للمسن وضع صحي خاص به يختلف عمّا هو عليه حال الفتى أو البالغ. وفي مواجهة الأمراض التي يعاني منها المسنون، فإن أخذ عمره بالحسبان مسؤولية يتشارك في حملها الطبيب وذوو المريض.
الدكتورة ندى علي الباحسين تحدثنا عن خصوصيات العلاج الدوائي لكبار السن..
أشار تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 1998م إلى أن هناك زيادة في أعداد المسنين (الذين تجاوزوا الخامسة والستين) في أغلب دول الغرب منذ بداية القرن الماضي، وذلك نتيجة للتحسن في الخدمات الصحية بشكل عام. وفي العالم الصناعي قلّت حالات العجز بين كبار السن بسبب أمراض القلب وبعض السرطانات بسبب برامج الوقاية والتثقيف الصحي.
وكما هو معروف فإن المسنين يعانون من أمراض مزمنة، وليس من المستغرب أن يكونوا المستهلكين الأكبر للأدوية. فقد أشارت دراسة أجريت في بريطانيا إلى أن 70% من كبار السن يستخدمون الدواء، وأن 40% منهم تناولوا دواء أو أكثر خلال الـ 24 ساعة. وتتنوع الأدوية المتناولة من قبل هذه الفئة، فهناك 32% يستخدمون أدوية القلب والأوعية الدموية، 24% أدوية الجهاز العصبي، 10% أدوية عضلية هيكلية، 10% أدوية للجهاز الهضمي، و7% أدوية التنفس.
أما أكثر الأدوية شيوعاً فهي المدرات (المبيلات)، المسكنات، المنومات، مضادات القلق، مضادات الروماتيزم. وقد يصل عدد الأدوية المستخدمة إلى ثمانية دفعة واحدة.
ويجد كبير السن صعوبة في أداء نشاطاته اليومية والاجتماعية مثل المشي والعناية الشخصية، إلا أن اندماجه مع الجو العائلي يساعد كثيراً على تقليل حجم الهبوط النفسي الذي يعاني منه. وأكدت دراسة أجريت في البحرين أن كبار السن الذين يعيشون مع العائلة هم أكثر استقراراً، حيث إن الجو العائلي يوفر النشاط الدائم من قبل أفراد العائلة والأصدقاء والزائرين.
أساسيات الرعاية الصيدلانية للمسنين
نتيجة للتقدم في العمر تحدث تغيرات فيزيولوجية معينة، حيث تقل كتلة الجسم، ويقل الماء فيه، وتزداد الدهون، ولذا فإن الأدوية التي تتوزع في الماء تكون أكثر تركيزاً مع التقدم بالعمر، في حين أن الأدوية الذائبة في الدهون يكون حجم توزيعها أعلى، ويكون بالتالي مستواها في الدم أقل. وهناك تغيرات تحدث لدى كبار السن في القناة الهضمية، حيث تقل الحركة المعدية المعوية وتقل الإفرازات الهضمية ويقل حجم الكبد وتتغير الوظيفة الكلوية. هذه التغيرات لها تأثير على امتصاص الأدوية واستقلابها، واتحادها مع البروتين، وكذلك طرح الأدوية وحركتها في الجسم.
إن الإلمام بأساسيات وأهداف العلاج الدوائي للمسنين وتقديم الرعاية الصيدلانية يؤدي إلى استخدام أفضل للدواء. لذلك لا بد من تجنب استخدام أدوية غير ضرورية للمسنين وأن يوصف لهم أقل ما يمكن من الأدوية (Avoid Polypharmacy) وأن نضع نصب أعيننا الأسئلة التالية:
_ هل هناك حاجة لاستخدام الدواء؟
_ هل هناك طريقة بديلة للعلاج؟
_
لا يوصف دواء لكبير السن لمجرد تجربة دواء جديد أو إعطائه عينة مجانية أو لأن كبير السن طلب ذلك الدواء.
_
إن كبار السن هم أكثر عرضة للتأثر بالمضاعفات الجانبية، خاصة أدوية التركيز، الاختلاط الذهني، نقص ضغط الدم الانتصابي، وهذه التأثيرات الجانبية تلاحظ مع العديد من الأدوية.
وعليه إذا كان كبير السن يعاني مثلاً من ارتفاع بسيط في ضغط الدم فلا بد في بادئ الأمر من استخدام طرق أخرى غير الأدوية. وكذا الحال مع المنومات غير الضرورية. وهناك بعض الاحتياطات تغني عن الأدوية كتفريغ المثانة قبل النوم مباشرة لتجنب ذلك أثناء الليل، والابتعاد عن المنبهات في الليل ومحاولة توفير مكان هادئ ومظلم لينعم بنوم مريح وهادئ من دون الحاجة لاستخدام المنومات.
تأثير العلاج على نوعية الحياة: إن هدف علاج كبار السن ليس إطالة عمرهم، لكن تحسين نوعية الحياة. وللوصول إلى هذا الهدف يكون الاختيار الصحيح لنوع العلاج الذي يناسب كبير السن مهماً جداً. ومثال على ذلك، من الأفضل بالنسبة لكبير السن المصاب بالتهاب مفاصل شديد أن يتم استبدال الورك وليس وصف أدوية مسكنة مضادة للالتهاب غير ستيرويدية بتأثيراتها المعاكسة.
معالجة الأسباب وليس الأعراض: يعتبر علاج الأمراض من دون تشخيص محدد عادة سيئة، فقد يشتكي الشخص من أعراض سوء الهضم، لكنه في الحقيقة يعاني من الذبحة الصدرية، لذلك يجب البحث عن السبب الحقيقي ثم وصف العلاج المناسب لكل حالة.
التاريخ الدوائي والأمراض المصاحبة: يجب التأكد من الملف الطبي لكبير السن، حيث يحوي المعلومات حول حالة المريض الحالية والسابقة المتعلقة بالمعاناة من الأمراض وأنواع الأدوية التي تناولها ولا يزال. فقد يعاني كبير السن من أمراض متعددة في آن واحد مثل الفشل القلبي، القصور الكلوي، عدم انتظام الوظيفة الكبدية، إضافة إلى احتمال المعاناة من ارتفاع ضغط الدم والسكري مما يستدعي استخدامه لأكثر من نوع من الأدوية. لذلك يجب معرفة التاريخ الدوائي للمسن والأدوية التي تسبب الحساسية لديه أو تلك التي لا يتجاوب جسمه معها لتفادي التداخلات الدوائية الخطيرة. وكذلك التأكد من مراقبة رد فعل المريض للدواء ومراقبة الآثار الجانبية بشكل دائم طيلة فترة العلاج.
اختيار الدواء ومعايرة الجرعة: عند اختيار دواء لكبير السن لا بد من معرفة ما هي الأمراض التي يعاني منها وما هي الأدوية التي يستخدمها. عندها تكون عملية اختيار الدواء حكيمة بحيث يتم اختيار الدواء ذي التأثيرات المعاكسة الأقل وتلك الملائمة لحالته. ومن جهة أخرى تكون جرعة كبير السن عادة أقل من جرعة البالغ. ومن الجدير بالذكر أن أغلب التفاعلات المعاكسة للأدوية التي قد تحدث عند كبار السن لها علاقة بالجرعة، وبالإمكان تلافيها. لذلك لا بد من البدء بأقل جرعة ممكنة وأقل عدد من الجرعات ثم زيادتها تدريجياً إذا اقتضت الحاجة لذلك.
اختيار شكل الدواء وطريقة تعبئته: يلاحظ أن كبار السن يفضلون عادة الأشربة والمعلقات أو الحبوب الفوّارة أكثر من الأقراص أو الكبسولات، وذلك لسهولة بلعها. كما نلاحظ أن العديد من كبار السن الذين يعانون من التهاب المفاصل يجدون صعوبة في فتح العلب الدوائية المقاومة للعب الأطفال، لذا لا بد من صرف أدويتهم بأوعية سهلة الفتح واضحة التعليمات ومكتوبة بخط كبير.
أهم الأمراض التي يعاني منها كبار السن
_
هشاشة العظام: وهي قلة في كثافة العظام، وتكون أوضح بعد انقطاع الدورة الشهرية عند المرأة. وأهم مضاعفاتها: كسر عظم الحوض، خاصة لدى النساء، كسر الفقرات والرسغ. ولا يوجد علاج طويل الأمد وآمن لهذه المشكلة، لذلك تبقى الإجراءات الوقائية هي الأهم. التمارين الاعتيادية كالمشي من أفضل الوسائل وطرق الوقاية. وللتوقف عن التدخين دور مهم، كما أن دوره يكون قبل سن اليأس، حيث تقل حالات كسر الورك بمعدل 10%. والعلاج بالهورمونات مفيد بعد توقف الدورة مباشرة، أما وصف فيتامين (د) والكالسيوم فهو غير مفيد إذا لم تكن هناك حاجة لذلك. واخيراً استخدم علاج دايفوسفونيت في العلاج وأعطى نتائج جيدة.
_
التهاب المفاصل: التهاب المفاصل العظمي، النقرس، التهاب المفاصل الروماتزمي وغيرها.. المسكنات هي الأدوية الشائعة في العلاج، خاصة مضادات الالتهاب غير الستيرويدية.
_
ارتفاع ضغط الدم: يعتبر عامل خطورة للإصابة بأمراض القلب، ويفضل اللجوء إلى العلاج غير الدوائي أولاً كتقليل الوزن وتقليل كمية الملح في الطعام وممارسة التمارين الرياضية مثل المشي والتوقف عن التدخين. وفي حال الحاجة إلى العلاج الدوائي تكون المدرات العلاج المقترح. وقد يضاف إليه أنواع أخرى من خافضات الضغط حسب نوع الحالة.
لقد أشارت دراسة أجريت في المملكة العربية السعودية وبالتحديد في منطقة أبها، إلى أن تخفيض السمنة الوسطية بين كبار السن تقلل من خطورة ارتفاع ضغط الدم والسكري، لذلك كان التأكيد على محاولة تغيير نمط الحياة لتجنب الإصابة بهذه الأمراض التي لها مضاعفات معروفة.
_
سلس البول: من المشاكل الشائعة لدى كبار السن وتحدث نتيجة لضعف في العضلات.
_
الإمساك: مشكلة واسعة الانتشار بين المسنين، حيث تقل الحركة المعوية بتقدم العمر، وكذلك قلة تناول بعض الأغذية والماء. وهناك بعض الأدوية إذا تناولها المسن قد تفاقم المشكلة مثل مضادات الهستامين، مضادات الكآبة، مضادات الكولينية. وينصح بالإكثار من تناول الخضر والفاكهة وزيادة الألياف والانتظام في الذهاب إلى الحمام.
_
سوء التغذية: تشير الدراسات إلى أن كمية الطاقة والمغذيات تقل مع التقدم بالعمر، وهذا يضع هذه الفئة في خطورة الإصابة بسوء التغذية حتى في الدول المتقدمة. وكما هو معروف ينتج عن سوء التغذية الهزال، فقر الدم، أمراض القلب والكآبة. وقد أشارت دراسة أجريت في السويد إلى أن 28% من كبار السن المتوفين في المستشفى يعانون من سوء التغذية.
وفي الوقت الذي تقل فيه الحاجة للسعرات الحرارية بتقدم العمر، إلا أن الحاجة للسوائل والبروتين ولأغلب الفيتامينات والمعادن تبقى نفسها أو قد تزداد. ومما يساعد على تفاقم مشكلة سوء التغذية للمسنين عوامل أخرى منها تحضير الطعام، تسوّق المواد الغذائية (للذي يعيش بمفرده)، صعوبة تقطيع الطعام ومضغه بسبب مشاكل الأسنان أو أن الأسنان غير مثبتة بشكل جيد وعوامل فيزيولوجية أخرى. ولما كانت كمية الحديد المأخوذة تقل مع العمر، يزداد فقر الدم عند الأشخاص الذين لديهم الاستعداد والذين لا يعتنون بنوعية الغذاء المتناول.
_
الخرف: وهو تدهور تدريجي للقابلية الفكرية، تصاحبه تغيرات في المزاج، ويعتبر مرض الزهايمر من أهم أمراض الخلل الوظيفي المعرفي عند الكبار والذي يبدأ بالتدريج ويتطور ببطء، ويعتبر النسيان من أهم علاماته. وهناك الخرف متعدد الاحتشاءات والشائع لدى كبار السن الذين يعانون أيضاً من ارتفاع ضغط الدم أو السكتة. يتميز هذا الاضطراب بتغيير في المزاج وتقلقل في العواطف.
_
الباركنسونية: وهو مرض شائع لدى كبار السن ويتميز بالرعاش وبطء الحركة. ويتأثر كبير السن ببعض التأثيرات المعاكسة لأدوية الباركنسونية أكثر من الأصغر سناً بسبب نقص ضغط الدم الانتصابي الذي يحدث للكبار الذين يتناولون علاج الليفودوبا.
وهكذا نجد أن فئة المسنين تعتبر فئة متغايرة في الصفات البايولوجية وفي نمط الحياة والأمراض التي يشتكي منها هؤلاء، وبالتالي الأدوية التي يتناولونها. ويلاحظ أن العلاج المتعدد الأنواع من الأدوية يؤدي إلى عدم الالتزام باستخدامها، وأن الالتزام الضعيف بدوره يؤدي إلى فشل خطة العلاج. لذلك لا بد من مراقبة أدوية المسنين ومساعدتهم على تخطي مشكلاتهم الصحية.