حياتنا اليوم

عمر حسين:
«على الطاير» يجتذب 12 مليون متفرج

  • YOUNG MAN

في الولايات المتحدة ثمة برنامج كوميدي يقدِّمه كوميدي أمريكي بارز يدعى «جون ستيوارت» منذ سنوات، وهو برنامج يتناول الأخبار الأمريكية المحلية والعالمية بطريقة ساخرة متهكمة وله شعبية جارفة، حيث إن من بين ضيوفه رؤساء دول مثل باراك أوباما والرئيس الباكستاني السابق نواز شريف، كما أن مرشحي الرئاسة الأمريكية ونجوم هوليوود وكبريات الشخصيات العالمية التي تريد الانتشار تتسابق على الظهور في برنامجه رغم أن ستيوارت يعرف برنامجه على أنه «إخباري مزيف». مع ذلك هناك دراسة تقول إن كثيراً من الأمريكيين يحصلون على الأخبار منه.
في السعودية هناك شباب يخطون خطوات مشابهة لتوجه هذا البرنامج وإن كانوا لا يزالون في نطاق أضيق فنياً وجماهيرياً. زميلنا خالد الطويلي يقدِّم هنا ملخصاً لحوار أجراه في جدة مع وجه كوميدي سعودي يحقق حضوراً لافتاً على اليوتيوب، وهو عمر حسين.

عندما حضرت للقائه في أحد مقاهي مدينة جدة، كان لتوه قد انتهى من إجراء لقاء صحافي مع ثلاثة شباب يدرسون في المرحلة الثانوية ويقومون بإدارة مجلة إلكترونية لمدارس الثغر النموذجية بجدة. وفجأة تبادر إلي بوضوح سبب شهرته وانتشار برنامجه بين الملايين. لقد استطاع بطرحه البسيط للموضوعات والأحداث التي تمس كل الناس بشكل لم يعتده كبار السن، وتمكن عبر استخدامه لوسائل الإعلام العصرية أن يستقطب شريحة عمرية هي الأكبر عدداً في الوقت الحالي بالمملكة وهي شريحة الشباب. قال لي أحد هؤلاء الطلبة عندما سألته عن داعي اللقاء: «نحن نلتقي بأشخاص أصابوا قدراً من الشهرة من خريجي مدرستنا» وفي هذه اللحظة عرفت سر هذه الخلطة التي جعلت شخصية عمر حسين الكاهلي اليوم أحد أكثر الشخصيات المحلية شهرة: الشباب + «يوتيوب».

قبل تخرج عمر حسين في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران في عام 2007م، كانت لديه تجارب فيما يصطلح عليه باللغة الإنجليزية بـ «الكوميديا الارتجالية»، Standup Comedy، وكان يختار محتوى الروتين الجذاب الذي يقدِّمه على خشبة المسرح باللغة الإنجليزية ويستقيه من قدرته الدقيقة على الملاحظة الاجتماعية، وغالباً داخل مجتمعه المباشر في حدود أسوار جامعته. وبعد أن تخرج مهندساً كيميائياً، عثر على منبع جديد للمادة الكوميدية أكثر اتساعاً من مجتمع الجامعة. وبدأ في توجيه قدرته وإبداعه نحو وسائل الإعلام الجديد، وتحديداً عبر موقع «يوتيوب» فقد تطور هذا الاتجاه لديه خلال تنقله بين مناطق المملكة لأجل عمله، وعندما استقر في جدة عام 2009م ليعمل مديراً لإمدادات المواد اللوجستية بإحدى كبريات الشركات العاملة في الممكلة، بدأت انطلاقته نحو فضاء الإعلام تحقق زخمها وبدأت هوايته تتبلور في قناة على هذا الموقع اختار لها مسمى «على الطاير» بلغ عدد مشاهديها حتى الآن أكثر من 12 مليون مشاهد.

قناة «على الطاير» التي يظهر فيها عمر حسين هي واحدة من عدة قنوات مشابهة في الفكرة يقدِّمها شباب من مختلف مناطق المملكة كانت بداياتهم متشابهة في الكوميديا الارتجالية على مسارح في مدن مختلفة من المملكة، بل إن هناك صداقة تجمعهم داخل هذا المجتمع الكوميدي الإلكتروني مثل زميله فهد البتيري الذي يعمل في أرامكو السعودية، ويقدِّم برنامجاً اسمه «لا يكثر» أيضاً على «يوتيوب». الفئة العظمى من هؤلاء الكوميديين الجدد هم من الموظفين أو أصحاب الأعمال التي لا علاقة لها بالمجال الإعلامي على الإطلاق. كل ما بدأوا به من مقومات في هذا المجال كانت مجرد تجارب عابرة في الكوميديا الاجتماعية الساخرة ولكنهم استفادوا من النافذة العظيمة التي وفرها لهم موقع «يوتيوب» ليصلوا إلى جماهير عريضة تتذوَّق هذا الفن الغائب وتتشوق لجديده. وكثير منهم من جيل يحصل على أكبر قدر من المواد الملائمة لشهيته الإعلامية بشكل محدد وأكثر تركيزاً من خلال مواقع إلكترونية على الإنترنت.

يقول عمر، الذي يشارك اليوم نحو خمسة كتَّاب في كتابة حلقات برنامجه «على الطاير» إن اختيار الموضوعات التي يتم التعليق عليها هو العمل الأكثر مشقة في الإنتاج، حيث إن فريق العمل يمضي شهراً كاملاً ليخرج بحلقة يراد لمدة عرضها ألاَّ تتجاوز السبع دقائق. الهدف، كما يقول عمر، من البرنامج ليس الإخبار ولكن بلورة النواحي الساخرة في القضايا الظاهرة التي تشغل الرأي العام وعرضها على المجتمع بدون تحديد مواقف محددة من هذه القضايا، بل ترك المشاهد ليصل إلى الرأي الذي يناسبه. فتعريف القناة على الموقع يقول ما يلي: «برنامج كوميدي يقدِّمه عمر حسين والذي ينظر إلى الأحداث والأخبار والشائعات بنظرة مختلفة «نوعاً ما» تمكننا من الضحك على أنفسنا».

وعندما سألته عن هدفه من البرنامج وطموحه المستقبلي خاصة وأنه ليس برنامجاً ربحياً حتى الآن فهو بالكاد يغطي نفقات إنتاجه، استرجع كلاماً قاله طلبة مدارس الثغر: الوصول إلى معلومات مفيدة بشكل غير ممل. فالفائدة من وجهة نظر عمر، عندما تكون مرة، يصعب بلعها وكذلك الإعلام الحديث، فدقة المعلومة وصحة محتواها داخل هذا الإعلام الهائل والمتوافر عبر وسائله الكثيرة لا يعني بالضرورة أن تلك المعلومة تصل لمن يريدها طالما أنها لم توضع في إطار مستساغ ويسير ومتوافر. هذه هي الفكرة التي ينطلق منها عمر حسين، فالكوميديا حسب تعبيره وسيلة اتصال يتمنى أن تجذب إليه العقول لتحصل من خلال العروض الساخرة على معلومات مفيدة ومؤثرة.

هذه الضحكات باتت تجلب نحو 800 ألف مشاهد لكل حلقة وهي عادة ما تبدأ بمقطوعات موسيقية لا يميزها سوى «الشيَاب» من مشاهدي مباريات كرة القدم بالتلفزيون السعودي أو الإعلانات التجارية القديمة مروراً بموضوعـــــات نقــدية لمهرجـــــانات الأمطار السنوية بمدينة جدة والربيع العربي وسياقة المرأة في السعودية ومعروضات القنوات الفضائية في شهر رمضان المبارك. أما الربحية فقد لا تكون بعيدة عن متناول البرنامج مع تنامي أعداد مشاهديه، فقد بدأت تصل للبرنامج عروض للدعاية والإعلان ولكن عمر حسين المقبل على إكمال نصف دينه حالياً يقول إن شروطه لقبول عروض الدعاية والإعلان تتضمن عدم تدخل المعلن بتاتاً في محتوى الحلقات.

يستعيد البرنامج بمشاهديه ذكريات أحياناً عن طريق الموسيقى المستخدمة كما ذكرنا، وأحياناً أخرى باستخدام تعابير قديمة أو أخرى استحدثت فجرت على ألسنة الناس، وأضيفت إلى سجل المصطلحات التي يستخدمها الجمهور في علاقاتهم اليومية. ومن أبرز تلك العبارات واحدة ظهرت كتعليق على وضع السعوديين العالقين بمطار القاهرة الدولي إبان الثورة المصرية وهي: «عندك حلول!» والتي تحولت فيما بعد إلى فقرة شبه ثابتة في البرنامج لتقديم حلول مبتكرة لمشكلات قديمة مثل حفر الشوارع.

إيجاد الوقت الكافي للمشاركة في إنتاج برنامج خارج وقت العمل الذي يستهلك منه نحو 11 ساعة، إضافة إلى تخصيص وقت لعش الزوجية الذي يقوم حالياً ببنائه تبدو مهمة صعبة، ولكن كما أن هناك تطوراً إعلامياً في الشكل والمضمون والمساحة ووسيلة العرض، فإن هناك أيضاً «حلولاً» لمسألة التعامل مع الوقت للمشاهير أيضاً. فهناك اليوم شركة تسهم في إنتاج حلقات «على الطاير» في حين أن هناك شركة أخرى تختص بالإدارة الإعلامية لعمر حسين نفسه.

أضف تعليق

التعليقات