الحياة اليومية

الدواء..
بين الطبيعة والكيمياء

  • 57a
  • 57b
  • 57c
  • 58
  • 61

منذ أسابيع تحدثت الصحف عن نبتة صينية كانت تستخدم قديماً لمعالجة الملاريا، وظهر أنها ما زالت صالحة لذلك وبكلفة أقل بكثير من الأدوية المصنعة الرائجة، فتم إعادة انتاجها تجارياً للاستخدام الواسع النطاق.
يوماً بعد يوم، ترتفع وتيرة الحديث عن التداوي بالأعشاب والأعشاب الطبية، وغالباً ما يتسم هذا الحديث بنبرة توحي بأن التداوي بالأعشاب يتضمن “حسنة” تفتقدها الأدوية الكيميائية. الدكتور اسماعيل سكرية* يؤكد هنا أن التداوي بالأعشاب ليس بديلاً عن الدواء الكيميائي، وهو مسألة تبدو أكثر تعقيداً مما هي عليه في أحاديث المروجين له.

يغطي موضوع الأعشاب والأدوية مساحة كبيرة يختلط فيها العلم المجرد بالعلم المجتزأ والعلم المثبت بالتجريبي المتراكم، متأثراً بعوامل عديدة منها العلمي ومنها المادي المهيمن بسلطة المال على سلطة الإعلام والتسويق.

عمره من عمر البشرية، وإن بدأ تعاويذ وسحراً ورقصاً حول النار، وبرز في مختلف الحضارات كما سنرى لاحقاً، أستعر أدوية كيميائية في القرن الماضي، وسط جو من نهوض فلسفة التداوي بالأعشاب مرة أخرى.

من هنا، فإن التعاطي معه، لا بد أن يحمل أكبر كم من الدقة العلمية احتراماً لعقول الناس وحرصاً على صحتهم وحفاظاً على الصدقية، باعتماد لغة العلم التي لا تعرف إلا وجها واحداً للحقيقة.!

تاريخياً، ومنذ نشوء الحضارات القديمة كانت الأعشاب والنباتات هي المصدر الوحيد للتداوي… ومع مطلع القرن الميلادي الماضي وثورة المضادات الحيوية (Antibiotics) بقيادة البنسلين في الأربعينيات، وتحت وطأة الأمراض الوبائية والحادة منها والمستعصيه التي تتطلب علاجاً سريع الفاعلية، وهو ما عجزت نباتات وأعشاب تلك الأيام عن مواجهتها، واحتساباً لقدرة الأدوية الكيميائية الاستهلاكية الأسرع والأكبر، وبالتالي الأكثر ربحاً مادياً، دخلت هذه الأدوية على الخط. وسرعان ما احتلت المساحة الأكبر في سوق الدواء، مسجلة فاتورة عالمية هائلة (مئات المليارات من الدولارات)، وباتت تمثل أكثر من 90 في المئة من الأدوية، بينما تراجعت أدوية النباتات والأعشاب إلى 10 في المئة … (5 – 6 في المئة).

الأدوية المصنعة كيميائياً، مركبة من مكونات (ingredients) تنتج في مختبرات البحث العلمي، وعلى قاعدة علم الكيمياء (Chemistry) التي تبني معادلة التركيب (Formula)، وعلى أساسها يصنع الدواء الجنيسي (generic). وقد سجلت هذه الأدوية نجاحات علاجية كبيرة، لكنها فشلت في إلحاق الهزيمة بعالم الفيروسات والبكتيريا مثل بعض الأمراض المستعصية وفي مقدمها السرطان… كما جاء الكثير من نجاحها العلاجي على حساب صحة الإنسان نتيجة التراكمات السلبية والمضاعفات، وأخطرها التأثير على مناعة الجسد (immunity)، وعلى الرغم من ذلك، شكلت هذه الأدوية قلاعاً ضخمة من المصالح المادية، فنمت شركات عدة وصلت ميزانية بعضها إلى أكثر من ثلاثين بليون دولار … وهذا ما يلعب دوراً مهماً في تثبيت الهيمنة والتوجيه، بدءاً من مراكز البحث العلمي مروراً بالتصنيع وانتهاءً بالتسويق والتسعير… وفي الوقت ذاته، عدم السماح لدول العالم النامي بالتمكن من تصنيع أدوية عالية الجودة حفاظاً على سياسة الاحتكار، وهذا ما تسبب في ظهور شكلين من ردود الفعل:

الشكل الأول مسؤول، إذ عملت عدة دول على تطوير صناعتها الوطنية للدواء، وقد قطعت شوطاً جيداً في هذا الاتجاه، وفي مقدمتها بعض دول الخليج كالإمارات والسعودية، كذلك مصر والأردن وسورية… وبعض صناعات الدواء الخليجي حقق نجاحاً معترفاً به.

أما الشكل الثاني فقد كان تخريبياً قائماً على القرصنة والتزوير، وقد استطاعت مافيا التزوير العالمية أن تحصد 35 بليون دولار في العام 2003م، وهي تمتلك سفناً تجوب البحار متخصصة بتغيير شكل الدواء وتاريخ انتهاء صلاحيته كما معلبات الأغذية وغيرها.

صراع خطير المفاعيل، يدور في حلبة نظام عولمة لا يرحم، وفتح الأسواق أمام أشكال “الشطاره” كافة، فطالت المحرمات كل ما يدخل جسم الإنسان من أدوية مشبوهة ومزوَّرة إلى أغذيه متخمة بالكيمائيات والمواد المضافة والملوِّنة والحافظة إلخ… والنتيجة أن صحة الإنسان أصبحت حقلاً للتجارب والأرباح المادية…!

أمام هذا الواقع الاستهلاكي بامتياز، الضاغط بتقنياته المعقدة وفواتيره الباهظة، بدأت رياح الحنين إلى علاج أقل هجومية على جسم الإنسان وأكثر براءة وأبسط أسلوباً وإن كان أبطأ في فاعليته… فبدأت معالم استنهاض أسلوب التداوي بالأعشاب وسائر أشكال الطب البديل، وبدأ الاهتمام مجدداً بتفعيل مقاومة الجسد الذاتية من خلال التأكيد على أهمية علاقة العقل بالجسد…

طب الأعشاب (Herbal medicine):
تبديداً للضبابية المحيطة بعالم الأعشاب وأدويته ومحاولةً لتوضيح مقوماته، لا بد من التوقف أمام التصنيف الآتي:

– 
أدوية النباتات (Plant Medicine): حيث يستخدم المكون النباتي (ingredient) لتركيب الدواء، مثالاً على ذلك الـ Digoxin والـ Morphine. وكانت هذه الأدوية تُدرّس في جامعات أوروبا وأمريكا حتى أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات الميلادية ولها مميزاتها الجامعية، ثم انكفأت لتعود في التسعينيات في بعض الجامعات مثل (Harvard, Ohio, George town). وهذه الفئة تدخل ضمن تصنيف الأدوية، وتحتل كما ذكرنا 5 في المئة من نسبة الأدوية في العالم وتخضع لقوانين تصنيع الدواء تصنيعاً وتسجيلاً وتسويقاً.

– 
الأعشاب المركّزة (Concentrated): التي تباع في الصيدليات والمخازن الغذائية مثل الثوم والبابونج وغيرهما… وهي مركزة أضعافاً وأضعافاً. فحبة الثوم مثلاً مركزة بنسبة 10 و 20 ضعفاً ما يتضمنه فص من الثوم الطبيعي…! كذلك البابونج.

– 
الأعشاب الخام (Crude): وهي التي تباع في الدكاكين، والتي يجب أن تكون مرخصة من البلديات.

– 
المتممات الغذائية والفيتامينات، وهي نوعان:
– الطبيعي: من خلال المواد الغذائية.
– 
المصنَّع: الذي يصبح دواء (أدوية الفيتامينات).

والمتممات الغذائية والفيتامينات تحتل واجهة الصيدليات والمحال التجارية والسوبر ماركت بنموّ متزايد، إذ بلغت في لبنان مثلاً نحو 1300 صنف وهي غير خاضعة لقانون الأدوية.!

وننتهز الفرصة لنذكر بالمثل القائل “ومن الحب ما قتل”. فالبعض يروّج طب الأعشاب وكأنه المنقذ من كل الأمراض والبديل عن علم الدواء الكيميائي، وهذا غير صحيح ومؤذ لصدقيه طب الأعشاب كذلك. وللأسف فالعامل المادي يلعب دوراً خطيراً في الدعاية والإعلام والترويج، لا هم له سوى حصد ما أمكن من الأرباح المادية ولو على حساب صحة الناس. ولذلك فإن التداوي بالأعشاب يجب أن يكون “مُحتضناً” من قبل الدولة والمراكز المعنية بهذا الشأن، لا متروكاً للإعلام وتجارب الطب الشعبي و”الشطّار” ممن يعرفون من أين تؤكل الكتف! وما أكثرهم في هذا الزمن الرديء.

لمحة تاريخية
كان السومريون أول من وضع دستوراً للأدوية قبل 4000 سنة، إذ وضع أحد أطبائهم أول كتاب لم يأتِ على ذكر التعاويذ السحرية، بل ذكر الأدوية من الآس والحلتيت والزعتر والصفصاف والشوح والتين والنخيل والكافور والقنب الهندي… والبلادونا (السيدة الحسناء) التي استخدمت في معالجة الأرق والسعال والتشنجات والربو القصبي…

واهتم الصينيون أكثر من غيرهم بطب الأعشاب، ووضعوا أول كتاب في العالم حولها باسم “منهاج الأعشاب الطبية” في القرن الأول قبل الميلاد. وكان الإمبراطور شن-تونغ وضع “كتاب الحشائش العظيم” عام 2800 ق.م. وظهر الوخز بالإبر في القرن السادس ق.م.

أما الفراعنة فيكفيهم علم “التحنيط” منذ 3-4-5 آلاف سنة، والذي لعب علم النبات والأعشاب دوراً مهماً في تركيبته، للدلالة على المستوى العالمي الذي بلغوه في دراسة الأعشاب وأثرها في الجسد. وعرفت الهند أكثر من ألف صنف من الأعشاب كانت قيد التداول العلاجي، كذلك الآشوريون والبابليون والفرس والإغريق.

أما الطب العربي الذي بلغ ذروة تطوره في القرن الرابع بعد الهجرة مع الرازي والفارابي والكندي وابن سينا الذي ظلّ كتابه “القانون في الطب” مرجعاً وقاموساً للأطباء في أوروبا لأكثر من 800 سنة، فقد اهتم بطب الأعشاب، ولكن لم تصلنا من تلك الحقبة كتباً خاصة بهذا الشأن.

واليوم تعود الصحوة باتجاه طب الأعشاب وسط جدل كبير حول فاعليته، تلعب فيها قوى المصالح المادية دوراً كبيراً من وراء الستار. فقد تسارع تفريخ المراكز المعنية بطب الأعشاب في مختلف أنحاء العالم، وأخذت مواقعها على الإنترنت وامتلأت واجهات الصيدليات والمخازن الغذائية بآلاف الأنواع من الأعشاب والمتممات الغذائية… وسجّلت فاتورة طب الأعشاب ستين بليون دولار أميركي عام 2000م (حسب مصادر منظمة الصحة العالمية)، منها 5400 مليون دولار أمريكي في الولايات المتحدة فقط. وفي الوطن العربي ارتفعت نسبة الإقبال على التداوي بالأعشاب. ففي دول الخليج، التزمت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية 55 صنفاً مسجلاً في وزارتي الصحة في البلدين، وتخضع هذه الأصناف لرقابة وقوانين الوزارة. أما سائر الأصناف فتباع في المخازن والدكاكين. ومن بين كل دول العالم، تبقى الصين الأكثر استعمالاً لطب الأعشاب، حيث تُستهلك أدوية الأعشاب التقليدية والمصنعة بنسبة تتراوح ما بين 30 و 50 في المئة من مجمل الاستهلاك الدوائي…

ويبقى السؤال الأهم، هل طب الأعشاب مأمون الجانب بشكل عام، أم أن له إشكالاته ومضاعفاته أيضاً؟

نعم، لبعض الأعشاب فوائد طبية معروفة، كما أن لبعضها الآخر تأثيراً سلبياً لا سيَّما على الكبد والكلى وجهاز التنفس والدورة الدموية وغيرها. كما أن العديد من الأعشاب المركزة تتفاعل سلبياً مع العديد من الأدوية الكيميائية.

ولذلك، فالمطلوب هو إخضاع أدوية النباتات والأعشاب المركزَّة والفيتامينات والمتممات الغذائية لقوانين الدواء الكيميائي ورقابة وزارات الصحة، وإعادة تدريس مادة طب النباتات في كليات الطب، وبذل الجهد الكبير والمسؤول في حملات تثقيف وإرشاد علمي لا إعلامي تسويقي. إذ إن اعتماد طب الأعشاب مباشرة في الدكاكين والمخازن ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، ويحمل الكثير من المخاطر.

أما الطب الشعبي فهو لا يعرف من الطب إلا التجارب المتراكمة شعبياً وتجريبياً، وكم ارتكب باسمه من أخطاء وخطايا، غير ناكرين طبعاً لدوره في بعض الحالات المرضية التي يتولى فيها الجسد تصحيح وضعه بقدراته الذاتية. وكما قيل سابقاً في كل جسد طبيب يسكنه. أي أن الطب الشعبي هو أقرب إلى المثل العامي: “سيْسرة الأمور بما تيسر” اعتماداً على قدرات الجسد، فالولادة الطبيعية مثلاً، لا تحتاج إلى طب وطبيب، وكم من أمهات وضعن في الحقول…!

بعض الأصناف الأكثر تداولاً
هناك مئات وآلاف الأنواع من الأعشاب والمتممات الغذائية والفيتامينات المتداولة، وحرصاً منا على عدم تعقيد الموضوع نختار نماذج محددة من الأصناف الأكثر تداولاً:

Aloe Vera (الصّبار): “مليّن” في حالات الإمساك، كذلك يستعمل “الصمغ” المستخرج من أوراقه لمعالجة الحروق والجروح الخارجية (موضعياً). وقد يتسبب بحساسية جلدية.
Cascara Sagrada (الكسكارة): مليّن في حالات الإمساك المزمن. يستعمل بكثرة في الولايات المتحدة الأمريكية.
Chamomile (البابونج): للاستعمال الداخلي ضد أوجاع البطن، وعسر الهضم والنفخة والتقلصات الهضمية.
Echinacea (الأكيناسيا): يستعمل في تقوية مناعة الجسم بشكل عام، وفي الحؤول دون نزلات البرد والإنفلونزا ومعالجتها.
Eleuthero Siberian Ginseng: منشط للجسم عند التعب والإرهاق، ومساعد على العمل والتركيز. من مضاعفات سوء استعماله ارتفاع الضغط، الإسهال، التقيؤ، التوتر، الإحباط ، الأرق، وجع الرأس، والحساسية الجلدية.
Feverfew (الأقحوان): مسكّن للألم، ومؤثر نسبياً في تخفيف ألم الرأس النصفي (الشقيقة).
Garlic (الثوم): مخفض للضغط المرتفع ولمادتي الكوليسترول والدهنيات في الدم. كما هو معترف بدوره في حالات البرد والإنفلونزا.
Ginger (الزنجبيل): يعالج الغثيان، ودوخة السفر، والتقيؤ. يتسبب بجفاف الفم، ولا يستعمل في فترة الحمل.
Licorice (عرق سوس): من أكثر أدوية الأعشاب استعمالاً في العالم، خاصة في أوروبا والعالمين العربي والآسيوي… يستعمل لمعالجة تقرحات المعدة والإثني عشري، وضد السعال والربو. وله تأثير المنشط على الغدد. أما استعماله المزمن فله مضاعفات كوجع الرأس والإرهاق وارتفاع ضغط الدم.
Passion Flower (زهرة الآلام): لها خصائص المهدئات في حالات التوتر والأرق وغيرهما.
Peppermint (النعناع): يستعمل لعلاج عسر الهضم، وتشنجات الجهاز الهضمي، خاصة القولون.
Psyllium (نوع من البذور): مصدر مهم للألياف التي تستعمل في تليين الأمعاء وتحريك الفضلات في القولون.
Saw Palmetto (البلميط المنشاري): علاج شعبي للتضخم “الحميدي” للبروستاتا عند الرجل.
Senna (من فصيلة الأكاسيا): مليّن مأمون وفاعل، لكنه كما هو الحال في سائر الملينات المنبهة لوظيفة الأمعاء، قد تؤدي كثرة استعماله إلى “التعوّد” والاعتماد الدائم.
Valerian (الناردين): مهدئ فاعل ومساعد على النوم، كذلك في حالات القلق والأرق وتوتر الأعصاب … ليس له تأثير “التعود”، ولا المفاعيل الجانبية الأخرى.

وأخيراً، فإن الشعار الأساس الذي يجب أن يرعى هذا الموضوع الدقيق والحساس، هو “صحة الانسان فوق كل اعتبار” لحمايتها من الاعتبارات المادية وبراثن ثقافة السوق وشراستها…!

————————————————————————

البحث عن دواء في المكتبة!

من الأدوية المستعملة حالياً لمساعدة المصابين بمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، هناك دواء يحمل اسم (Prostration)، تم التوصل إليه اعتماداً على الطب الشعبي في جزر الساموا في المحيط الهادئ. وهذه الطريقة للتعرف على الأدوية أو اكتشافها تقوم على ما يعرف علمياً بالاثنوبوتاني (Ethnobotany) أو الطب الأثني (Ethnomedicine).

وبما أن معظم شعوب العالم كانت تدون معلوماتها عن النباتات واستعمالاتها، فقد دأب العديد من شركات الأدوية على إرسال فرق متخصصة إلى مواطن الشعوب البدائية والتعرف على طرق مواجهتها للأمراض بواسطة النباتات المحلية.

ومع تقدم علوم الكومبيوتر وعلوم المعلومات البيولوجية، انصبّ اهتمام عدد كبير من الباحثين على كتب الأعشاب التاريخية والكتب الطبية لترجمتها، ومن ثم إدخالها إلى قواعد المعلومات لتنسيق محتوياتها ومقارنتها بالمعلومات الحديثة بواسطة ما يعرف بـ “Naprabert”، وهي قواعد معلومات عالمية تحتوي على جدول لكل ما هو معروف عن الخصائص الكيميائية والدوائية للأعشاب.

ومن آخر المستجدات في مجال الطب الإثني هو قيام فريق من الباحثين من كلية مايو كلينيك بتحقيق كتاب قديم وضعه رحالة هولندي يُدعى رومفيوس في منتصف القرن السابع عشر بعنوان “Herbarium Amboisense” وطبع في عام 1720م.

وكان الرحّالة الهولندي قد ألّف كتابه هذا خلال إقامته في جزر المالاوي، التي كانت تُعاني من نقص في واردات الأدوية الأوروبية ومن فسادها خلال الشحن. فارتأى رومفيوس سد النقص بدراسة الطب المحلي.

ضمّن رومفيوس كتابه شروحات ورسومات لنحو 1300 نوع من النباتات واستعمالاتها العلاجية. ويقول رئيس فريق تحقيق هذا العمل الموسوعي إن دراسة الجزء الأول منه، أكدت أن من بين النباتات الاثنتين والأربعين التي يتضمنها، هناك 24 نبتة سبق للعلم الحديث أن عرف خصائصها العلاجية، و 9 أنواع من النباتات أثبتت جدواها في الطب الإثني، لكن الطب الحديث لم يتابعها، و 9 أنواع مجهولة تماماً في قواعد المعلومات الصيدلانية (Narpalat)، وتفتح بالتالي آفاقاً واسعة أمام استنباط أدوية جديدة تماماً.

وما يشجع على المزيد من الأبحاث في هذا المجال هو استمرار الاعتراف العالمي بوجود “قيمة طبية” للأعشاب. فقد كتبت مجلة “Trends in Pharmaceutical Sciences” أخيراً أن نصف أدوية السرطان تقريباً التي تم تطويرها منذ الستينيات تعتمد أساساً على مستخرجات من الأعشاب، إضافة إلى نحو مئة نوع من الأدوية الموجودة في الصيدليات.

وقد أدى النشاط الملحوظ في نشاط الطب الإثني، والإثنوبوتاني أخيراً إلى قيام جمعيات عالمية عديدة تعتبر أن هذا كله هو “عملية نهب لمعارف الشعوب البدائية”، وتناضل من أجل جعلها تحت قوانين عالمية تحمي تراث هذه الحضارات ومعارفها، إذ إنها لا تستطيع الدفاع عن مصالحها في هذا المجال، أسوة بشركات الأدوية متعددة الجنسيات التي تفرض شروطها على الجميع متحصنة بحقوق الملكية الفكرية.

ولكن ما تقدم لا يعني أن بإمكان أي كان أن يبحث عن دوائه في المكتبة. فالمكتبات التجارية تعرض اليوم المزيد والمزيد من كتب الطبابة بالأعشاب. والواقع أن القيمة الفعلية لهذه الكتب لا تتجاوز حدود التثقيف العام. وقد تتضاءل قيمتها إذا كانت خالية من الصور التوضيحية، خاصة أن أسماء الأعشاب تختلف من منطقة إلى أخرى (خاصة في البلاد العربية). كما أن اللجوء إلى هذه الكتب لتطبيب الذات أمرٌ لا يخلو من الخطر، خاصة إذا كانت العوارض المرضية جدية.

أضف تعليق

التعليقات