الحياة اليومية

إبراهيم بادي
المسرح أولاً.. وللظروف أحكام

  • 68

يقال اليوم إنه مسرحي شاب، ولكن من المرجح أن يقال في المستقبل إنه من رواد الفن المسرحي في المملكة لأنه كان صاحب أول عرض مسرحي سعودي يحصل على جائزة عالمية. إنه إبراهيم بادي, وهنا صورته الشخصية.

ولد إبراهيم بادي في المدينة المنورة عام 1980م، وتابع مراحل التعليم العام فيها، قبل أن ينتقل إلى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ليتابع تخصصاً بعيداً عن الأدب وفنونه: هندسة الحاسب الآلي. ولكن..

المدرسة تحرك ساكناً
منذ فتوة إبراهيم، كانت الحياة بين يديه مسرحاً مفتوحاً، يمارس فيه الجميع أدواراً لا يفسرها، لكنه يطالعها ببراءة وعفوية. يشهد على ذلك مسرحه المدرسي الذي كان حافزاً قوياً في سيرته، إذ قدم إبراهيم بادي، وكان لا يزال في المرحلة المتوسطة من دراسته، مسرحية “الطالب المجد والطالب الكسول” وهي من تأليفه وتمثيله أيضاً.

نالت تلك المسرحية استحسان إدارة التعليم في منطقة المدينة المنورة حتى أنها طلبت إليه التجوال بها لعرضها في العديد من المدارس. كما وافق مدير مدرسته على تأسيس فرقة مسرحية قدمت أربعة عروض، من بينها مسرحية “خف الجمل” التي حظيت بجائزة أفضل عرض كوميدي على مستوى المرحلة المتوسطة في المدينة المنورة عام 1415هـ.

ومنذ ذلك الحين، أصبح المسرح اهتماماً راسخاً في حياة إبراهيم بادي. ففي المرحلة الثانوية واصل نشاطه المسرحي من خلال تقديم العديد من العروض، أبرزها مسرحية “العمدة” التي أعدها ونفذها بنفسه.

أما دراسته الجامعية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، فقد شهدت تلازماً بين تخصصه العلمي من جهة، وتعمقاً في دراسة المسرح تَمثَّل في قراءة المناهج والكتب المسرحية، مما شكل نقطة تحول في فهم النصوص وطريقة كتابتها، وكيفية بناء وحدة مسرحية متكاملة تخاطب العقل والوجدان، وتضفي طابعاً إنسانياً على العرض المسرحي.

وباطلاعه على الثقافة المسرحية الغربية والعربية، تمكن إبراهيم من صقل موهبته، والاتجاه بقدراته المتحفزة إلى الكتابة والتحليل، وتدوير قناعاته ومرئياته، فكانت مسرحية “فندق الأشباح” أول مسرحية يخرجها بالتعاون مع زملائه في نادي المسرح في الجامعة.

“ابن الصمت”
وأول جائزة عالمية
أما مسرحية “ابن الصمت” فكانت أهم محطة في حياته الفنية والثقافية، وعنها يقول: “إنها ترتكز على ويلات الحروب والسلام من خلال قصة (ابن الصمت) الذي يفقد عائلته، ويقع بين ضمير الانتقام الذي يحرضه باستمرار وضمير السلام الذي يحاول جذبه بعيداً عن نار الانتقام. فهذه المسرحية تلعب على البعد النفسي، وترتكز على التحليل أكثر من الوصف، وتحاول تشكيل طقس تعبيري حاد ومختلف، يرتكز نوعاً ما على الترميز في معظم الأحيان، إضافة إلى أداء الممثل وترابط عناصر السينوغرافيا..”.

نالت هذه المسرحية جائزة أفضل نص مبتكر في مهرجان المسرح الجامعي الدولي بالموناستير في تونس، حيث مثلت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. وهي أول جائزة عالمية في تاريخ المسرح السعودي. كما تم ترشيحها لجائزة أفضل إخراج في المهرجان نفسه. أما في مسابقة المفتاحة في أبها، فقد حظيت المسرحية نفسها بجائزة أفضل عرض متكامل، ونال إبراهيم بادي جائزة أفضل ممثل، إضافة إلى ترشيحها لجائزتي الإخراج والنص. وعرضت هذه المسرحية أيضاً في مهرجان الجنادرية المسرحي، وفي مهرجان المسرح الجامعي في الجامعة الأمريكية في بيروت، فكانت أول مسرحية سعودية تقدم في لبنان. وكانت المشاركة على نفقة إبراهيم الخاصة من دون أي دعم من أية جهة.

واليوم يستمر إبراهيم بادي ناشطاً ومتابعاً لحركة المسرح العربي. يقول إنه استفاد كثيراً من حضوره لمهرجان المسرح الجامعي لدول مجلس التعاون الخليجي ومهرجان الموناستير في تونس ومهرجان القاهرة التجريبي. ويضيف: “إننا لا نزال في حاجة إلى الكثير حتى نصل إلى النضوج المسرحي. وأعني بالكثير فترة قد تمتد لعقود من الزمن”. لذا، فهو يتابع مشواره الذي بدأ للتو باحثاً عمّا يوطد علاقته بالمسرح. “لكل تجربة ما يميزها. وقد أنقض كل قناعاتي المسرحية بين يوم وليلة في حال اكتشفت في غيرها ما يقنعني”. والاعتماد في البحث على متابعة الاطلاع على حركة المسرح العالمي، لأن المسرح السعودي والعربي عموماً لا يزال طري العود.

من المسرح إلى الصحافة
يعبر إبراهيم عن رؤيته للمسرح بالقول إنه “ينتج شعباً واعياً ومثقفاً إذا كانت هناك أطروحات مسرحية تساعد على النهوض بالحركة الثقافية والفكرية. وقد يكون في استعمالي لكلمة شعب بعض المبالغة. ولكن تجربتي الشخصية تؤكد أنني وزملائي ممن بدأوا يهتمون بالثقافة والمعرفة، ليس على صعيد المسرح فقط، بل على جميع الصعد، ندين بهذا التحول إلى المسرح”.

ورغم هذا الالتصاق الشديد بالمسرح، فإن إبراهيم بادي لا يفكر في الاحتراف. لماذا؟ يجيب بنظرة لا تخلو من الحذر أو التشاؤم: “إن حال المسرح واحد في كل الدول العربية. وخريجو كليات ومعاهد الفنون الجميلة يملأون المطاعم والمقاهي، ولا يجدون ما يستحق الذكر من أعمال أو وظائف في تخصصاتهم”.

بهذه الكلمات يضع إبراهيم بادي إصبعه على جراح عدد لا يُحصى من المبدعين وأصحاب المواهب الفنية الأصيلة في البلاد العربية، الذين تضطرهم مستلزمات الحياة إلى تكييف اهتمامهم الفني والثقافي مع وظائف مختلفة تؤمن متطلبات الحياة اليومية. وإن كان بعض هؤلاء ينصرف بنسب متفاوتة إلى أعمال لا تمت بصلة إلى محور إبداعه وموهبته، فإن حال إبراهيم تبقى أفضل، إذ اتجه بنظره واهتمامه أخيراً إلى حقل مختلف عن المسرح، لكنه لا يبعد كثيراً عنه طالما أنه يبقيه في عالم الكتابه: الصحافة.

فقد تابع إبراهيم بادي الدورة التدريبية التي نظمتها جريدة “الحياة”، وكانت موجهة إلى طلاب السنة الأخيرة في الجامعات العربية. وتابع هذه الدورة إلى جانب مائتي طالب آخر. وفي نهايتها، انضم إلى أسرة “الحياة”، متابعاً في الوقت نفسه عمله في قسم العلاقات العامة والإعلام في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، حيث يواصل نشاطه أيضاً مع نادي المسرح في الجامعة.. المسرح الذي لا يستطيع الابتعاد عنه كثيراً.

أضف تعليق

التعليقات