شهد العامان الماضيان تحولاً تاريخياً في صناعة الترفيه عندما فاق حجم صناعة ألعاب الفيديو ولأول مرة حجم صناعة السينما. الأمر الذي لا يكشف فقط عن تضخم هائل في صناعة التسلية والترفيه التي باتت تقاس في الكثير من فروعها ومشتقاتها وشركاتها بعشرات بلايين الدولارات، بل أيضاً بتحول جذري في نوعيتها.
الدكتور المعز بن مسعود يسلِّط الضوء على ما آل إليه اليوم عالم التسلية والترفيه بصناعته العالمية، معرِّجاً على ما تستهلكه البلدان العربية من منتجاته، وحقيقة الوضع الذي لا يؤرِّق بال الكثيرين من الذين يغمضون أعينهم عنه.
لم يعد استخدام منتجات الترفيه والتسلية حكراً على البلدان الغنية أو المتقدمة، بل غزت تلك المنتجات كل البلدان بما فيها البلدان النامية التي اضطرت إلى إعادة تأطيرها الذهني والمعنوي لعالم أصبح يعرف بعالم التكنولوجيا والوسائط المتعددة، وينتج من وسائل الاتصال والتواصل ما يتجاوز قدرة العقل أحياناً على الاستيعاب. فالوسائط المتعددة تنتج اليوم ما يمكن اعتباره شكلاً رقمياً للحواس الإنسانية بصرية كانت أو سمعية أو لغوية أو حركية، تجعل التواصل في الفضاء الافتراضي ممكناً وممتعاً لدرجة أنه في كثير من الأحيان يحل محل الحيز الواقعي، ما يعني أنه لا يؤثر على صورتنا عن العالم فحسب بل يؤثر على تصورنا عن ذواتنا وعن الآخرين .
ويعتبر الأوروبيون والأمريكيون -سادة الترفيه منذ أكثر من ثمانية عقود مضت- الأكثر إنفاقاً في هذا المجال. فالولايات المتحدة الأمريكية بمفردها تشغِّل أكثر من ثلاثة ملايين شخص في صناعة الترفيه والتسلية وتنفق 60 بليون دولار في هذه الصناعة. بينما ينفق المواطن الأمريكي ما يقرب من الـ 7 بلايين دولار في ألعاب الكمبيوتر سنوياً وتباع من أجهزة الألعاب ما يفوق 225 مليون جهاز .
أما عربياً، فيقدر حجم سوق الترفيه والتسلية بأكثر من 10 مليارات دولار في السنة، وهو رقم مرشح للتصاعد بحسب تقرير نشرته برايسواتر هاوس كوبرز، إل إل بي لعام 2006م. وفي تحليل لنفس المصدر شمل منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا جاءت التوقعات بأن يصل حجم العوائد السنوية من الترفيه والتسلية بحلول عام 2009م إلى 4.2 مليار يورو في هذه المناطق.
وإذا ما نظرنا إلى صناعة الترفيه والتسلية في معناها الواسع، فسيفاجئنا بالتأكيد عدد المنتجات التي تندرج ضمن هذه الصناعة تزامناً مع التطور اليومي لتكنولوجيات الاتصال: فمن السينما إلى التلفزيون إلى الفيديو إلى الموسيقى إلى الإنترنت..إلخ تتعدد الأشكال الاتصالية، تتطور وتتغير ولكن هدفها واحد: إثارة فضول المستهلك وإشباع رغبة الترفيه والتسلية لديه.
الإنترنت وتسويق الإدمان !
كشفت دراسة حديثة أن عدد مستخدمى الإنترنت في العالم بلغ عام 2006م أكثر من مليار شخص منهم %80 من الدول الصناعية. وتتصدر الولايات المتحدة قائمة البلدان الأكثر استخداماً للإنترنت وللحواسيب الشخصية في العالم بمعدل 459 حاسباً آلياً لكل ألف شخص مقابل 35 حاسباً لكل ألف شخص في أوروبا، في حين لا يزيد العدد على 10 حواسيب لكل ألف شخص في بقية دول العالم. عربياً هناك 1.4 جهاز كمبيوتر لكل مائة مواطن كمعدل عام يشمل المنطقة العربية ككل وهو ما يمثل نحو خمس المعدل العالمى البالغ 7.7 .
ويقضي مستخدم الإنترنت في بلدان الشرق الأوسط 10 ساعات على الشبكة أسبوعياً. وتتمثل أهم الاستخدامات في حجرات الحوارات الحية أو غرف الشات (chat rooms)، أو ألعاب الإنترنت التي تماثل ألعاب الفيديو، أو نوادي النقاش أو المنتديات، أو عمليات البحث على الإنترنت…إلخ. وأصبح المواطن في هذه البلدان ينفق بسخاء في مجالات متعددة لاستخدامات الإنترنت بعد أن برز العديد من أساليب التسويق لتلك الاستخدامات بلغت معها علاقة المستخدم بالإنترنت درجة الرغبة التي لا تقاوم.
فقد عمدت بعض المؤسسات الكبرى في صناعة الترفيه والتسلية إلى طرح مجموعة من الألعاب عبر الإنترنت قد توفر للبعض وسيلة للهروب من الواقع أو البحث عن طريقة لتحقيق احتياجات نفسية يصعب تحقيقها في الواقع.
لقد أوجدت هذه الألعاب وما شابهها سلوكيات جديدة لدى مستهلكيها : ففي السابق كان اللاعبون أمام خيارين لا ثالث لهما، اللعب منفردين ضد الذكاء الصناعي لجهاز الكمبيوتر، أو الذهاب إلى منزل أحد الأصدقاء والحصول على مكان على الأريكة واللعب مع أصدقائهم. أما الآن وبفضل الاتصال بشبكة الإنترنت وجهاز بلاي ستيشن 2 أو غير ذلك من الوسائل، يستطيع اللاعبون الحصول على متعة الترويح عن أنفسهم في أي وقت من النهار أو الليل وبدون أن يكلفوا أنفسهم عناء أي تنقل.
ومما يؤكد أن المستقبل سيكون للشبكة هو توجه بعض المؤسسات الرائدة في صناعة الترفيه والتسلية إلى استخدام أساليب تسويقية تركِّز على أهمية الجانب التعليمي للإنترنت، على الرغم من أن الدراسات أكدت أن ما ينفقه مستخدم الإنترنت بهدف البحث عن معلومات تهم دراسته ضئيل مقارنة بالاستخدامات الأخرى التي لا صلة لها بدراسته كالثرثرة في حجرات الحوارات الحية، أو استخدام ألعاب الإنترنت. كما أكدت دراسة لمجلة USA Today عدم وجود علاقة مباشرة بين معلومات الإنترنت ومناهج المدارس، وأن العديد من طلاب المدارس المستخدمين للإنترنت اعترفوا بانخفاض مستوى درجاتهم وغيابهم عن حصصهم المقررة بالمدرسة ، نتيجة استخدامهم المفرط لهذه الوسيلة مما يطرح تساؤلات حول القيمة التعليمية للإنترنت .
ألعاب الفيديو: التسويق لتسلية عبر
الترويج لشرعية أكاديمية
رغم حداثة عهد ألعاب الفيديو في سوق التسلية إلا أنه من الواضح أنها في طريقها إلى احتلال المرتبة الأولى في صناعة الترفيه والتسلية كأكبر مصدر للعائدات المالية. فالعالم ينفق المليارات على ألعاب الفيديو سنوياً وأكثر مما ينفقه أحياناً على بطاقات السينما أو الأسطوانات الموسيقية. ويبقى السوق الأمريكي أكثر الأسواق إنفاقاً في مجال صناعة الترفيه والتسلية بصافي أرباح متأتية فقط من مبيعات ألعاب الفيديو بلغ 11 مليار دولار أمريكي عام 2004م، بالتساوي مع سوق أجهزة الهاتف الخلوية والأجهزة الرقمية الشخصية. وقد حققت صناعة السينما عائدات بلغت 9.27 مليار دولار، بينما جاءت الموسيقى والأغاني في المرتبة الأولى بعائدات وصلت إلى 12 مليار دولار سنة 2004م، في حين شهدت عائدات صناعة ألعاب الفيديو تفوقاً على كل من السينما والموسيقى منذ بداية عام 2005م، وأصبحت بالتالي المحرك الأساس لصناعة الترفيه والتسلية. وأن تتمكن هذه الصناعة التي لم تزدهر إلا في السنوات العشر الأخيرة من التفوق على ما زاد عمره على المئة عام كالموسيقى والسينما، فإن ذلك يعتبر نصراً كبيراً لمجال لم يتوقع انتشاره بهذه السرعة.
ولم تعد ألعاب الفيديو مجرد هواية أو تسلية فحسب، بل باتت مصدراً لهوية اجتماعية ونمط حياة. وقد تطور هذا النمط بصورة غير مسبوقة مع التسابق الحاصل بين كبريات الشركات على تطوير ألعابها وابتكارها على أجهزة أكس بوكس لمايكروسوفت، وسوني بلاي ستيشن ، و ننتيندو جيم كيوب و جيم بوي آدفانس المحمولة أو على أجهزة الكمبيوتر المنزلية…إلخ، نظراً لتزايد الإقبال على هذه الصناعة.
فقد حطمت إحدى ألعاب شركة مايكروسوفت Halo2 التي تعمل على جهاز إكس بوكس الرقم القياسي في العائدات المالية التي حققها أي مجال من صناعات التسلية في يوم واحد، حيث بلغت العائدات المالية في اليوم الأول من إطلاق اللعبة 125 مليون دولار بعد أن تمكنت الشركة من بيع أكثر من 2.38 مليون نسخة خلال مدة لا تتجاوز 24 ساعة من إطلاق اللعبة رسمياً، محطمة بذلك العائدات المالية التي يمكن أن يحققها أي فِلم من أفلام هوليوود في تاريخ صناعة السينما . وتأمل الشركة أن تساعد هذه اللعبة على دعم مكانة منصة الألعاب إكس بوكس في خضم المنافسة الشديدة التي يلاقيها من منصة الألعاب بلاي ستيشن 2 التابع لشركة سوني، بعد أن نجحت هذه الأخيرة في بيع 24.9 مليون وحدة مقابل 9.8 مليون من جهاز إكس بوكس في الولايات المتحدة فقط.
وقد أدت وضعية المنافسة الشديدة هذه إلى تصاعد نسق ظاهرة الألعاب الخاصة التي تحاول فيها الشركات المصنعة لمنصات الألعاب أن تحصر إطلاق الألعاب الشهيرة على جهازها فقط لفترة طويلة دون غيره من المنصات، مما يغري هواة هذه الألعاب بشراء المنصات خصيصاً ليتمكنوا من ممارسة ألعابهم المفضلة.
وقد سعت شركة مايكروسوفت من جهتها إلى اتباع طريقة في التسويق تقوم بالأساس على خوض حرب منصات الألعاب، في محاولة منها لحصر جميع الألعاب الشهيرة والمنتظرة على منصة الألعاب إكس بوكس لزيادة مبيعاتها، أو على الأقل دفع شركات الألعاب إلى تطوير نسخة تعمل على جهازها. وتواصل مايكروسوفت جهودها لإجراء المفاوضات مع جميع شركات الألعاب المهمة لتحقيق هذه الغاية رغم فشلها في ذلك مع الشركات المسؤولة عن ألعاب Doom 3 و Half Life 2.
ولتحقق صناعة التسلية مشروعيتها بعد أن اتهمت بالسلبية، سعى روَّاد هذه الصناعة إلى كسب الشرعية الأكاديمية من خلال تشجيعهم القائمين على البحث في هذا المجال. ففي معهد ديجي بَنْ للتكنولوجيا -الذي يقع في منطقة ريدموند بالقرب من مقر شركة ننتيندو أوف أميركا وفي الشارع نفسه الذي يقع فيه المقر العالمي لشركة مايكروسوفت- يُعدُّ تصميم ألعاب الفيديو أسلوب حياة. ويقدِّم المعهد الذي تأسس عام 1988م شهادات البكالوريوس والماجستير في محاكاة ألعاب الفيديو، وكذلك شهادة البكالوريوس في تصميم الرسوم المتحركة الثلاثية الأبعاد. كما أن الطلاب الأمريكيين مثلما يتعلمون كيفية تصميم الألعاب، فإنهم يتعلمون كيفية نقدها وتقييمها. فالجامعات من أم أي تي إلى كارنيغي ميلون تعلِّم الطلاب دراسة عالم الترفيه والتسلية، وتقدِّم مساقات تعالج أعمالاً مثل غزاة الفضاء، كما تتعامل مع أعمال شكسبير، وتطوِّر مناهج دراسية تشمل كل شيء من قيام الطالب بدراسة أساسيات تصميم الألعاب إلى الجنس أو النوع الاجتماعي وسياسات التمثيل السياسي في النظم الديمقراطية…، إلخ . ويفهم من هذا وجود توجه علمي يعتبر الألعاب وسيطاً حقيقياً يحظى بالشرعية. و كلما تم استيعاب هذا الأمر زادت الحاجة لمناهج دراسية في مجال الألعاب . وإذا ما بدا أن علوم الألعاب قد تأخرت كثيراً في الظهور، فعلينا أن نتذكر أن الجامعات لم تكن تقدِّم شهادات جامعية في مجالات التخصص الإذاعي والتلفزيوني والسينمائي حتى الثمانينيات. أما الآن فإن الجامعات التي تصوب أنظارها إلى المستقبل، أحياناً بشكل مصطنع، تحاول تطوير مناهج دراسية لا ترضي فضولها الفكري فحسب ، بل وتسعى أن يكون المساق عن لعبة الفيديو -أياً كان المغزى من ابتكارها- أكثر من مجرد تسلية.
ولتمكين صناعة الترفيه والتسلية من مشروعية أكبر، خلص باحثون من جامعة هارفارد إلى وكالة الفضاء الأميركية ناسا إلى أن ألعاب الفيديو تقوم بكل شيء من بناء مهارات التركيز إلى التعجيل بشفاء مرضى الذبحة الصدرية. أما في جامعة بانغور ، فقد قام الأساتذة باستخدام لعبة بلاي ستيشن 2 لدراسة قدرة الطلاب على تطوير عمليات التركيز وتنظيمها. وفي هذا الإطار قامت شركة سايبر ليرننغ للتكنولوجيا بتسويق وحدة تُلحق بجهاز بلاي ستيشن، بناء على دراسات أجريت في ناسا، موجهة للاعبين الذين يريدون تطوير مهاراتهم ومداركهم العقلية .
جدلية العلاقة بين الألعاب والسينما
لعل ما يميز صناعة الألعاب عن صناعة السينما والأفلام هو ارتفاع ربحها الصافي مقارنة مع الأفلام، نظراً إلى التكلفة البسيطة نسبياً المعتمدة في تطوير لعبة مقارنة مع فِلم سينمائي. فميزانية أغلب الألعاب لا تتجاوز بضعة ملايين من الدولارات باستثناء بعض الألعاب الضخمة مثل Halo 2 أو Half Life 2 التي كلفت الشركة المصنِّعة أكثر من 40 مليون دولار. لكن هذه التكاليف تعتبر بسيطة مقارنة مع ما تصرفه شركات الأفلام حيث تتجاوز تكلفة الأفلام الضخمة 100 مليون دولار، ما شجع الشركات الكبيرة العاملة في مجال التسلية والإعلام على الاستثمار في صناعة الألعاب كشركة مايكروسوفت، في حين تحولت أولى الشركات التي دخلت في صناعة الألعاب من مجرد مجموعة مكاتب صغيرة بميزانية متواضعة إلى شركات عملاقة ذات عدة فروع في جميع أنحاء العالم مسيطرة بذلك على سوق الألعاب.
وعلى الرغم من أن صناعة الألعاب منافسة للسينما إلى حد كبير، إلا أن العلاقة داخل هذا التنافس تكاد تكون جدلية بين هذين المنتِجَين. فقد لجأ عدد كبير من شركات الألعاب -في الفترة الأخيرة- إلى شراء تراخيص الأفلام وذلك لتطوير ألعاب مستندة إليها مثل ألعاب James Bond وسلسلة The Matrix إضافة إلى أضخم الألعاب الاستراتيجية أمثال The Lord of the Rings . والعكس في هذه العلاقة صحيح، فقد تم تحويل العديد من الألعاب الشهيرة والشعبية إلى أفلام سينمائية عن طريق شراء التراخيص من شركات الألعاب مثل أفلام Resident Evil و Tomb Raider …إلخ.
كما تزايد اعتماد شركات الألعاب على العاملين في حقل السينما لتطوير منتجاتها، فتعددت بذلك الألعاب التي تستعين بالمواهب الصوتية لممثلي هوليوود في تأدية أصوات شخصيات بعض الألعاب، وكذلك الاستعانة بالمؤلفين السينمائيين وكاتبي السيناريو لتأليف قصص الألعاب و كتابة السيناريو الخاص بها.
عربياً.. غض نظر ينقضه الواقع
على الرغم من أهمية هذه الأرقام المعبِّرة عن حجم صناعة الترفيه والتسلية في العالم، يبقى العالم العربي عالماً مستورداً لما ينتجه الآخرون. وفي كثير من الأحيان مقلِلاً من شأن هذه الصناعة -خاصة صناعة الألعاب- التي يعتبرها البعض حكراً على فئة عمرية دون أخرى. وهنا تأتي دراسات عديدة بنتائج تنفي هذه الأفكار وتؤكد خلاف هذا الأمر. ففي دراسة أجرتها جمعية برامج التسلية تبين لديها أن المعدل الوسطي لأعمار هواة الألعاب يصل إلى 29 سنة، وأن %41 من الذين يمارسون ألعاب الفيديو بشكل منتظم تزيد أعمارهم على 35 سنة، كما أشارت الدراسة إلى أن %50، أي نصف مواطني الدول الغربية، يمارسون ألعاب الفيديو ويصل معدل الوقت الذي يقضونه مع هذه الألعاب إلى 12 ساعة أسبوعياً .
وقد لا تبتعد هذه الأرقام كثيراً في التعبير عن حقيقة الوضعية التي يعيشها شباب بعض البلدان العربية. فالإحصاءات التي تشير إلى ما ينفقه العالم العربي (أكثر من 10 مليارات دولار سنوياً) -مع بعض التفاوت بين بلد وآخر أو كتلة جغرافية وأخرى- في مجالات الترفيه والتسلية، تطرح مفارقات في هذا العالم الذي يعلن عدم تأثره بالاستهلاك الآلي لمنتجات هذه الصناعة، ولكنه يبطن اهتمام مواطنيه بكل ما هو جديد فيها. فالعديد منا يثيره فضوله ويستقطبه عالم حافل بالأجهزة والتطبيقات الرقمية من أبسطها إلى أكثرها تعقيداً كتلك التي تستخدم تقنية البلوتوث وهي تكنولوجيا جديدة ومتطورة مكنت من توصيل الأجهزة الإلكترونية مثل الكمبيوتر والهاتف المحمول ولوحة المفاتيح…إلخ، لتبادل البيانات والمعلومات فيما بينها من غير أسلاك أو أي تدخل من المستخدم. وقد انضم أكثر من 1000 شركة عالمية إلى مجموعة الاهتمام الخاص بالبلوتوث لتحل محل التوصيل بالأسلاك.
أما بالنسبة إلى عالم مشغلات الموسيقى والفيديو والصور الرقمية، فقد شهدت سنة 2006م طرح جهاز آي بود نانو IPod Nano بسعة 8 غيغابايت GB 8 بعد خمس سنوات من طرح أول جهاز آي بود في العالم، وسيطرته على أكثر من %70 من مبيعات أسواق مشغلات الموسيقى الرقمية.
كما بدأت التلفزيونات عالية الجودة خاصة أجهزة البلازما والـ إل سي دي من اكتساح منازل المشاهدين في المنطقة العربية بعد تراجع ثمنها بنسبة كبيرة ولافتة للانتباه.
مع هذا الزحف الهائل لمنتجات صناعة الترفيه والتسلية، يضطر المواطن في البلدان العربية أحياناً إلى الاستدانة أو الحصول على قروض بنكية تحقيقاً لرغباته الترفيهية واستجابة لفضول التسلية لديه، في حين أن أفكار المنتجات التي يسعى إلى الاستدانة من أجلها هي أفكار مستوردة بالدرجة الأولى، وبالتالي فهي لا تعبِّر بدقة عن حاجات ومتطلبات البيئة التي يعيشها. بل إن بعض منتجات صناعة الترفيه والتسلية ليس لها وجود مبرر لديه أصلاً لأنها ظهرت بالأساس كحاجة لدى الغير، مما يطرح إشكالية الهوية الثقافية التي يروج لها من خلال ما نقبل عليه من وسائل ومضامين ترفيه وتسلية.
كما أنه وفي عصر اتسم بعولمة تقوم على المعلومات والإبداع التقني غير المحدود وتتجاهل الأنظمة والحضارات والثقافات والقيم والحدود الجغرافية والسياسية والاقتصادية القائمة في العالم، سعت وسائل الإعلام إلى تسويق أنماط رائجة بحد ذاتها، وحاولت حمل الفرد على أن ينتهج سلوكاً معيناً أو أن توهمه بأن لديه مشكلة ما حتى يشتري منتجاً محدداً، متفادية كل تشجيع للحلول المبتكرة من قبل المستهلك وكل سلوك يمكن أن يؤثر على الشراء أو يبطئ عدادات الربح لدى صانعي ومروجي وسائل ومضامين صناعة الترفيه والتسلية.
وقد تجعلنا هذه الوضعية نقر بأن الترفيه اليوم في جانب كبير منه ترفيه سلبي، يقوم على تفريغ الطاقة بشكل غالباً ما يكون غير مدروس، أو أنه لا يحقق أقصى استفادة بين مواهب وقدرات الفرد ومستقبله وما ينفقه وما يقضيه من وقت في مجالات الترفيه والتسلية المختلفة.
إننا بحاجة في هذه الحالة إلى تحديد احتياجاتنا الأساسية من الترفيه والتسلية بما يسمح بالمشاركة الفكرية وإقرار ثقافة الحوار، حتى لا نبقى أسرى عزلة أو نفي أو إلغاء أو إقصاء قد يخلقها لنا صانعو مضامين الترفيه والتسلية إذا ما اخترنا سياسة عدم التواصل معهم أو ثقافة مواجهة ما ينتجون أو يروجون.