رمد العيون كما هو شائع بين عامة الناس، أو التهاب ملتحمة العين «Conjunctivitis» هو التهاب الغشاء الرقيق الذي يبطن بياض العين والجفنين من الداخل، والتهاب جزء من مقلة العين، بسبب التعرض لبعض أنواع الميكروبات «بكتيرية أو فيروسية» أو نتيجة ملامسة الغشاء المبطن للجفون لمادة مُهيجة، وتسمى هذه الحالة المرضية في بعض المصادر الطبية بالعين الحمراء «red eye» أو العين الوردية «Pink eye».
الدكتورمحمد آل محروس، استشاري وباحث في علوم الميكروبات الإكلينيكية وهندستها الجينية، يعرِّف في هذا المقال بأنواع رمد العيون «التهاب ملتحمة العين» وأهمية تشخيصها للتمكن من السيطرة على هذا المرض ومعالجته بطريقة صحيحة لمنع حدوث أية مُضاعفات، ومنعه من الانتشار لأشخاص آخرين في حال كان السبب ميكروبياً.
نوعان من الرمد
بشكل عام، هناك نوعان من الرمد، وهما: الرمد الناتج عن التهاب ميكروبي؛ «كالرمد الحبيبي الفيروسي، والرمد الصديدي البكتيري»، والرمد الربيعي الناتج عن التحسس لأية مادة مهيجة.
الرمد الميكروبي
يُعد التهاب الملتحمة الميكروبي شائع لدى الأطفال، لكنه قد يُصيب البالغين أيضاً. ويعدُّ التهاب ملتحمة العين الميكروبي شديد العدوى، وقد يولد في بعض الأوقات مُضاعفات خطيرة. والرمد الميكروبي نوعان، أحدهما الرمد الحبيبي الناتج عن التهاب فيروسي والذي عادة ما ينتج عنه سيلان الدموع من العين دون سيطرة ويُسمى تصريف مائي، ويكثر هذا النوع عند حدوث نزلات البرد الفيروسية التي تُصيب الجهاز التنفسي، ومنها فيروسات الأنفلونزا، وشبيهات الأنفلونزا «مثل الحصبة»، والبرد، وعدوى الجهاز التنفسي الحادة «السارز»، والهربس البسيط، وفيروسات الهربس زوستر، وفيروسات الأدينو، وعليه، فهو يصيب الأطفال أكثر من غيرهم، حيث يبدأ هذا النوع – عادةً – في عين واحدة ثم ينتقل للعين الثانية في غضون أيام. أما النوع الآخر فهو الرمد الصديدي «القيحي» الناتج عن التهاب بكتيري والذي غالباً ما يسبب إفراز صديد، وهي مادة سميكة تميل الى اللون الأصفر المخضر، وبكمية كبيرة، حيث تسببه أنواع معينة من البكتيريا ومن ضمنها الكلاميديا «chlamydia» وينتج عنها ما يُسمى بالتراخوما. وهناك أيضاً بكتيريا الجونوريا «gonorrhea» والتي تسبب السيلان، وكلتاهما تنتقل عن طريق الجهاز التناسلي وتسبب التهابات فيه، و قد تنتقل للعين عند الأطفال وتسبب لهم التهابات حادة عند الولادة إذا كانت الأم مُصابة أو حاملة لأي منهما. ويوجد لكلاهما علاج شافٍ، إن شاء الله. وهناك أيضاً بكتيريا الهيموفلس «Haemophilus» والبكتيريا السبحية «streptococcus» والبكتيريا العنقودية «staphylococcus». وقد يؤثر هذا النوع من الرمد على قرنية العين، مما قد يُضعف البصر. وقد لوحظ أنه يحدث، وبشكل عام، في المناطق ذات الأجواء الحارة والرطبة كأجواء الخليج العربي. ومن المُفيد الإشارة إلى أن النوع البكتيري من الرمد يُصيب بمعدل أقل من النوع الفيروسي.
الرمد الربيعي التحسسي
الرمد الربيعي التحسسي هو رمد غير مُعدٍ وينتج عن التهاب ملتحمة العين بسبب استجابة العين لمادة مُهيجة تحسسية كغبار الطلع واللقاح وينتج عنه انتفاخ واحمرار العين والألم والحكة الشديدة وذرف الدموع، وهي أعراض تتشابه، في حدها الأدنى، مع الالتهاب الميكروبي، والذي نتناوله بالتفصيل في هذا المقال. ويجب التأكيد على أن الرمد الربيعي التحسسي – بشكل عام – يُصيب بمعدل أكبر مقارنةً بالرمد الميكروبي. وتمتد مُضاعفات هذا النوع من الرمد لسيلان الأنف والتهيج الذي يصل لأنسجة غير العين، وهي علامة مُميزة في حدها الأدنى لهذا النوع عن غيره من الأنواع. ومن الملاحظ أن الحكة الشديدة وبروز بعض الأعراض في هذا النوع من الرمد قد يؤدي إلى حدوث التهاب ميكروبي في مرحلته الثانية فيتحول إلى رمد معدٍ. ويحتاج هذا النوع من الرمد إلى مواصلة العلاج حتى لا يؤدي لضعف شديد في الإبصار نتيجة انتقال الحالة من التهاب في الملتحمة إلى التهاب في القرنية نتيجة للحكة الزائدة. ومن المفيد أن نعرف أن معدلات حدوث الرمد التحسسي ترتفع بشكل ملحوظ في فصل الربيع نتيجة لزيادة حبوب اللقاح، «وهو المُسبب الرئيس للحساسية» وتطايرها في الهواء، علماً بأن حساسية العين ليست مُقتصرة بالضرورة على موسم الربيع، ولذا فقد سُمي بالتحسسي. إضافة لذلك، فإن الرمد التحسسي عادةً ما يُصيب الأطفال في عمر مبكر فيصبحون عرضةً له حتى بلوغ سن الرشد، وبمعدل أكثر من غيره من أنواع الرمد، نظراً لتعرض الأطفال للهواء الطلق بشكل أكبر من غيرهم. وهذا لا يعني أن باقي الفئات العمرية غير مُعرضة لهذا النوع من الرمد، ولكن معدل حدوثه عند البالغين، بشكل عام، أقل مقارنةً بالأطفال، كما هو الحال في باقي الأنواع من الرمد. وفي غالب الأحيان، يمكن القول إن هذا النوع من الرمد يُصيب كلتا العينين.
أعراض رمد العيون
تظهر أعراض الرمد على شكل احمرار وتورم في إحدى العينين أو كلتاهما، يصاحبها زيادة في كمية الدموع، وقد يُرافق هذه الأعراض أحياناً ألم وكذلك حكة شديدة مؤذية، وخصوصاً في ساعات الصباح الأولى. وقد تؤدي الحكة الشديدة للإصابة بشرخ أو قرحة في العين مما يزيد في تعقيد حالة المريض وهي من ضمن المُضاعفات الخطيرة. وقد يتطور العرض للشعور بوجود جسم غريب في العين لا يمكن إزالته. ويؤدي الرمد في الكثير من الأحيان إلى تجمع إفرازات زائدة تكون واضحة بعد الاستيقاظ من النوم مباشرة وتؤدي لالتصاق الجفنين. وقد تظهر هذه الإفرازات بشكل جيلاتيني له ألوان مُختلفة تلتف حول القرنية أو وجود إفرازات مخاطية بيضاء أو صفراء اللون، خصوصاً عند الإصابة بالرمد الميكروبي، وكذلك إفرازات قشرية، وهبوط الأجفان العلوية، وقد يتطور ذلك إلى تهيج العين وإلى الحساسية من الإضاءة المفرطة والشكوى من ضبابية الرؤية، وكذلك تشتت النظر وعدم التركيز نتيجة لحدوث زغللة في العين أو في كلتاهما. وقد تتطوَّر الأعراض ليكون هناك تورم في العقد الليمفاوية التي توجد بجانب الأذن يستمر لفترات طويلة قد تصل لمدة ثلاثة أشهر. وبشكل عام فإن هذه الأعراض تختلف في حدتها وعدد مرات حدوثها مع اختلاف الأشخاص، خصوصاً في حالات التحسس من مادة مُهيجة. وما يجب التأكيد عليه هو أن هذه الأعراض قد تتشابه حتى وإن اختلف المُسبب للرمد، فقد يظهر الرمد التحسسي الربيعي مشابهاً في أعراضه – وبشكل نسبي – مع أعراض التراخوما «رمد ميكروبي» أو أي التهاب ميكروبي آخر. مع التأكيد على أنه لا يجوز افتراض أن هبوب الرياح المُغبرة على المنطقة والتي يتبعها احمرار العين وانتفاخها وحدوث الحكة فيها على أنه رمد تحسسي ربيعي وليس أي نوع آخر من أنواع الرمد. وعليه، يأتي دور الطبيب المُختص في تشخيص الحالة ليتم تحديد علاجها.
أسباب رمد العيون
مما تقدَّم، يمكن إيجاز أسباب رمد العيون – بصورة رئيسة – في الميكروبات سواء كانت بكتيرية أو فيروسية، وكذلك المواد المُهيجة غير الميكروبية، أي المتسببة في الرمد التحسسي. ومن أسباب الرمد، وجود جسم غريب في العين أو تعرض العين لبعض أنواع الكيميائيات، وهي ما قد يصُح تصنيفها هنا تحت عنوان: حوادث تعرض العين لمواد خارجية ضارة، ويظهر هذا التأثر الكيميائي في احمرار العين بشكل ملحوظ. كذلك من الأسباب، وجود تشوه خلقي عند المواليد الجدد له علاقة بانغلاق كامل لإحدى قنوات الأنف والذي قد يؤدي في نهاية المطاف لالتهاب ملتحمة العين مسبباً ما يُسمى برمد العيون أيضاً «ونستطيع تصنيف هذا النوع من الرمد هنا بالرمد الناتج عن تشوه خلقي». وتؤدي التشوهات الخلقية للإصابة بالتهابات ميكروبية مُتكررة عند الطفل الرضيع والتي قد تمتد معه حتى مرحلة متقدمة من العمر. ومن الأسباب، ملامسة العين لمواد أو أدوات تحتوي على بروتينات مُهيجة أو سوائل ملوثة بالميكروبات كاستخدام العدسات اللاصقة، حيث يتم نقع العدسات في محاليل من أجل حفظها، والتي قد تتسبب في حساسية مُفرطة أو قد تتلوث بالميكروبات. ويظهر عرض هذا السبب – بشكل عام – في جفاف الملتحمة. ويجدر التنويه على أن نقص فيتامين «أ» لمدة طويلة قد يتسبب في التهاب الملتحمة المزمن أيضاً.
أهمية تشخيص رمد العيون
يمكن القول إن الرمد – بشكل عام – من الأمراض التي تؤدي إلى الكثير من الانزعاج عند الشخص المُصاب ومن هم حوله، ولكنه في الغالب لا يؤذي البصر. وأهمية تشخيص الرمد تكمن في أنه وخاصة إذا كان سببه ميكروبياً، سريع العدوى، وتتراوح فترة العدوى فيه – بعد ظهور الأعراض – من أسبوع إلى أسبوعين، كما أسلفنا، وفي بعض الحالات، وهي استثنائية، قد يسبب تعقيدات في القرنية، وهي ما تزيد من تأكيد أهمية تشخيص الرمد في وقت مُبكر أيضاً. وتتأكد أهمية التشخيص المبكر بواسطة طبيب العيون لأنه يقوم بتغطية التاريخ المرضي للمصاب بشكل مُفصل لتقصي واحتمال السبب، كالسؤال عن بداية المرض وطبيعة الأعراض، والسؤال عن أي تعرض مُسبق لأي التهاب فيروسي في الجهاز التنفسي وطبيعة عمل المريض، وذلك للتأكد من أن الممارسة اليومية ليس لها علاقة بالإصابة. إضافة إلى أن الطبيب يقوم بأخذ مسحة بكتيرية، ويترتب على هذا الإجراء إعطاء العلاج المبكر، وعليه يتم التحكم في العدوى التي قد يسببها من ناحية، ويتم تفادي أي مُضاعفات خطرة لعين المريض من ناحية أخرى.
طرق علاج رمد العيون
يجب التأكيد على أن علاج العين كعضو حساس يستدعي زيارة طبيب العيون أولاً، وذلك من أجل تشخيص الحالة بشكل دقيق، وبالتالي تحديد نوعية العلاج. لأن معرفة المُسبب الرئيس لرمد العيون وتشخيص نوعه هو مهم في علاجه.وعلى ما تقدم، فإن العلاج، ومن ناحية أولى إذا كان السبب بكتيرياً، سيكون – بشكل عام – عن طريق المُضادات الحيوية الفعَّالة ضد النوع البكتيري المُسبب للرمد، فالمُضادات الحيوية المُعطاة يجب أن تتوافق ونوع البكتيريا المتسببة في الالتهاب. فالالتهاب البكتيري قد ينتج من التعرض لتلوث بيئي للمياه أو الهواء أو من أخذ بعض المواد الملوثة بالبكتيريا، كاستعمال مواد تجميلية ملوثة، كما هو الحال عند استخدام المسكارا مثلاً. ومن ناحية ثانية، فقد يكون المسبب الميكروبي هو فيروسي وليس بكتيري، وبالتالي فإن استخدام المُضادات الحيوية لن يكون فعَّالاً في هذه الحالة. وبالمثل، فإن الرمد التحسسي الناتج عن التعرض لمؤثر معيَّن ليس له علاقة بالميكروبات المجهرية، وسيكون له طريقة علاجية مُختلفة قد تستهدف تثبيط الجهاز المناعي من أجل تقليل كمية الهيستامين المُفرز. ومن هنا، فإن التأكيد على زيارة الطبيب المُختص في علاج أمراض العيون هو مهم من أجل الحصول على العلاج المُناسب، ولا يجوز زيارة الصيدلاني أو أي شخص غير مُتخصص بشكل مُباشر، لأن ذلك سيؤثر على تشخيص الحالة وبالتالي الحصول على العلاج غير المُناسب.
الوقاية من رمد العيون
لكيلا تنتقل عدوى الرمد من وإلى أفراد المجتمع، خصوصاً إذا كان هناك ما يُشير إلى وجود رمد ميكروبي منتشر، فإن النصيحة في هذا الشأن، هي الالتزام بالتالي:
اتباع الإجراءات اللازمة العامة مثل الامتناع عن لمس العين، وعند الحاجة لذلك فإنه يُفضل غسل اليدين قبل وبعد لمسها، وتزيد أهمية هذا الإجراء إذا كان هناك شخص مُصاب في البيت.
عدم مشاركة العائلة في الأدوات الخاصة مثل المناشف وأغطية الأسرة والمخدات وباقي الملابس وضرورة تغييرها بشكل يومي وغسلها وتزيد أهمية هذا الإجراء إذا كان هناك شخص مُصاب في البيت أيضاً».
التأكد من تطهير مقابض الأبواب والأماكن المعرضة للمس المستمر.
يجب لفت الانتباه إلى أن الكثير من مستحضرات التجميل الخاصة بالعين قد تتلوث بسهولة بالكثير من الميكروبات، خصوصاً المسكارا، وفي حال تم استخدامها فإنها لا بد وأن تكون خاصة، مع ضرورة تغييرها خلال أشهر من استخدامها. وينطبق هذا الإجراء على باقي الأدوات الخاصة بعملية التجميل من مناديل وغيرها تفادياً لأي عدوى.
أن المواليد الجدد عرضة للإصابة بالبكتيريا بعد الولادة مباشرة أكثر من غيرهم نظراً لضعف جهازهم المناعي من ناحية ونظراً لملامسة عين الطفل لمنطقة عنق الرحم والتي قد تكون مصابة بأحد أنواع البكتيرية المُسببة لرمد العيون من ناحية أخرى كالكلاميديا والجونوريا، لذا – وتفادياً لأي تعقيدات خطيرة – فإن الإجراء الوقائي من أجل حماية المواليد من رمد العيون يتمثل في مسح أعينهم مباشرة بأحد أنواع المُضادات الحيوية الفعالة مثل الإيرثرومايسين «erythromycin»، والتي تعمل على قتل البكتيرية المُسببة لرمد العيون «خصوصاً الكلاميديا والجونوريا»، وهو الإجراء الذي يتم اتباعه من قبل بعض المستشفيات.
بما أن الرمد الميكروبي مُعد، فإنه يجب إبقاء الطفل بمعزل عن الأطفال الآخرين حتى يتم تحديد السبب ونوع الرمد من قبل الطبيب المُختص. وكثير من المدارس ترسل الأطفال المصابين بالرمد إلى منازلهم. خوفاً من انتشار العدوى.
وبما أن الرمد الربيعي هو ناتج عن التعرض لمؤثرات مُهيجة صادرة من البيئة الخارجية التي يتعرَّض لها المريض، لذا فإن الإجراء المُتبع في هذه الحالة هو الابتعاد عن تيارات الهواء والغبار وإغلاق النوافذ في الصباح، وخصوصاً إذا ما كان المنزل يطل على حدائق ونخيل وحشائش وأتربة مشبعة بمواد زراعية ومواد اللقاح المُتطايرة.
يجب لبس النظارات الشمسية المُتخصصة في منع الإشعاعات الشمسية المؤذية للعين عند بعض الأشخاص، وخصوصاً الأشعة البنفسجية، في حال كانت أشعة الشمس تسبب تهيجاً للأغشية التي تغطي ملتحمة العين.
يُنصح بعدم لبس العدسات عند الشكوى من أي من الأعراض المذكورة سالفاً.