بدأ الأمر قبل نحو خمسة قرون ترفاً تزيينياً في حدائق قصر “فولوفيكونت” في فرنسا، إذ زرعت الأشجار وقُلِّمت أغصانها بحيث صارت تبدو كالكرة أو الهرم أو المكعب.. ومن هناك انتقل هذا “الفن” إلى قصر فرساي عند توسعته وهندسة حدائقه في عصر الملك لويس الرابع عشر.
كان للأمر ما يبرره هناك. إذ كانت الحدائق الشاسعة أشبه بسجادة يمكن التطلع إليها من النوافذ العالية في القصور الشاهقة. ولكن ما هو المبرر في تفشي هذا النمط من التعاطي مع الأشجار أينما كان في مدن العالم، وصولاً إلى تلك المفروشة على أرصفة الشوارع في مدننا العربية؟
أشجار قزمة، أو مقزَّمة، أو قل ليس فيها من الأشجار شيء غير اللون. مكعب، هرم، قمع، كرة.. كتلة خضراء تعلو جذعاً يبدو أشبه بعامود من البلاستيك.. وكأن هناك ثأراً ما بين المسؤولين عن هذه الأشجار والغصن، إذ كلما نما واحدٌ مخرباً هذا الشكل الهندسي هاجمه عمال البلدية بمقصاتهم الرهيبة فتعود الشجرة مرسومة بالمسطرة.. إنه واحد من نماذج إعجابنا عشوائياً بكل ما هو عند غيرنا. فنستورد ما فعله في وقت محدد ولغاية معينة، لنطبقه عندنا من دون أي تفكير في حاجاتنا وذوقنا وما إذا كان مفيداً أو ملائماً أم لا.
لا ثمر.. الأمر ليس مشكلة، فللأشجار غير المثمرة فوائدها أيضاً. ولكن أن تصبح هذه الأشجار من دون غصن يحط عليه الطير، ولا ظلّ يقينا حر الشمس.. فما الفائدة منها؟ لماذا لا يتم استبدالها بأشجار صناعية من البلاستيك فيوفرون استهلاكها للمياه، ويريحون العمال من مشقة إعدام “الأغصان المشوّهة لجمالها”؟
الهواء النظيف والأوكسجين؟ نعم. ولكن في هذه الحال، فإن قطع الأغصان يقلل عطاء الشجرة من الهواء النظيف والأوكسجين.
الشجرة حلوة بأغصانها، وآلاف الشعراء العرب الذين تغنوا بالغصن وشبهوا المرأة الجميلة به يشهدون على صحة هذا القول.
والشجرة عزيزة بأغصانها، وآلاف الطيور تشهد على صحة هذا القول.
والشجرة نعمة بظل أغصانها، وآلاف الباحثين عن الظل لاتقاء حرارة الشمس في بلادنا يشهدون على ذلك..
فرأفة بالشجرة، والطير والشاعر والعين اتركوا الأغصان تنمو على هذه الأشجار. ورأفة بالنفس المشتاقة إلى الظل اتركوا هذه الأشجار تنشر ظلها..
فالرأفة بالشجرة وبأغصانها صارت من الرأفة بنا.