طاقة واقتصاد

من عهد السومريين قبل 6 آلاف سنة إلى «الإدارة الافتراضية»

رحلة في تشكيل الإدارة

  • 45c256903e19c1afffff89b4ffffe41e
  • 40238_952
  • 1314695_59845116
  • 104187536
  • AE_42-26411947
  • IMG_0399
  • MACHIAVELLI_Niccolo_Nicholas_Machiavel_s_Prince.
  • Scan-120206-0003
  • Scan-120206-0004
  • Scan-120206-0005
  • stock-photo-15247463-students-with-headset-in-computer-lab

تُعدّ الحضارة الإنسانية والإدارة صنواناً لا يفترقان. ويمكن اعتبار تأريخ الحضارة، تأريخاً لإدارتها في الوقت نفسه. وإذا أطلق علماء «الأنثروبولوجيا» على حقبات التاريخ المختلفة أسماء الأدوات التي استخدمها الإنسان فى حياته اليومية، كالعصر الحجري، والعصر البرونزي وعصر الآلة، وعصر المعلوماتية…. إلخ، فإن إدارة هذه الأدوات، وإدارة علاقة الإنسان بها يحملان نفس الأهمية. وفي ظلّ الأزمة الاقتصادية العالمية التي ضربت العالم مؤخراً، تم إلقاء الكثير من المسؤوليات الكبرى على عاتق الإدارات المختلفة فى أنحاء العالم، كما أعطيت الإدارة أهمية إضافية ودوراً متزايداً في مجابهة هذه الأزمة، ومعالجة آثارها، ووضع خارطة طريق للخروج منها.
أمين نجيب، يتناول في هذا المقال، تاريخ نشوء الإدارة، ومراحل تشكُّلها وتطورها عبر العصور، وتطور مفاهيم الإدارة الحديثة، ومستويات الإدارة، ووظائفها، متوقعاً أن يعبر العالم فى المستقبل القريب إلى عصر الإدارة الفعَّالة والمتطورة والمتجددة لتجاوز المآزق الخطيرة التي تواجهها.

لمحة تاريخية
في العالم القديم، تحديداً فى بلاد ما بين النهرين، منذ أكثر من ستة آلاف سنة، وفي العهد السومري، شكّل إنشاء وإدارة قنوات الريّ وتوزيعها، الإرهاصات الأولى لنشوء المدن والممالك والدول. وتوجد فى تلك الفترة الكثير من المدونات الفخارية التى تسجل عقود بيع وشراء ومعاملات مختلفة.

لكن لم يتم تناول موضوع الإدارة بشكل مستقل إلا في فترات لاحقة. فالكتابة الأولى ظهرت فى الصين منذ ألفين وستمائة سنة. فقد ظهر فى تلك الفترة كتاب «صن تسو» الشهير حول إدارة الحروب تحت عنوان «فنّ الحرب». ويشدد فيه على أهمية العمل الاستراتيجي على ضعف وقوة كلا طرفي الحرب.

ظهر بعد ذلك بحوالي ثلاثمائة عام «الأرثاذاسترا» فى الهند، على يد المعلم الكبير «شاناكيا» الذى أُطلق عليه فى الغرب تعبير «ماكيافللى الهند». وهو الكاتب الذي عالج وكتب عن نظريات واستراتيجيات عدة لإدارة شؤون الإمبراطورية والاقتصاد والعائلة.

لاحقاً، ظهر فى فلورنسا كتاب «الأمير» لنيكولو ماكيافيللى سنة 1513. وفى القرن الثامن عشر كتب «آدم سميث» كتابه المشهور «ثروة الأمم». لكن شؤون الإدارة لم تجد طريقها إلى الجامعات والأكاديميات إلا فى بدايات القرن العشرين. حين أنشأت جامعة هارفارد أول كلية لإدارة الأعمال فى عشرينيات القرن الماضي.

مقاربات الإدارة الحديثة
هناك عدة مفاهيم ومقاربات رئيسة حول الإدارة الحديثة:
1 – المقاربة التقليدية:
ويعبِّر عنها الأمريكي «فريدريك وينسلو تايلور»، «20 مارس 1856 – 21 مارس 1915» الذي حاول تناول الإدارة من زاوية علمية، والنظر إلى العمل عبر ملاحظات منهجية بديلاً عن الطريقة التي كانت معتمدة على التقدير أو الحدس أو القياس على ما سبق، والاعتماد على التكهن الشخصي. وتقوم طريقة تايلور على إيجاد «أفضل الطرق» لتحسين فعالية العمل. عندئذ تقوم الإدارة باختيار شخص من «الطراز الأول» الذى يتمتع بمؤهلات علمية وجسدية عالية وتمرينه بمنهجية لاستعمال «الطريقة الفُضلى» لإنجاز المهمة، إنه «المدير». وشدد تايلور على الفصل بين دور الإدارة التي هي التخطيط والتنظيم عن التنفيذ الفعلي للعمل.

كما يعبِّر عن بعض هذه المقاربة، العالم الفرنسي «هنري فايول»، «-1841 1925». تقوم أولاً على التوقع والتخطيط من خلال دراسة المستقبل ورسم خطة العمل. بعدها يأتي تنظيم البنية العامة، والمواد المطلوبة، والأشخاص المناسبين. ثم إعطاء الأوامر بما يسميه «تخمير النشاط داخل العاملين»، يليه التنسيق لتوحيد وتناغم الجهود. وأخيراً السيطرة للتأكد من أن كل شيء يسير حسب القاعدة القائمة والأمر المُعطى. ويشدد «فيول» على تقسيم العمل، فالاختصاص يقود إلى إنتاجية أكبر. كما يشدد على وحدة الأوامر، فالمرؤوس له رئيس واحد. والعاملون جميعاً لهم نفس الهدف، وتغليب مصلحة المؤسسة على مصلحة الأفراد العاملين الذين يجب أن يتلقوا أجوراً عادلة لتشكل دوافع للعمل. أما درجة المركزية أو اللامركزية فيجب أن تكون ملائمة للمؤسسة والعاملين فيها دون المسّ بتراتبية الأمر، حيث يجري باتجاه عمودي مع مراعاة اللطف والعدالة بمعاملة الموظفين لتشجيع المبادرات الفردية ضمن الخطة الموضوعة من فوق. ويساعد على ذلك الحيازة على عمل دائم ومستقر للعاملين، وذلك يؤدي إلى رفع معنوياتهم وروح العمل الجماعي فيما بينهم.

2 – العلاقات الإنسانية:
أما أحد أبرز رواد هذا الاتجاه فهو «ألتون مايو»، «26 ديسمبر 1880 – 7 سبتمبر 1949» الذي ينطلق من مبدأ أن الإنسان يتحرك أساساً بدوافع اجتماعية. فالشعور بالرضا في مكان العمل مصدره العلاقات الاجتماعية بين العاملين وليس العمل نفسه. وبالتالي فإن العمل ضمن المجموعة هو الذي يؤثر على العامل وليست الحوافز أو الرقابة من قبل المديرين. والمدير الناجح في رأيه هو من يؤمن الحاجات الاجتماعية لمرؤوسيه.

3 – نظرية النظم:
تنظر هذه المقاربة إلى المؤسسة ككل على أنها نظاماً رئيساً يحتوي على مجموعة من النظم الثانوية المتفاعلة تفاعلاً عضوياً فيما بينها. وبما أن هذه النظرية لا تقتصر على علوم الإدارة فقط، بل أخذت تتسع وتنداح إلى كافة العلوم والتخصصات. فهي تحاكي فى وجودها الكثير من النظم الطبيعية التي تتسم بذاتية التنظيم وذاتية التصحيح، كالنظام الفيزيولوجي في جسم الإنسان، أو بعض الأنظمة البيئية والأيكولوجية في الطبيعة، أو في خاصية الإنسان المتعلقة بالتعلم. وبهذا المعنى فالمؤسسة هي عائلة من العلاقات بين أعضاء معينين يعملون جميعاً وكأنهم عضو واحد.

4 – النظرية الظرفية:
المفهوم الأساسي في هذه المقاربة هو أنه ليس هناك طريقة واحدة أو فُضلى لتنظيم أية مؤسسة أو شركة. كما أنه ليس هناك ما يسمى «القاعدة» لأخذ القرارات. بدلاً من ذلك فإن أخذ القرار أو الموقف أو الخطة، يؤخذ بطريقة طارئة غير معدة سلفاً. فهو يعتمد على الظروف الداخلية والخارجية المتبدلة باستمرار. ويقول «كارث مورغن» في كتابه «صور المؤسسة» إن المقاربات القديمة فشلت لأنها نسيت أن الإدارة وبنية المؤسسات تتأثر تأثراً عميقاً بكافة خصائص البيئة، التي هي خصائص طارئة بطبيعتها. فالمؤسسات على أنواعها هي أنظمة مفتوحة على التغييرالدائم وتحتاج إلى إدارة قابلة للتكيف مع ظروف البيئة. فليست هناك طريقة فُضلى بل طريقة مناسبة، قد تصبح غير مناسبة عند تغير الظروف.

ويشدد «فريد فيدلر»، «مواليد 1922» على القيادة الفعالة التي تعتمد على العلاقة بين أسلوب القيادة، أي هل تؤخذ القرارات بطريقة فردية أو جماعية، وماهو أفضل للوضع القائم.

5 – النمط الظاهري، «فينوتايب»
وتُعد هذه المقاربة الأكثر حداثة في القرن الواحد والعشرين. فهي تحاكي بعض الخصائص الظاهرية لأعضاء الجسم. ففي علم الجينات تستمد الخصائص وظيفتها من التركيبة الجينية نفسها مضافاً إليها تأثير البيئة حولها. والمقصود بهذه المحاكاة هو أن سلوك الموظفين الناتج عن وضعهم في بنية المؤسسة مضافاً إليه سلوكهم الموروث من بيئتهم الاجتماعية هو ما يشكل بنية المؤسسة. فالشركة أو المؤسسة أو حتى الدولة لم تعد مكاناً يأتي إليه الناس للعمل، بل أصبحت هي الفضاء الذي يمنحهم الشعور بالهوية والانتماء. وأصبحت المؤسسة قريتهم وكيانهم. ولم تعد شركة القرن الواحد والعشرين، مجرد علاقات بشرية تراتبية تهدف فقط لأقصى قدر من الكفاءة والربح، بل أصبحت مجتمعهم الذي ينتمون إليه ويكبرون فيه معاً، وحيث تنمو مشاعرهم وقدراتهم الإبداعية.

وقد نتج عن التغيرات الكبيرة الحاصلة في المجتمع والعائلة ومكان العمل مشكلات مستعصية في بيئة العمل نفسه لا يمكن مقاربتها إلا بما يدعوه «توماس كوون»، «18 يوليو 1922- 17 يونيو 1997» «قفزة مفهومية».

ويقول «جوزيف كريني» في مقالة له مؤخراً في مجلة «بيزنس ويك» إن هناك حوالي مليونين من المرضى الأمريكيين الذين سيصابون بالعدوى من قبل الذين يعالجونهم في المستشفيات، ويمكن تفادي معظم تلك الإصابات إذا استطاعت إدارات المستشفيات المختلفة إقناع العاملين فيها بغسل أياديهم باستمرار. فأي مدير يستطيع بالطرق السابقة أن ينجز ذلك؟.

6 – المفهوم الافتراضي:
يُعد الكثير من العلماء أن الإنترنت هو الجهاز الإداري الأساسي للعولمة. وقد انتشرت العولمة، ومعها الإنترنت، إلى أربع زوايا الأرض. وإذا أضفنا إلى ذلك وسائل الاتصالات الأخرى التي تعتمد على الأقمار الصناعية من فضائيات وهواتف وغيرها. فقد أدى ذلك إلى نشوء ما يسمى بـ«التكنوثقافة» وانتشارها بشكل لا سابق له في التاريخ. وقد رافق ذلك تغييرات في كثير من المفاهيم والاعتقادات الراسخة منذ عقود كثيرة، ومنها ما يتعلَّق بعلم الإدارة.

خلال قراءة هذا المقال، يجلس أمام شاشات الكمبيوتر ملايين الأشخاص، يقومون بأعمال مالية وتجارية وثقافية ولهو أيضاً، تقدَّر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات مستخدمين برامج ذاتية الاستجابة، لا يقف على الطرف الآخر منها أي شخص آخر مباشرة.

ولإعطاء صورة حديثة وواقعية عن العالم الافتراضي، نشير إلى ما أعلنته موسوعة «ويكيبيديا»، التي هي أكبر موسوعة على الشبكة، أنها الرقم 5 في سلم أكثر المواقع استخداماً. إذ تخدم 420 مليون شخص كل شهر، حيث يتصفحون مليارات الصفحات. لكن عدد العاملين فيها الذين يقومون بهذا العمل الجبار هم 73 فقط.

مستويات الإدارة
هناك ثلاثة مستويات للإدارة في معظم المؤسسات والشركات:
أ – المستوى الأعلى: ويضم مجلس الإدارة الذي ينتخبه عادة المساهمون أو الأعضاء، ويكون قابلاً للمساءلة من قبلهم. كما ينتقي المجلس نفسه أحياناً أعضاء جدداً. ويتم انتخاب أعضاء المجلس لعدة سنوات. بعد ذلك يُنتخب أعضاء قليلون كل سنة بحيث يصبح من الصعوبة بمكان تغيير المجلس برمته دفعة واحدة. وعادة يكون العضو في هذا المجلس إما من أصحاب المصلحة المكتسبة أو من المسؤولين الكبار في الشركة أو من المعروفين في أوساط رجال الأعمال الناجحين. ويتوقف عدد أعضاء المجلس على طبيعة المؤسسة وحجمها. «والت ديزني» مثلاً لها ستة عشر عضواً، بينما «تيفاني ومشاركوه» لهم ثمانية أعضاء.

المسؤولية الأساسية لأعضاء المجلس هي حماية أموال المساهمين، والتأكد من حصولهم على أفضل العائدات. لكن المشاعر تختلف في بعض البلدان الأوروبية حيث يتم التركيز على مصلحة الموظفين أولاً.

إن مجلس الإدارة هو أعلى سلطة في التراتبية الإدارية داخل أية مؤسسة. ومن مهامه الأساسية اختيار المديرين التنفيذيين وتقييمهم وإعطائهم مكافآت مناسبة. كما أنه يضع التوصيات بما يتعلق بالسياسات المالية، وهو يوافق على البيانات المالية ويوصي أو يحذِّر من الاندماج أو شراء شركات أخرى. كما يقوم بالتأكد من استقلالية المديرين.

ودائماً ما تكون استقلالية المديرين محل امتحان، فبحسب استطلاع أجري في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2002م، تبيَّن أن حوالي %50 من المديرين، هم مستقلون تماماً. وفي نفس السنة، نشرت شركة «جنرال موتورز» تقريرها السنوي الذي عالج مسألة استقلالية المديرين. وكانت النتيجة أن 11 مديراً من أصل 17 كانوا فعلاً مستقلين بتعريفات صارمة.

كما أن من مسؤوليات مجلس الإدارة تشكيل لجان مساعدة، منها لجنة تدقيق يعمل معها ويختارها من خارج المؤسسة لتتأكد من صحة البيانات المالية ودقة توقعاتها. ويؤلف مجلس الإدارة لجنة التعويضات والمكافآت والجوائز والمحفزات للمديرين التنفيذيين. وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من مجالس الإدارة وقعت تحت نيران كثيفة من النقد بسبب تخصيص مبالغ ضخمة كمكافآت للمديرين التنفيذيين لا تتناسب مع الواقع.

أما مهمة هذا المجلس، فهي التالية:
أ – اتخاذ القرارات المتعلقة بالشركة ككل.
ب – وضع أهداف المؤسسة.
ج – وضع الخطط والاستراتيجيات التي تكفل تحقيق الأهداف.
د – الأعضاء مؤتمنون على أموال المستثمرين والمساهمين.
هـ – الأعضاء مسؤولون عن تأمين الموارد للمؤسسة.
و – كما أنهم مسؤولون عن الإنجاز النهائي للمؤسسة.
ز – ومسؤولون عن إيجاد البيئة الداخلية والخارجية الملائمة لازدهار المؤسسة.
ح – ويجب أن يتمتع أعضاء مجلس الإدارة بمؤهلات سياسية لتأسيس اتصالات اجتماعية وإنشاء قاعدة قوية.
ط – كما يتعين أن يتمتع العضو بقدرات فكرية تخوله تحليل مواقف معقدة ربما تستجد في أي لحظة لاتخاذ القرار المناسب.
ي – وأن يمتلك القدرة على إقامة علاقات شخصية لتحفيز وتعليم وتشجيع الآخرين.
ق – القدرة على تشخيص المشكلة ورؤية الحل المناسب لها.
ل – أعضاء مجلس الإدارة يتمتعون بقدرات فكرية أعلى وتقنية أقل.

ب – المستوى المتوسط: ويتم اختياره من قبل مجلس الإدارة. ويضم المديرين العاملين ومديري الفروع ومديري الأقسام. ويقع تحت مساءلة المستوى الإداري الأعلى، وهم صلة الوصل بين المستوى الأعلى والمستوى الأدنى.
ووظيفة الإدارة الوسطى هي:
أ – تقديم توصيات واقتراحات إلى المستوى الأعلى.
ب – تنفيذ سياسات وخطط المستوى الأعلى.
ج – تنسيق نشاطات وأعمال جميع الأقسام.
د – تصميم وتنفيذ نظم معلوماتية مناسبة للعمل والشركة.
هـ – تحديد مؤشرات الأداء لعمل الفرق جميعها.
و – تصميم وتنفيذ نظم الثواب والعقاب لتحفيز وإصلاح السلوك التعاوني والتشاركي.
ز – تشخيص وحل المشكلات الناشئة داخل فريق العمل.
ح – يحتاج أعضاء هذا الفريق إلى قدرات إدارية وتقنية عالية وقدرات فكرية أقل.

ج – المستوى الأدنى: ويضم المشرفين المباشرين، المراقبين، والمدربين، ويقع تحت مساءلة المستوى المتوسط. أما مهامه فهي التالية:
أ – لهم سلطة محدودة لكنها مهمة جداً بخصوص المسؤولية عن إنجاز العمل.
ب – يقضون وقتاً كثيراً في التوجيه والسيطرة.
ج – تعيين مهام الموظفين اليومية.
د – رفع التقارير الدورية إلى المستوى المتوسط.
هـ – حل مشكلات الموظفين اليومية.
و – يشكلون القدوة لمن هم دونهم من العمال.

البنية الإدارية
هناك عدة أشكال من البنى الإدارية. ويتوقف ذلك على طبيعة عمل المؤسسة أو الشركة، وشبكة العلاقات الداخلية والخارجية المطلوب إقامتها. وقد ازدادت أهمية هذا الموضوع مع التغيرات الكبرى التي دخلت في مجال الأعمال المختلفة. فالتوسع في استعمال وسائل الاتصالات الحديثة وسرعة تطورها، وانتشار العولمة إلى بقاع الأرض، وازدياد حدة المنافسة داخل السوق الواحدة، أو في السوق العالمية الواسعة، وفرض تغييرات كبيرة على تشكيل البنية الإدارية لأي شركة تريد البقاء والنجاح. وهناك عدة أشكال رئيسة:

1 – بنية الوظيفة: وهو النوع الأكثر شيوعاً خاصة في المؤسسات الصناعية الكبيرة. حيث يتم تجميع الموظفين في لجان حسب الاختصاص. فهناك لجنة المهندسين، التسويق، المحاسبة، الموارد البشرية.. وغيرها. ومن إيجابيات هذه البنية:
أ – توزيع مثالي للموارد.
ب – تناسب مهمات العمل مع التدريب.
ج – قدرة عالية على حل المشكلات التقنية.
د – سرعة تحسين المهارات ضمن الوظيفة الواحدة.

أما سلبياتها فهي التالية:
أ – ضعف التواصل والتعاون فيما بين الاختصاصات.
ب – كثرة الاقتراحات المقدمة إلى المسؤولين في المستوى الأعلى.
ج – ضياع المسؤولية الواضحة بخصوص المنتوج أو الخدمة النهائية.
د – بطء التجديد أو التكيف مع البيئة المتغيرة.
هـ – كثرة التخصص تؤدي إلى الأنانية والنظرة الضيقة حيث تضيع الرؤية الشاملة للنظام. وهنا نتذكر الفيلسوف الإغريقي «أفلاطون»، «384 ق.م – 322 ق.م» في كتاب «الجمهورية» عندما يقول «إن الحرفيين لا يصلحون للحكم لأنهم يعلمون جيداً في مهنتهم فيعتقدون أنهم يعلمون في كل شيء».

2 – بنية القسم أو المنتج: فعندما تكون المؤسسة كبيرة وتنتج أصنافاً متعددة، يسهل على عملها هذا التنظيم. فمثلاً، إذا كانت الشركة عبارة عن دار نشر كبيرة، سيكون لها قسم للجرائد، وقسم آخر للمجلات، وقسم رابع للكتب، وغير ذلك. ويكون كل قسم مستقل بكافة وظائفه.
إيجابيات هذه البنية هي:
أ – لديها قابلية كبيرة للتأقلم مع البيئة المحيطة والمتغيرة.
ب – زيادة التعاون بين الوظائف المختلفة.
ج – تصبح المسؤوليات واضحة بما يختص بنوعية المنتج أو الخدمة.
د – تركيز الخبرات على مستهلكين معينين ومنتجات معينة.
هـ – سهولة تقليص أو توسع الوحدات العاملة.

أما سلبياتها فهي:
أ – تخفيض ما يعرف في علم الاقتصاد بوفورات الحجم.
ب – تشتيت الخبرات والمؤهلات التقنية.
ج – تخلق تنافساً مرضياً بين الوحدات العاملة.
د – زيادة التكاليف بسبب هدر الموارد من خلال تكرارها بين الأقسام والوحدات.
هـ – المبالغة في التركيز على أهداف القسم بديلاً عن هدف المؤسسة العام.

الإدارة الافتراضية
3 – البنية الافتراضية: فالبنية الإدارية الافتراضية، فرضها التطور النوعي تكنولوجيا المعلومات، والتوسع الكبير في الأسواق الخارجية الافتراضية على بنية الفريق الافتراضي. وأفراد هذا الفريق لا يلتقون وجهاً لوجه لأنهم منتشرون في كافة أنحاء العالم ويتواصلون على الشبكة. وهؤلاء ليس جميعهم موظفون بالطريقة التقليدية، بل كثير منهم يدخلون بمهمات معينة محدودة ثم يخرجون.

وإذا أخذنا في الاعتبار اختلاف الثقافات وصعوبة التدرب على الأجيال الجديدة من التكنولوجيات باستمرار، نستطيع أن نتلمس صعوبة هذا النوع من الإدارة. خصوصاً أن هذه البنية هي، بطبيعة العمل المتصلة به، بنية مسطحة. فالمسافات بين المستويات الإدارية المختلفة متقاربة، بل تتجه نحو الإمحاء. إنها إدارة جديدة لمؤسسات جديدة قوامها وعمودها الفقري ما أسماه «بيتر دراكر»، «19 نوفمبر 1909 – 11 نوفمبر 2005» باكراً، في ستينيات القرن العشرين، بـ«العامل العارف».
وتتلخص إيحابيات البنية الافتراضية، في أنها:
أ – مناسبة لتجاور المجموعات غير القادرة جغرافياً على التقارب.
ب – تصميمها مناسب للمبادرات والعمليات قصيرة المدى.
ج – قابلة للتكيف مع المحيط السريع التغير.
د – تكاليف الأمكنة قليلة أو غير موجودة.
هـ – تكاليف التنقل من طائرات ووسائل أخرى قليلة.
و – تستخدم وسائل صديقة للبيئة.

في حين أن سلبيات البنية الافتراضية، تتلخص في التالي:
أ – اعتماد كبير على التكنولوجيا مما يعرضها للمشكلات المتضمنة فيها ومحدوديتها.
ب – ليست مستقرة. وفي هذا الشأن يقول «بول فيريليو»، فيلسوف ثقافة التكنولوجيا، «المولود في باريس سنة 1932» إن التكنولوجيا السريعة تحوي في داخلها أيضاً «الحادث النهائي».
ج – ولأنها تقع خارج نطاق البنية التحتية للمؤسسات الداخلية فهي لا تؤثر عليها ويجعلها خارج التفاعل الضروري للنمو والتطور.
د – اعتمادها الكلي على أفراد معينين، كالفنيين عالي الاختصاص، وعلى مصالحهم الخاصة.
هـ – مشكلات لوجستية خصوصاً فيما يتعلق باختلاف الوقت بين بلد وآخر.

فنّ الإدارة..
في كتابه الصادر في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية، الأخيرة تحت عنوان «فن الإدارة الضائع» كتب «بيتر دراكر»، المستشار الإداري المعروف، أن الإدارة ليست مجرد وسيلة تستخدمها المؤسسات والشركات. إنها بيئة كاملة من الفن والعلم والكفاءة والأخلاق، تردم المسافة بين «البرج العاجي» للأكاديميين و«عالم الواقع» للمديرين التنفيذيين. كما تردم أيضاً الهوة الكبيرة بين المصالح الفردية والمصالح العامة. إذ ذاك فقط تزدهر المؤسسات والشركات.

أضف تعليق

التعليقات