ملف العدد

قصة البترول..
هكذا تزوِّد أرامكو السعودية العالم بالطاقة

  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
  • 18-2
  • 19
  • 397px-Abd_Al-Aziz_ibn_Saud1927
  • Blue_ink_in_Water_by_KaT_Pekena--
  • dr1
  • dr2
  • dr3
  • dr4
  • lab technician sketch
  • p15
  • p19
  • p25
  • p38
  • p44
  • p55
  • p61
  • p70
  • p78
  • p313
  • Pilot-03
  • yara_lab sketch

فكّر في النفط، هل تعرف ما هو؟
النفط أو البترول يأتي من الطبيعة، وهو أحد أكثر المواد فائدة وقيمة في العالم، لا سيما في العصر الصناعي الذي بدأ قبل نحو قرنين. ونقصد بالبترول الزيت الخام والغاز الطبيعي. فهذان مصدران من مصادر الطاقة يوفِّران لنا الوقود الذي نستخدمه لقيادة سياراتنا وتدفئة بيوتنا وتحريك آلاتنا. لكن قد لا تعلم أن البترول يُستخدم أيضاً في صنع المنظّفات واللدائن (البلاستيك) والألياف الصناعية وإطارات السيارات والمواد الحافظة للطعام المعلب والأسمدة ومرطبات الجسم، وقائمة طويلة أخرى من المواد الضرورية.

كتابة: إلويس فلود – الرسوم والبيانات: جيم كوب

تاريخ البترول
عرفت البشرية البترول واستخدمته منذ ألوف السنين، ولكن استخدامه على نطاق واسع حديث نسبياً، 
ولا سيما منذ انتشار السيارة. فمنذ بداية عصر السيارة أوائل القرن العشرين تعاظم طلب البترول، وزاد إنتاجه لمواكبة الطلب، حتى فاق العرض منه الطلب. وتنافس المنتجون، واستمروا في خفض أسعارهم للإبقاء على تجارتهم.
أما المصافي التي تكرر البترول فلم تخضع لمقدار التطوير والتحديث المطلوب. فمع وفرة البترول الخام، كان يحدث نقص في البنزين (وبالتالي زيادة في الأسعار).

ما هو البترول؟
الذرّة هي أصغر وحدة معروفة للمادة، أما الجُزَيء فهو عبارة عن وحدة تتكون في العادة من ذرتين أو أكثر مرتبطة كيميائياً معاً. والبترول مزيج معقَّد من مئات الجزيئات الهيدروكربونية المؤلفة أساساً من ذرات الهيدروجين والكربون المرتبطة معاً في سلاسل.

كيف يتكوَّن البترول؟
معظم البترول نباتات مجهرية وحيوانات صغيرة عاشت خلال عصر الديناصورات. وعندما ماتت هذه الكائنات استقرت بقاياها في قاع المحيط، حيث تحلّلت وتحوّلت كيميائياً خلال ملايين السنين. تستقر المادة العضوية المتحلّلة في مستقرّ خالٍ من الأكسجين لتكوين صخور مصدرية يوجد بها البترول. وتقوم البكتيريا اللاهوائية بتغيير الدهون في المادة العضوية إلى مادة شمعية تُعرَف بالقار الصفائحي Kerogen. ويرفع الضغط في باطن الأرض درجة حرارة القار الصفائحي فيتحوّل إلى بترول.

المكامن البترولية
عندما يتحرَّك البترول إلى أعلى خلال الطبقات الأرضية، يتحرَّك عبر صخور مسامية ذات ثقوب صغيرة تشبه مسام الإسفنج. ويملأ البترول هذه المسام تماماً كما يملأ الماء مسام الإسفنج. وعندما يتحرك البترول عبر حاجز أو سدادة من الصخر ولا يستطيع النفاذ منه، يستقر ويبقى في الصخور المسامية مكوناً بذلك مكمناً.

المكامن غير التقليدية
إن أبسط الوسائل لإزالة البترول من مكمن ما وأقلها تكلفة هي حفر بئر والسماح للضغط داخل هذه البئر أن يدفع البترول إلى السطح. وأحياناً تكون هناك حاجة إلى وسائل استخلاص إضافية مثل حقن المياه في البئر للمحافظة على ضغطها. وتسمى هذه الأنواع من المكامن «مكامن تقليدية». ولكن بعض المكامن تتكوَّن بطريقة لا تجدي معها هذه الطريقة البسيطة والاقتصادية في استخلاص الزيت. وتسمَّى هذه المكامن «بالمكامن غير التقليدية». وعموماً فإن المكمن غير التقليدي هو ذلك المكمن الذي لا يمكن الإنتاج منه بصورة اقتصادية دون الاستعانة بوسائل مكثفة للمعالجة والتنشيط أو وسائل استخلاص خاصة. وهناك أنواع عديدة من المكامن غير التقليدية، تشمل الميثان المستخرج من الفحم وهيدرات الغاز والزيت الثقيل ورمال القار والغاز وزيت السجيل ورمال الغاز القليلة النفاذ.

وقد يوجد البترول في مكامن دُفنت على عمق آلاف الأقدام تحت قاع المحيط، أو في طبقات رسوبية مثل رمال الزيت التي يختلط فيها البترول مع الرمل. وهناك قائمة طويلة من المكامن غير التقليدية. وفي المملكة العربية السعودية، يوجد جميع البترول المنتَج اليوم في مكامن تقليدية. ولكن ذلك لم يمنع أرامكو السعودية من تطوير تقنيات جديدة للحفر ووسائل متطورة من أجل استخلاص أكبر قدر ممكن من البترول.

وتشير التقديرات إلى أن كندا تملك ثاني أكبر كمية من البترول (لا يفوقها في ذلك إلا المملكة العربية السعودية)، في رمال الزيت في ألبرتا. لكن صعوبة استخلاص البترول وارتفاع تكلفته من رمال الزيت يعنيان أن كندا لا تنتج الآن من البترول ما قد تكون قادرة على إنتاجه يوماً ما.

الرمال الزيتية
تملك كندا وفنزويلا أكبر كميات من رمال الزيت في العالم. وهناك كمية كبيرة تزيد على تريليوني برميل من الزيت العالمي موجودة في ترسبات الرمال الزيتية. ويعد استخلاص الزيت من الرمال الزيتية أمراً صعباً، باستخدام إحدى طريقتين هما التعدين السطحي أو التعدين بالحفرة المكشوفة. وفي كلتا الحالتين، تحوَّل الرمال الزيتية إلى معمل معالجة، حيث يُستخلَص الزيت الخام من العناصر الأخرى.

يستهلك الاستخلاص كثيراً من الماء. وبالإضافة إلى ذلك يعد التعدين في الرمال الزيتية مكلفاً جداً، حتى أن الأمر يحتاج إلى طنين من الرمال الزيتية لإنتاج برميل واحد من الزيت الخام.

البترول السعودي
في عام 1932م لم تكن المملكة العربية السعودية تلك الدولة العصرية الصناعية التي نراها اليوم. فقد كان جزء كبير من شبه الجزيرة العربية مقسماً بين القبائل البدوية التي كانت تبسط سيطرتها على أجزاء من الأرض بحوزتها. وفي بيت آل سعود وُلد مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، يرحمه الله.

أدرك الملك أن دولته الوليدة بحاجة إلى المال. وفي عام 1933م وافق على منح شركة الزيت الأمريكية، ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا «سوكال» ترخيصاً للتنقيب عن الزيت. وكان لدى «سوكال» والملك عبدالعزيز آمال عريضة في وجود كميات كبيرة من البترول مدفونة تحت كثبان الرمل. فعلى مر التاريخ، كانت النزوز البترولية قد رُصدت على طول الساحل. وكان النفط قد اكتُشف فعلاً في إيران والعراق وبلدان أخرى مجاورة. واكتُشف مكمن بترولي كبير في جزيرة البحرين. والبحرين تشبه من الناحية الجيولوجية المملكة كثيراً، لا سيما شواطئ المنطقة الشرقية المطلة على الخليج.

المستكشفون الأوائل
عندما بدأ الجيولوجيان روبرت «بيرت» ميلر وسكيلر «كروق» هنري في استكشاف المنطقة الشرقية في سبتمبر 1933م، كانت مكاناً لا ترى ما فيه شيئاً من ازدهار اليوم. ضم الفريق ثمانية جيولوجيين (أحدهم كان طياراً أيضاً) إلى جانب اثنين من الميكانيكيين (أحدهما كان مساعد طيار). كانت المهمة شاقة، فقد كان عليهم مسح الصحراء ليقرروا أفضل الأماكن للتنقيب عن البترول.

وقد أسست «سوكال» شركة كاليفورنيا أرابيان ستاندرد أويل كومباني، «كاسوك». كانوا أشبه بفريق الكشافة حيث يذهبون أولاً لجمع المعلومات. وقد أقام خبراء الحفر مخيمهم ومعداتهم وبدأوا الحفر.

كانت السنوات القليلة الأولى مخيبة للآمال، وبحلول أواخر عام 1937م، كانت كاسوك حفرت 10 آبار في قبة الدمام، وكانت تعمل للوصول بالبئر السابعة إلى طبقة جيولوجية أعمق من الآبار السابقة. وقد بدأت الشكوك تساور تنفيذيي الشركة في كاليفورنيا.

الاكتشاف!
وفي 3 مارس 1938م، وصل رجال الحفر إلى أعمق طبقة (1,441 متراً/ 4,727 قدماً تحت سطح الأرض)، وبدأ الزيت الخام في التدفق من البئر الرقم 7، بانتظام يزيد على 3 آلاف برميل في اليوم، وبذلك حققت كاسوك أول نجاح لها.

بسبب الحرب العالمية الثانية، لم يزد إنتاج البترول في الدمّام بالسرعة الأولى. لكن تزايد عدد العمّال من كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وأصر الملك عبد العزيز على أن توظِّف الشركة السعوديين وتدرّبهم. فتوافرت للمواطنين في المملكة فرص عمل لم تكن متاحة من قبل.

تطور الملكية
تغير اسم كاسوك في نهاية المطاف إلى شركة الزيت العربية الأمريكية أو أرامكو. وقد أبدى ذلك الأمر تنامي الدور الذي كان على المملكة وشعبها أن يؤدياه في الشركة. وفي عام 1988م، صار اسم الشركة أرامكو السعودية نتيجة استمرار الدولة في الأخذ بزمام الأمور.

ولم يحدث هذا بجرة قلم، ففي عام 1950م، اتفقت أرامكو مع الحكومة السعودية بطلب من الملك عبد العزيز، على تقاسم أرباح البترول. وكان هذا يعني أن المملكة قد بدأت تستفيد من زيادة سعر البترول.

وقد بدأت هذه المسيرة فعلاً، حين غادرت أول شحنة من الزيت الخام السعودي رأس تنورة في عام 1939م. وقد أقيم احتفال للمناسبة، وشاهد نحو 2000 شخص الملك عبد العزيز وهو يدير الصمام ليتدفق البترول إلى الناقلة. وفي عام 1973م، اشترت الحكومة السعودية %25 من أسهم أرامكو وأصبحت شريكاً جزئياً. وخلال السنوات العديدة التالية، استمرت الحكومة السعودية في شراء أسهم أرامكو حتى اشترتها بنسبة %100 في عام 1980م.

النهوض بالأبحاث
مع أن الجيولوجيين الأوائل كانوا قادرين على تعلم الكثير من المعالم الطبيعية التي وفرتها الأرض، فقد استمر الناس في تحسين الوسائل والأدوات المستخدمة في العثور على البترول. وبحلول الخمسينيّات، أصبح عدد من الأساليب الجديدة شائعاً.

تحسّن كثيراً استخدام علم الزلازل الذي يُعنَى بدراسة موجات التصادم في أثناء حركتها في باطن الأرض، حين تمر الموجات عبر بعض التضاريس وترتد عن بعضها الآخر وقد تتباطأ في جزء ثالث من هذه التضاريس.
وثمة وسيلة مهمة أخرى هي دراسة طبقات قشرة الأرض لمعرفة خصائصها.
ويعتمد جيولوجيو البترول اليوم على هذه الأساليب إلى جانب معرفتهم بالصخور الأرضية والطبقات المعدنية للعثور على الزيت. وتقسّم فرق المسح المنطقة إلى مناطق أصغر وتركّب مجموعة من وسائل «التنصت» أو «الاستشعار» الزلزالي المسماة «جيوفونات» في كل منها. وبعد وضع هذه الجيوفونات تتولّى الشاحنات الضاربة إحداث اهتزازات تستشعرها الجيوفونات وتسجّلها.

وبالإضافة إلى علم الزلازل، تستخدم أرامكو السعودية التراصف أو علم وصف طبقات الأرض في البحث عن الزيت.

الغاز الطبيعي – الغاز «الآخر»
إن كلمة نفط تعني الزيت والغاز الطبيعي. ويُعد الميثان المكون الأول للغاز الطبيعي، وهو أبسط المواد الهيدروكربونية إذ يتكون من ذرة كربون واحدة وأربع ذرات هيدروجين.

والغاز الطبيعي سريع الاحتراق ويطلق الكثير من الطاقة الحرارية عند حرقه. ولذا يُستخدَم وقوداً في محطات الكهرباء وأنظمة التدفئة المنزلية ومواقد الطهو في المطابخ. ولكنه أخف من الزيت الخام، ولذا يرتفع إلى قمة المكمن، مكوناً طبقة خاصة به. وفي أعماق الأرض قد يوجَد الغاز الطبيعي في صورة سائلة بسبب ارتفاع الضغط ارتفاعاً هائلا. لكن الضغط حين يخف على سطح الأرض، يسمح له بالتحول إلى غاز. وليست كل ترسبات الغاز الطبيعي مرتبطة بوجود الزيت أو مرافقة له. ويطلق على الغاز الذي يعثَر عليه منفصلاً الغاز غير المصاحَب، لأن الزيت لا يصاحبه.

وفي منتصف تسعينيّات القرن الماضي، بدأت أرامكو السعودية بتطوير مكامن الغاز الطبيعي غير المصاحَب في حقل الغوار.

استخراج البترول
تبدأ تحديات إنتاج البترول بتعيين مكان وجوده، إذ يكون في أماكن يصعب الوصول إليها في كثير من الأحيان. ففي المملكة العربية السعودية عُثر على كثير من البترول تحت رمال الصحراء (تصل الحرارة في حقل الشَّيبة في الربع الخالي إلى 55 درجة مئوية في أشهر الصيف). ويتعين جلب كل اللوازم والمعدات لتطوير هذه الحقول من مسافة بعيدة.

تُعرف الهياكل الضخمة التي تُبنَى للتنقيب عن الزيت أو الغاز باسم «أجهزة الحفر»، وقد تُستخدَم أجهزة الحفر لحفر آبار اختبار بحثاً عن البترول، وأحياناً لاستخراج عينات لتحليل تركيبة الأرض، وأحياناً أخرى في حفر الآبار التي يرتفع خلالها الزيت فعلاً إلى سطح الأرض.

ولحفر بئر نموذجية رأسية على اليابسة، تُنشأ حفرة يُنصَب فيها برج الحفر وتُغلَّف جوانبها لمنعها من الانهيار، ثم يُستأنف الحفر.

مثاقب الحفر
تقع معظم مكامن البترول على عمق مئات أو حتى آلاف الأمتار تحت الأرض. ويعني ذلك ضرورة اختراق لُقَم الحفر طبقة تلو أخرى من التربة والصخر والملح. وتزيد سخونة لُقًم الحفر كثيراً من جراء الاحتكاك الناجم من طحن الصخور. ولتبريد لُقَم الحفر يصب طاقم الحفر خليطاً من مواد كيميائية تُعرَف «بالطين» عبر سلسلة الحفر. ويختلف تصميم جهاز الحفر باختلاف ما إذا كان سيُستخدَم على اليابسة أو في المنطقة المغمورة.

وقد عملت أرامكو السعودية مع شركات في الخارج لاختبار العديد من التصاميم المختلفة لمعرفة المواد المناسبة للقطع خلال الطبقات المختلفة من الأرض المحيطة بمكامن البترول. وتتضمن لقم الحفر قطعاً صغيرة من الماس الاصطناعي تغطي رأس المثقاب. ولما كان الماس واحداً من أصلد المواد في العالم، فإنه يتميز بحواف ممتازة للقطع.

تكسّر سلسلة الحفر
يُعد عمق الآبار في المملكة العربية السعودية تحدياً كبيراً. فكلما كان الثقب أعمق كان الجهد أكبر على سلسلة الحفر التي تتعرض كلما استطالت، للانثناء أو الانكسار. والمشكلة عندئذ تكون مزدوجة بسبب غلاء اللقم والاضطرار إلى وقف العمل ريثما ينتهي إصلاح جهاز الحفر و«التقاط» الجزء المكسور منه، بأدوات خاصة أو بالمغناطيس.

ويعد حفر الآبار الأفقية من الحلول المبتكرة لمشكلة استخلاص الزيت من أماكن يصعب الوصول إليها. غير أن الآبار الأفقية أطول كثيراً من الآبار العمودية، إذ يتعين أن تصل هذه الآبار عمودياً أولاً إلى المستوى الصحيح ثم تسير أفقياً مسافة طويلة، وبذلك تقتضي في الواقع مزيداً من الضغط على سلسلة الحفر.

في أيامنا هذه، هناك عدسات الألياف البصرية والعديد من أجهزة الاستشعار، التي تقيس كثافة الطبقات الصخرية والمقاومة الإلكترومغناطيسية وغيرها، ويمكنها نقل معلومات تفصيلية لأطقم الحفر على السطح، تساعد الأطقم في اكتشاف المشكلات وحلها قبل أن تتفاقم. ومع تحسين تصميم لقمة الحفر، قلّلت هذه التطورات كثيراً احتمال تكسر لقم الحفر.

التحكم بالضغط
ولا تنتهي التحديات بمجرد حفر البئر. فاستخراج البترول أيضاً مسألة معقدة. فالضغط في باطن الأرض مرتفع، وهو يدفع البترول إلى أعلى. فإن كان البترول الذي يملأ فراغ المسام يشبه الماء الذي يملأ الإسفنجة، فإن ضغط المكمن يشبه الضغط على الإسفنجة لإدخالها في قارورة صغيرة، ثم ملء القارورة بسائل. وعندما تفتح القارورة، فسيسلك السائل أسهل الطرق للخروج من فوهتها.

وعند إزالة الزيت والغاز يبدأ الضغط في الهبوط. وفي نقطة معينة، ينخفض الضغط إلى درجة تمنع تدفق الزيت عبر ثقب البئر. وفي بعض الحالات، تعيد شركات البترول حقن الغاز الطبيعي في المكامن للمحافظة على قوة ضغطها. وفي حالات أخرى، يُدعَم الضغطُ بحقن الماء (غالبا ما يكون ماء البحر). غير أن بعض مكامن البترول تحتفظ بضغط عال جداً، وهي حالة تعرف بالضغط الزائد. فكلما كان المكمن أعمق، كان الضغط بداخله أعلى. وتميل مكامن الغاز غير المرافَق على سبيل المثال إلى أن تكون أعمق من مكامن الزيت، لذا فإن الضغط الزائد يعد هاجساً عند الحفر فيها. فعندما ينفذ المثقاب في المكمن ذي الضغط العالي عبر صخرة الغطاء، فإن الضغط المرتفع في المكمن قد يؤدي إلى دفع الزيت أو الغاز بقوة عبر ثقب البئر إلى السطح، مثل «الصودا» عندما تنفجر خارجة من القنينة التي سبق رجّها. وهذا ما يعرف بالانفجار.

تلف التكوين
ومع مرور الوقت، يختلط الطين المستخدَم لتبريد جهاز الحفر بالكثير من المكوِّنات الأخرى، سواء أكانت مائية أو زيتية تبعاً لحاجة البئر. غير أن هناك مسألة تتعلق بكيمياء طين الحفر، وهي أن هذه المواد الكيميائية يمكن أن تنخر صخور المكمن وتتلفها، وهذه مشكلة معروفة باسم «تلف التكوين». وتستخدم مادة زاناثان ومواد كيميائية مشابهة تعرف بالبوليمرات لتشكل سدادات تحول دون إلحاق المواد الكيميائية الموجودة في طين الحفر الضرر بالمكمن. كذلك تتولى البوليمرات أيضا تليين لقمة الحفر، فتجعلها أقل تعرضاً للتلف من جراء الاحتكاك الناتج من الحفر عبر الصخور الصلبة. غير أن البوليمرات نفسها يمكن أن تسبب مشكلات للحفر، لأنها يمكن أن تتراكم في ثقب البئر وفي سلسلة أنابيب الحفر (تخيل لو أن كميات من العلكة تراكمت على الجانب السفلي من كرسي الدراسة)، مسببة ما يشبه «كعكة الترشيح» (filter cake) التي يمكن أن تسبب تعثر لقمة الحفر أو تكسرها. وعليه لا بد من إزالة مخلفات البوليمر، مع توخي الحذر في ذلك لأن الأحماض القوية المستخدمة في تفكيك البوليمرات يمكن أيضاً أن تتلف معدات الحفر وتثقب البئر وتتلف البيئة المحيطة. وقد طور الكيميائيون في أرامكو السعودية نوعاً من المعالجة لكعكة الترشيح باستخدام إنزيمات مخصصة لإذابة البوليمرات، يليها نوع من المعالجة بالأحماض المخففة.

إدارة المكامن
لدى أرامكو السعودية فريق مخصص للتعامل مع كل التعقيدات التي تصاحب حفر الآبار واستخراج الزيت منها، وهو فريق إدارة المكامن. وتصنع هذه الإدارة نماذج إلكترونية للمكامن لتعيين تركيبتها الدقيقة واختيار أفضل المواقع للحفر والتنبؤ بالمشكلات ومنعها أو حلها مثل أضرار التكوين وانهيار ثقب البئر والانفجارات وغيرها. وهي مهمة أساسية. وعلى إدارة المكامن أن تعمل مع موظفين من مختلف إدارات الشركة من جيولوجيين إلى فنيي أنظمة الكمبيوتر.

الحفر في المنطقة المغمورة
اكتُشفت النزوز البترولية في المحيطات حول العالم منذ سنوات عديدة، وتعد هذه النزوز مثل نظيراتها على اليابسة مؤشرات على إمكان وجود المكامن البترولية تحت قاع البحر. وقد حُفرت آبار تحت البحر أو في المنطقة المغمورة في المناطق الساحلية الضحلة مع بداية القرن العشرين، ولكن استخراج البترول من أعماق المحيطات لم يكن يحظى بالاهتمام إلى أن زاد طلب البترول كثيراً بعد الحرب العالمية الثانية.

وقد توقع الجيولوجيون في أرامكو وجود كميات كبيرة من البترول تحت قاع الخليج العربي لا سيما في السفّانية. وقد بدأت الشركة البحث عن هذه المكامن عام 1949م، وأنشأت أول منصة حفر في المنطقة المغمورة عام 1950م. وفي عام 1951م اكتُشف حقل السفانية.

وتعني الطبقات والعراقيل العديدة تحت الأرض أن على المنقبين أن يصلوا إلى المكمن من اتجاهات عدة. ولأن كل منصة حفر في المنطقة المغمورة يجب أن تكون متصلة بقاع البحر لمنعها من الطفو والتمايل، فسرعان ما أدركت أرامكو أن الأمر سيستغرق عدة سنوات وسيحتاج إلى العديد من منصات الحفر للوصول إلى الزيت في السفّانية. وعليه خرجوا بحل هو إنشاء منصة الحفر المتنقلة. وبعد سنوات من البحث والتطوير، أنشأت أرامكو أول منصة حفر متنقلة في عام 1958م. وقد سمَّتها منصة الحفر المتنقلة الرقم 1. ولا يزال هذا النموذج الأساسي مستخدماً حتى اليوم.

تصنيف الزيت الخام
عندما تفكر في الزيت، قد يتبادر إلى ذهنك أنه سائل أسود لزج. ولكن للزيت العديد من الألوان. وفي صناعة الزيت هناك العديد من الأصناف المختلفة. على سبيل المثال، الزيت الخام الذي يحتوي على نسبة كبيرة من الكبريت (تكون عادة من كبريتيد الهيدروجين) يسمى الزيت المرّ. بينما يشار إلى الزيت الخام الذي يحتوي على نسبة قليلة من الكبريت بلفظ الحلو. وكبريتيد الهيدروجين سام في حالته الغازية، بينما يكون أكالاً جداً عندما يكون سائلاً، ولا بد من إزالته قبل تصدير الزيت. ولهذا يعدّ الزيت الخام الحلو أغلى من الخام المر لأنه لا يتطلب إزالة الكبريت.

ومن الخصائص المهمة الأخرى الوزن النوعي، أي كثافة المادة. وأنواع الزيت الخام العربي يمكن أن تراوح بين الخفيف جداً والخام الثقيل. وأنواع الزيت الخفيفة تحتوي بصفة عامة على القليل من جزيئات المواد الهيدروكربونية الكبيرة. والجزيئات الصغيرة لا تحتاج إلى تكسير في أثناء التكرير، ولهذا فإن الزيت الخام الخفيف ينتج نسبة أعلى من المنتجات العالية القيمة.

وفي المملكة العربية السعودية يشكل الخام الخفيف الحلو نسبة %75 تقريباً من احتياط البلاد المثبت، معظمه من حقل الغوار (أكبر حقل زيت في العالم)، ومن الشيبة وحقول الزيت الأخرى.

تنظيف الزيت الخام
عندما يُستخرج النفط غالباً ما يحتوي على ملوثات تجب إزالتها قبل تكريره وشحنه. وتمر هذه المعالجة بمراحل متعددة:

معامل فرز الغاز من الزيت
أول محطة هي معمل فصل الغاز والماء من الزيت. في ظروف الضغط العالي في جوف الأرض يذوب الغاز في الزيت ويتخذ شكلاً سائلاً. ولكن عندما يصل هذا السائل إلى السطح، حيث يقل الضغط، يتحول إلى غاز.

يُفصل الغاز عن الزيت في المعامل التي توجد بالقرب من مواقع الحفر ضمن حقول الزيت. ثم يُفرّز الزيت إلى عناصره الأخرى أثناء التكرير. وبعد ذلك يمكن مزج هذه العناصر لتتحول إلى منتجات نهائية. ومع أن أرامكو السعودية تشغل مجموعة من معامل التكرير، إلا أن جزءاً من المواد البترولية يُشحَن خاماً إلى دول أخرى حيث يُكرَّر.

إزالة الماء والملح
عند استخراج البترول من جوف الأرض، غالباً ما يصاحبه بعض الماء. ويختلط الزيت والماء في جوف الأرض، ويجب فصلهما عند بلوغهما سطح الأرض بإزالة الماء. ويكون الماء في الغالب مشبعاً بالملح والمعادن الأخرى التي لابد من إزالتها بالتحلية. ويكون ذلك باستخدام طريقة الفرز الإلكتروستاتيكي، فيُرسَل تيار كهربائي عبر مزيج الزيت والماء لتسريع الفرز الطبيعي.

وبعد فرز الغاز الطبيعي من الزيت، وإزالة الماء والمعادن، يُضَخ الزيت الخام عبر أنابيب إلى معمل التركيز لإزالة كبريتيد الهيدروجين منه. في معمل التركيز، يُرسَل الزيت عبر عمود طويل، ويُسخَّن تدرُّجاً. ويؤدي هذا التسخين إلى تحول كبريتيد الهيدروجين والعناصر الأخرى من ما ء وغاز طبيعي، إلى مواد غازية ترتفع إلى أعلى العمود. ومن هناك تُرسَل إلى «وعاء تنقية الغاز»، حيث تُجمع أي مواد هيدروكربونية مفيدة. ويُرسل الزيت الخام الذي صار «حلواً» إلى خزانات تبريد لمنع أي مواد هيدروكربونية أخرى من التبخر.

التكرير
آخر خطوة لتحويل الزيت الخام إلى منتجات قابلة للاستهلاك هي التكرير، وهو فرز الزيت الخام إلى أجزاء أو عناصر مفيدة، مثل البنزين والديزل ووقود النفاثات وزيت الوقود.

وعند وصول الزيت الخام إلى معمل التكرير، يكون جاهزاً للمعالجة بواسطة وحدة التقطير التجزيئي. وهنا، يُضَخ عبر عمود ويُسخَّن بواسطة البخار في القاع. وتتسبب الحرارة في غليان المواد الهيدروكربونية الموجودة في الزيت الخام وتبَخُّرها، ومن ثم يبدأ هذا البخار في الصعود إلى أعلى العمود. وعندما يصل إلى المناطق الأبرد، يبدأ في التكثف ويتحوّل إلى سائل يتجمع في أوعية مصفوفة داخل العمود.

عادة ما ينتج من التقطير التجزيئي نحو %40 فقط من البنزين (وهو أحد أكثر المنتجات المعدة للاستهلاك قيمة)، ولهذا طوّر خبراء الكيمياء البترولية طرقاً لتعديل المواد الهيدروكربونية للحصول على نسبة أعلى من العناصر التي يريدونها. وهناك ثلاث طرق أساسية لتغيير المواد الهيدروكربونية كيميائياً وهي:

التكسير: تكسير المواد الهيدروكربونية الثقيلة إلى أجزاء أخف وزنا.
الدمج: دمج المواد الهيدروكربونية الصغيرة لتصبح أكبر حجما.
الأزمرة (إنتاج البنزين الخالي من الرصاص): إعادة ترتيب جزيئات مادة هيدروكربونية لعمل مواد أخرى مختلفة عنها.
الحد من الأثر في البيئة
هناك العديد من التحديات البيئية والصحية والتحديات المرتبطة بالسلامة في صناعة البترول، فعندما تستخدم المنتجات البترولية وقوداً، فمعنى ذلك أنها سَتُحرَق، لتوليد الطاقة التي نستخدمها من أجل تزويد المحركات وقوداً، مثل محركات السيارات والمولدات وكذلك الناقلات التي تنقل المنتجات البترولية. فخلال عملية تكوين الطاقة، تنبعث من البترول العديد من المواد مثل أول وثاني أكسيد الكربون ومركبات النيتروجين والكبريت والحبيبات الدقيقة من السناج.

ولكن قبل ذلك ثمة تحديات بيئية في مرحلة التكرير. من تلك التحديات أن التكرير يُخلّف نفايات صلبة وسوائل سامة يجب التخلص منها بطريقة مأمونة بالنسبة للناس والبيئة. وقد التزمت أرامكو السعودية دوماً البحث عن أفضل السبل للمحافظة على البيئة وصحة العاملين فيها.

احتجاز مادة الكربون وتخزينها
تعني عبارة الاحتباس الحراري سخونة الأرض تدرُّجاً بسبب تراكم الغازات التي يطلَق عليها اسم «غازات الدفيئة» في الغلاف الجوي. فالغازات تغلِّف الأرض مثل الغلاف وتحبس بعضاً من الحرارة التي يُفترض أن تتسرب إلى الفضاء.

وتطلِق المباني ومحطات الكهرباء من غاز ثاني أكسيد الكربون ما يزيد بنسبة %15 على ما ينبعث من السيارات. ولذلك يعد أحد الأهداف الكبرى عند علماء البيئة تطوير طرق لاحتجاز غاز ثاني أكسيد الكربون الذي ينبعث من هذه «المصادر الثابتة»، وتخزينه.

حتى وقت قريب، كان أكثر الأساليب الواعدة لاحتجاز غاز ثاني أكسيد الكربون هو ضغطه ثم حقنه داخل التشكيلات الجيولوجية في جوف الأرض، ومنها مكامن الغاز والزيت. فحقن هذا الغاز يحافظ على الضغط داخل المكمن فيدفع بالمزيد من المواد البترولية إلى سطح الأرض. ويمكن أن يحل استخدام غاز ثاني أكسيد الكربون لهذا الغرض محل حقن الغاز الطبيعي والماء في مكامن النفط. وفي هذا الخصوص كونت أرامكو السعودية في عام 2006م فريقها الخاص لإدارة الكربون وأسندت إليه مهمة البحث في تطوير أساليب جديدة لخفض انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون على نطاق الشركة والعالم.

استخلاص الكبريت
الكبريت الممزوج بالبنزين أو الديزل وقود غير ملائم للسيارات والمحركات، وإذا كانت المنتجات البترولية تشتمل على الكبريت، فإنها تطلق ثاني أكسيد الكبريت عند إحراقها. وهذا الغاز لا لون له ولا رائحة ويمكن أن يؤدي إلى مشكلات في جهاز التنفس لدى البشر والحيوانات. ويمكن لهذا الغاز أن يمتزج مع بخار الماء في الغلاف الجوي ويسبّب الأمطار الحمضية، التي تتلف النبات وتزيد درجة حموضة الأنهار والبحيرات فيتعذَّر عيش السمك فيها.

لكل هذه الأسباب، يتعين على مصافي البترول إزالة أكبر ما يمكن من الكبريت من منتجاتها. يصل الزيت الخام عادة إلى معمل التكرير وهو لا يزال يحتوي على بعض الكبريت المذاب. وتتنوع الأساليب الفنية المستخدمة في الإزالة وذلك اعتماداً على نوع الوقود الذي يُنتَج، ولكن هذه الأساليب تُستخدَم بصفة عامة أثناء التكرير.

تلوث التربة والماء
من التحديات الأخرى في أثناء التكرير أن المواد الهيدروكربونية والنفايات ربما تنتقل إلى البيئة المحيطة من خزان تتسرب منه المواد، أو بسبب تصدّع في خط أنابيب أو لأي أسباب أخرى. وقد تكون هذه المواد الهيدروكربونية في شكل زيت خام أو غاز طبيعي أو أي خليط من الذرات الأخرى. وتشمل النفايات مركبات سامة مثل الأمونيا وسيانيد الهيدروجين والمعادن الثقيلة، التي قد تسبب التسمم للبشر والحيوانات عندما تكون عالية التركيز.

وقد وجد الباحثون في قسم حماية البيئة بأرامكو السعودية العديد من الوسائل إما لمنع التلوث في المقام الأول، أو على الأقل للمحافظة على التوازن البيئي. ويطلق على هذا اسم التصحيح البيئي.

انسكاب الزيت
قد يتحوّل انسكاب الزيت في البحر إلى كارثة مدمّرة للطبيعة. فبإمكان بقعة الزيت المنسكبة أن تسبب الموت المباشر للكائنات البحرية الحية ومنها السمك والطيور المائية وفرس البحر والحيوانات القشرية والعوالق والكائنات الحية الدقيقة الأخرى والنباتات البحرية والشعب المرجانية. وإذا لم يُنظَّف الانسكاب تنظيفاً جيداً، فقد يستمر تأثير ذلك سنوات عديدة. إن وقوع حوادث في آبار الزيت بالمنطقة المغمورة أو حدوث شروخ في خطوط الأنابيب تحت قاع البحر قد تؤدي أيضاً إلى انسكاب الزيت.

ولأرامكو السعودية برنامج مفصل يوضح الخطوات الضرورية التي يجب اتخاذها لمعالجة انسكاب الزيت. كذلك تمتلك الشركة سفناً خاصة لمراقبة التلوث مزودة حواجز عائمة يطلَق عليها اسم الدعائم، وكذلك صهاريج لخزن الزيت الذي يُسترجَع بواسطة أجهزة كشط الزيت من على سطح الماء. وتصمَّم هذه الأجهزة في عدة أشكال، فمنها ما يكون في شكل حزام أو قرص أو برميل. وعند استخدامها تزيل الزيت الذي يطفو على السطح لأنها مصنوعة من مواد يلتصق بها الزيت. وبهذه الطريقة تَفصل الزيت عن سطح الماء. كذلك تمتلك الشركة طائرات يمكنها أن ترش مواد كيميائية مشتِّتة مهمتها تكسير الزيت إلى قطرات صغيرة يمكن أن تزول بسرعة أكثر مقارنة ببقعة زيت سميكة.

تحويل التحديات إلى فرص
تؤكد أرامكو السعودية أن بالإمكان استمرار تلبية طلب النفط، على مدى المستقبل البعيد. وللتمكن من ذلك على شركات الزيت استثمار كثير من الوقت والجهد والمال في وسائل التكنولوجيا الجديدة التي تساعد في إيجاد موارد بترولية، وكذلك استخلاص معظم البترول من الموارد الجديدة والموجودة ما أمكن، واستهلاك البترول بوعي للحفاظ عليه من أجل أجيال المستقبل. وتستخدم أرامكو السعودية الآن مجموعة من الأدوات التقنية. ويواصل العلماء في مركز الأبحاث المتقدمة بمبنى التنقيب وهندسة البترول أعمالهم لتطوير أساليب تقنية جديدة من أجل العثور على مزيد من موارد البترول واستخلاص أكبر قدر منها مع مراعاة المحافظة على الموارد الطبيعية في العالم.

استخلاص الزيت
تقنية اليوم: إعداد النماذج الزلزالية «السزمية» الثلاثية الأبعاد. من خلال تسجيل الموجات الصوتية الناجمة من تجارب زلزالية «سزمية» في جوف الأرض، نحصل على صور ثنائية الأبعاد أو مسطحة لجيولوجيا سطح الأرض في المنطقة التي تحيط بمكمن البترول. ويتكون نموذج المكمن التقليدي من عدة شرائح للاستدلال على حجم المكمن وصورته وبنيته.

ولعمل نموذج ثنائي الأبعاد، تكون الاهتزازات في خط مستقيم باستخدام أجهزة الاستشعار «السزمية»، وبذلك تُجمع البيانات من سطحين ثنائيي البعد، يسيران بشكل مستقيم إلى الأعلى والأسفل داخل الأرض. ويتبع إعداد النماذج ثلاثية الأبعاد الطريقة نفسها، ولكن بدلاً من عمل خط مستقيم ترسَل الاهتزازات عبر أجهزة استشعار موضوعة في الزوايا. وهذا يعني أن الموجات الصوتية يمكنها أن تمر عبر الأرض بدلاً من مرورها بشكل مستقيم للأعلى والأسفل، وبذلك يمكن أن تجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات.

تقنية اليوم: الحفر الأفقي
لقد ازداد استخدام أسلوب الحفر الأفقي ازدياداً كبيراً منذ ثمانينيّات القرن الماضي وتحسنت الأساليب المستخدمة فيه أيضاً. وقد بدأت أرامكو السعودية استخدام هذه التكنولوجيا في تسعينيّات القرن الماضي ولديها الآن نحو 500 بئر أفقية قيد التشغيل.

الآبار الأفقية: عادة ما تكون هذه الآبار أطول من الآبار العمودية، إذ يتعين عليها أن تسير سيراً عمودياً وأفقيا. ولما كان الطول عقبة في ذاته، يضاف إليه ضرورة الانعطاف بزاوية حادة في أعماق تصل إلى آلاف الأمتار، فإن ذلك في ذاته يعد تحدياً كبيراً. والواقع أن الأمر يستحق هذا العناء إذ يمكن للحفّارين الوصول إلى الزيت دون إزعاج السكان الذين يعيشون فوق المكمن مباشرة.

وللحفر الأفقي مزايا أخرى أيضاً، فلأن الطريق التي يمر بها ثقب البئر عبر الأرض، يتلامس مع مكمن البترول في العديد من الأماكن، تماماً مثلما يلامس جسم الإنسان أكبر مساحة من البساط عندما يتمدد فوقه بدلاً من أن يقف فوق بقعة منه، فهذا يعني أنه يمكن حفر القليل من الآبار الأفقية في حقل زيت معين، والحصول على النتيجة نفسها لو كانت آباراً عمودية كثيرة. وللوصول إلى المزيد من الزيت، فإن ثقب بئر عمودية واحدة يمكن أن تكون لها عدة فروع تسير في اتجاهات مختلفة، تماماً مثل فروع الأشجار. وتعرف هذه الفروع باسم الآبار المتفرعة. وتحقق هذه الآبار، أقصى درجات التماس مع المكمن عندما تلامس أكثر من 5 كيلومترات من صخر المكمن.

تقنية المستقبل: أجهزة المراقبة «السيزمية» السلبية
الشاحنات الصادمة هي التي تضرب الأرض لإحداث موجات صوتية. هذه هي الطريقة التقليدية لأسلوب التنقيب الزلزالي «السيزمي». ولكن العلماء يريدون الإصغاء لما يقوله كوكب الأرض. فطبقات الأرض الجوفية منطقة مليئة بالضوضاء. فهناك الزلازل التي يحدث منها الآلاف في الثانية الواحدة. ولحسن الحظ فإن معظم هذه الزلازل خفيفة جداً ولا يحس بها الإنسان. ولكن باستخدام الأجهزة المتطورة، يمكننا أن نسمع تلك الأصوات ونعرف الكثير عنها وعن تشكيلات الأرض في الطبقات العميقة. ويعمل الباحثون الآن لتطوير أجهزة كشف خاصة أطلق عليها اسم أجهزة المراقبة السزمية السلبية. وتُستخدَم في هذه الطريقة سماعات أرضية شديدة الحساسية يمكنها أن «تسمع» الزلازل البسيطة التي تحدث في أعماق الأرض، ومن ثم إرسال معلومات لشبكة حاسوب مركزية لمعالجة تلك المعلومات.

تقنية الغد
الربوتات الدقيقة، الريزبوتات
تعمل أرامكو السعودية في تطوير روبوتات غاية في الدقة (تعادل 1/100 من حجم شعرة الإنسان) يمكن حقنها داخل الآبار عند حقن السائل لرفع مستوى الضغط. وتجمع هذه الربوتات المعلومات عن المكمن، مثل مستوى الضغط ودرجة الحرارة والمسامية، وبعد ذلك يُسحب الروبوت لدراسة المعلومات.

المحاكاة البليونية الخلايا
من وظائف إدارة المكامن، التعامل مع نماذج من «الكمبيوتر» تسمى محاكاة المكامن تحاكي تدفق السائل داخل المكمن. غرض ذلك زيادة حجم النماذج لمحاكاة المكمن بتفاصيل أكبر.

لقد استمرت أرامكو السعودية في العمل لتعزيز دقة هذه النماذج، بتحسين تكنولوجيا سبق تطويرها في الشركة. وقد أطلق على جهاز المحاكاة بالكمبيوتر اسم جهاز المحاكاة المتوازية للزيت والماء «باورز» الذي كان بمقدوره تحريك عشرات الملايين من الخلايا ضمن نموذج مكمن واحد. وقد زاد الباحثون عدد الخلايا التي يمكن لجهاز المحاكاة معالجتها. وأطلق على هذه التكنولوجيا المطورة اسم محاكي الخلايا العملاق «جيجا باورز» وسجلت هذه التكنولوجيا أخيراً رقماً عالمياً بمحاكاة بليون خلية في المكمن الواحد.

ويبحث الخبراء في مبنى مركز كمبيوتر التنقيب وهندسة البترول عن طرق لزيادة عدد الفروع في الآبار المتعددة التفرع على عددها البالغ أربعة أو خمسة فروع فقط. وأُطلق على هذه الآبار اسم «الملامسة القصوى للمكمن». وستسفر هذه البحوث عن تحسّن كبير في كل من الجدوى ومقدار النفط المستخلص من كل بئر.

أما مسألة الآبار الإلكترونية الحيوية فقد تبدو من قصص الخيال العلمي، ولكن أرامكو السعودية تسعى في آبار المستقبل التي يمكن زرعها في الأرض، مثل الشجر. إن جذر الشجرة يبحث عن منطقة رطبة في التربة، ثم يمد فرعاً من ذلك الجذر إليها. وبمجرد أن تجف تلك المنطقة تقطع الشجرة ذلك الفرع وتُنبت فرعاً في مكان آخر. وبالطريقة نفسها، ستتابع الآبار الإلكترونية الحيوية الزيت في جوف الأرض، وبمجرد أن يجف أحد قطاعات المكمن، فإن الفرع في تلك المنطقة يقطع، وسوف تبحث البئر عن منطقة أخرى غنية بالزيت لكي تمد فرعاً آخر إلى تلك المنطقة.

الإزالة الحيوية للكبريت
وأرامكو السعودية ملتزمة بتقليل الآثار السلبية الناجمة من إنتاج الزيت. وتستمر الشركة في العمل الحثيث من أجل تطوير أساليب حيوية وكيميائية لإزالة الكبريت من الزيت الخام. ومن هذه الأساليب الإزالة الحيوية للكبريت، وتُستَخدم فيها البكتيريا للقضاء على الكبريت الموجود في الزيت.

كادر ١
تزويد العالم بالطاقة

خطوط الأنابيب
معظم حقول الزيت في المملكة موجودة في المنطقة الشرقية، وكثير من الزيت يُنقَل غرباً عبر الصحراء إلى الموانئ على ساحل البحر الأحمر، لتوفير الزيت في منطقة قريبة من نصف الكرة الغربي حيث أكبر مستهلكي الزيت. في خمسينيّات القرن الماضي، بنت أرامكو السعودية أول خط أنابيب أساسي في المملكة. وقد سُمي خط الأنابيب عبر البلاد العربية أو «تابلاين». وهو يمتد من حقول إنتاج الزيت في شرق المملكة نحو الشمال عبر الأردن وسوريا، ويصل إلى ميناء صيدا في لبنان. وبحلول عام 1975م أغلق هذا الخط إغلاقاً شبه نهائي. وفي نهاية ثمانينيّات القرن الماضي شيدت أرامكو السعودية خطاً آخر أقصر لكن أكثر تطوراً من الناحية التقنية، وهو يمتد تحت الأرض من بقيق باتجاه الغرب إلى ينبُع على ساحل البحر الأحمر. وتضمنت شبكة خط الأنابيب المذكورة، خط أنابيب لنقل سوائل الغاز الطبيعي. ولسد حاجة السيارات من الوقود وتوفير الصيانة لها، أنشأت أرامكو السعودية محطات ضخ على طول خط الأنابيب لنقل الزيت مئات الأميال عبر المملكة، تفصل بين كل اثنتين مسافة 100 كيلومتر تقريباً، وهي تملك معدات متطورة لكشف مشكلات خطوط الأنابيب.

الشحن
يعد بناء سفينة واحدة كبيرة أقل تكلفة من بناء سفينتين صغيرتين وخفيفتين. والإبحار في البحار الهائجة مثل رأس الرجاء الصالح بجنوب إفريقيا، يحتاج إلى سفن ضخمة وثقيلة، وإلا فسوف تبتلعها الأمواج العاتية. حمولة السفن العملاقة 300,000 طن أو أكثر، وتراوح حمولة السفن الضخمة جداً بين 160,000 و300,000 طن. وقد يراوح طول السفن العملاقة بين 200 و400 متر، أي طول أربعة أو خمسة ملاعب كرة قدم. ومن أصناف حجم السفن الأخرى تلك التي يُطلَق عليها اسم «سويزماكس» (أي أقصى حجم يتيح المرور من قناة السويس)، واسم «بنماكس» (أقصى حجم للمرور من قناة بنما).

وعادة ما تُصنَع السفن الأحدث من هيكلين. وفيها يكون خزان الوقود داخلياً، يغلّفه من خارج جسم السفينة من أجل الحماية من التسرب.

شركة فيلا البحرية العالمية المحدودة
مرت أعمال شحن المواد البترولية بطريق طويل وشاق منذ بداية أول شحنة للزيت الخام السعودي من رأس تنورة في عام 1939م. وفي عام 1984م، بدأت أعمال أرامكو في التوسّع وأسست أرامكو شركة فيلا البحرية العالمية المحدودة لتطوير نظام شحن منتجاتها.

ويتذكر المهندس ضيف الله عايش العتيبي الذي شغل سابقاً وظيفة نائب أعلى للرئيس في أرامكو السعودية وكذلك شغل منصب رئيس شركة فيلا خمس سنوات، تلك الأيام، وكيف مضى في بناء شركة شحن من الطراز الأول في العالم. ونمت فيلا بسرعة وأنجزت برنامجاً لبناء 15 ناقلة عملاقة وتولت إدارة الشحن الداخلي.

كادر ٢
تنظيف الزيت الخام

أول خطوة تتم لتحويل الخام إلى منتج مفيد هي فصل الزيت الذي يخرج مصاحباً له من باطن الأرض. وتتم هذه العملية في المعامل التي توجد بالقرب من مواقع الحفر ضمن حقول الزيت.
يتم فرز الزيت إلى عناصره الأخرى أثتاء عملية التكرير. وبعد ذلك يمكن مزج هذه العناصر لتتحول إلى منتجات نهائية. ومع أن أرامكو السعودية تشغل مجموعة من معامل التكرير، إلا أنه يتم شحن جزء من المواد البترولية إلى دول أخرى في شكل خام حيث يتم تكريره هناك بمجرد وصوله إلى وجهته المقصودة.
بعد فصل الغاز من الزيت الخام، يجري تجزيئه أو فصله إلى عدة مكونات قابلة للاستعمال. ويستعمل معظم الغاز الذي تقوم ارامكو السعودية باستخلاصه في تزويد قطاع الصناعة في المملكة بالطاقة. في حين يجري تصدير بعض من سوائل الغاز الطبيعي. يتم تخزين الزيت والغاز في خزانات ضخمة، وعندما تكون مجموعة من الخزانات موجودة في مكان واحد، فإن مثل هذا الموقع يطلق عليه اسم ساحة الخزانات. يتم تحميل الزيت وسوائل الغاز الطبيعي في الناقلات الموجودة في الفرضة، ومن ثم تقوم هذه الناقلات الضخمة بنقل تلك المنتجات إلى محطات عديدة حول العالم.

كادر ٣
يقوم البشر ببناء سدود على الأنهار ومصادر المياه الأخرى لاحتجاز المياه من أجل استخدامها لاحقاً. وفي المكامن البترولية تقوم الطبيعة ببناء سدودها الخاصة بالصخور غير المنفذة (تذكر: الصخر غير المنفذ صخر صلب، لذا لا يمكن لشيء أن يمر خلاله)، وهويحتجز البترول تحت الأرض. وعندما تنشأ حواجز كهذه، يمكنها بالفعل تغيير شكل الأرض، وهو ما يمكن رؤيته حتى فوق سطح الأرض.

تشكل الصخور القوية حاجزاً للبترول يمنعه من الصعود لأعلى باتجاه سطح الأرض.
بعض الطيات المحدبة يمكن رؤيتها فوق الأرض، وهي مؤشرات جيدة على إمكانية وجود البترول تحتها.
تحتوي الصخرة المكملية على مسام يمكن للبترول الانتقال من خلالها أو الاستقرار فيها عندما لا يستطيع التحرك إلى أبعد من ذلك.
كادر ٤
مفتاح المستقبل: البشر

أطلق على أرامكو السعودية لقب أكبر شركة بترول في العالم، لا لأنها تمتلك أكبر احتياط من الخام وتنتج أكبر كمية منه مقارنة بأي شركة أخرى في العالم فحسب، ولكن لأن أرامكو السعودية تولي أقصى اهتمام لتزويد موظفيها حوافز للعمل وإتاحة التدريب والتعليم اللازمين لنجاحهم. فهؤلاء الموظفون هم الذين صنعوا هذه المنجزات الباهرة التي تقرأ عنها الآن.

79 عاماً من المنجزات
يشابه تاريخ أرامكو السعودية في العديد من المجالات تاريخ المملكة العربية السعودية، فالشركة التي تأسست بعد مدة وجيزة من ميلاد المملكة، تطورت مع تطور البلاد وكانت ولا تزال جزءاً أساسياً وشريكاً فعالاً في تطور هذا الوطن.

وتدين كل من المملكة والشركة بالفضل في تحقيق هذه الرفاهية لأربعة عوامل: أولها البترول، أما الثاني فهو الرؤية الثاقبة وحكمة العاهل المؤسس، الملك عبد العزيز آل سعود، رحمه الله، وأبنائه من بعده. والثالث هو إدارة الشركة، فمنذ البداية عرف أعضاء هذه الإدارة، على مدى العقود، أن عملهم ومسؤوليتهم ليست مجرد جني المال من إنتاج الزيت وحسب، بل بناء أساس يحقق للمنطقة الرفاهية المنشودة، وبذلك يمكن توفير أعلى مستوى من العيش وأكبر الفرص لسكان المملكة.

أما العامل الرابع فهو شعب المملكة العربية السعودية وموظفو الشركة. فحماستهم ومرونتهم وتكريس جهودهم من أجل الوطن كانت الأسس لكل ما نراه الآن من نجاح وتقدم، في كل المجالات، وستبقى كذلك.

أضف تعليق

التعليقات