اطلب العلم

قريتان عالميتان.. لا واحدة

التقرير الذي صدر مؤخراً عن وكالة الطاقة الدولية حول حال الطاقة في العام 2006 ، وجَّه صفعة إلى المبالغين في تفاؤلهم بما يمكن لثورة الاتصالات وتكنولوجياتها المتقدمة من تحقيقه على صعيد تحويل العالم إلى قرية .

فقد أكد التقرير وبكل بساطة أن ربع سكان العالم (1.6 مليار نسمة) يعيشون من دون كهرباء، ولا يفتقرون بالتالي إلى الكمبيوتر والإنترنت والتلفزيون فقط، بل أيضاً لأبسط أشكال الصناعات التي تحتاج إلى الكهرباء.

وإشارة التقرير إلى انعدام المساواة في توزيع الكهرباء عالمياً لا يشكِّل مفاجأة. ففي حين أن كهربة العالم المتقدم تصل إلى نحو %100، تنخفض نسبة الحاصلين على الكهرباء في دول العالم الثالث انخفاضاً ملحوظاً يبلغ الحضيض في الدول الإفريقية الواقعة جنوبي الصحراء الكبرى، حيث يعيش 554 مليون نسمة من أصل 891 مليوناً من دون كهرباء (%98.7 منهم يعيشون في مناطق ريفية). وفي بعض الدول مثل بوركينا فاسو والموزامبيق في إفريقيا وأفغانستان في آسيا، تنخفض نسبة الحاصلين على الكهرباء إلى %7 فقط من السكان، وتشمل المساحات المظلمة (أقل من %60) جنوب شرق آسيا والهند وباكستان وبعض دول أمريكا الوسطى والجنوبية إضافة إلى إفريقيا طبعاً.

وإذ يفسِّر التقرير واقع الحال في العالم الثالث بعاملين أساسين هما الجغرافيا (توزع السكان بعيداً عن المدن) والنقص في الاستثمارات، يشير إلى أنه من المتوقع بحلول العام 2030م أن ينخفض عدد المحرومين من الكهرباء من 1.6 مليار نسمة إلى 1.4 مليار، ولكن، ليس بسبب استثمارات إضافية، بل لتنامي الهجرة من الأرياف إلى المدن.

ما يعنينا من كل ما تقدَّم أن ربع البشرية لا يزال وسيبقى لسنوات طويلة مقبلة خارج القرية العالمية التي يتحدث عنها المنظِّرون من دون تحفظ للعولمة.

وربع العالم هذا يتوزع على ثلاث قارات، وليس محصوراً في رقعة جغرافية واحدة. ولا يمكن لسكان القرية العالمية المضاءة المتواصلين فيما بينهم من خلال التكنولوجيا المتطورة، أن يشيحوا بنظرهم عن هذا الربع الذي يعيش في الظلام.

فلهذا الربع ثقافاته وحاجاته إلى الاستهلاك وقدراته على زعزعة استقرار القرية المضاءة. ولا بد لكل ذلك من أن يؤخذ بالحسبان.

وعندما نضيف إلى ما تقدم أن توزيع الكهرباء يسجل على كل المستويات ما بين 0 و %100 حتى ضمن الدول التي يصل معدل التغطية فيها إلى %80، وأيضاً الأنماط والمستويات المختلفة في مجال الاستفادة من الكهرباء لولوج عالم الاتصالات والتواصل والتكنولوجيا المتطورة، ندرك كم أن العالم لا يزال بعيداً عن القرية العالمية.. عالم، لو دفعنا تفاؤلنا إلى حده الأقصى لقلنا إنه اليوم قريتان عالميتان.. واحدة مضاءة، والأخرى مظلمة.. ولو تفحصنا الثانية على ضوء الشمعة لوجدناها تتألف من عشرات القرى.

أضف تعليق

التعليقات