قصة مبتكر
قصة ابتكار
هادي لامار
الأوراق اللاصقة
ولدت هادي لامار في فيينا عام 1914م، وكانت تدعى هيدفيغ ماريا كيسلر. وبعدما درست التمثيل في أحد معاهد برلين، ظهر فيلمها السينمائي الأول عام 1933م، وحظي بنجاح عالمي حوّلها إلى نجمة مجتمع في فيينا، إذ صارت من أبرز المشاركين في استقبال زعماء العالم آنذاك ومن ضمنهم هتلر وموسوليني. وفي العام نفسه تزوجت هادي من فريتنر ماندال، أول أزواجها الستة. وكان ماندال هذا يعمل في صناعة قذائف المدفعية والقنابل اليدوية ومن ثم في صناعة الطائرات الحربية. ولا شك أن الزوجة اكتسبت من الحديث مع زوجها ثقافة مهمة في هذا المجال. في عام 1937م، طلّقت هادي زوجها وانتقلت إلى هوليوود، حيث أصبحت من أشهر الممثلات فيها إلى جانب إنغريد برغمان وكاترين هيبورن، بعدما قام لويس ماير (من شركة م. جي. م.) بتغيير اسمها الألماني إلى لامار. بعد ذلك بثلاث سنوات، وفيما كانت في أوج شهرتها السينمائية، تعرفت على شريكها في الابتكار جورج انثيل الذي كان موسيقياً ومخرجاً مسرحياً وكاتباً معروفاً في أمريكا وأوروبا. بدأ الحديث بين الاثنين بسؤال من هادي لامار عن "الغدد" لأنها كانت تنوي القيام بعملية تجميل، وتطور بسرعة إلى الحديث عن الأسلحة وصواريخ الطوربيدو التي تطلق من الغواصات. وهنا أخبرت لامار صديقها الجديد أنها تعتزم ترك هوليوود والانتقال إلى واشنطن لوضع إمكاناتها في تصرف "المجلس الوطني للمخترعين". وبسرعة وصل الحديث إلى إمكانية السيطرة على صواريخ الطوربيد وتوجيهها عن بعد. انصرف الاثنان على وضع تصور لجهاز التحكم هذا. لم تكن الفكرة جديدة تماماً. ولكن الجديد الذي أتت به لامار وصديقها هو استخدام الموجات الصوتية لأداء هذه المهمة. واتكلت لامار على خبرة صديقها في آلة البيانو لتصنيف 80 ذبذبة يمكن التحكم بها (وهو عدد مفاتيح البيانو). وفي العاشر من شهر يونيو 1941م، وضعت لامار وشريكها تصوراً لابتكارهما، وأرسلاه إلى المجلس الوطني للمخترعين، الذي يقول رئيسه إن من بين 625 ألف فكرة اختراع كانت هناك قلة قليلة قابلة للتطبيق، وكان ابتكار لامار وانثيل من بينها. فمُنحا براءة الاختراع في 11 أغسطس 1942م. ولكن رغم إلحاح لمار وانثيل، رفضت البحرية الأمريكية تصنيع الاختراع الجديد، لاعتقاد المسؤولين فيها أن تطبيقاته الميكانيكية ستكون كبيرة الحجم لا يمكن للطوربيدو أن يتسع لها. ولم تغير البحرية الأمريكية رأيها إلا في عام 1957م، عندما التقطت شركة "سيلفانيا الكترونيكس" المبادئ الأساسية لهذا الابتكار ، وصنعت أول أجهزة تحكم عن بعد بصواريخ الطوربيدو، وأدخلتها الخدمة الفعلية في حصار كوبا عام 1962م، بعد ثلاثة أشهر على انتهاء مدة براءة الاختراع الممنوحة للممثلة هادي لامار وصديقها الموسيقي جورج انثيل.
إنها من الأشياء الصغيرة التي تيسّر بعض الأعمال البسيطة، ومع ذلك احتاجها الكثيرون وفشل بعض كبار المخترعين في ابتكارها. إنها الأوراق اللاصقة. من الذين احتاجوا إلى الأوراق اللاصقة نذكر توماس أديسون الذي كان يلصق ورقتين على بعضهما بواسطة الغراء. ولكن الأمر لم يكن عملياً، ولا بالبساطة المطلوبة في ورقة ذات استخدام مؤقت يمكن لصقها أينما كان والتخلص منها بسهولة لاحقاً. في عام 1970م، اشتغل سبنسر سيلفر على صناعة صمغ قوي وعالي الجودة لحساب شركة "ثري أم" الأمريكية. ولكن أبحاثه انتهت إلى نتيجة معاكسة تماماً، إذ كانت المادة الصمغية التي صنعها ضعيفة جداً، ولا تكاد تلصق أي شيء. بعد ذلك الفشل بنحو أربع سنوات، كان أمريكي آخر يدعى آرثر فراي من شركة "ثري إم" نفسها يسعى إلى ابتكار طريقة تيسر عليه الإشارة إلى صفحات محددة من بعض الكتب، من دون أن تختلط عليه الأمور نتيجة تحرك الأوراق التي كان يستخدمها لهذه الغاية. فخطرت له فكرة إنتاج مادة لاصقة تعينه على تثبيت هذه الأوراق. ويقول في هذا الشأن: "لا أدري إذا كانت تلك خاطرة ساذجة أم وحياً عظيماً. ولكن ذهني سرح بعيداً.. وفجأة تذكرت مادة لاصقة تم اكتشافها منذ سنين مضت". استخدم فراي في تجربته الأولى الصمغ الذي كان قد صنعه سبنسر سيلفر. فهو ضعيف، ولا يمثل مشكلة عند نزع الورقة اللاصقة من مكانها. ثم عمل لمدة سنة ونصف السنة على تحسين نوعية الصمغ حتى لا يترك أي أثر على المكان الذي استعملت فيه الورقة اللاصقة. وفي نهاية المشوار، حمل ابتكاره إلى زملائه في الشركة الذين تأكدوا من جدوى الابتكار، وبقيت مسألة التسويق التي استبعد نجاحها كثيرون: "لأن الناس قد لا تقبل على شراء قصاصات ورقية صغيرة لتدوين الملاحظات والمذكرات، بينما الأوراق العادية متوافرة أينما كان بسعر زهيد". أصر فراي على طرح ابتكاره في الأسواق. الأمر الذي حصل فعلاً عام 1977م، عندما وزعت الشركة على سبيل التجربة "الأوراق اللاصقة للملاحظات" في أربع مدن أمريكية. فكانت المبيعات ضئيلة في مدينتين وعالية جداً في مدينتين. وبعد تقصي أسباب التفاوت في المبيعات، تبين أن المبيعات الكبيرة حصلت في المدينتين، حيث قام الموزعون بعرض عينات مجانية على الزبائن لإطلاعهم عليها. الأمر الذي يؤكد أن هذا الابتكار لم يكن يستجيب لحاجة خطيرة وملحة، بل هو واحد من الابتكارات التي تسهل بعض الأمور في حال توافرها، وسيقبل عليه الناس في حال وضعه في متناول أيديهم. واليوم تحقق الأوراق اللاصقة انتشاراً لم يتوقعه سبنسر سيلفر الذي أحبطته التجربة الأولى.. فهي تستعمل في المكاتب والمنازل والسيارات، ومراكز التموين. لا بل أصبح استعمالها مطلباً لدى الكثيرين بدءاً برجال الأعمال وانتهاء بطلاب المدارس الذين لا يعرفون شيئاً عمّا كابده سيلفر وفراي في هذا الابتكار المميز.