بيئة وعلوم

حكاية «المانسون»

مع الرز الهندي وتمر القصيم ورطوبة الدمام

  • 32_21
  • 600px-TC_Gonu_05_June_07_0635Z
  • 761px-Tropical_Cyclone_1B_(2002)
  • Form 1
  • form3
  • Form5
  • form6
  • Form8
  • Form9
  • form10
  • phet_tmo_2010153_lrg

هل يصدِّق أحد أن ثمة علاقة بين «الرز الهندي» و«رطوبة الدمام» و«تمر القصيم»؟ ربما يكون هذا الكلام ضرباً من ضروب الخيال والمبالغات، ويدفع إلى التساؤل ما الفرق بين عنوان هذا التقرير والعناوين الرنانة لأخبار الصحف الاعتيادية؟ د. يوسف العوهلي يرى أن بينها قاسماً مشتركاً، ويتمثل في المانسون الهندي، أو الرياح والأمطار الموسمية الهندية.

يعتقد كثير من سكان المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، أن النسبة العالية من الرطوبة التي تتعرض لها المنطقة في أشهر يوليو وأغسطس وسبتمبر من كل سنة، سببها تبخُّر المياه من الخليج العربي، لكن الخليج العربي بريء من هذه التهمة، ولا علاقة له بهذه الرطوبة.

فمن ظواهر الطقس الأكثر إثارة على الكرة الأرضية، نشوء الرياح الموسمية الهندية السنوية بسبب ارتفاع حرارة الهواء الربيعي بصورة سريعة في شبه القارة الهندية، وبصورة أبطأ في المحيط الهندي. ونتيجة لذلك، تتجه الرياح الجنوبية – الغربية المشبعة بالرطوبة، نحو اليابسة قرب سريلانكا حيث يبدأ بعض الهواء المحمّل بالرطوبة بالاتجاه نحو الشمال عبر جنوب الهند وغربها، في حين يتجه بعضه الآخر نحو الشرق في اتجاه خليج البنغال.

و تسمى الرياح الموسمية الاستوائية التي تنشأ في المحيط الهندي والبحر العربي بـ «المانسون الهندي». وكلمة Monsoon «مانسون» عربية الأصل ومشتقة من كلمة «موسم»، وهي تعبّر عن الرياح والأمطار الموسمية الهندية الجارفة التي تقلب مناخ شبه القارة الهندية رأساً على عقب خلال أشهر الصيف (يوليو وأغسطس وسبتمبر).

وتبدأ رحلة تيارات الرياح الموسمية (شكل رقم 1) 1 ضعيفة من جنوب شرقي المحيط الهندي بحلول شهر أبريل من كل سنة، مروراً ببحر العرب حيث تكتسب زخماً من الرطوبة. ثم تتجه هذه الرياح المحملة بالسحب، إلى شرق إفريقيا وبحر العرب، فالجزيرة العربية حيث تؤثر المنخفضات الجوية فيها وتهطل أمطار مصحوبة بعواصف رعدية قوية وأحياناً بالبرد، على غرب المملكة ووسطها وشرقها، خلال شهر أبريل.

الأعاصير المدارية في بحر العرب
وخلال هذه الفترة قد يتطور الوضع شمال بحر العرب، لتتشكل أعاصير قويّة. وحسب الإحصاءات المتوافرة2، فإن الأعاصير القويّة تصل الى خليج عمان مرة كل 4 سنوات، مصحوبة برياح شديدة وأمطار غزيرة. وخلال 100 عام (بين عامي 1891 و1990م) ضرب السواحل العمانية 17 إعصاراً مدارياً 3، ثمانية منها خلال شهر مايو. وحسب هذا المصدر، فإن أعلى كمية أمطار سجلت خلال 12 ساعة كانت عام 1966م وتجاوزت 178 ملم في منطقة ظفار.

وخلال الأعوام العشرة السابقة، ضربت ثلاثة أعاصير مدارية قويّة سلطنة عمان مخلّفة دماراً كبيراً. وتوضح صورة أقمار صناعية لإعصار أُعطي اسم «أرب 01» (الشكلان الرقم 2 والرقم 3) ضرب سلطنة عمان والربع الخالي في شهر مايو عام 2002 4 & 5. وحسب المصدر الرقم 4، بلغت كميات الأمطار التي هطلت على إثر هذا الإعصار على مدينة قيرون 251 ملم، وعلى مدينة صلالة 58 ملم، خلال 24 ساعة فقط.

وفي يونيو عام 2007م ضرب الإعصار المداري المدمّر «جونو» السواحل العمانية (شكل رقم 4) 6، وامتد تأثيره إلى الشواطئ الداخلية للخليج العربي فارتفعت الأمواج حتى وصلت إلى سواحل المنطقة الشرقية للمملكة وزاد مستوى مياه البحر إلى درجة غير اعتيادية. وتجاوزت سرعة الرياح في هذا الإعصار المدمر عند وصوله إلى شواطئ سلطنة عمان، 175 كم/ساعة 7، وكان ارتفاع الأمواج أكثر من 12 متراً. وبلغت كمية الأمطار التي صاحبت هذا الإعصار 600 ملم 8. وحسب هذه المصادر، تُعد هذه الكمية قياسية لمنطقة الخليج العربي.

وفي 5 يونيو من عام 2010م ضرب الإعصار المداري المدمر «فيت» شواطئ سلطنة عمان (الشكلين رقم 5 & 6)9، مصحوباً برياح وصلت سرعتها الى 180 كم/ساعة وأمطار غزيرة بلغت في بعض المناطق أكثر من 400 ملم10.

الخليج العربي والرطوبة في شرق المملكة
يمتد الخليج العربي من شط العرب شمالاً، إلى مضيق هرمز جنوباً بطول 1000 كلم تقريباً. ويبلغ معدّل عرضه 240 كلم، لكنه يضيق إلى 129 كلم عند الإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى أن مياهه ضحلة ويتفاوت عمقه بين 20 و60 متراً فقط، في حين يبلغ أقصى عمق فيه 100 متر قرب مضيق هرمز.

ويتضح من الشكل الرقم 1، أنه خلال أشهر الصيف تسيطر رياح المانسون الهندي على أجزاء كبيرة من منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية، امتداداً من الساحل الإيراني للخليج العربي حتى البحر الأحمر. إلا أن هذا التأثير يتلاشى تدريجياً كلما اتجهنا شمالاً إذا كان فصل المانسون ضعيفاً إذ يفقد هذا التأثير قوته في شمال الخليج العربي.

«الكوز» و«المانسون»
ويقسم هذا التأثير إلى قسمين:
أولاً: تأثير الرطوبة العالية نسبياً على سواحل الخليج العربي، سواءً السواحل الإيرانية أو العربية، حيث تبدأ بالارتفاع تدريجياً بدءاً من أوائل يوليو من كل عام (حسب قوة المانسون)، وصولاً إلى شهر أغسطس حين تبلغ ذروتها. وتتزامن هذه الرطوبة العالية مع قوة المانسون، وقد تزيد نسبتها على 80 % في بعض المدن الساحلية (سواءً الإيرانية أو العربية).

وتتجه رياح المانسون القوية المشبعة بالمياه من المحيط الهندي وبحر العرب شمالاً 11، وتسمى هذه الرياح محلياً بـ «الكوز» 12 (وقد تكون هذه الكلمة المحلية مستنبطة من كلمة cost الإنجليزية والتي تعني ساحل).

و«الكوز» رياح شرقية إلى جنوبية شرقية، تتغذى من رياح المانسون، وتمتد لتغطي السهول المنخفضة المحاذية لجبال زاغرو الإيرانية الشاهقة (والتي تمتد على طول ساحل الخليج العربي بارتفاع 4000 م)، وكذلك السواحل العربية للخليج العربي حتى الكويت. ولكن عندما تكون قوة رياح المانسون ضعيفة يتلاشى تأثير «الكوز» كلما اتجهنا شمالاً.

لكن هناك خبراء، بينهم متخصصون في مناخ الخليج، يقولون إن الرطوبة النسبية التي تهيمن على الخليج العربي خلال أشهر الصيف مصدرها الخليج العربي نفسه بسبب بخار الماء الناتج عن درجة حرارة المياه العالية. وخلال بحثي لم أجد دراسات تدعم هذا الاعتقاد، الذي يخالف المصدرين رقم 11 و12.

ثانياً: تأثير على حرارة المناطق الداخلية للجزيرة العربية، التي تتعرَّض لرياح الشمال طوال فترة الصيف وتنشط في شهري يونيو ويوليو من كل سنة. إلا أن هذا التأثير يمتد إلى شهر أغسطس أيضاً، ولكن برياح خفيفة. وتتأثر هذه الرياح الشمالية برياح المانسون ذات الضغط المنخفض على جنوب جبال زاغرو الإيرانية (على ساحل الخليج العربي)13. ويوضح الشكل رقم 7 (المصدر رقم 13) كيف تتأثر الرياح الشمالية على الجزيرة العربية ذات الضغط المرتفع بدوران عقارب الساعة، بينما تدور رياح المانسون على الجبال الإيرانية باتجاه معاكس لعقارب الساعة. هذا الاختلاف في اتجاه دوران الرياح مع الارتفاع في درجات الحرارة، عادة ما يسبب زوابع ترابية كثيفة تنشأ في شمال الجزيرة العربية وجنوب العراق، وتمتد حتى الخليج العربي.

رحلة أمطار شبه القارة الهندية 14
تدفع تيارات الهواء الرطب (الأسهم البيضاء اللون في الشكل رقم 8 – المصدر رقم 14) الآتية من المحيط الهندي، الرياح الموسمية السنوية التي تحدث صيفاً في الهند (رياح المانسون). وعندما تتحرك الكتل الهوائية إلى منطقة أبعد نحو الشرق وتمرّ فوق خليج البنغال، فإنها تتشبّع برطوبة إضافية مسبّبة تشكيل منخفضات جوية مدارية. ولعدم قدرتها على تسلق جبال الهيمالايا (ارتفاعها 8000 م – 9000 م)، فإن العواصف تمطر بعنف في هذه الأماكن بكميات تساوي كميات أمطار سنة كاملة في غابات الأمازون المطيرة (مصدر رقم 14).

وتتشبّع كتلة الهواء المتجهة نحو الشرق برطوبة إضافية من خليج البنغال، مشجعة بذلك تشكيل سلسلة من المنخفضات الجوية، بدءاً من الشاطئ الشمالي الشرقي لشبه القارة الهندية. وهذه العواصف، المنجذبة بضغط جوي منخفض متشكل في شمال الهند على طول الحافات الجنوبية للجبال، تجري شمالاً عبر بنغلادش والهند، لتضرب في النهاية جبال الهيمالايا.

وبعد ذلك تنحرف العواصف نحو الغرب مؤدية إلى فصلٍ من الأمطار الموسمية، الذي يبدأ في أوائل شهر يونيو في شمال شرقي الهند وبنغلادش، وفي منتصفه في نيبال، وفي أواخره في غرب الهند. وتستمر خلايا محملة بهواء رطب، في محاولة يائسة لكسر جدار جبال الهيمالايا. لكن كلّما ارتفع الهواء في هذه الخلايا تتكاثف الرطوبة ما يؤدي إلى أمطار غزيرة تتسبب بفيضانات جارفة في أنهر الهند وباكستان.

ويوضح الشكل الرقم 9 15 كميات من السحب الممطرة التي تغطي شبه القارة الهندية بصفة يومية خلال فصل المانسون، ويلاحظ أن هذه السحب ممتدة على طول سلطنة عمان وجنوب المملكة.

وتقيس محطات الأرصاد الجوية في جبال الهيمالايا، أمتاراً من الأمطار المتساقطة في كل فصل من فصول الرياح الموسمية (التي يمكن أن يتجاوز مجموعها السنوي أمطار غابات الأمازون) على تلال جبال الهيمالايا التي يبلغ ارتفاعها ما بين 1000 و3500 متر، بينما تقل الأمطار فوق قممها (9000 م) وهضبة التيبت. وهكذا يكون التباين المناخي عبر الهيمالايا في حده الأقصى. ففي بعض المناطق يمكن أن يمر المسافر، في مسافة أقل من 200 كم، من غابات مدارية عبر جبال وعرة ثم إلى صحارى المرتفعات العالية. (الشكل رقم 10).

ونظراً إلى قوة المانسون لعام 2010م، نرى فيضانات جارفة قتلت وشردت الملايين في الباكستان. وكذلك تعرضت سواحل الخليج العربي لرطوبة عالية جداً خلال صيف ذاك العام تجاوزت نسبة 80 % في بعض المناطق. وظهر تأثر الجزيرة العربية واضحاً بالمانسون الهندي العام الماضي، بارتفاع درجات الحرارة على المناطق الداخلية للمملكة، وحتى الشمالية منها. وسجلت منطقتا الجوف والحدود الشمالية درجات حرارة عالية جداً خلال شهر أغسطس من هذا العام وصلت إلى 48 درجة مئوية.

ومثلما يعتمد نضوج التمر في الجزيرة العربية على درجات الحرارة المرتفعة، تعتمد زراعة الرز في الهند والباكستان اعتماداً كاملاً على هطول أمطار المانسون السنوية الغزيرة، وهذا هو العامل المشترك بينهما أما الدمام فنصيبها نسبة عالية من الرطوبة… ومصائب قوم عند قوم فوائد.

1 The speleothem record of climate change in Saudi Arabia.
هيئة المساحة الجيولوجية السعودية –تقرير عام 2004
2 The Persian Gulf Region, A Climatological Study. US Navy 1990
3 Flood Control Project in Salalah, Oman, By Ahmed Majid Al-Hakmani
4 http://www.mekshat.com
5 en.wikipedia.org/wiki/2002_Oman_cyclone
6 http://www.ar.wikipedia.org/wiki
7 http://www.news.bbc.co.uk/hi/arabic
8 http://www.aljazeera.net/news
9 http://earthobservatory.nasa.gov
10 http://www.arabic.cnn.com
11 http://www.arabtimesonline.com/NewsDetails/tabid/96/smid/414/ArticleID/156764/reftab/36/t/After-humid-
12 agony-hot-spell-to-return/Default.aspx
13 Meteorology of The Persian Gulf and of Several Airport On the Arabian Cost, by 1 Georges Marcal, for Air France 1980
14 Understanding Meteorology in the UAE, by Andy Best 1987
15 مجلة «العلوم» عدد نوفمبر- ديسمبر 2006
16 http://www.accuweather.com

أضف تعليق

التعليقات