حياتنا اليوم

أصل الداء وقهره رأس الدواء..

التوتر النفسي..

  • Troubled man
  • Inhibiting hands
  • Sore throat,  side x-ray, Hank Grebe, (b.20th C./American), Computer graphics
  • X-ray view of a man grabbing his head in pain
  • AE_42-15358439
  • Woman Looking Through Pane of Glass
  • AE_42-19693483
  • Shadowy man behind glass

في عالمنا المعاصر، وفي حياة مفعمة بصور شتى من الانفعالات والقلق والضغط النفسي، تماماً كما هو الواقع الذي يحياه كثيرون، تبدو أهمية الكشف عما تخلّفه هذه الصور من آثار مدمرة في صحة الجسم الإنساني الذي يدفع ثمن ذلك غالياً، في قائمة طويلة من الأمراض والتبعات.
في هذا المقال، يضعنا د. حذيفة أحمد الخراط أمام حقائق أثبتـتْها تقارير العلم الحديث، وتؤكد وجود رابط وثيق، يعكس تفاعلات خفية ذات أبعاد صحية خطرة، تدور رحاها بين أغوار العقل الباطن ومسار النفـْس من جهة، وأجهزة الجسم الحيوية من جهة أخرى.

يوماً بعد يوم، يزداد النشاط العلميّ في التنقيب عن أسرار جسم الإنسان. ويبذل المهتمون في هذا المجال، كثيراً من الجهود لكشف النقاب عن أسرار الجسم ذي الصنع البديع، وما فيه من الدقة والإتقان من الآيات الكثيرة، التي يصعب إحصاؤها أو حصرها.
ومن الحقائق التي غدت ثوابتَ، أنّ جسم الإنسان ليس كتلة مادية تمثـّل جسداً فحسب، بل ثمة نفـْس تتـّحد به. وينشأ عن هذا الاتحاد، نسيج تنصهر خلاله النفـْس بالجسد في بوتقة واحدة. وبات من المسلـّمات، أن يؤثر كلّ من هذين العاملين في شقه الآخر. ونشأ نتيجة ذلك لدى العلماء، يقين بأنّ للنفـْس أمراضاً تماماً كما للجسد، وأنّ انعكاسات خطرة تظهر لاحقاً في الجسد نتيجة للارتباط الوثيق والوحدة التي لا تنفك، بين النفـْس من جهة، والجسد الإنساني من الجهة الأخرى. وعندما عُرف ما للتوتر النفـْسي من تأثير في صحة الجسد، صبّ العلماء جلّ اهتمامهم في التحري عن أسراره، وكيفية استجابته للعوامل التي تختبئ خلف ستار التوتر ومساربه المؤرقة.

وكشف الطب الحديث عن جانب كبير من تلك التفاعلات الدقيقة التي تدور بين الجسم من جهة والعقل الباطن (أو النفـْس) من جهة مقابلة، وعن دور الضغوط النفـْسية في إيجاد بيئة سلبية تتأثر فيها خلايا الجسم وأجهزته المختلفة. ونتيجة لذلك، ظهرتْ لدينا قائمة طويلة ممـّا يعرف بالأمراض النفسجدية Psychosomatic disorders، التي تعرّفها كتب طب النفس، بأنها مجموعة من الاضطرابات تظهر أعراضها المرضية في جسم الإنسان، وتنشأ عن عوامل نفسية مختلفة.

وكلّ منا خبر التوتر النفسي في أوقات كثيرة ومحطات عديدة في حياته، إذ ثمة في هذه الحياة من المصادر التي تدعونا إلى ذلك الشيء الكثير. فكلنا يدرك شعوراً كهذا، قبل الامتحان، وحين ترقب النتائج، وأثناء ساعات العمل، وقيادة السيارة في شوارع مزدحمة، وفي غيرها من الظروف. وكثيراً ما نقف حائرين مكتوفي الأيدي إزاء ما نواجهه، وتعذبنا لحظات الانتظار التي تغلفها سحب من الحيرة والترقب.

الاستقرار الداخلي في بيئة الجسم
تخضع بيئة الجسم الداخلية، إلى نظام فسيولوجي دقيق ينتظم خلاله عمل أجهزة الجسم، وفق نسق وتناغم بديعين. ويحمل الجهاز العصبي بأجزائه المختلفة، النصيب الأوفر من تلك المسؤولية. وما يهمنا من أجزاء الدماغ الأمامية، ما يعرف بالوطاء hypothalamus الذي يقع أعلى الغدة النخامية، ويحوي كثيراً من المراكز العصبية التي تضبط أنشطة الجسم المختلفة. وهو أيضاً مستودع لأسرار النفـْس البشرية، وعوامل التفكير والانفعالات والسلوك والإدراك.
وثمة أيضاً جهاز عصبي غير إرادي Autonomic nervous system، يتحكم في نشاط كثير من أجهزة الجسم، فيضبط عملها دون أدنى شعور منا أو إحساس، فينظِّم مثلاً عمل عضلة القلب، وأداء الجهاز الهضمي، وسير عملية التنفس، وغيرها من الأعمال اللاإرادية. كما يسهم من طرف آخر، جهاز الغدد الصماء في تنظيم أنشطة الجسم الداخلية واستقرار نشاطها، وهو بذلك يساعد الجهاز العصبي المذكور، فيغدو جسم الإنسان في أحسن تقويم.

تنصّ مراجع الطب النفسي، على أنّ للتوترات والضغوط النفسية – ولا سيما المزمن منها – إسهاماً واضحاً ودوراً فاعلاً في إحداث جو من الخلل في أنظمة الجسم الداخلية. وهنا نرى أنّ حالات عامة من الفوضى وعدم الاستقرار، ستظهر في نظام الجسم، وسيترافق ذلك مع استثارة الجهاز العصبي، وما يصحبها من توتر جهاز الغدد الصماء، وتنشيط إفراز الهرمونات المختلفة.

ينهش التوتر النفـْسي المتواصل أجسامنا بطرق كثيرة، ويكاد يظهر أثره المدمر في صحة معظم أجهزة الجسم، التي تتجرّع تبعات ذاك التوتر. وثبت أنّ لهذا التوتر دوراً في إطالة مدة النوبة الحادة للمرض العضوي، إضافة إلى زيادة حدة هذا المرض. ولإيضاح فداحة الأمر، سنعمد إلى التحري عن ذلك، بذكر ما يظهر من تأثيرات في كلّ جهاز في الجسم على حدة.

الآثار السلبية للتوتر في صحة الجهاز الهضمي
يأتي الجهاز الهضمي في رأس قائمة أجهزة الجسم التي تستهدفها سهام التوترات النفـْسية، ويظهر هنا كثير من التأثيرات الضارة التي تمسّ سلامة أداء هذا الجهاز الحيوي، إذ يتوقف السير الطبيعي لعملية الهضم، ويُحدّ بصورة ملحوظة من إفراز اللعاب، وتتوقف تقلصات المعدة، ويقلّ إفراز إنزيماتها الهاضمة، وتتأثر عملية امتصاص الغذاء المهضوم في الأمعاء، ويظهر ذلك كلـّه في صورة عسر هضم مزمن.

وتشيع لدى الإنسان الذي يعاني ضروب التوتر والقلق، حالات الإصابة بقرحة المعدة، بحسبما أكدتْ نتائج الأبحاث. ويعود ذلك إلى تآزر عوامل عدة، تعمل على ظهور هذه القرح، إذ يقلّ جريان الدم نحو أنسجة المعدة، وهذا يعني نقص كمية الأكسجين التي تصل إليها، ويصحب ذلك موت بعض خلايا المعدة تدريجياً، الأمر الذي يؤمّن وسطاً مناسباً تنشأ به القروح الهضمية.

وممّا يفاقم من ظهور القرحة أيضاً، زيادة إفراز حمض المعدة وعصاراتها، وقلـّة إفراز المادة المخاطية ومادة البيكربونات، اللتين تحميان المعدة من آثار ما تفرزه من الحمض، كما يرافق انخفاض مناعة الجسم المصاحبة للتوتر، تكاثر بعض أنواع البكتريا، الذي قد ينتج عنه أيضاً ظهور تلك القرحة.

ويكفي أن نضرب هنا مثلاً يدلّ على عظم حجم المشكلة، ما كان في الحرب العالمية الثانية في لندن حيث سجل عدد كبير من حالات القرحة، نتيجة ضغوط نفـْسية عاشها السكان هناك أثناء الغارات الجوية. ومن الغريب أنّ عدد حالات الوفاة في تلك الأثناء بسبب الشدة النفسية والتوتر، بلغ مليونين، بينما في ساحة المعركة، قلّ عدد القتلى من الجنود عن ذلك كثيراً، ولم يصل حتى إلى نصف مليون.

ومن شكاوى الجهاز الهضمي أيضاً، كثرة الشعور بالغازات والنفخة وألم البطن. وتُعزى هذه الظاهرة إلى سوء الهضم الذي يصاحب عملية التوتر، إضافة إلى حدوث نوبات من الإسهال الحاد، أو الإمساك المزمن. ويدرج مجمل هذه الأمور تحت ما يُعرف بداء تهيج الأمعاء Irritable bowel syndrome. وينتج في العادة عن حدوث حالة من عدم التناسق بين عمل الأمعاء الدقيقة والغليظة.

تأثير التوتر في صحة القلب
يظهر نتيجة للتوترات النفـْسية، كثير من التأثيرات الضارة التي تحدّ من سلامة أداء جهاز القلب والدورة الدموية. ويصاحب ذلك زيادة مستوى مادة الأدرينالين في جسم الإنسان، ما يسهم في تجمع الصفائح الدموية وتراكمها، الأمر الذي يعني زيادة احتمال تكون الجلطات التي تسد الشرايين.

من جهة أخرى، فإنّ لاستثارة الجهاز العصبي نتيجة القلق، دوراً في زيادة نبض القلب، وبمرور الوقت يبدأ ضغط الدم بالارتفاع بصورة مزمنة. وقد تنشأ عن ذلك مضاعفات خطيرة، كنزيف الدماغ وغيره. وتشهد الأوعية الدموية أيضاً حدوث تصلب في الشرايين Atherosclerosis، وهو داء ذو أبعاد خطرة تترسب خلاله الدهون في جدران الشرايين، ما يعني تضيق قطر هذا الوعاء الدموي، وبالتالي قلة الدم الذي يصل إلى الأنسجة.

وتقترح دراسات حديثة، وجود رابط وثيق بين التوترات النفسية من جهة، وظهور أمراض القلب التاجية Coronary artery diseases من جهة أخرى. وهنا تقلّ كمية الدم التي تغذي عضلة القلب، وتظهر على المريض أعراض الذبحة الصدرية.

وماذا عن جهاز الغدد الصماء ؟
تستثير العوامل النفسية المضطربة إفراز غدد الجسم، فيزيد حينئذ نتاج الغدة الكظرية Adrenal، والغدة النخامية Pituitary، والبنكرياس، والغدة الدرقية، ويترتب على ذلك ظهور كثير من التبعات ستدفع فاتورتها صحة الجسم المتدهورة.

ويأتي داء السكري في رأس قائمة التأثيرات الجانبية للتوتر، وتشير أصابع الاتهام إلى عوامل عدة تكمن وراء ظهور هذا الداء. وتشترك فيها بعض الغدد الصماء، إذ يتمّ ضخّ هرمونات في الدم بنسب تفوق الحد الطبيعي، وتتحرك كميات كبيرة من سكر الجلوكوز نحو مجرى الدم. وما يزيد الطين بلـّة أن يتمّ كبح إفراز الإنسولين. وبات معروفاً، أنّ كل هذه التأثيرات تنتج عن خلل الجهاز العصبي، الذي يصاحبه قصور وظيفي في فسيولوجية غدد الجسم.

وكذلك يصيب الاضطراب الغدة الدرقية، فيزداد إفرازها، ليصل الأمر أحياناً إلى ظهور حال تعرف بتسمم الغدة Thyrotoxicosis. وهنا ينشط إفراز الهرمونات بصورة شاذة، ليصل إلى درجة تترك تأثيرات ضارة في كثير من أجهزة الجسم.

تأثير التوتر في العظام والعضلات
وللتوتر النفـْسي المستمر، تأثيراته المخربة في عظام الجسم وما يتصل بها من العضلات، إذ تعمد الهرمونات المفرَزة أثناء القلق، إلى تخريب عملية نقل معدن الكالسيوم. وهذا يتبعه نقص ترسب هذا المعدن في العظام، وضعف كتلة العظام، وميلها إلى التكسر، فتظهر بذلك أعراض هشاشة العظام، وتتوقف عملية نمو السليم منها، ويزداد الأمر سوءاً عندما تطرح الكلى مزيداً من الكالسيوم عبر سائل البول، ما يسهم في مزيد من نضوب مخزون هذا المعدن في الجسم.

ومن آثار التوتر الأخرى، نرى هنا ما يحدث من استهلاك طاقة الجسم بصورة مستمرة، وفي مستوى عضلاته إذ يؤدي استهلاك الطاقة بصورة كهذه إلى إحداث تلف بالعضلات، وإلى تفكك ما تحويه من البروتين. ولا تجد هذه العضلات وقتاً كافياً لإعادة بناء ما تم تفكيكه وتكسيره من وحدات البناء، وبخاصة لو غدا شأن التوتر مزمناً وملازماً للمريض، فيحدث بذلك ضمور عضلي تدريجي، عقب كلّ نوبة توتر أو قلق جديدتين. وممّا يرد ذكره أيضاً من تأثيرات ضارة في صحة الجهاز الحركي، هو احتمال زيادة أعراض روماتيزم المفاصل، وما يصحبه من آلام حادة.

الجهاز التنفسي يدفع الثمن أيضاً
يرد ذكر تدهور الحالة النفسية ضمن قائمة أسباب مثيرات الحساسية. وعليه فإنّ التوتر يزيد من حدة حالات الربو التي تعرف سريرياً بضيق النفس، والكحة، نتيجة تضيق الشعب الهوائية. من جهة أخرى، تكثر شكوى المريض المرهق نفـْسياً، من حدوث بعض حالات التهاب الأنف Rhinitis، وما يصحبها من أعراض سيلان الأنف الغزير، والعطاس، والحكة. وتكثر كذلك الشكوى من حمى القش Hay fever، وهي صورة أخرى من داء الحساسية، وتمتاز بالتهاب بطانة الأنف، الذي يعقبه ظهور أعراض تشبه سابقتها. وبعيداً عن ظهور أشكال الحساسية المختلفة، أثبتت دراسات أن ضعف مناعة الجسم الذي يتصاحب مع حالات التوتر النفـْسي، يؤدي إلى زيادة حالات التهاب الجهاز التنفسي، نتيجة غزو البكتريا وغيرها من الكائنات الحية المجهرية، وتكاثرها ضمن أنسجة الرئتين والقصبات الهوائية، وما يعقب ذلك من حدوث الالتهابات.

الجهاز العصبي في ساحة التوتر والقلق
ثمة كثير من تأثيرات الاضطرابات النفـْسية التي تظهر في ساحة الجهاز العصبي، إذ تكثر هنا الشكوى من ضعف الذاكرة، وقلة التركيز الذهني، والميل نحو الخمود والخمول، والشكوى المستمرة من الصداع والصداع النصفي. ويعود ذلك إلى ضعف جريان الدم، الذي يصحبه قلة وصول إمدادات الغذاء والأكسجين نحو الدماغ. وتحدث كلّ هذه التأثيرات نتيجة اضطرابات الهرمونات آنفة الذكر.

ومما يُذكر أيضاً، ضمور في الخلايا العصبية، وتأثير مباشر في سلامة أحد أجزاء الدماغ الذي يعرف بالحُصين hippocampus المسؤول عن تنظيم كثير من مهارات السلوك الوظيفية، وهو بمنزلة لوحة مفاتيح الحاسب الآلي، إذ يتمّ عن طريقه استرداد ما نريده من المعلومات المخزنة في ذاكرة الدماغ.

تأثر جهاز المناعة
يحدّ التوتر المزمن من قدرات الجهاز المناعي، وتظهر في ذلك تأثيرات مباشرة في عملية إنتاج الخلايا المناعية. وأوضحتْ أبحاث حديثة، أنّ القلق يقصر عمر بعض الخلايا المناعية، ويصحب ذلك تعرُّض الجسم لمخاطر الوقوع فريسة كثير من الأمراض. ولوحظ في إحدى التجارب الميدانية، كثرة ظهور حالات الإصابة بالزكام في صفوف طلاب الجامعة أثناء فترة الامتحانات، وعُزي ذلك إلى ضعف أجهزتهم المناعية، نتيجة مرورهم بتلك الظروف المقلقة. إلا أنّ الأمر المخيف هنا، هو ما تؤكده بعض الدراسات الجارية على حيوانات التجارب، أنّ التوتر يزيد من سرعة نمو الأورام السرطانية، نتيجة افتقار أجهزة تلك الحيوانات إلى قدرة مناعية تحدّ من نمو الخلايا الورمية. صحيح أنّ هذا لم يثبت بعد في أجسامنا، إلا أنه قد يحدث ولو بعد حين.

كيف تتأثــّر أجهزة الجسم الأخرى؟
لا يقف أثر الاضطراب النفـْسي في صحة الجسم عند هذا الحد، بل يتخطاه ليصل إلى أجهزة أخرى في الجسم. وتذكر أبحاث علمية قائمةً طويلة من العلل تزداد عناصرها بين حين وآخر. ويبدو أن العامل الرئيس في معظم تلك الشكاوى، هو ضعف تروية الأعضاء بما يلزمها من سائل الدم، تحت التأثير المباشر لهرمونات التوتر النفـْسي. ومما يُذكر من آثار، تــَصاحب التوتر مع تدني مستوى إفراز الخصيتين لهرمونات الذكورة، وما يرافقه من ضعف عملية الانتصاب، والشكوى من الضعف الجنسي. كما تكثر اضطرابات الدورة الشهرية في جسم الأنثى، التي تصل أحياناً إلى حد انقطاع الطمث التام. وتضعف كذلك عملية الإباضة، وتقلّ فرصة تطور نمو الجنين في باطن الرحم، وسُجّل كثير من حالات الإجهاض لدى السيدات الحوامل. أما ما يخصّ الجلد، فنلاحظ كثرة الشكوى من تساقط الشعر، وحالات التهاب الجلد المعروفة بالإكزيما، وزيادة حدة الالتهابات الجلدية نظراً لانخفاض مناعة الجسم، وظهور داء حب الشباب، وداء الصدفية Psoriasis، وغيرها من الأمراض الجلدية.

ما الحل إذن؟
عرفنا حتى الآن، أبعاد المشكلة وما يخلــّفه التوتر النفسي من آثار تترك بصمات واضحة في صحة أجهزة الجسم المختلفة، فما الحل إذن؟ وكيف لنا أن نتعامل مع الأمر؟ وما هو الدواء الناجع لهذا الداء؟ إن أردنا أن نصدق القول، فإننا سنرى أنفسنا الآن أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستسلام التام للتوتر النفـْسي والوقوع تحت رحمته، ليتصرّف بصحة أجسامنا كيفما شاء، وإما التخلــّص من قبضة هذا الكابوس والتحرر منها باتجاه أفق جديد خال من التبعات المرهقات.

يقول ذوو الاختصاص: إنّ علاج مشكلة التوتر النفسي قائم على محورين رئيسين: أحدهما دوائي، والآخر سلوكي. ويعتمد الشق الأول، على استشارة طبيب نفـْسي، وبخاصة في حالات التوتر التي تزيد على الحد المألوف، لتصل إلى درجة تهدد فيها صحة الجسم. وعلينا هنا أن نؤكد أهمية كسر حاجز الخوف والتردد، الذي يمنع كثيرين من زيارة الطبيب النفسي، وعلينا أن نقتنع بأن الاستشارة هنا واجبة، وليست ضرباً من ضياع الوقت أو المال. ويأتي تحت محور العلاج الدوائي أيضاً، التشخيص الباكر لما قد يظهر من أمراض في أجهزة الجسم المختلفة، والمسارعة في تدبيرها قبل حدوث مضاعفات لا تُحمد عقباها.

ولا يقلّ العلاج السلوكي أهمية عن الخط الأول. وما نعنيه هنا، السعي إلى حلّ المشكلة عبر حوار بنـّاء ووقفة صريحة مع النفـْس، يتمّ خلالها توجيه كلمات تحمل إرشادات وعظات صادقة، حول أهمية إعادة التفكير في تنظيم أسلوب الحياة، والدعوة إلى مزيد من الحكمة والبصيرة والقدرة على ضبط النفس، وزيادة أرصدتنا من الخبرات، والتحكم في مشاعر الغضب، وقهر مشاعر الغيظ، ومحاولة تجفيف منابع التوتر قدر المستطاع، والاستسلام التام لما ساقته لنا الأقدار، خيرها وشرها، ومحاولة محو ذكريات الماضي الحزين المترسبة في قاع النفس. ويترتب علينا أيضاً غرس قناعة تامة مفادها أنّ هذا العالم المليء بكثير من مظاهر التوتر ومصادره، والمشبع أيضاً بأمور مروعة ليس بإمكاننا تجنبها، هو في المقابل غني بأمور كثيرة تدعونا إلى التفاؤل، وتنجح في زرع ابتسامة عفوية فوق شفاهنا، إذ ثمة ضحكات بريئة تعلو محيا طفل، وثمة حبيب ينتظر قدومنا في البيت، بعد عناء يوم عمل طويل، وثمة خلّ وفيّ يهتم بأمرنا، ولا يبخل علينا بغالٍ أو نفيس. إذن فلنـدَع القلق، ولنبدأ الحياة.

أضف تعليق

التعليقات