طاقة واقتصاد

صورة البترول في الإعلام العالمي
الأزمات تلعب دوراً في رسمها..

  • 26a-(RTRP5YH)
  • 21-(antipetroleum)
  • 23-(42-15551868)
  • 23-(RTROP6V)
  • 24-(NRM348495)
  • 25-(AAAO002175)

البترول سلعة استراتيجية لها أهميتها الكبرى على الساحة الدولية، كما أنه سلعة استهلاكية تهم المواطن العادي في كافة دول العالم لجهة توافرها وسعرها وتقلب هذا السعر باستمرار. ولذا، كان من الطبيعي أن يلقى البترول اهتماماً إعلامياً متواصلاً بشكل يومي منذ عقود طويلة، خاصة خلال الأزمات. ولكن، كيف يتعامل الإعلام العالمي مع البترول إخباراً وتحليلاً؟ وكيف تظهر وسائل الإعلام صورة هذا المنتج الحيوي بالنسبة إلى الإنسانية جمعاء؟ وما مدى أمانتها وحفظها للحقيقة في ذلك؟ الدكتور إبراهيم بن عبدالعزيز المهنا يجيب عن عدد كبير من هذه الأسئلة في دراسة قدَّمها إلى المنتدى الإعلامي السنوي الذي عقدته الجمعية السعودية للإعلام والاتصال مؤخراً في الرياض، وهنا ملخص عنها.
يعود الارتباط الوثيق بين البترول والإعلام إلى بداية القرن العشرين، عندما أصبح البترول سلعة مهمة وبالذات في الولايات المتحدة، حيث قادت بعض الصحف الأمريكية حملة إعلامية قوية ضد شركة ستاندرد أويل، التي يملكها جون روكفلر، متهمة إياها باحتكار السوق الأمريكية والتلاعب بالأسعار، مما أدى آنذاك إلى صدور أمر قضائي بتفكيك شركة ستاندرد أويل إلى أكثر من ثلاثين شركة مستقلة.

كانت تلك الحملة الإعلامية بداية النظرة السلبية لدى وسائل الإعلام والرأي العام الغربي، وبالذات الأمريكي، تجاه البترول وصناعته وملكيته، مع ربطه بنظرية المؤامـرة (اقتصادياً وسياسياً)، وربطه كذلك بالثراء الفاحش السهل للأفراد العاملين والمالكين لهذه الصناعة والدول والولايات المنتجة. وخلال الستينيات الميلادية بدأت حملة إعلامية ضد شركات البترول العالمية، التي عرفت فيما بعد بالأخوات السبع، متهمة إياها بالتحكم في السوق العالمية واحتكار الإنتاج والأسعار. وخلال السبعينيات وأوائل الثمانينيات، اشتدت الحملة الإعلامية الغربية السلبية ضد البترول وكانت موجهة ضد دول الأوبك، وبالذات الدول العربية المنتجة للبترول. وكانت دوافع تلك الحملة سياسية، نتيجة للمقاطعة العربية لتصدير البترول إلى بعض الدول الغربية التي ساندت بشكل مباشر إسرائيل في حرب أكتوبر 1973م، وارتفاع أسعار البترول بأكثر من ثلاثة أضعاف، أعقب ذلك قيام الدول الصناعية الغربية بإنشـاء وكالة الطاقة الدولية في عام 1974م كمنظمة تمثِّل الدول المستهلكة ومضادة لمنظمة الأوبك.

وخلال السبعينيات، عادت إلى الظهور بقوة فكرة قرب نضوب البترول، كما أن الثورة الإيرانية في عام 1979م، أدت إلى انخفاض إنتاج إيران من البترول من ستة ملايين في اليوم إلى ثلاثة ملايين، وتلتها بعام الحرب العراقية/الإيرانية التي أدت كذلك إلى انخفاض الصادرات البترولية العراقية، مما أسهم في ارتفاع أسعار البترول ثلاثة أضعاف. وخلال تلك التطورات، كان البترول يأخذ موقعاً متميزاً واهتماماً إعلامياً واضحاً في الإعلام الغربي. وقد قام الإعلام آنذاك بإعطاء صورة سلبية، وأظهر عـداءً واضحاً للبترول وشركاته والدول المنتجة له، منادياً بعدم الاعتماد على هذه الدولة كمصدر للبترول.

ومع انهيار الأسعار في عام 1986م انحسر الاهتمام الإعلامي الغربي بالبترول، وهدأت كذلك الحملة السلبية ضده. إلا أن هذا الاهتمام عاد مرة أخرى وبقوة بعد الغزو العراقي للكويت وتوقف الصادرات من كـلا البلدين. ومع انهيار الاتحاد السوفياتي، بدأت بعض وسائل الإعلام التركيز على فكرة أن بإمكان الغرب الاستغناء عن بترول الشرق الأوسط من خلال الحصول على حاجة الدول الغربية من روسيا ودول بحر قزوين، وبواسطة شركات البترول الغربية التي سيُفتح لها المجال للعمل هناك.

دور السوق الآجلة في ربط الإعلام بالبترول
من أهم عوامل رفع درجة الارتباط مابين البترول والإعلام، ظهور السوق البترولية الآجلة (المستقبلية) في أوائل الثمانينيات في نيويورك ولندن، وتحولها إلى الأساس الذي يتم عن طريقه تسعير البترول حول العالم. وتعمل هذه السـوق على مدار الساعة، ويعتمد المتعاملون فيها في عمليات البيع والشراء على المعلومة والخبر المباشر والسريع (البترولي، والسياسي، والعسكري، والاقتصادي). والواضح أن ظهور هذه السوق، والدور الرئيس للإعلام فيها، زاد حدة التنافس بين وكالات الأنباء لنقل الأخبار إلى هذه السـوق، لدرجة أن للثانية الواحدة قيمتها في بث الخبر.

وتزامن ظهور السوق (المستقبلية) مع ظهور الإعلام التلفزيوني الإخباري، والذي يعمل على مدار الساعة وحول العالم، ويعتمد على التقنية العالية (سي إن إن، بلومبرج، سي إن بي سي). كما أنشأت وكالات الأنباء العالمية أقساماً مختصة بالطاقة، وظهرت وكالتان إخباريتان متخصصتان في البترول، (بلاتس، وبتروليوم آرقوس)، وبدأت بعض النشرات البترولية اليومية والأسبوعية باستخدام الفاكس لنقل الأخبار المهمة مباشرة وبشكل عاجل للمشتركين فيها.

هذه التطورات -بالإضافة إلى ظهور الإنترنت- أسهمت في زيادة الارتباط بين البترول والإعلام، وزيادة كمية الأخبار البترولية. إلا أن المنافسة الحادة من ناحية والتركيز في سرعة نقل الخبر، أضعفا جودة وعمق الأخبار والمعلومات والتحليلات البترولية التي تنقلها وسائل الإعلام المختلفة.

ولاشك في أن دور الإعلام (سلباً وإيجاباً) يتضح بشكل تام خلال الأزمات البترولية أو الأزمات السياسية أو الكوارث الطبيعية في المناطق الرئيسة المستهلكة أو المنتجة للبترول. ومن الممكن تعريف الأزمات البترولية بأنها حالة وجود شح طبيعي أو مصطنع في الإمدادات البترولية، تؤدي إلى ارتفاع أسعار البترول بشكل سريع وحاد، أو زيادة العرض بشكل كبير يحدث فائضاً ليس هناك حاجة له ومن الصعب تصريفه، والذي يؤدي بدوره إلى انخفاض حاد في الأسعار يؤثر في دخل الدول المنتجة، وفي صناعة البترول واستثماره في المستقبل.

وخلال الأزمات البترولية، أو خلال الأزمات السياسية في المناطق المنتجة أو المستهلكة الرئيسة للبترول، يصبح البترول قضية إعلامية رئيسة تأخذ حيزاً كبيراً في الصفحات الأولى من الصحف اليومية وأغلفة المجلات العامة. يكتب فيها المتخصصون وغير المتخصصين، ويصبح -حينئذ- كل محلل أو كاتب سياسي محللاً بترولياً.

مواسم الأحاديث غير العلمية
وخلال الأزمات البترولية يتحدث السياسيون بشكل غير واقعي وغير علمي عن البترول، حيث يتم الحديث عن الأفكار التي تعكس توجهاتهم الخاصة سواءً أكانت أيديولوجية أم سياسية، أم انتخابية. وتحظى هذه الأقوال بتغطية إعلامية كبيرة، وتسهم في إعطاء صورة سلبية عن الصناعة والسوق البترولية، وبالأخص على المديين المتوسط والطويل.

وخلال الأزمات البترولية أو السياسية يتم الابتعاد عن الواقعية والمنطق العلمي، حيث يتم التركيز على الإثارة الإعلامية التي قد تلقى قبولاً شعبياً أو سياسياً. فبدلاً من أن يسعى المسؤول السياسي أو الإعلامي إلى الرقي بالمستوى العلمي والمعلوماتي للقارىء من خلال إعطاء المعلومات البترولية الصحيحة، نجد أن العكس هو الصحيح.

تركيز على السياسة وإغفال الباقي
ومنذ نهاية الحرب الثانية في عام 1945م وإلى الآن، من الممكن الحديث عن ثمـاني أزمات بترولية رئيسة:

1 – حرب أكتوبر 1973م حين أوقفت بعض الدول العربية الإمدادات البترولية إلى بعض الدول الغربية المتحالفة مع إسرائيل من أجل أن تضغط تلك الدول على إسرائيل للانسحاب من الأراضي العربية التي تحتلها. وقد صاحب هذا ارتفاع أسـعار البترول، مع وجود أزمات في إمدادات البنزين، تأثر بها المواطن العادي في دول مثل الولايات المتحدة وهولندا. (طوابير الانتظار في محطات البنزين). وبالرغم من أن السبب الفعلي لارتفاع الأسعار هو وجود أزمة في الإمدادات نتيجة لارتفاع الطلب خلال الستينيات وانخفاض الاستثمارات نتيجة لانخفاض الأسعار في تلك الفترة، وقيام الحكومة الأمريكية في تحديد الأسعار والإمدادات من المنتجات البترولية مع عدم إعطاء السوق حرية تحديد الأسعار، إلا أن حقائق السوق هذه وعلاقتها بارتفاع الأسعار لا تتم الإشـارة إليها، حيث ينصب التركيز على الجانب السياسي فقط (وهو قيام العرب بقطع الإمدادات وبخفض الإنتاج).

2 – الثورة الإيرانية في عام 1979م، وإضراب عمال البترول هناك الذي صاحبه توقف أغلب الإمدادات الإيرانية وارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية. وتلي ذلك بعام اندلاع الحرب العراقية الإيرانية والتي أسهمت في توقف جزء كبير من الإمدادات من كلا البلدين، ثم تضاعفت الأسعار مرة ثانية مع وجود شح في توافر البنزين في الولايات المتحـدة (ظهور طوابير الانتظار لدى محطات البنزين مرة ثانية).

3 – سياسات رفع كفاءة استهلاك الطاقة في العربات والمنشآت من أجل انخفاض استخدام البترول في الدول الصناعية التي صاحبها زيادة الإنتاج من خارج الأوبك في النصف الأول من الثمانينيات. هذه التطورات أدت إلى انهيار السوق في عام 1986م وانخفاض الأسعار أربع مرات، وأدى ذلك بدوره إلى تدهور الأوضاع المالية لدى أغلب الدول المنتجة، وفقدانها لأهميتها الدولية.

4 – الغزو العراقي للكويت صيف 1990م وتوقف الإمدادات من البلدين بمقدار خمسة ملايين برميل يومياً فتضاعفت الأسعار وحدثت حالة من الخوف عالمياً من التأثيرات المحتملة على إنتاج وتصدير البترول من منطقة الخليج جرَّاء حرب تحرير الكويت.

5 – ارتفاع الإمدادات البترولية وعدم الالتزام بحصص الأوبك في عام 1997م وتزامن ذلك مع الأزمة الاقتصادية المالية الآسيوية، مما أدى إلى انهيار أسـعار البترول وبحوالي النصف في عام 1998م.

6 – الأزمات السياسية والبترولية المتتالية في أواخـر عام 2003م والنصف الأول من عام 2004م، نتيجة لنقص الإنتاج من فنزويلا ونيجيريا نظراً للاضطرابات السياسية، والغزو الأمريكي للعراق وتوقف صادراته. وقد تزامنت تلك المشكلات مع أزمة نقص الطاقة النووية في اليابان، وبرودة فصل الشتاء في الدول الصناعية. إلا أن وجود طاقة فائضة لدى بعض الدول المنتجة وطبيعة سوق البترول الدولية، قللت من آثار تلك الأزمة بالرغم من أهميتها، حيث لم تشهد أسعار البترول قفزات كبيرة كما حدثت خلال الأزمات الأخرى. هذه الحقائق وتلك المواقف الإيجابية يتم تجاهلها من قبل أغلب وسائل الإعلام الغربية آنذاك وإلى اليوم.

7 – إعصارا كاترينا وأريتا في صيف 2005م، اللذان أديا إلى انخفاض إنتاج خليج المكسيك من البترول الخام بمقدار مليوني برميل يومياً، وتعطل العديد من مصافي تكرير البترول في المنطقة بمقدار ثلاثة ملايين برميل يومياً. ونتيجة لذلك عادت ولأول مرة منذ الثمانينيات أزمة الانتظار في محطات البنزين في بعض الولايات الجنوبية. وهي مشكلة يتم التركيز الإعلامي عليها، مع اتهام شركات البترول الرئيسة بهذه المشكلة، مع أن الأزمة كانت محدودة جداً وفي عدد محدود من المصافي في ولاية نيو أوريلنز، علماً بأن مصافي البترول التي رفعت الأسعار هي مصافٍ محلية يمكلها مستثمرون محليون، وليست شركات البترول الكبرى. وبالرغم من شدة تلك الأزمات إلا أنه سرعان ماتم تعويض النقص، مما يدل على قدرة صناعة البترول العالمية على مواجهة أزمات كبيرة دون التأثير على الإنتاج والطاقة التكريرية، وهذه الصورة الإيجابية لم يتم تداولها لدى وسائل الإعلام.

8 – خلال النصف الأول من عام 2006م، بدأ ينتشر عالمياً شعور سلبي تجاه الإمدادات العالمية وتوافرها، نتيجة للتطورات السياسية الخاصة بالعراق وإيران والحرب الإسرائيلية اللبنانية، والتخوف من محدودية الطاقة الإنتاجية العالمية الفائضة والحديث عن وصول الاحتياطي البترولي العالمي إلى ذروته وبداية انحدار الإنتاج. وقد أدت هذه الأفكار والتطورات السلبية إلى ارتفاع أسعار البترول إلى أكثر من سبعين دولاراً في صيف 2006م مع الاعتقاد بأن هذا المستوى المرتفع من الأسعار قد يستمر ليصل إلى أكثر من 100 دولار للبرميل.

نمـاذج من مواقف الإعلام تجاه هذه الأزمـات
من خلال هذا الاستعراض لهذه الأزمات الثماني، يتبين لنا أن الاعلام لعب دوراً مهماً ومؤثراً في صياغة صورة عامة تجاه تلك الأزمات والشعور العالمي حولها، وسياسات البترول الخاصة بها. كما أسهم الإعلام بالتأثير في اتجاه الأسعار صعوداً أو انخفاضاً. وهذا الدور شمل كافة وسائل الإعلام، ومن ضمنها وسـائل الإعلام الجماهيرية ووكالات الأنباء، ووسائل الإعلام المتخصص اقتصادياً وبترولياً. ومن الملاحظ أن دور أغلب وسائل الإعلام يميل إلى السلبية والتأجيج أو الاستفادة من الأزمات بدلاً من العمل على التخفيف منها، مع عدم إعطاء صورة موضوعية ومتوازنة للتطورات المختلفة والتركيز على الأفكار أو التطورات المتطرفة، أو من خلال صياغة الخبر أو التحليل بشكل مثير.. ومن الممكن الإشارة كمثال للدور السلبي الذي ركزت عليه العديد من وسائل الإعلام إلى القضايا التاليه:

أولاً: اتجاه أسعار البترول
الوضع المثالي الذي يفضله المستهلكون والمنتجون وصناعة الطاقة أن تبقى أسعار البترول مستقرة عند مستوى معقول من التذبذب، إلا أنه يحدث أحياناً -وخاصة خلال الأزمات البترولية- أن ترتفع أو تنخفض الأسعار بمستويات قد تصل إلى %50 أو أكثر خلال شهر أو ربما أسبوع واحد.. ومن المثير للاهتمام أن بعض وسائل الإعلام وبعض المحللين الذين يرغبون في بروز أسمائهم يركزون على قضية استمرار اتجاه السوق انخفاضاً أو ارتفاعاً مما يسهم في تفاقم هذا أو ذاك الاتجاه، ولعل آخر مثال على ذلك هو ماحدث في صيف عام 2006م عندما وصلت أسعار البترول 75 دولاراً وظهرت دراسة لإحدى المؤسسات الاستشارية المعروفة تتوقع استمرار ارتفاع الأسعار إلى أكثر من مئة دولار، وقد حظيت تلك الدراسة بتغطية إعلامية كثيفة، بالرغم من أنها مجرد اجتهاد، يقابله عشرات بل مئات من الاجتهادات الأخرى التي لم تعتقد ذلك، إلا أنها لم تحظ بنفس التغطية الإعلامية. فمن الواضح أن الآراء المتطرفة حول الأسعار تحظى بتغطية إعلامية واسعة.

ثانياً : محدودية الاحتياطي البترولي
العالمي والوصول إلى ذروة الإنتاج
قضية وصول البترول إلى ذروته الإنتاجية نظرية لها أصولها العلمية، إلا أن الموضوع يصبح أحياناً موضوعاً سياسياً ذا إثارة صحفية أكثر من كونه نظرية علمية. ففي بداية عام 2006م، ومع ارتفاع أسعار البترول والحديث عن محدودية الطاقة الإنتاجية واستمرارية ارتفاع الطلب، بدأت هذه النظرية تأخذ حيزاً متميزاً من التغطية الإعلامية، وكان أكثر المؤيدين لها السيد/مـات سمنز، الذي ركَّز في كتابته على أن احتياطي المملكة وصل إلـى ذروته ليبدأ إنتاجها من البترول في الانخفاض. وقد حظيت أفكاره بتغطية إعلامية واسعة، بالرغم من أنه رئيس شركة مالية استثمارية وليس جيولوجياً أو خبيراً في المكامن النفطية. والأسوأ من ذلك أن العديد من وسائل الإعلام انحازت إلى فكرة ذروة الإنتاج بشكل متعجل وبدون معلومات مؤكدة أو تحليل منطقي علمي.

فعلى سبيل المثال نشرت صحيفة النيويورك تايمز في مجلتها الصادرة في (22/8/2005م)، مقالة مطولة حول الموضوع كتبها صحافي غير متخصص في القضايا البترولية هو بيتر مـاس، تؤيد وجهة نظر قرب نضوب البترول السعودي، وخلال التحقيق الصحفي المطول، لم يستشهد الكاتب برأي أي من المؤسسات العلمية والجيولوجية المتخصصة في قضايا المكامن والاحتياطيات البترولية مثل الهيئة الجيولوجية الأمريكية، أو منظمة مهندسي البترول، بل ركَّز على آراء غير علمية، ليصل إلى أن البترول السعودي في طريقه إلى النضوب، وأنه من غير المناسب الاعتماد على المملكة كمصدر مستقبلي للبترول، الأمر الذي يبين أن الكاتب كان له هدف سياسي وليس علمي. ولو لم تكن الظروف مؤاتية من حيث وجود أزمة بترولية آنذاك فمن غير المتوقع أن يتم إعداد ذلك التقرير أو يتم نشره.

ثالثاً : الطاقة الإنتاجية الاحتياطية الفائضة
تبرز خلال الأزمات البترولية المختلفة، قضية الطاقة الإنتاجية كموضوع رئيس مؤثر على السوق. ولاشك في أن هناك اختلافات كبيرة في تقدير الطاقة الإنتاجية الفائضة لكل دولة منتجة، إذ إن هناك أربعة مصادر لذلك:
أولاً: تقدير كل دولة لطاقتها الإنتاجية؛
ثانياً: تقديرات المنظمات الدولية مثل الأوبك ووكالة الطاقة الدولية؛
ثالثاً: تقديرات الشركات الاستشارية البترولية؛
والمصدر الرابع: هو تقديرات وسائل الإعلام، وخاصة وسائل الإعلام البترولية المتخصصة.

ودائماً ما يتم تدوير المعلومات مابين المصادر الثلاثة الأخيرة مع اختلافات بسيطة، حيث تميل هذه المصادر، وبالأخص خلال الأزمات البترولية المرتبطة بالإنتاج، إلى تقليل كميات الطاقة الإنتاجية الفائضة، مع تقليل قيمة مايصدر من معلومات في هذا الخصوص من الدول المنتجة، مما يسهم في تفاقم الأزمات. فعلى سبيل المثال بعد الغزو العـراقي للكويت، كانت أغلب وسائل الإعلام تشكك في قدرة المملكة على الوصول بإنتاجها إلى 8.5 مليون برميل يومياً (ما عدا صحافي واحد، هو نيكلس مور من وكالة رويترز)، وثبتت صحة ماقالته المملكة بعد شهرين من الغزو العراقي. وكمثال آخـر في عام 2006م، كانت وكالة الطاقة الدولية والعديد من وسائل الإعلام تُشكك في أن طاقة المملكة الإنتاجية تصل إلى 10.5 مليون برميل يومياً. وهي شكوك ليست صحيحة ولا تستند إلى معلومات داخلية حقيقية، إلا أن بعض وسائل الإعلام رددها لمجرد كونها صدرت من وكالة الطاقة الدولية، وهي منظمة تضم الدول الغربية الصناعية وتخدم مصالحها بالدرجة الأولى.

رابعاً : العلاقة ما بين البترول والسياسة
يتم النظر إلى هذه العلاقة بشكل سلبي في الغالب مع ربطها في كثير من الأحيان بنظرية المؤامرة. فالبترول بدون أدنى شك سلعة استراتيجية لها أهميتها السياسية والاقتصادية، إلا أن هناك سلعاً وصناعات أخرى كالغذاء والدواء قد تتفوق على البترول في الأهمية الاستراتيجية، إلا أنها لا تحظى بنفس الاهتمام الإعلامي وبالذات فيما يخص ربطها بالسياسة.

فخلال الأزمات البترولية، أو خلال الأزمات السياسية في المناطق المنتجة للبترول، خاصة في الشرق الأوسط، يزداد الاهتمام الإعلامي بالبترول وربطه بالتطورات السياسية، حيث تبرز حملة إعلامية غربية تتحدث عن أهمية تقليص الاعتماد على البترول، خاصة البترول المستورد من الشرق الأوسط. هذه الحملة السلبية، لا تأخذ في الاعتبار حقائق السوق البترولية العالمية من حيث عالميتها ووحدتها وتكامل كافة عملياتها، بل تركِّـز على منطق القطبية والاختلافــات السياسية (طرف مصدر للبترول قوي ومسيطر ولا يعتمد عليه، وطرف مستورد ضعيف مدمن على البترول وتحت رحمة الطرف الأول). هذه الحملة السلبية، يشعلها بعض السياسيين، وتروِّجها وسائل الإعلام، وكتَّاب الأعمدة الصحافية. غير أن هؤلاء يغفلون الدور الذي لعبه اكتشاف البترول في منطقة الشرق الأوسط في رخاء دولهم الاقتصادي.

ومن أبرز الأمثلة على الحملات الإعلامية السلبية ذات الطابع السياسي خلال الأزمات البترولية، هو ما يقوم به الصحافي الأمريكي توماس فريدمان من خلال عموده الأسبوعي في صحيفة نيويورك تايمـز والعديد من الصحف الأمريكية والعالمية. هذا الصحافي كان يطمح في شبابه إلى ردم الهوة بين العرب والإسرائيليين، ثم تحوَّل في منتصف عمره إلى تحليل العولمة كمنطق اقتصادي سليم وصحيح في عالم اليوم، إلا أنه انحرف مؤخراً عن فكرتي التوفيقية السياسية وعولمة الاقتصاد العالمي ليتبنى حملة عداء ضد استخـدام البترول، مع الإيعاز إلى أن المشكلات التي تواجهها الولايات المتحدة (السياسية والاقتصادية) تعود إلى اعتمادها على البترول المستورد وبالأخص البترول العربي، علماً بأنه لا يوجد فارق بين البترول العربي والأمريكي عندما يتم إنتاجهما وبيعهما في السـوق العالمية التي لا تفرق بين هذا وذاك.

فبشكل عام، قدَّم الإعلام خلال المئة عام الأخيرة، صورة سلبية عن البترول ومالكيه.. وتزداد هذه النظرة السلبية قتامة خلال الأزمـات البترولية.. ويعود هذا إلى تطورات تاريخية مختلفة تمت الإشارة إلى بعضها. إضافة إلى ذلك، فإن وسائل الإعلام بما فيها من الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية غير المتخصصة، والقنوات التلفزيونية تعاني من أزمة عدم وجود إعلاميين متخصصين في المجال البترولي، وهي أزمة تعود إلى سياسات هذه الوسائل الهادفة نحو انخفاض التكلفة المالية من حيث عدم وجود المتخصصين المتفرغين ذوي الخبرة الطويلة للعمل الصحفي في مجال واحد مثل البترول، ولفترة طويلة. فعلى سبيل المثال، ماعدا صحيفة الوول ستريت جورنال، فإنه لا توجد صحيفة يومية أو مجلة أسبوعية أو محطة أخبار تلفزيونية لديها صحافي بترولي متخصص قضى أكثر من سنوات خمس متواصلة في تغطية الصناعة والسوق البترولية.

أما وكالات الأنباء العالمية، وبالرغم من وجود متخصصين بتروليين لديها، إلا أن تركيزها على سرعة نشر الخبر، والإثارة وجذب الاهتمام، خاصة اهتمام المتعاملين في السوق الآجلة من حيث صياغة الخبر يُضعف من عمق وموضوعية أخبارها. وبالنسبة إلى الإعلام البترولي المتخصص، خاصة النشرات الأسبوعية، فإن هناك اختلافات واضحة في تغطيتها وموضوعيتها، ومصداقية أخبارها، وذلك تبعاً لمقدرة الصحفيين والمحررين العاملين فيها.

وقد قامت شركات البترول العالمية والوطنية والمنظمات والتجمعات البترولية مثل منظمة الأوبك ومعهد البترول الأمريكي الذي يضم الشركات البترولية الأمريكية الرئيسة، بحملات إعلامية مكثفة من أجل إعطاء صورة إيجابية عن البترول. غير أن تأثير تلك الحملات مازال محدوداً لعدة أسباب، أهمها عمق النظرة السلبية ضد البترول والمتكونة عبر تراكمات زمنية تمتد إلى حوالي مئة عام. فعلى سبيل المثال ، فإن منظمة الأوبك قامت بدراسة عن اتجاه الرأي العام حول البترول، فوجدت أن أكثر الشعوب سلبية تجاه البترول هي الولايات المتحدة، ثم أوروبا، أما أقلها من حيث النظرة السلبية فكانت آسيا وخاصة الصين والهند.

المطلوب: تركيز على الإيجابيات بدل الدفاع
ومن المناسب إعادة النظر في الحملات الإعلامية البترولية. فبدلاً من الدفاع عن البترول وصناعته يتم التركيز على إيجابيات البترول، والدور الذي تلعبه هذه الصناعة في نمو ورخاء العالم، وعملها من أجل استقرار السوق. كما أنه من المهم توعية الصحفيين الاقتصاديين بدور البترول، فهم في النهاية حملة الرسالة الإعلامية بسلبياتها وإيجابياتها.

والنظرة الإعلامية السلبية تجاه البترول في الوقت الحاضر تُركز على موضوعين رئيسين الأول: عدم مصداقية الاعتماد على البترول نظراً لأن مصدره منطقة الشرق الأوسط غير المستقرة، أما الموضوع الثاني: فهو أن البترول من أهم أسباب تلوث البيئة والاحتباس الحراري.

من الممكن تفنيد هذين القولين، في حالة وجود حملة إعلامية مضادة مكثفة وعلمية. ففي الموضوع الأول، فإن السوق البترولية هي سوق عالمية واحدة، بحيث أصبحت عملية مصدر الإنتاج والاستيراد ليست ذات أهمية في اتجاه السوق، علماً بأن دول الشرق الأوسط وخلال الستين عاماً الماضية، دائماً ما تعوض النقص الحاصل منها، بل ومن مناطق أخرى حول العالم.

أما الموضوع الثاني، فهو أن كمية ثاني أكسيد الكربون الصادرة من البترول أقل من كمية ثاني أكسيد الكربون الصادرة من عوادم الفحم، والذي يحصل على دعم مادي في بعض الدول الصناعية. إضافة إلى ذلك، فإن الصناعة البترولية، ومن خلال التكنولوجيا الحديثة وليس من خلال ضرائب إضافية أو أنظمة تحد من استخدام البترول، تستطيع تقليل العوادم المضرة بالبيئة مثل ثاني أكسيد الكربون وبالأخص مع الدعم الحكومي ومن خلال آليات التجميع والتخلص من ثانــي أكسيد الكربون.
دالاس.. أتذكرونه!
في بداية الثمانينيات الميلادية ظهر مسلسل تلفزيوني خيالي معادٍ للبترول باسم دالاس (Dallas) يتحدث عن عائلة أمريكية في تكساس تمتلك آباراً للبترول ولديها علاقات سياسية وتجارية داخل أمريكا وخارجها. وقد كانت تلك العائلة، حسب المسلسل التلفزيوني، تتميز بالفساد المالي والأخلاقي، وقد حظي المسلسل باهتمام جماهيري واسع داخل الولايات المتحدة وخارجها. كما كان من أكثر البرامج الجماهيرية عداءً للبترول.

أزمات بترولية..
لم ترفع الأسعار ولم تثر ضجيجاً
من المهم أن نشير إلى حدوث أزمات بترولية وأزمات سياسية في المناطق الرئيسة المنتجة للبترول خلال الخمسينيات والستينيات الميلادية مثل حركة مصدق في إيران وإيقاف إنتـاج البترول، وتأميم قنـاة السويس في عام 1956م، والعـدوان الثلاثـي (بريطانيا، فرنسا، إسرائيل) على مصر في نفس العام، وحرب 1967م، إلا أن هذه الأزمات السياسية والبترولية، لم تؤدِ إلى ارتفاع أسعار البترول وذلك نتيجة لثلاثة عوامـل رئيسة: أولها، الهيمنة الغربية التامة على صناعة وتجارة البترول؛ وثانيها، صغر السوق البترولية العالمية؛ وثالثها، استخدام نظام الأسعار المقررة مسبقاً وليس نظام السوق الحرة والمستقبلية كما هو حاصل حالياً.

الجهد المضاد يحتاج إلى المزيد
يقول الدكتور المهنا في دراسته هذه، إن وزارة البترول والثروة المعدنية في المملكة العربية السعودية، وشركة أرامكو السعودية، ومنظمة الأوبك، تقوم بحملات إعلامية كبيرة من خلال المشاركة في المؤتمرات الدولية ومن خلال العلاقات مع الصحافة الدولية والمحللين البتروليين. وقد نجحت هذه الحملات في تغيير بعض الأفكار السلبية عن البترول وعن المملكة ومنظمة الأوبك، إلا أن المهمة صعبة نظراً لوجود حملة مضادة قوية من ناحية، وعدم تعاون وتوحد آراء الشركات البترولية العالمية من ناحية أخرى. كما أن بعض التصريحات لاتسهم في تحسين صورة البترول وموثوقية الدول المنتجة، بل تؤدي أحياناً إلى العكس.

أضف تعليق

التعليقات