الثقافة والأدب

فيكتور هيجو..
حياته وآراؤه الغريبة

  • Portrait of Victor Hugo
  • Hugo with grandchildren
  • VICTOR HUGO1
  • Candice Patou in  the Movie Les Miserables
  • Victor Hugo at Home in Guernsey
  • Victor Hugo
  • Statue of Victor Hugo in the Courtyard of the Sorbonne

كان هيجو مولعاً بالفخامة والمبالغة، بينما كان ايمرسون ووايتمان يريان نفسيهما إلهين أو أدنى من ذلك بقليل. أما شارلز ديكنز
فلا يرى نفسه أكثر من مجرد كاتب، وإنه سيف الطفولة في وجه عالم الكبار القاسي، بينما يرى بلزاك نفسه مسجلاً لتاريخ المجتمع الفرنسي. فيان الخفاجي تقرأ لنا سيرة فيكتور هيجو وكيف كان متـفوقاً بإمكاناته العقلية الفذة وقدرته على الإحساس بالأشياء من حوله، مما جعل الناس يلقبونه بالرجل الخارق «السوبرمان».

هيجو: الشاعر والرسام
امتلك فيكتور هيجو ذاكرة صورية طويلة الأمد، ظلت قوية حتى بعد أن طعن في السن، فكان لا يروي القصة نفسها للشخص مرتين، وكانت حاسة السمع لديه خارقة بحق تمكِّنه من تمييز أدق الأصوات حتى تلك التي يصدرها النمل والحشرات المختلفة تحت سطح الأرض بل ويحدد مكانها أيضاً.

أما نظره فيقوم مقام الكاميرا أو التلسكوب، إذ كان بإمكانه أن يرصد أبعد المناطق والأبنية التي يـقع نظره عليها. وربما الفصل الشهير من روايته الأكثر شهرة «كاتدرائية باريس» هو أوضح مثال على حاسة البصر الهائلة التي يمتلكها، فقد كان ينظر وهو واقف في أحد أبراج الكاتدرائية الضخمة إلى الأسفل ليصف أدق تفاصيل المنظر الذي تحته: شوارع باريس المزدحمة بالناس من كافة الأشكال والطبقات إبان القرون الوسطى، وكأن عينيه جهاز كاميرا رقمية مثبتة على قـنبلة من تلك التي يسمونها اليوم بالقنابل الذكية.

كان يستطيع أن يدخل النوافذ البعيدة، بعينيه المجردتين، مصوراً كل ما يحصل في داخلها. وقد دفعته مهارته البصرية الهائلة إلى احتراف التخطيط والرسم. أكثر من ثلاثة آلاف تخطيط ثبـتت نسبتها لهيجو، ناهيك عن اللوحات التي يوصف بعضها بأنه أكثر من جيد جداً. كان هيجو يوقِّع لوحاته بالحرفين الأولين من اسمه V.H وأعتاد أن يزخرفهما بشكل فخم وبارز وبضربات قوية بفرشاة الرسم. لقد أدخل هيجو في رواياته بعضاً من هذه الرسوم والتخطيطات مثل العفريت الصغير جافروش في روايته البؤساء.

الجانب المظلم في حياة هيجـو
عُرف هيجو في شبابه بالتزامه الأخلاقي. وانعكس ذلك على دواوينه الشعرية المسماة بـ «الشرقيات». كان يستـنكر الحريم في قصور السلاطين العثمانيين الذين وصفهم بالبرابرة، وكان يتجوَّل في أروقة تلك القصور بعينيه المصورتين وكأنه عاش هناك فعلاً. أما على مستوى حياته الشخصية، فقد أضاف إلى زوجته الرسمية «أديل» زوجة أخرى غير رسمية وهي «جولييت درووي» (التي كانت متفانية له بشكل موجع وظلت معه إلى آخر يوم في حياتها، تنسخ له مخطوطاته وكتاباته، وتحمَّلت المهانة كونها المرأة الأخرى في حياته) ولم يكن يمانع من إبقائها في منزل أصغر وأكثر تواضعاً وفقراً بالقرب من زوجته الأولى، وظل يخون الاثـنـتين مع أي امرأة أخرى تركع أمام إغـراء سـيد فرنسا العظيم للكوبليهات المقفاة!

ولم يغيّر هيجو طبعه هذا حتى وهو في السبعينيات من عمره، فكان ولعه هذا مثار سخط أسرته التي عجزت عن إيجاد طرق جديدة كل يوم لمنع هذا الشاعر الطاعن في السن من الهرب إلى الشوارع بحثاً عن مغامرات غرامية في طرقات فرنسا الأكثر ظلمة وبؤساً. إلا أن هذا الولع الكبير بالمغامرات العاطفية لم يكن مجرد رغبة فقط، بل إن هيجو عبّر عنه في الشعر بالتورية المرحة وبالجناس، ولكن بشكل مؤدب ومتحفظ، يدفعه في ذلك إعجابه بنفسه ورضاه عنها، معبراً في الوقت نفسه عن تعاطفه مع قعر المجتمع وروح التمرد التي تكمن فيه.

التنوع الأدبي
تمّـيز هيجو بقدرته الهائلة على الكتابة بأكثر من أسلوب وجنس أدبي واحد، وهي قدرة فذة قلما يمتلكها الكتَّاب والأدباء. سخّر هيجو أعظم طاقاته الإبداعية في مجال الشعر، فكان يؤلف مجلداً ضخماً تلو الآخر يزخر بالكثير من الأناشيد الريفية والملاحم واللعنات والتورية والمناظرات والمجادلات والأغاني والصلوات وقصص من الخيال العلمي، وأراد بذلك أن يعكس للعالم الشوارع في القرون الوسطى التي وصفها بأنها مليئة بالصخب وبالأشياء الغريبة التي تقع على الطرف المناقض لكل قوانين الذوق العام. كان شِعره شعر رسام من دون أي شك.

مراحل الإبداع
عاش هيجو بخياله الخصب فترة استشراق وفترة القرون الوسطى وفترة إسبانية وإنجليزية وألمانية، بل وحتى فترة الثورة الحمراء، وفترة الأجداد والأحفاد، وفترة تصوف واضحة انغمس فيها بالروحانيات. وكانت كل مرحلة تكشف أكثر المناطق عمقاً وتأملاً في معتقدات هيجو وآرائه الكثيرة. والمتتبع لأعماله يجدها تاريخية بحتة، تبدأ من عصر الجهل والظلام إلى عصور الحرية والتنوير، تحقيق التطور الإنساني بالأعمال الصالحة والإيمان بإنجازات الأنبياء والأبطال الذين وضعوا اللبنات الأساسية للديانات العظيمة التي أصبحت في عصرنا الحديث أساس وجوهر عبقرية الأدب. هيجو يؤمن بأن التـقدم والنور في الأدب يسيران جنباً إلى جنب مع حرية الإنسان وإن التطور في الفن هو تطور أخلاقي بالدرجة الأولى.

نشأته الأولى
لم ينشأ هيجو في بيئة أدبية. كان والده جنرالاً في جيش نابليون – وهو آخر قادة نابليون الذين أوقفوا إطلاق النار عقب كارثة واترلوو عام 1815 وكان هيجو في الثالثـة عشرة من عمره آنذاك. هجرت والدته أباه بعد تفاقم الخلافات في الرأي بينهما. فالأب جمهوري حد النخاع والأم موالية للملكية وأصبحت بعدها عشيقة لواحد من ألد الأعداء الذين تآمروا على نابليون في باريس. وربما كان لها ضلع في هذه المؤامرات هي الأخرى. في خضم هذه البيئة المليئة بالحروب والتحولات السياسية الصاخبة وسفر الأب المتواصل مع الجيش الإمبراطوري، كانت قريحة الفتى الشعرية قد بدأت تتـفتح شيـئاً فشيئاً، أبـياتاً مقفاة مبنية بإحكام بدأت تأخذ شكلها وتفاصيلها في ذهنه الذي بدأ أول الأمر غير راغب أو غير مكترث بها. كان الشعر يغزو عقله في النوم وفي الصحو أيضاً.

هيجو ضحية مرض فريد
كان هيجو ضحية مرض فريد من نوعه يصيب العقل، عُرف في القرن التاسع عشر باسم ميترومانيا. هذا المرض يجعل الدماغ ينـتـفض ويرتعش بقوة مثل العضلة مفرزاً شفهياً أثـناء ذلك قوافي وأوزاناً شعرية بسرعة لا يمكن السيطرة عليها. في سن الخامسة عشرة، دخل هيجو مسابقة للشعر كانت ترعاها الأكاديمية الفرنسية. وكان قاب قوسين أو أدنى من الفوز لولا أنه ذكر عمره الحقيقي مما جعل الحكام يشكُّون في أنه من نظم الشعر المقدم أمامهم. وقبل بلوغه العشرين، قاد ثورة في الشعر ناصره في ذلك جيل كامل من الكتَّاب الشباب- رغم أن جيل الشباب هذا مؤلف كله من هيجو وهيجو فقط! كان يكتب تحت أحد عشر اسماً مستعاراً في مجلة يصدرها شـقـيقه الأكبر. أثارت تحولاته المثيرة شكاوى النقاد المحافظين الذين كانوا يرون بأن هذه الأفكار الجديـدة قد منحت هيجو فرصة ذهبية لأن يرتكب المحظورات وهذا ما أكده هيجو بلسانه عندما أعلن:
أجل هذا صحيح. هذه بعض جرائمي
لـقد احتللت باستيل القوافي والأوزان وحطمته!

الحكمة في كتاباته
واحد من أروع كتبه هو «الشرقيات» الذي ألفه في باريس وهو في العشرينيات من عمره، احتوى هذا الكتاب على الكثير من الحروب الخيالية عن الأتراك واليهود والرومان والعرب والإسبان وهو ممتلئ بالعنف والتـوتر والمـرح والإساءة لهذه الجنسيات أيضاً. ولكن قـطعته الأدبية الأكثر روعة هي «أساطير السيـسـيل»، التي تحكي تاريخ الكون ولكن على شكل أساطير، والتي سرعان ما تلاها كتابان ملحقان لم يكملهما، هما «نهاية الشيطان» و«الله» (Dieu).

كل تلك التأملات الغنائية المفعمة بالعواطف والأفكار، التي وصفت بأنها مثيرة للمشاعر وملطخة بالدم كانت تشير في الواقع إلى فكرة واحدة أوسع بكثير من أن نتصورها- ألا وهي تطور أفكار الحرية السياسية والعلوم والشعر. يُقال إن هيجو عندما ألف كتابه هذا كان واقفاً عند مكتبه ورافعاً يده الممسكة بالقلم في الهواء ينـتظر القافية التالية الكاملة التي ستجد مكانها الصحيح دون أدنى جهد. لا بد أنه كان يستـشعر وخزات كهربائية خفيفة في جسمه بينما قلمه يرتفع ثم يهبط ثانية على الورق دافعاً مسيرة الإنسانية إلى الأمام إلى الحد الذي يصل فيه كاتبنا إلى كوبليه (مقطع شعري مكون من بيتين) متكامل تماماً. لقد أصبح هيجو رجلاً خارقاً بحق لأن مبادئه في التاريخ والفن جعلته كذلك ولأن حيويته المفرطة وقدراته المتدفقة التي لا تعرف الحدود في مجالات الأدب العديدة قد أقنعته بأنه يمتلك بالفعل صفات الرجل الخارق. وهذا مقطع من تلك القصص الملحمية بعنوان «نهاية أبليس» أقدمها لكم وعذراً لترجمتي غير المقفاة:

لأكثر من أربعة آلاف عام، كان يهبط في اللّج
لم يستطع أن يجد تلة يتـشبث بها
أو حتى أن يرفع جبينه المغمور الواسع اللامحدود إلى السماء
كان يغرق في الظلام والضباب
تـقتله الحيرة والإرباك
كان وحيداً وخلفه في ليالي عالم الخلود
كان ريش جناحيه يسقط.. يسقط ببطء
لفه الصمت والحزن وصدمة اقتراب النهاية
غارق في الكرب، فاغرٌ فاه وساقاه مرفوعتان صوب السماء
وصدمة نهايته مطبوعة على وجهه الحي
صاح: «الموت!» ورفع ذراعيه وسط الظلام
هذه الكلمة أصبحت بعدها هي الإنسان وهي اسمه..
إنها: قابيل.

هيجو البطل السياسي
بالإضافة إلى التأليف والرسم والتخطيط وملاحقة النساء، استطاع أن يضطلع بدور القائد السياسي الجاد. أولاً عندما كان موالياً للملكية والرجعية، وثانياً عندما أصبح جمهورياً واشتراكياً، ولكن دون عقائد محددة. في عام 1851م عندما شن لويس-نابليون انـقلاباً سياسياً على خاله نابليون بونابرت، انطلق هيجو الذي كان في التاسعة والأربعين من بيته إلى الشوارع صارخاً بالناس: «أيُّها المواطنون! لديكم ذراعان. لتمسك إحداهما بحقوقكم الشرعية والأخرى بالبندقية، وهاجموا بونابرت!». وعندما لم تحصل ثورة تذكر، هرب هيجو إلى بلجيكا، ثم إلى جزر القنال البريطانية ومنها إلى ساحل النورماندي التي عاش فيها العقدين التاليين في عزلة تامة وكان يشن هجماته وحملاته السياسية ضد دكتاتورية لويس-نابليون، مسخراً قدراته الأدبية الفذة في تشويه سمعة الرجل بعد أن ناصره في بداية الأمر.

هيجو: أول حالة تمرد في الأدب الأوروبي
يُعد هيجو أول حالة انقلاب أو تمرد في الأدب الأوروبي. وكانت احتجاجاته السياسية والاجتماعية في كتبه تتدفق منه كما تتدفق الحمم من البراكين خلال تلك السنوات: البؤساء مثلاً، سرعان ما دخل نشرها إلى لائحة الأدب المحظور التي تصدرها الكنيسة الكاثوليكية. وشأن هذه الرواية شأن الطبعة الأولى من «أساطير السيسل» وبعض المقالات الصحافية ومجلد ضخم ضم ذماً وهجاءً وسمي بـ«الهجائيات» الذي يضم لعنات غاضبة وقدحاً وذماً في هيئة شعر. وبهذه الطريقة استطاعت كتبه أن تطـير زرافات من جزر القنال البريطانية إلى داخل فرنسا وأن تصب جام حنـقها واستـيائها على كل القوى التي تؤيد ابن أخت نابليون بونابرت.

وبعد انهيار الدكتاتورية وبعد أن عمّت الحروب والمذابح شوارع فرنسا، تحوّلت روحه المتمردة والمتوثـبة إلى روح رجل لطيف ووقور وملتحٍ ليكون رمزاً للفضيلة الوطنية والمُثل الجمهورية، إذ أُعيد انتخابه مرات عدة في مجلس العموم ثم التحق بمجلس الشيوخ. وقيل إنه قد رُشح للرئاسة أيضاً. ولكن حقيقة الأمر هي أنه لم يكن حاذقاً في الحيل السياسية وصنع القرار وعقد الصفقات وربما لم تكن له الرغبة في أن يصبح سياسياً بالمعنى العام والمعروف للكلمة.

في عيد مولده التاسع والسبعين في عام 1881م عزف أكثر من خمسة آلاف موسيقي نـشيد المارسليز احتفاءً بعيد مولده حتى أن الشارع الذي يقطن فيه سُمي باسمه أي شارع فيكتور هيجو. وعندما توفي، بعد سنوات أربع من ذلك التاريخ رافق جمع غفير من سكان باريس، العربة المتواضعة التي حملت نعشه وطافت به أرجاء المدينة حتى وصلوا إلى مقبرة بانثيون حيث دفن هناك. (جدير بالملاحظة أن هيجو وبفضل غريزته المسرحية التي لا تخطئ قد وصف حتى تفاصيل جنازته وصفاً دقيقاً).

تأملات هيجو
في «الشرقيات» نظم هيجو الشاب قصيدة من بيتين بسيطين سماهما «الذروة» وفيها وصف نفسه بأنه يقف على حافة الماء ويفكر بالله. ومن ثم نظم كتابه الرائع «تأملات»، وفيه انتقل من النجوم والأكواخ الصغيرة ليسجل بكل صدق أكثر الأحداث التي عصفت بحياته قسوة– ولا نقصد بهذه فشل التمرد في عام 1851م ونفيه من فرنسا ولكن ما نقصده هو موت ابنته العزيزة ليوبولدين التي غرقت في زورق في منطقة فيلكور على نهر السين. خسر كل من راهن على أن هذه الحادثة كانت ستجعله يدق طبول التمرد والعصيان والغضب أعلى كما لم يفعل في حياته أبداً. المدهش أنه أصبح أكثر هدوءاً وأقل استعراضاً لعضلاته. ففي مقدمة الجزء الخاص بقصيدة ابنته المسماة «حدث في فيلكور» تحدث عن مأساته بطريقة طبيعية فيها الكثير من المنطق والعقل. (وأود هنا أن أقدم لكم جانباً من هذه القصيدة):

عندما أصبحت باريس، بصخورها المعبدة، برخامها
وبضبابها وسطوحها
بعيدة عن عيني،

عندما صرتُ تحت أغصان الأشجار
أحلمُ بجمال الجنة

عندما خرجتُ من ذلك العزاء الذي جثم على روحي
شاحباً ولكن منتصراً، شاعراً بطمأنينة الطبيعة
التي دخلتْ إلى قلبي

عندما استطعتُ، وأنا جالس عند حافة الأمواج
يحركني ذلك الأفق الساكن الرائع،
أن أستذكر الحقائق العميقة في داخلي
وأنا أنظر إلى الزهور التي تتخلل الأعشاب،

الآن، آه يا إلهي! عندما منيتُ نفسي بجأش قاسٍ
لأتقدم به إلى الأمام
لأرى بعيني تلك الصخرة وظلها العزيز الذي أعرفه
والذي ترقد تحته إلى الأبد،

عندما خففتُ من حزني تلك المناظر الإلهية،
السهول، الغابات، الصخور، الوديان، المياه الفضية
ورأيت كم أنا قزم أمام عجائبك وكل هذه الروعة
استعدتُ رشدي..

جئت لأمثل بين يديكَ، يا مولاي، الذي يجب أن أؤمن به
ووضعتُ بين يديكَ، بكل هدوئي ورباطة جأشي
قطعة من هذا القلب، المفعم بمجدك
الذي لم يكسره أحد سواك

جئتُ إليك يا مولاي، مُقراً بأنكَ الطيب، الرحمن، الرحيم، الغفور
آه، يا الله يا أيها الحي!

هذه الترنيمة لشخص تجيش جوانحه بهدوء بإيقاعٍ واحد، ودمه يجري بغضب وبحزن غامر بإيقاع ثانٍ. هو رجل يحاول أن يقنعنا بإيقاع آخر مختلف أن جانحيه لا يجيشان بالحزن ودمه لا يتدفق بسرعة. هي قصيدة تتحول من إخلاص مطلق إلى حزن مطلق. إنها تبيّن لنا الكوزمولوجي (علم الكونيات) الذي أذهل هيجو ونظرته الخاصة إلى تاريخ البشر ونلاحظ بأنه لم يتبق لديه من الحِكم ما يسبغه على الإنسانية. لم يتبق له الطموح الكافي ليصبح قائداً لفرنسا ولا الصبر وطول الأناة لمباهج الحياة والغرور والتظاهر. إنه يبين لنا أنه مجرد أبٍ يغمره الحزن والكرب. هنا يظهر لنا هذا الـ(هيجو) الضخم، الساخر، المتمرد، إنساناً في منتهى الضعف الإنساني، ذا قلب مرهف وحزن غارق في التأمل والصوفية.

وفي النهاية يبقى أن نقول إنه شاعر رائع، شأنه دائماً، وشاعر عظيم في بعض الأحيان خاصة عندما تعترض الحياة طريقه. ولا يكون لديه الوقت ليفكر بعظمته ومجده. لقد استحق بكل جدارة أن يُلقب بـ «صاحب أقوى ذاكرة في الحركة الرومانسية» و بـ «شاعر البلاط الملكي»، و«نبيل فرنسا» في عام 1845.

عندما سُـئل أندريه جييد عن مَنْ يعتبره أعظم شاعر فرنسي، أجاب: «يا إلهي… إنه فيكتور هيجو، ومن غيره!».

أضف تعليق

التعليقات