فيما تكتفي الدراسات السكانية بالنظر إلى الشيخوخة وكأنها مجرد مشكلة اقتصادية، وهو ما نتلمسه عادة في التقارير التي لا ترى في كبار السن إلا مستهلكين لا ينتجون، اعتمدت الأمم المتحدة اليوم الأول من أكتوبر من كل عام ليكون يوماً عالمياً للاحتفال بكبار السنّ، وذلك في مبادرة يغلب فيها البُعد الأخلاقي على الاعتبارات الاقتصادية، وترتقي بهذه القضية إلى مستوى يضعها ضمن حقوق الإنسان التي يتوجب حمايتها قانوناً حيثما يكون هناك تقصير في ذلك.
تكاثر كبار السنّ.. وتعاظم المسؤوليات تجاههم
المسنّون على تكاثر، وواجبهم على تعاظم. وليس من شك في أن من حق البشرية أن تغتبط لتقدّم الخدمات الصحية وعلوم الطب والجراحة وصناعة الدواء، إذ كان من ثمار هذا التقدم أن ارتفعت معدّلات عمر الإنسان ارتفاعاً مطّرداً، حتى في البلدان الفقيرة من العالم.
فقديماً، كان الرجل متى تخطّى الأربعين من عمره، صُنِّف في الجيل الثالث، جيل الشيوخ الذين قد يُستفاد في أحسن الأحوال من حكمتهم وحلمهم، لكن أمر الاستفادة من عملهم ونشاطهم المهني وخبرتهم العملية وقدراتهم الجسدية أمر آخر. وفي أواسط القرن العشرين، اتُّفِق في كثير من دول العالم على أن سن التقاعد في الوظائف، هي الستّون. أما اليوم فقد رفعت كثير من الدول سن التقاعد إلى الخامسة والستين، فيما أُعفيت بعض المهن، كالفنون والبحث العلمي والتعليم الجامعي، من هذا الحدّ العمري. وصار بلوغ سن الثمانين أمراً لا يثير الدهشة والاستغراب، بل إن في بعض البلدان المتقدمة أعداداً متزايدة، ممن تخطوا المئة عام، يكوّنون شريحة متعاظمة من شرائح هرم الأعمار.
إن الأب والأم اللذين أفنيا عمراً في تربية أولادهما، حتى بلغا سن الرشد، واشتد ساعدهما في تحصيل العيش، حين يبلغان سن الشيخوخة، يتعرضان لمشكلات صحية ونفسية ومالية، لا تُحصى، ولا بد من حقوق لهما..
لكن المشكلة هي في أن المرء، مهما كان سليم البنية مكتمل الصحة، سيتوقف يوماً ما عن العمل، ليرتزق من صناديق الشيخوخة أو راتب تقاعده أو تعويض نهاية خدمته، أو قد يصبح «عالة» اقتصادية واجتماعية على أولاده، أو مجتمعه، وربّما يُهمَل تماماً فيبلغ من البؤس منتهاه. وقد ظهرت في الدول المتقدِّمة، وحتى في عدد من الدول النامية، مشكلة عدم التوازن بين مداخيل صناديق الشيخوخة ومدّخرات التقاعد، وبين النفقات المتزايدة بفعل تزايد عدد المعمَّرين، وحاجتهم المتعاظمة إلى الخدمات الطبية وغيرها. فتحوّلت نعمة التطور الطبي، إلى مصدر لمتاعب اقتصادية، لا تنذر فقط بحدوث اضطراب في معايير المحاسبة المالية، بل قد تفضي في كثير الحالات إلى تقليص الموارد الضرورية للإنفاق على المسنّين، في آخر مراحل عمرهم، فيتحوّل طول العمر من سبب للاغتباط والسعادة، إلى مصدر للبؤس والمتاعب.
من ناحية أخرى، أثبتت دراسات متخصصة في العلوم الاجتماعية، أن التقاعد يؤثر في التوافق الاجتماعي لدى المسنّين، ما لم يتمكنوا من تعويض انتهاء خدمتهم بنشاط عملي متنوّع يتناسب وحالهم الفكرية والثقافية والاجتماعية ومؤهلاتهم المهنية. فهذا النشاط الذي يمارسونه في أوقات فراغهم، وهي وفيرة بعد التقاعد، يساعدهم على الإحساس بأن قيمتهم مصونة، ما دام ثمة حاجة إليهم، ضمن العائلة أو المجتمع.
وليس من شك، كما يدل علم الاجتماع، في أن المنزل والمجتمع الذي عاش فيه المسنّ، قبل التقاعد، هو المكان الأنسب لعيشه في تقاعده. ولذا ينبغي أن تتضافر جميع الجهود العائلية والرسمية والتطوعية، في المؤسسات العامة والأهلية على السواء، من أجل إبقاء المسنّين أطول مدّة ممكنة في منزلهم الأول، وفي المجتمع الذي شاخوا في كنفه.
فمن الأخطاء الشائعة في التفكير العام عند الحديث عن المتقدّمين في السنّ، أن تُحصَر مشكلتهم بالنواحي الصحية الخالصة. صحيح أنهم معرّضون أكثر من الشبّان للأمراض المزمنة والمتاعب الصحية المختلفة، لكن العلوم، مع تقدُّمها، تثبت أكثر فأكثر، أن الحالة النفسية السيئة التي قد يعانيها المسنّ، إنما تُفاقم هذه الأمراض، إن لم تكن من أهم أسبابها.
هرم الأعمار وأهميته
هرم الأعمار هو رسم بياني يمثل توزيع السكان حسب الجنس وحسب فئات الأعمار (في شرائح متصاعدة، فالأطفال في قاعدة الهرم، والشيوخ في أعلاه).
يتميّز هرم الأعمار في الدول النامية بقاعدة عريضة تمثل غلبة فئة الأطفال والشباب على فئات المتقدمين في السن، بفعل ارتفاع وتيرة التكاثر الطبيعي. وتُحسَب هذه الوتيرة بالفرق بين عدد الولادات وعدد الوَفِّيَات، في كل ألف شخص من السكان.
أما هرم الأعمار في الدول الصناعية المتقدّمة فيتميّز بكبر حجم فئة الأعمار المتوسطة وارتفاع نسبة الشيوخ. وسبب ذلك انخفاض نسبة التكاثر الطبيعي بفعل اعتماد سياسة تحديد النسل.
ولا تكتفي الدول عادة في إحصاءاتها الاقتصادية بهرم الأعمار وحده، لتعيين وضعها السكاني (الديموغرافي) بل تستند أيضاً إلى احتساب الفئات الناشطة والفئات غير الناشطة في المجتمع. ففي الإحصاءات، تشمل الفئات الناشطة الأفراد البالغين سن العمل (بين 15 سنة، و60 أو 65 سنة). وتنقسم فئة السكان الناشطين إلى سكان ناشطين يعملون، وسكان ناشطين عاطلين عن العمل. أما الفئة غير الناشطة، فتشمل الأطفال والتلاميذ والطلاب وربات البيوت والمتقاعدين المسنّين وذوي الحاجات الخاصة.
إن نسبة النشاط في الدول الصناعية المتقدمة (لا سيما دول الشمال والغرب) أعلى من النسبة في الدول النامية (دول الجنوب والعالم الثالث)، لأن في دول الجنوب نسبة أكبر من الأطفال وربّات البيوت.
وتهتم الأبحاث الاقتصادية والتنموية في البلاد المتطورة بهرم الأعمار، لأنه يبيّن بصورة مبسطة ونظرة واحدة، إذا كانت البلاد «فتية» أم أنها «تشيخ». فلهذا الشأن علاقة بوتيرة النمو الاقتصادي. ولذا يشجعون الهجرة الوافدة، ولا سيما الشبّان، حين يخشون هذه «الشيخوخة».
الشيخوخة عددياً
في البلاد العربية اليوم
جاء في دراسة للّجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، أن نمط التوازن الديموغرافي التقليدي في البلاد العربية تغيّر في العقود الماضية. وتمثّلت إحدى نتائج التحوّل الديموغرافي من ارتفاع معدّلات الخصوبة إلى انخفاضها، ومن ارتفاع معدّل الوَفَيَات إلى انخفاضه في تطور الهيكل العمري للسكان (هرم الأعمار). وأدى تراجع الخصوبة في البلدان العربية إلى تغييرات مهمّة في هذا الهيكل. وتتمثّل التغييرات في ارتفاع حاد لنسبة السكان بسن العمل (25 إلى 64 عاماً) وانخفاض نسبة السكان في فئة الأطفال (إلى سن 14 عاماً) وارتفاع بطيء وإن كان تدريجياً في نسبة المسنّين (65 عاماً وأكثر).
وعملية الشيخوخة هي أيضاً في مراحلها الأولى في المنطقة العربية حيث تشكل بداية تراجع الخصوبة اتجاهاً حديثاً نسبياً. ومع ذلك، وفي أعقاب التغير السريع للوضع الديموغرافي في المنطقة، لا يمكن التقليل من أهمية الحاجة إلى مواجهة التحديات الكامنة في ارتفاع نسبة السكان المسنّين، نظراً إلى أن العدد المطلق للأشخاص البالغين من العمر 65 عاماً وأكثر قد تضاعف من 5.7 مليون نسمة في عام 1980م إلى 10.4 مليون نسمة في عام 2000م، وإلى 14 مليون نسمة عام 2010م، ويتوقّع أن يبلغ 21.3 مليون نسمة بحلول عام 2020م.
العالم بأسره يزداد شيخوخة
في خمسينيّات القرن العشرين، كانت الفئة العمرية من 65 سنة فما فوق في اليابان مثلاً، تشكِّل نسبة %5 من مجمل تعداد السكان. وقد استقرت النسبة على حالها بعض الوقت، لكنها أخذت تتسارع في نموّها في العقود التالية من السنوات. وفي العام 1989، بلغت نسبة السكان فوق 65 سنة في اليابان %11.6 من مجمل السكان، وفي سنة 2000م بلغت هذه النسبة %16.9. ويتوقّع أن تبلغ في سنة 2020م، نسبة %25.2.
أبرز ما في هذه الأرقام، أن اليابان هي أسرع الدول الصناعية نمواً في فئة الشيوخ. فإذا قورنت مثلاً بالولايات المتحدة، فإننا نلاحظ أن نسبة الفئة العمرية من الشيوخ الأمريكيين استغرقت لتنمو من 7 إلى %14، ما يقرب من 75 سنة. أما فئة الشيوخ من سن 65 سنة وما فوق في ألمانيا وبريطانيا، فنمت نسبتها من 7 إلى %14 في مدى 45 سنة. ولم يستغرق هذا النمو في اليابان غير 24.5 سنة فقط، من سنة 1970م إلى سنة 1995م. ولكن رغم تفاوت النسب هنا وهناك، فإنها تؤكد أن العالم بأسره يشيخ أكثر فأكثر، وبوتيرة أسرع من أي وقت مضى.
مواقف الثقافات المختلفة
من الشيخوخة
في روما القديمة، كان معدل عيش الفرد لا يتعدّى 25 سنة تقريباً، لكن بعض الأفراد كانوا يبلغون سن السبعين، وكانوا يحظون بالاحترام، لحكمتهم. تقول د. كارين كوكاين، من جامعة ريدينغ: «كان الرومان يستفيدون من مسنّيهم، ويؤمنون بحكمتهم وتجربتهم». وقد نَسبَت إلى الخطيب الروماني شيشرون قوله: «ليس أعز عند الإنسان من الحكمة. ومع أن التقدم في السن يأخذ منّا كل شيء، إلا أنه يعطينا الحكمة». أما الشرط الذي لا بد للمسنّ من أن يتحلّى به ليستحق الاحترام، فهو أن يعيش حياة فاضلة. تقول كوكاين: «كان على المتقدمين في السن أن يكونوا مثالاً أعلى للشبان، لأن هؤلاء سيتعلّمون منهم السلوك الحسن».
أما في اليونان، فإن عبارة «الرجل العجوز» ليست سلبية، بل إن الشيخوخة محلّ احتفال وتكريم واحترام، والمسنّ يحتل مكانة المركز في العائلة.
وينظر سكان أمريكا الأصليون بتبجيل كبير إلى كبارهم، لحكمتهم وخبرتهم في الحياة. وتلاحظ دراسة في جامعة ميسوري، في كنساس سيتي، أن الشيوخ منهم يحرصون على نقل معارفهم وخبرتهم إلى الأجيال الطالعة.
وفي كوريا، يُعد تبجيل المسنّ مبدأً من مبادئ تعاليم كونفوشيوس الحكيم الصيني، واحترام الوالدين واجب. بل إن العناية بالمسنّ في العائلة واجب أيضاً. وفي خارج الإطار العائلي، يبدي الكوريّون عموماً احترامهم للمسنّين. يقول كونفوشيوس في تعاليمه: «خشوع الأبناء واحترام الإخوة هما أساس الإنسانية». وفي كوريا تقاليد تقضي الاحتفال ببلوغ الرجل أو المرأة الستين، ثم السبعين من العمر، ذلك أن بلوغ هاتين السنّين مدعاة لفرح العائلة، لأن السابقين في الماضي نادراً ما كانوا يبلغونهما.
وفي الصين، كما في كوريا، يُنظَر إلى خشوع الأبناء للوالدين على أنه أسمى الفضائل. وعلى الرغم من أن بعض التغريب وسياسة الولد الواحد أضعفا نوعاً ما هذا التقليد، إلا أن البالغ الصيني في العموم، يُبدي احتراماً كبيراً لوالديه وللمسنّين. ويُنظَر إلى مَن يودِع والديه في مأوى، على أنه عاق.
والمسنّ في الهند هو رأس العائلة. فكثير من الهنود يعيشون ضمن عائلتهم التي تضم الجدّين والأولاد والأحفاد، ويكون الجدّ هو رأس العائلة. ويلعب الجدّان دوراً فاعلاً في تنشئة الأحفاد. وكلمتهما لا تُردّ عند استشارتهما في الأمور الأساسية. وعدم احترام المسنّ أو إيداعه في مأوى، أمر معيب لدى الهنود.
وفي البلدان العربية، فإن البر بالوالدين الذي أمرنا به الله في القرآن الكريم، ومتانة الروابط العائلية التقليدية ضمن البيت الواحد، وغير ذلك من الاعتبارات الاجتماعية، حفظت لكبار السن مكانتهم اللائقة بهم على وجه العموم، ولم تؤثر المدنية الحديثة كثيراً في ذلك. إذ لا يزال الإنسان العربي يشعر، على سبيل المثال، بحرج من إيداع أهله المسنين في مأوى للعجزة ويمتنع عن ذلك، في حين أن فعل ذلك في المجتمعات الغربية، وخاصة أمريكا المعاصرة، يُعد أمراً شبه مقبول. وفي هذا الصدد، يقول المفكر كوشين باليه إليسون من نيويورك: «ثمة خجل في ثقافتنا من التقدم في السنّ والموت. وحين يتقدم الناس في السنّ يشعرون بأن بهم خطباً ما، وأنهم فقدوا قيمتهم». ويقول عالم الفيزيولوجيا إريك إريكسون: «إن افتقارنا إلى النظرة المثالية إلى الشيخوخة يحرمنا من تكوين نظرة شاملة إلى الحياة».
الأمم المتحدة: أبعاد القضية
أخلاقية واقتصادية وحقوقية
إن إعلان الأول من أكتوبر يوماً دولياً لكبار السنّ، لا ينم عن اهتمام جديد بهذه المسألة. فقد اهتمت الأمم المتحدة، منذ العام 1982م على الخصوص بحقوق كبار السن.
وصنّفت المنظمة الدولية سوء معاملة كبار السن على أنه مسألة حقوق إنسان، وأقرّت ما يلي:
• توجيه الانتباه إلى المسائل السياسية التي ينطوي عليها سوء معاملة كبار السنّ والتمييز ضدّهم.
• التصدّي لسوء المعاملة فيما يتصل بحق كبار السنّ في الحصول على المنافع الاجتماعية وغيرها من الاستحقاقات.
• التصدّي بفاعلية لسوء المعاملة والعنف.
وأجملت خطة العمل الدولية للشيخوخة التي اعتمدتها الجمعية العالمية الأولى للشيخوخة في فيينا في عام 1982م، حقوق كبار السنّ، وبيّنت مبادئ الأمم المتحدة المتعلِّقة بكبار السنّ حقوقهم في مجالات الاستقلالية والمشاركة والرعاية وتحقيق الذات والكرامة. وفي عام 1995م وجّهت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في تعليقها المتعلق بتنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية انتباه الدول الأعضاء إلى حالة كبار السنّ، ووضعت مبادئ توجيهيّة لتسترشد بها الدول الأطراف في تعميق فهمها لالتزاماتها إزاء كبار السنّ في تنفيذ أحكام العهد.
البر بالوالدين الذي أمرنا به الله في القرآن الكريم، ومتانة الروابط العائلية التقليدية ضمن البيت الواحد، وغير ذلك من الاعتبارات الاجتماعية، حفظت لكبار السن مكانتهم اللائقة بهم على وجه العموم، ولم تؤثر المدنية الحديثة كثيراً في ذلك
واعتمدت مؤتمرات القمة التي عقدتها الأمم المتحدة أيضاً التزامات ومبادئ توجيهية، تشدِّد بالخصوص على تعزيز حقوق كبار السنّ، منها إعلان وبرنامج عمل كوبنهاغن اللذان اعتمدهما مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية في عام 1995م وإعلان ومنهاج عمل بيجين اللذان اعتمدهما المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة في عام 1995م، والمبادرات الأخرى من أجل التنمية الاجتماعية التي اتخذتها دورة الجمعية العامة الاستثنائية الرابعة والعشرون، وإعلان الأمم المتحدة للألفية الذي اعتمده مؤتمر قمة الألفية بالأمم المتحدة في عام 2000م.
وترى المواثيق الدولية في هذا الشأن، أن الفقر يزيد حدة الحرمان من حقوق الإنسان الأساسية ويقلل الخيارات والفرص المتاحة لحياة مقبولة. وفي عديد من المجتمعات توجد بين كبار السنّ نسبة غير متناسبة من الفقراء وفقراء الفقراء. ولذلك فإن القضاء على الفقر والحد من العنف هدفان مكمّلان لحقوق الإنسان في عديد من المناطق، وعناصر مهمة من عناصر التنمية البشرية.
والشيخوخة هي إحدى الوسائل التي يُحرَم كبار السنّ بواسطتها من حقوق الإنسان، أو تُنتَهك عن طريقها تلك الحقوق. ويحدث أن تتحوّل الصور النمطية السلبية لكبار السنّ وإساءة معاملتهم إلى قلة اهتمام المجتمع بهم، بما في ذلك خطر التهميش والحرمان من تساوي الفرص ومن الموارد ومن الحقوق. ويؤدي التمييز في العمل على أساس السنّ إلى استبعاد العمّال المسنّين من العمالة النظامية. وتؤثّر القيم الثقافية فيما يتصل بالسن ونوع الجنس على درجة التمييز ضدّ المسنّين في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وقد تنجح النظم القانونية أو تفشل في مقاومة الضغوط التعويضية لحماية حقوق الإنسان.
«لن ننساهم ولو نسونا»
فمهما تنوعت احتياجات المسنين وأحوالهم ما بين القدرة على الاستمرار في العطاء ولو بشكل محدود بعد تجاوز سن العمل، وفقدان كل قدرة على العطاء غير ما يكتنزه القلب من عاطفة أو العقل من حكمة، فإن ما هو مشترك بين كل كبار السن يتمثل في حاجتهم إلى من يتكئون عليه، في مواجهة ضعفهم. ضعف يتطلب يد العون من الجيل اللاحق لرفع تبعاته. ولعل من أجمل ما يلخص واجباتنا تجاه المسنين، وهم في أضعف أحوالهم، الشعار الذي ترفعه إحدى الجمعيات العربية للعناية بالعجزة فاقدي الذاكرة، ويقول : «لن ننساهم ولو نسونا».