طاقة واقتصاد

الأوزة السوداء
هل يمكن حقاً استشراف حركة الأسهم؟

استفاد الباحث نسيم طالب، اللبناني المقيم في الولايات المتحدة، في كتابه الأول «العشوائية الخداعة»، من تجربته في تجارة الأسهم في «وول ستريت» ليؤكد أن توقع مستقبل أسعار الأسهم لا قيمة له، لأن لا أحد يعلم إلى أين تتجه مؤشراتها. ويضيف أن بعد أي ارتفاع أو هبوط مفاجئ لأسعار الأسهم، يتطلع المتخصصون في التداول بسوق الأسهم هذه إلى الوراء، ليقدموا التحليل الذي لا فائدة منه، وليغطوا به جهلهم اتجاه تحرك الأسعار.

أما في كتابه الثاني الذي صدر أخيراً «الأوزة السوداء»، فيقدِّم طالب معالجة معمقة لمفاهيم أوردها باختصار في كتابه السابق. أي ان القول إن «الأوزة السوداء» هو تكملة للكتاب الأول ممكن، ولكنه مكتوب بطريقة أكثر تفصيلاً وإسهاباً.

أيهما يلغي الآخر..
القاعدة أم الاستثناء
يقول طالب في كتابه الجديد إن غير المتوقع هو المفتاح، لا لفهم أسواق الأسهم فقط، بل التاريخ نفسه. فكرته الأساسية في هذا المجال هب أن اختبار أي حدث مرة واحدة أو حتى مرات متكررة، لا يمكننا من توقع تكرار الحدث نفسه في المستقبل. ويسترجع المؤلف نظرية الفيلسوف الإنجليزي دايفد هيوم القائلة إن ملاحظة وجود مليون أوزة بيضاء لا يسوّغ القول إن «كل الأوز أبيض». لأننا قد نفاجأ بأوزة سوداء في مكان ما تنقض القاعدة.

ووجود هذه الأوزة السوداء حدث مفاجئ يتميز بثلاث صفات:
أولاً: هو غير متوقع.
ثانياً: إن تأثيره علينا كبير.
ثالثاً: إننا ننظر إلى الأمر بعد حدوثه لنتراجع ونقول إنه ليس نادر الحدوث. وإنه كان يمكن توقعه أكثر مما هو كذلك في الحقيقة.

إن وجود هذا «الأوز الأسود» يجعل أي نظرة استشراف مسألة صعبة، والتعلم من التجارب السابقة صعباً بدوره. ويعدد المؤلف كثيراً من الأمثلة بدءاً بالإثنين الأسود عام 1987م، حين عانت سوق أسهم «وول ستريت» أسوأ خسارة لها في يوم، ولم يكن أحد توقعها، وصولاً إلى ظهور الإنترنت وأثرها الكبير غير المتوقع بدوره في اقتصاد العالم.

ويقول طالب: على الرغم من وجود كل هذا «الأوز الأسود» فإننا «نستمر في توقع المستقبل، ونعتقد أننا نجيد ذلك». وهو يروي القصة الطريفة للديك الرومي ليقول إن التجارب السابقة لا تسمح لنا بتوقع المستقبل، بل انها تجعلنا نتوقع الشيء وعكسه في الوقت نفسه. فيقول: «تخيل الديك الرومي الذي يغذَّى جيداً كل يوم مدة طويلة. الأمر يجعله يعتقد أنه إما سيكون في أمان وكل شيء سيكون على ما يرام، مدة طويلة، أو أنه سيتحول إلى عشاء دسم في وقت قريب».

الـمــرحِّبون بالكتاب قلائل
أما أثره فواضح
لم تلق نظرية طالب الترحاب في دوائر نظريات شؤون المال. إذ إنه يهاجم أسس الاقتصاد المالي، ويضرب النظرية المعاصرة لنظرية الحقيبة portfolio theory. إذ وفقاً لنظرية طالب فإن النظرية المالية التي تعتمد اعتماداً واسعاً على توقع المستقبل، ليست بلا فائدة فقط، ولكنها خطرة في الوقت نفسه، فهي تعد دليلاً خاطئاً، وتدفع الناس إلى اتخاذ خطوات تصبح فوضى واضطراباً في أسواق المال.

وبالإضافة إلى تأثيرها في الأكاديميين وأصحاب النظريات، فإن أفكار المؤلف أثرت كثيراً في متداولي الأسهم في أسواق المال. إذ ان أفكاره تهدد باختلال مصدر مهم وتقليدي يعتمد عليه المصرفيون والمستثمرون في أسواق الأسهم. فبعد كتاب «الأوزة السوداء»، أصبح يصعب استخدام عذر «حدث غير متوقَّع نادر الحدوث» لتفسير الخسائر الكبرى التي قد تصيب هؤلاء المستثمرين.

فهكذا أجبر الخبراء في أسواق الأسهم على أن يكونوا أكثر صدقاً مع أنفسهم، ومع الآخرين. ومع الشهرة الواسعة التي أحرزها الكتاب، أصبح يصعب تجاهل أي من هذه الأحداث غير المتوقعة التي قد تؤثر في اتجاه السوق. بعبارة أخرى، أجبرهم هذا الكتاب على الاتفاق مع الفيلسوف اليوناني سقراط الذي قال إن المعرفة الحقيقية هي معرفة المرء مدى جهله!

أضف تعليق

التعليقات