حياتنا اليوم

نوافذ من ضوء آخر

  • 57a

أي صدفة جعلت اسم أشهر برامج الكمبيوتر «نوافذ ؟ فعبر مثل هذه النوافذ، وليس سواها، أصبحنا نطل على العالم. صورة الإنسان اليوم، هي صورة إنسان جالس وأمامه شاشة. وربما لا تكاد عيوننا أو عيون الكثيرين منا، تترك الشاشة منذ أن تستيقظ وحتى ساعة تنام. شاشة التلفزيون وشاشة الكمبيوتر وحتى شاشة الجوال وشاشات أخرى عديدة في السيارة والمكتب والمطار وغيرها. شاشات شاشات شاشات!

تغادر عيوننا شاشة كي تنتقل إلى شاشة أخرى، مع فرص قصيرة بينهما.

هكذا أصبحنا « نتفرج على العالم. كان الناس ينتظرون صناديق الفرجة لتمر بقراهم من موسم إلى موسم. فأصبح أمام كل منا صندوق فرجته يتنقل فيه كيفما يشاء. يطل منه على العالم، عالم المعلومات، عالم الصور، وعالم الأخبار، وعالم الموسيقى، وكل شيء آخر. فضمن النافذة الواحدة نوافذ عديدة. في الكمبيوتر هناك الإنترنت والبريد الإلكتروني وبرامج التحادث المباشر. وعلى شاشة التلفزيون هناك مئات المحطات الواحدة تسلمك للأخرى. نشرة الأخبار تسلمك للفيديوكليب، وهذه تسلمك للمسلسل، ليسلمك لـ «التوك شو ، فيسلمك بدوره للفيلم، والطبيعة والأزياء والسياحة والعلوم.

وإنسان اليوم حين يصحو فجأة ويحزم أمره ويخلع نفسه عن إحدى الشاشات، ويقف ويفتح نافذة غرفته أو يطل من الشرفة إلى الخارج، يساوره شعور شبيه بما كان يحس به ساكن المدينة حين يذهب في رحلة إلى الريف. فيسرّح نظره هنا كما كان يسرح هناك على الجبال الحقيقية، حيث شجر وحجر وألوان وروائح وأصوات غير إلكترونية. وهناك دكان، وبائع متجول وسيارات تمر بأجناسها وموديلاتها العديدة. إنها أشياء مفاجئة بعد ساعات طويلة من الرحلة الشاشية الطويلة. حتى أن دخول زميل في العمل عليه يخلق أحياناً إحساساً بالمفاجأة، أو بتغيّر غير متوقع لذاك «السريان المتصل.

وحتى خارج البيت والعمل، فهناك شاشة ما أمامنا: إن لم تشد أنظارنا فعلى الأقل تستنفر أحاسيسنا ولو بشكل غير واعٍ. في المطاعم شاشات، وفي المطارات وعلى الطرق وفي داخل السيارة. وحتى هذه الشاشة الصغيرة المثبتة في جوال كل منا، لها حصة في نفوسنا وفي جهاز الانتباه لدينا. تضاء فجأة فننشد إليها لنقرأ اسم المتصل، نحاول التعرف على الرقم الظاهر، نقرأ الرسالة ترد على الرسالة ولا تهدأ نفوسنا وتستقر إلا بعد حين.
وعبر كل تلك الشاشات نور مختلف يشع علينا. ضوء غير الضوء الذي كنا نعرفه..
نور نوافذ غير نوافذنا.

أضف تعليق

التعليقات