هل يمكن أن تتحدث (أو تكتب) عن كتب لم تقرأها من قبل؟ من المرجح أن يسارع معظم القرَّاء إلى الإجابة بالنفي، غير أن بيير بيارد، أستاذ الأدب الفرنسي في جامعة باريس الثامنة، والمحلل النفسي لديه وجهة نظر أخرى قد تبدو صادمة للبعض، خصوصاً حين نأخذ بالاعتبار وظيفته التي تحتم عليه قراءة عدد كبير من الكتب، أو هكذا نفترض. وسيكون من السهل التعرف إلى وجهة النظر تلك من مجرد قراءة عنوان كتابه الذي يبين فيه نظريته وهو «كيف تتحدث عن كتب لم تقرأها من قبل» الذي نشره باللغة الفرنسية سنة 2007م وتمت ترجمته إلى العديد من اللغات، وأصبح من أكثر الكتب مبيعاً في أكثر من بلد أوروبي، بما فيها فرنسا بالطبع.
يتحدث بيارد عما يسميه «اللاقراءة»، وهو مفهوم يقر بصعوبة توضيح ما يقصد منه على وجه التحديد، ويؤكد في نفس الوقت على ضرورة التمييز ما بينه وبين الامتناع عن القراءة بشكل مطلق. كما يشير إلى أن «القراءة» نفسها ليست بالمصطلح الذي يمكن معرفة المقصود منه بدقة لأنه يحيل إلى عدد من النشاط والمعاني المختلفة.
ويقسم بيارد اللاقراءة ضمن أربعة أصناف من الكتب هي: الكتب التي ليست لديك معرفة بها، والكتب التي تصفحتها والكتب التي سمعت عنها والكتب التي نسيتها. في القسم الأول من الكتاب يشرح المؤلف كيف أن القارئ أو اللاقارئ بالأحرى، يمكنه أن يتحدث عن كل صنف من أصناف الكتب الأربعة هذه، ويستعين لتعزيز رأيه ودعم حجته باقتباسات مطولة أحياناً من كتب معروفة أو شبه مغمورة أحياناً، وكذلك بشخصيات أدبية مشهورة مثل مونتين الذي طالما شكا من ضعف ذاكرته، وبول فاليري الذي يقول إن مجرد تصفحك لكتاب ما يكفي ليمكنك من الكتابة أو الحديث عنه، وأوسكار وايلد الذي يقول إن المدة المثلى لقراءة كتاب ما هي عشر دقائق، وأنك إذا ما تجاوزت ذلك فستجازف بنسيان أن قراءتك لذلك الكتاب ليست
سوى «ذريعة لكتابة سيرتك الذاتية».
على وجه العموم فإن الكتاب لا يخلو من الطرافة والعمق واستقصاء الفكرة في آنٍ معاً. ومما لا ريب فيه أن المؤلف الذي تطرق بشجاعة لهذا «الموضوع المحرم» كما يسميه، لم يكتب هذا الكتاب لينفِّر القراء الجادين من القراءة ويصرفهم عنها إلى ما سواها، ولكنه أراد أن يتطرق وأن ينظر لموضوع موجود فعلاً، وإن لم يشأ أحد الاعتراف أو الإقرار به، خصوصاً ممن يدخلون في دائرة المثقفين والأدباء الذين لا يريدون ولا يحبون أن يوصموا بجهل ما يفترض فيهم معرفته والإلمام به.
ومن البديهي القول إن الكم الهائل من الكتب التي أنتجتها الثقافات البشرية على اختلافها، والتي ما زالت تنتجها دون توقف يجعل من المستحيل على القارئ مهما كانت درجة نهمه المعرفي وشغفه الوجداني بالكتب أن يتابعها ويستقصيها كلها، أو حتى شريحة كبيرة منها، خصوصاً في ظل ما نتمتع به في عصرنا الحاضر من وسائل ترفيه وتسلية تستهللك قدراً كبيرأ من أوقاتنا.
غير أن ما يؤخذ على هذا الكتاب هو أنه يتحدث عن «الحديث عن الكتب» باعتباره الهدف الأول والأخير من القراءة، وكأن القارئ لا يقرأ كتاباً ما إلا بغرض الحديث أو الكتابة عنه، وهذا ليس صحيحاً على إطلاقه، فالكثير من القرَّاء -وأنا واحد منهم- يُقبلون على القراءة لمحض المتعة التي تهبها لهم.