حياتنا اليوم

سعيد جمعان آل سعيد
رفيق السائح في نجران

  • 68a

بلغ السبعين من العمر ولا يزال يعمل رافضاً التقاعد والانزواء في البيت. أما ميدان عمله فهو بسعة منطقة نجران بجبالها وسهولها وصحاريها وآثارها وأسواقها وكافة معالمها الحضارية. إنه المرشد السياحي سعيد جمعان آل سعيد الذي تنطبع صورته المحببة في ذاكرة ألوف السياح الذين يزورون المنطقة، ومنهم عبود عطية الذي عاد بهذه الصورة الشخصية عنه.
التقيناه منذ اللحظات الأولى لدخولنا بهو فندق الهوليداي إن في نجران خلال رحلة قافلة الإعلام السياحي الثانية التي نظَّمتها الهيئة العليا للسياحة. وعلى مدى ثلاثة أيام كان أبو سند خير مرشد ورفيق خلال تجوالنا في ربوع المنطقة ومواقعها السياحية والأثرية.

لفتتنا أولاً حيويته التي لم تنل منها سنواته السبعون، ومن ثم لفتتنا معرفته لأكثر من لغة أجنبية. ولربما كان تحالف ثقافته وخبرته الواسعة في الحياة مع تقدمه في السن هو ما جعل أبو سند يجمع في شخصيته الهدوء إلى الحيوية، والوقار إلى المودة التي يعامل بها ضيوفه أياً كانت أعمارهم، فيعاملهم معاملة الأصدقاء الذين يعرفهم منذ زمن بعيد.

البداية من أرامكو
مجلة القافلة؟ أرامكو السعودية؟ أبو سند يعرف الشرقية وأرامكو. فيقول إنه كان في الخامسة عشرة من عمره عندما سافر من نجران إلى الظهران في المنطقة الشرقية ليعمل نجاراً في أرامكو. وبعدها لخمس سنوات في شركة هندسة تقنية متعاقدة مع أرامكو.

وحول أثر تلك الفترة من حياته يقول: آنذاك تعلمت الإنجليزية. فالحديث خلال العمل كان يدور بأسره بالإنجليزية. وكان لا بد من أن أتعلم هذه اللغة. والحمد لله تعلمتها وسارت الأمور على ما يرام .

في العام 1963م، عندما كانت رحى الحرب دائرة في اليمن، التحق سعيد بالعمل في الصليب الأحمر الدولي كمترجم، معتمداً في ذلك على ما اكتسبه من اللغة الإنجليزية خلال عمله الأسبق. وبقي مترجماً لسبع سنوات، تخللتها بعض الرحلات إلى الخارج مثل لندن وسويسرا.

بعد ذلك، عمل أبو سند لمدة أربع سنوات في شركة مقاولات ألمانية، كان من ضمن أعمالها بناء مدينة الملك فيصل في خميس مشيط. واكتسب خلال عمله هذا شيئاً من اللغة الألمانية.

وقبل أربعة عشر عاماً من اليوم، وتحديداً قبل شهرين من افتتاح فندق الهوليداي إن في نجران بدأ سعيد جمعان آل سعيد عمله كمرشد سياحي موظف في الفندق.

مهارات المهنة وشروطها
يدهشك أبو سند في التزامه الدقيق بالمواعيد. فتراه حاضراً في بهو الفندق (وغالباً لوحده) قبل دقائق من الموعد المحدد للانطلاق في زيارة سياحية، بخلاف الكثيرين ممن هم معنيون مباشرة بهذه الزيارة.

خبرته الطويلة الناجمة عن الاحتكاك بآلاف السياح، تجعله يحدثنا عن الفرق ما بين السياح الأجانب والعرب، فيقول إن الفارق الأكبر يكمن في الالتزام بالوقت. فالأجانب عندما يقولون الساعة التاسعة، فإن ذلك يعني التاسعة تماماً، وليس التاسعة وخمس دقائق. وهم مهرة في تقسيم أوقاتهم. وعندما يكونون في مجموعة، يكون لهم قائد يحدد الوقت الذي يجب أن يمضوه في مكان معين، من دون زيادة أو نقصان لدقيقة.

ولكن، أن تتأخر على سعيد لبعض الوقت، لا يعني أبداً أن ذلك سيثير غضبه أو انه سيقابلك بوجه متجهم معاتباً، فالابتسامة لا تفارق وجهه، ومن مهارات مهنته حسن التعامل مع الناس كما هم، لا كما نريدهم أن يكونوا، ومعاملة الجميع بالاهتمام نفسه من دون أي تمييز بين سائح وآخر.

ويعتز أبو سند بالانطباعات التي يتركها في نفوس السياح. فيقول إن سياحاً كثيرين يعطونه رسائل توصية وشكر. وكثيرون منهم ينصحون معارفهم الذين يقصدون نجران بالاعتماد على سعيد مرشداً، وبعضهم يرسل رسالة بالفاكس قبل وصوله إلى نجران للتأكد من أن سعيد موجود ليكون رفيقه ومرشده. ومن هؤلاء السياح، أضاف أبو سند إلى اللغتين الإنجليزية والألمانية شيئاً من الفرنسية يكفي للتفاهم ولو في الحدود الدنيا اللازمة.

لكل زبون برنامجه الخاص
يقود أبو سند بنفسه سيارة الفندق المخصصة للتجوال بالسياح على المدينة وضواحيها. وحول نوعية زبائنه يقول: إن السعوديين يميلون إجمالاً إلى تفقد المواقع السياحية بمفردهم. أما الأجانب فغالباً ما يكونون مجموعات أو زوجين على الأقل. ومن ضمن هؤلاء الأجانب تجد الأمريكيين والإنجليز والإيرلنديين والإسبان واليابانيين والألمان… الخ.

وفي جعبة الرجل مجموعة برامج جاهزة، يرتبط اعتماد الواحد منها على عامل الوقت. فيقول: البرنامج مرتبط بمدة إقامة السائح عندنا. فإذا كانت ليومين، وهذا هو الغالب لأن الكثيرين من الأجانب المقيمين في المملكة يزورون نجران في عطلة نهاية الأسبوع، فإن البرنامج يتضمن في اليوم الأول زيارة السد والأخدود وقصر الإمارة القديم وقصر العان قبل الظهر، وسوق الأنتيكا وسوق الحريم وسوق الجنابي بعد الظهر. أما في اليوم الثاني فأرافقهم إلى مزارع النخيل، وغابة سكام. والبعض يطلب تمضية يوم كامل في آثار حما.

ونستغل معرفة الرجل بقطاع السياحة لنسأله عن نقاط الجذب السياحي التي تترك أقوى الانطباعات عند السياح، فيجيب فوراً وبحسم: الأخدود والمتحف وآثار حما والمباني الطينية.

سعادة سعيد بعمله
تزوج سعيد عندما كان في التاسعة عشرة من عمره، ورزقه الله سبعة أبناء وست بنات. وإن كان هناك من يتساءل ما إذا كان قد آن الأوان ليتقاعد أبو سند بعدما بلغ السبعين من عمره، فهو يجيب فوراً: لا أريد التقاعد مثل باقي الشيَّاب. فالعمل ينشطني. كما أن الجلوس في البيت يهلك صحة الأهل. إذ أن الرجل الكبير الذي لا يشتغل، لا يبقى أمامه إلا مجال افتعال المشكلات والتدخل في شؤون عائلته وأولاده، فيمضي أيامه وهو يقول يا ولد اعمل ده ويا بنت اعملي ده … فيرهق عائلته ويفسد جوها .

ومن تلقاء نفسه يضيف: إني أحب السياحة، والعمل فيها. أحب أن أطلع الناس الذين يأتون إلى نجران على ما في منطقتنا من مواقع جميلة وآثار وتاريخ عريق.. وأكثر ما يسعدني هو أن أرى السائح مسروراً أمام هذا الموقع أو ذاك. إن نجران تتضمَّن كنزاً لا يوصف من المعالم السياحية التي سمع بها الناس في أقاصي الأرض. ومهمتي هي أن أسهِّل وصولهم إليها وأجعل أوقاتهم في نجران على أفضل ما يمكن .

وبالفعل، فبعد كل جولة على المواقع المختلفة في منطقة نجران، كان أبو سند يحرص على أن يسألنا عن رأينا، وعن الانطباع الذي تركه هذا الموقع أو ذاك في نفوسنا. وعندما كنا نبدي إعجابنا ودهشتنا مما رأيناه، كانت الابتسامة تعرض على وجهه، ابتسامة تشع رضىً عن النفس وتخالطها العاطفة والمودة لنا ولمنطقته التي يحب: نجران.

أضف تعليق

التعليقات