الرحلة معا

قافلة الأبحاث

منذ عام طرحت القافلة على قرَّائها برنامج قافلة الأبحاث وَدَعَت من خلاله الكتَّاب والباحثين إلى المشاركة بإسهام أوسع في جهود المجلة الكتابية. ولم يكن دافع هذه المبادرة الأول فسح المجال لعدد أكبر من المشاركات وحسب، بل كان الدافع في الحقيقة مختلفاً.

فالقافلة حاولت في الإصدار الجديد الذي انطلق منذ أربع سنوات، أن تشق لمسيرة التحرير فيها درباً طموحاً شرحناه سابقاً، وكان سلوكه يواجه مصاعب تطلب تجاوزها جهوداً دؤوبة. فسعى فريق التحرير في أن يصطاد موضوعات إما يندر تناولها في المطبوعات الدورية المختلفة، على الرغم من طرح المواطن العربي القارئ أسئلة في شأنها، أو محاولة تناول موضوعات معروفة من زوايا خاصة، لا تعتمد على سياق التناول المعهود في الدوريات.

ولم يكن هدف فريق التحرير من هذا مجرد الاختلاف أو التجديد للتجديد. وإنما الاقتناع بأن فائدة طرح أي موضوع تتضاعف إذا نجح الطرح في دفع القارئ إلى إعادة التفكير بما استقر في ذهنه من مسلَّمات أو انطباعات. فالمفاجأة الذهنية التي تنشأ عند قراءة عنوان يغيِّر زاوية النظر إلى أي موضوع، أو ينفض الغبار عنها، هي في ذاتها هدف مهم لأي جهد ثقافي يبذل. فالمفاجأة لا تجدد التفكير بالموضوع نفسه وتحسِّن إدراك القارئ لماهيته فحسب، وإنما تعوِّد القارئ على ممارسة التجديد نفسه في موضوعات أخرى كذلك.

ويعني هذا بادئ ذي بدء، أن القافلة نادراً ما كانت على استعداد لاستقبال موضوعات جاهزة أرسلها كتَّاب، كما هي عادة المجلات الشهرية، بل كانت تعتمد سياسة أخرى، هي أن يخطط فريق التحرير لتناول موضوعات شيقة تستحق الكتابة. ويتولى مكتب التحرير صياغة الموضوع المطلوب وشرح متطلباته وحيثياته من الزاوية المنشودة، ثم يرسل الموضوع مشروحاً فيما يقارب صفحة إلى الكاتب أو الكتَّاب المرشحين لتناوله، ويحدث تداول مع الكاتب الذي يبدي استعداده، للتيقن من وضوح زاوية التناول المطلوبة.

وعلى الرغم من هذا الجهد المتكامل، كانت محاولات كثيرة تفشل. فأحياناً يصل الموضوع جيداً ولكن خارج الإشكالية المطروحة، إذا جاز التعبير، وبالتالي ربما يوافق فريق التحرير على نشره، وأحياناً أخرى، يكون مفتقداً الجودة والتزام هذه الإشكالية معاً فيعتذر فريق التحرير عن عدم نشره.

وفي كل الأحوال، لم تكن هذه المسألة سهلة قط، لا سيما أن المتخصصين في بعض الموضوعات أو القادرين على الأقل على أن يضعوا أبحاثاً قيِّمة قلة. وبالتالي، كانت نسبة من الموضوعات إما يكتبها فريق التحرير أو تكتبها دائرة ضيقة من المتعاونين الجادين، الذين يمكن أن يلاحظ القارئ المتابع تكرار أسمائهم في نسبة غير قليلة من أعداد المجلة. ولذا، فإن الدافع الأول لفكرة قافلة الأبحاث هو توسيع دائرة العرض على كتَّاب وباحثين أكثر، مع إتاحة الفرصة لهم ليطلعوا على قائمة طويلة من الموضوعات التي يرغب فريق التحرير في تناولها. وبدل أن نقصد كاتباً واحداً بموضوع واحد، فإننا نضع أمام عشرات الكتَّاب عشرات الموضوعات.

ولم يكن بوسعنا، حين طرح برنامج قافلة الأبحاث ، تقدير إمكان نجاح المحاولة. وكان التشاؤم طبعاً أقرب لأن يكون سيد الموقف في البداية، لا سيما ونحن فيما نحن فيه على مستوى القراءة، فما بالك بمستوى الكتابة.

وما إن مرَّ عددان أو ثلاثة على طرح قافلة الأبحاث حتى بدأت غيمة التشاؤم في الانقشاع، وبدأت وتيرة المشاركة تزداد ازدياداً لافتاً. وأخذ الإسهام من داخل المملكة وخارجها في التعاظم، حتى أنه ما من عدد من القافلة بات يخلو من ثلاثة أو أربعة موضوعات أساسية جاءت من طريق قافلة الأبحاث .

وفيما كان فريق التحرير يراقب بترحاب هذه الظاهرة، كانت هناك ظاهرة تجاوب أخرى تحدث على خط متوازٍ، ولكن من دون دعوة من المجلة. إذ لاحظنا بدء ورود مقالات وأبحاث إلى المجلة، لم يكن فريق التحرير قد طرحها أو فكَّر بها، إلا أنها تلبي نوع الطموح نفسه الذي رسمه لمسيرة التحرير، وتنطلق فعلاً من زوايا شيقة شبيهة بتلك التي كنا نرغب في معالجتها. وكان واضحاً من عناوين بعض هذه المقالات -أو هذا ما بدا لنا- أن أصحابها لاحظوا أسلوب تناول موضوعات المجلة وتجاوبوا معه ورغبوا في مجاراته.

ومع اتساع دائرة هذين المصدرين، ازداد تنوع الموضوعات التي تتناولها القافلة في مناخاتها الستة، كذلك تنوعت أسماء الكتَّاب أيضاً والأقطار العربية التي يكتبون منها. ولفتنا أيضاً أن نسبة المشاركة من داخل المملكة ازدادت أيضاً ازدياداً ملحوظاً. ولا شك في أن الوسائل الإلكترونية، من بريد إلكتروني ومواقع على الإنترنت، كان لها دور ملموس في نجاح هذه المساعي المختلفة، سواء ضمن قافلة الأبحاث أو في سياق البحث العام عن كتَّاب وموضوعات.

وتعترف القافلة على الرغم مما تلقاه من ترحابٍ واسعٍ وثناءٍ على جهودها من قرَّاء على مختلف دروب الحياة ومشاربها، بقصورٍ ما في تفاعلها مع القرَّاء، إلا أنها ستظل دوماً معنية ليس فقط بتقديم مجلة تحوز اهتمام القارئ العربي المثقَّف، بل بتقديم أسلوب صحافي يحفز القرَّاء والكتَّاب على السواء على الاستمتاع بالقراءة، ثم بالكتابة، ليزيد ثراءُ التجربة ثراءً.

أضف تعليق

التعليقات