجال إنتاج المواد البتروكيميائية الأساسية، مثل المواد العطرية التي تتطلب نوعاً مختلفاً من اللقيم المعتمد على المواد المنتجة في المصافي. ولذا، تقوم أرامكو السعودية بخطوات رائدة في هذا المجال وباستكشاف الفرص المحتملة في قطاع المواد البتروكيميائية التي تعتمد على اللقيم المعتمد على المصافي. ويتطلب هذا المسعى إكماله بتغييرات هيكلية وإيجاد طرق ابتكارية وفنية يتخذها قطاع أعمال المواد البتروكيميائية الخاص المحلي ليصبح هذا النموذج ناجحاً.
وماذا عن المنافسة؟
أخيراً، هل سينافس مشروع رابغ الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) والشركات البتروكيميائية الاخرى في المملكة؟
حتمًا ليس هذا هو الهدف من المشروع، بل على العكس، المشروع يهدف إلى تقوية الاقتصاد السعودي وبالتحديد الصناعات الهيدروكربونية، وسابك هي من أهم المشاركين في هذه الصناعة، وكما ورد في بداية المقال، بأن الطلب العالمي للمواد البتروكيميائية ينمو بشكل متسارع وبمعدل صحي. وتبعاً لدور سابك المهم وغيرها من الشركات العاملة في المملكة في تلبية مثل هذا الطلب فإن الفرصة تظل متاحة للشركات الاجنبية من خلال مشاريع تقام خارج المملكة للعمل في سوق البتروكيماويات. لذلك فان أرامكو السعودية من خلال هذا المشروع قد استقطبت جزءاً من هذا الاستثمار الخارجي إلى المملكة. كما أن هناك كميات كبيرة من المواد البتروكيميائية التي سينتجها مشروع رابغ، مثل أكسيد البروبيلين، وقليكول البروبيلين، وأنواع خاصة من البولي إيثيلين والبولي بروبيلين، لا تنتج حالياً في المملكة.
إضافة إلى ذلك، تجري الشركة حالياً تقييماً لفرص مشابهة أخرى في معمل التكرير في رأس تنورة مع مستثمرين محليين من القطاع الخاص. وتعتقد الشركة جازمة بأنه سينظر إلى مشروع رابغ كنموذج يحتذى لمزيد من الاستثمارات المربحة في مصافيها الأخرى.
ختاماً نشير إلى أن أرامكو السعودية متحمسة جداً لمشروع رابغ ودوره في توسعة اقتصاد المملكة، فهو يشكل فرصة لتوسيع قاعدة الصناعة البتروكيميائية التحويلية في المملكة.ومما يصاحب ذلك من خلق فرص وظيفية للمواطنين, كما ويمثل هذا المشروع مثالاً راسخاً لاستراتيجية المملكة الرامية إلى جذب الاستثمارات الأجنبية لتوسعة وتنويع اقتصادها.