حياتنا اليوم

د. سامية العمودي..
الوعي أهم علاج لسرطان الثدي

  • AMOUDI1

حين علمت الدكتورة سامية العمودي بإصابتها بسرطان الثدي، شعرت أنها قد تفيد بكتابة قصتها مع هذا المرض، لزيادة المعرفة، وكسر حاجز الصمت حوله. كانت عائلتها تنصحها دوماً بألا تبوح بالأمر وأن تبقيه طي الكتمان. لكنها قررت بصفتها امرأة وطبيبة أن تسعى لمساعدة غيرها من النساء لتجنب التجربة التي عاشتها. سارة البسّام، من قسم النشر في أرامكو السعودية، أجرت معها هذا الحوار لمجلة «سعودي أرامكو وورلد»، العدد سبتمبر/أكتوبر 2011م، وروت فيه تجربتها، مع هذا المرض وعملها على زيادة الوعي به.

بدأت الدكتورة سامية بأطفالها فسألتهم: ما الذي يجب على صديقة لكم مصابة بسرطان الثدي أن تقوله لأطفالها. فالأطفال كما ترى، يفهمون ويشعرون بل ويسمعون عن هذا المرض. ويدركون أن ثمة مكروهاً ما. فإذا لم نخبرهم نحن، فربما يكون تأثير ذلك عليهم أشد سوءاً. وإذ يعتقد البعض أن إخبار الأطفال بمرض أمهم قد يعني عدم الاهتمام بمشاعرهم، إلا أن الواقع أنهم يستجيبون استجابة طيبة جداً حين يعلمون من البداية بأمر المرض. كان ابنها عبد الله في عامه الثالث عشر أما إسراء فكانت في التاسعة من عمرها. وقد أعطتهما الخبر كلاً بالجرعة المناسبة لعمره.

رهاب السرطان
تروي الدكتورة العمودي قائلة: «في يوم من الأيام جاءتني إسراء تقول لي: هل تعتقدين أنني عندما أكبر سأصاب بسرطان الثدي؟ كان يتحتم علي أن أكون صادقة من دون مبالغة أو تضخيم للأمور. فأجبتها: إسراء، إن أي امرأة في العالم معرَّضة للإصابة بسرطان الثدي، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنك ستصابين بهذا المرض. هذه واحدة، أما الثانية فكما ترين فإنني أقضي وقتًا طويلاً خارج المنزل، حيث أجتهد في العمل وأحيانًا ينتابني شعور بالقلق لأنني لا أقضي وقتاً كافياً معكِ. لكن أتعرفين لماذا؟ لأنني أريدك أن تقولي أنت وصديقاتك في المستقبل: أذكر أنه كان هناك مرض في الماضي يسمى سرطان الثدي، لكن الآن لم يعد له وجود على الإطلاق».
وترى الدكتورة العمودي أن سرطان الثدي هو «مرض العائلة». فهو لا يؤثر فقط في المرأة بل يصيب العائلة كلها بصدمة. وكانت الصدمة قوية في البداية، لكنها استطاعت أن تغيّرها حتى أصبح تأثيرها في أبنائها إيجابياً جداً. فقد بدأت في تغيير الطريقة التي تربي بها ابنها وابنتها، وبدأت تشعر أن عليها أن تعد عبد الله ليكون مستقلاً وقادراً على رعاية نفسه وشقيقته، ليكون مسؤولاً. فهو يعرف كيف يقضي حاجات البيت ويسدد الفواتير. وتقول الدكتورة العمودي في ذلك: لقد أردتهما أن يكونا مستقلين، ليدركا أن هذه هي الحياة، ويجب أن يكونا أقوياء ومؤمنين بالله. فما قدَّر الله أن يكون سيكون لا محالة. وعليهما أن يعرفا كيف يواجهان هذه الأزمات. اليوم السرطان؛ وغداً شيء آخر». وتعرب عن افتخارها بإسراء، فهي لا تعاني رهاب السرطان أو الاعتقاد السائد بأنه يعني الموت المحتم. إسراء وجميع صديقاتها وزميلاتها يعلمن ذلك، إنهن يتحدثن عن سرطان الثدي حتى لا يصبن برهاب منه.

كسر حاجز الصمت
الأمر لم يكن سهلاً، وكان يحتاج إلى اهتمام منهجي بجيل الابنة إسراء. فالمجتمع السعودي كما تقول الدكتورة العمودي، مجتمع محافظ وليس سهلاً الحديث فيه عن القضايا الحساسة، لكن الواجب والمسؤولية يحتمان كسر هذا الحاجز. فعندما بدأت تفكر في التوجه إلى المدارس للحديث مع الطالبات ممن تتراوح أعمارهن بين الثامنة والثانية عشرة، قوبلت برفض بعض المدارس.
وتروي الدكتورة العمودي تجربتها: «أقول لهن إنكن سفيراتي في بيوتكن، وأقول لهن: إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز له سفراء في دول مختلفة، فأنتن سفيراتي لأنكن تحملن رسالتي إلى بيوتكن، وتقلن لأمهاتكن وآبائكن إن المهم أن يعتنوا بأنفسهم ويحافطوا على صحتهم وأن يجروا فحوصاً دورية كل عام».
فهي ترى أن التوعية وسيلة لتمكين المرأة بالمعرفة، ووسيلة للتركيز على الجيل الجديد. فلدى الفتيات تأثير على أمهاتهن أكثر من أي شخص آخر، إذ بوسعهن أن يتحسسن مشاعرهن تحسساً أفضل. فعند التحدث عن اكتشاف المرض المبكر، ولماذا يتحتم على النساء إجراء تصوير الثدي الشعاعي، فإن معرفة الأطفال عن المرض يحفز الأمهات على عدم إهمال الفحص اللازم.

العناية السليمة تبدأ بالذات
وتشرح الدكتورة العمودي المفارقة، في اعتناء الأم بأطفالها، وإهمالها نفسها، فتقول: «إن أي أم تجد طفلها يعاني من حمى بسيطة تهرع به إلى أقرب مستشفى، لكنها لا تذهب إلى المستشفى لو كانت هي المصابة بالحمى. ما يجب على النساء فهمه هو أنني حين أكون مريضة فإنني لن أستطيع أن أعتني بأطفالي. المشكلة التي نواجهها مع النساء هي أنهن ليست لديهن أمثلة حقيقية من واقع الحياة. وكوني طبيبة ومريضة في الوقت نفسه، يجعلهن يشعرن بأنني أدرك مشاعرهن. فأنا أعلم حقيقة عذابهن، وهن يعلمن أنني أقول لهن الحقيقة لأن لي سابقة مع المرض والمعاناة. وقد خضعت للعلاج الكيميائي، وأعرفه جيداً. فالمثال الحي هو أفضل مثال. لكن على الجانب الآخر هناك وسائل الإعلام أيضاً، لأن الكثير من النساء لا يُجدن القراءة أو الكتابة، لكن لدى معظمهن تلفاز. وخلال سردك لقصتك، يكون التأثير كبيراً في النساء».

عيادة متنقلة
وفي هذا الإطار تعد الدكتورة العمودي العدة لعيادة متنقلة في القرى والبلدات. هذا هو المشروع الذي تعتزم القيام به السنة القادمة. ففي عام 2008م، أنشأت الدكتورة العمودي الكرسي العلمي لأبحاث سرطان الثدي. وفي العام 2011م، بدأت العمل في مركز التميز لرعاية سرطان الثدي. والآن في العام 2012م، تأمل أن تكون لديها الأموال الكافية لتوفير هذه السيارة حتى تتمكن من الوصول إلى النساء في المناطق النائية والنساء اللاتي لا يتسنى لهن الحصول على الرعاية الطبية.

… والمرأة الصماء والبكماء
ولا تكتفي العمودي بهذا التوسع في الخدمة، بل تريد إيصال رسالتها إلى النساء الصمّاء والبكماوات. وتقول: «في يوم من الأيام، تلقيت دعوة على الغداء بأحد أندية الصم والبكم. وهناك التقيت صاحبة السمو الملكي الأميرة صيتة بنت عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وكنا نتناقش حول التجاهل الذي تواجهه هذه الفئة من النساء إذ إنهن لا يتلقين الرعاية الصحية التي يحتجن إليها. وقد شعرت بصدمة بالغة عندما علمت أن هناك أكثر من 750 ألف رجل وامرأة يعانون مشكلات السمع في المملكة. وكان أول ما قمت به هو أنني تعلمت لغة الإشارة حين التحقت بدورة تدريب هنا في المركز مع زملائي في الإدارة. ثم بدأنا تغيير جميع اللافتات في المركز لتكون بلغة الإشارة إلى جانب اللغتين العربية والإنكليزية. وبهذه الطريقة تستطيع أي امرأة صماء تأتي إلى المركز وهي لا تجيد القراءة أن تفهم الإشارة. بعد ذلك ألفت ذلك هذا الكتاب حول سرطان الثدي، وبفضل الله تعالى أصدرناه هذا الشهر بلغة الإشارة أيضا».

خبرة الآخرين
ولا تكتفي الدكتورة العمودي بتوسيع نشاطها في المملكة، بل تقول: «أنا عضو في شراكة الولايات المتحدة والشرق الأوسط، التي أطلقتها عقيلة الرئيس الأمريكي السابق السيدة لورا بوش في أكتوبر 2007م. وهي شراكة بين الولايات المتحدة ومختلف الدول العربية، علاوة على منظمة سوزان جي. كومن الأمريكية وهي منظمة شريكة. وقد استفدنا كثيراً مما يمتلكون من خبرة. السعودية بلد غني، ولدينا أفضل التقنيات وأفضل الأطباء، لكن تنقصنا خبرة هؤلاء الأشخاص. فسوزان جي. كومن هي أكبر مؤسسة توعية وتعليم، وهي تمارس هذا النشاط منذ 25 عاماً. وليس حكيماً أن نعيد ابتكار ما ابتكروه بينما نستطيع أن نتعلم من تجربتهم وأن نكيفها لتناسب ثقافتنا».
وترى ثمة خصوصية ما في مخاطبة النساء السعوديات خارج المملكة «لأننا هنا في مجتمع محافظ وليس سهلاً على النساء أن يأتين للحديث عن أنفسهن، ولا تعترف النساء بأنهن مصابات بسرطان الثدي مخافة أن يحجم الناس عن التقدم لطلب بناتهن للزواج. هناك اعتقاد خاطئ بأن هذا المرض وراثي ويصيب العائلة بأكملها. ولكني أستطيع القول إننا نشهد تغييراً كبيراً في النظرة والموقف والوعي بالمقارنة مع السنوات الثلاث أو الأربع الماضية».

كتاب حقوق المريضة
ثم تتحدث الدكتورة العمودي عن إعدادها كتاباً حول الحقوق الصحية للمرأة السعودية، فتقول إنه في الأساس معني بمريضات سرطان الثدي. وهدفه الأول تمكين المرأة من فهم حقوقها، فهناك اعتقاد خاطئ أن المرأة يجب أن تحصل على إذن ولي أمرها. في الإسلام، وبموجب النظام واللوائح، وحتى في دليل وزارة الصحة نفسه، الشخص البالغ، رجلاً كان أو امرأة ، هو المسؤول عن حالته/حالتها الصحية ورعايته/رعايتها الصحية. ليس ثمة حاجة إلى توقيع ولي الأمر نموذج الموافقة. لكن بعض الأطباء لا يعرفون. لذا، فالأمر لا يعدو كونه عادة وعرفاً ولا علاقة له بالإسلام أو النظام، ويسعى الكتاب إلى مساعدة المرأة ومقدمي الرعاية الصحية من خلال توضيح أن هذه هي الوثائق الرسمية والقواعد المعمول بها في المملكة.
ومع كل هذه الجهود لا ترى الدكتورة العمودي أن الأمر كاف، بل تعتقد أن ثمة جهوداً كثيرة لا بد من بذلها قبل أن يصبح الوضع مرضياً، إذ تقول إن الدراسات أظهرت أن عدد الحالات سيزيد ما لم نستعد جيداً. ولكن مع الوعي، لن يمثل عدد الحالات مشكلة: فالمشكلة تكمن في عدد حالات المراحل المتقدمة. فإذا استطاعت المرأة أن تكتشف سرطان الثدي في وقت مبكر، فبالوسع معالجته، إذ بلغت نسبة النجاح نحو %98.
وقد تمنت د. سامية العمودي أن يأتي يوم يكون العالم فيه خالياً من سرطان الثدي، وأن ترى مزيداً من التمكين للمرأة، ومزيداً من الاهتمام بالجيل الجديد. وتقول: «ربما لم أستطع أن أفعل الكثير لنفسي، لكنني أحاول عمل الكثير لابنتي، حتى تستطيع العيش في عالم خالٍ من السرطان».
وعندما يتحدث الناس في الوسط الإعلامي عن سرطان الثدي فسيكون هذا هو أكبر دعم للتوعية بهذه القضية المهمة.

أضف تعليق

التعليقات